الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: أمريكا والإخوان محاولة لفهم ما جرى ويجرى

نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، الإثنين 20 أكتوبر 2014

نشر
عبد الرحيم علي

كانت إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن قد تبنت - بعد وصول الرجل إلى السلطة بفارق ضعيف على منافسه آل جور- توجه جناح داخل الإدارة الأمريكية يعلى من قيمة الحوار مع جناح آخر من الإسلاميين أطلقوا عليه خطأً "الجناح المعتدل"، وذلك بهدف استخدامهم كحائط صد فى وجه فلول الشباب الغاضب الساعى للانضمام إلى التنظيمات التى تعتمد العنف المسلح.
وانطلاقًا من هذا التوجه، راحت الإدارة الأمريكية تحرك الحوار مع هؤلاء الإسلاميين من مربع السرية الذى ظل يتحرك خلاله طوال السنوات التى تلت تفجيرات سبتمبر 2001، إلى مربع العلانية، لإكسابه الشرعية اللازمة، لإتمام ما يطلق عليه أنصار هذا التوجه "الصفقة الكبرى".
وكان العديد من الرسائل المبطنة والمكشوفة قد انهالت عام 2004 على المنطقة من قبل جميع المسئولين الأمريكيين؛ لتعكس هذا التوجه الاستراتيجى الأمريكى الذى بدا محيرًا للعديد من الأطراف، وبصفة خاصة نُظُم الحكم العربية المعروفة بصداقتها التقليدية للولايات المتحدة، وفى مقدمتها النظامان المصرى والسعودى.
فمن وزيرة الخارجية كونداليزا رايس إلى "المنظِّر" ريتشارد هاس، مدير إدارة التخطيط السياسى بالوزارة نفسها، راح الجميع يؤكدون طوال عام 2004، وعبر سلسلة من التصريحات المتتالية، أن الولايات المتحدة لا تخشى من وصول تيارات إسلامية إلى السلطة لتحل محل ما أطلقوا عليه الأنظمة القمعية العربية التى "تتسبب بتكميمها الأفواه فى اندلاع أعمال الإرهاب"، شريطة أن تصل هذه التيارات الى السلطة عن طريق ديمقراطى، وأن تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم.
وقد اعتمد هذا الجناح فى الإدارة الأمريكية فى صراعه مع باقى أجنحة الإدارة -الداعمة للأنظمة الحاكمة- على استعراض عدد من المتغيرات، رأوها تصب فى صالح اعتماد خيارهم بالبدء فورًا بالحوار مع الإسلاميين المعتدلين وهى:
1- فشل الأنظمة العربية فى كبح جماح الإسلام السياسى فى العقد القادم، على عكس ما حدث فى تسعينيات القرن الماضى "العشرين"، فهذه الأنظمة إن ظلت سلطوية فستعانى من ضغوط الدفع نحو الديمقراطية، وإن صارت ديمقراطيات مبتدئة وضعيفة فستعانى من نقص القدرات اللازمة على التطور والتعايش فى ظل التحديات الجديدة.
2- سيبقى الإسلام السياسى فى الغرب خيارًا متاحًا أمام المهاجرين المسلمين الذين -على الرغم من كونهم منجذبين إلى حياة الرخاء والرفاهية الغربية ولفرص العمل هناك- إلا أنهم ما زالوا يشعرون بالغربة والوحشة وسط الثقافة الغربية التى تناقض ثقافتهم الإسلامية، لذا فإن أكثر التخوفات تنبع من قدرة الإسلام السياسى على حشد الجماعات الإثنية والقومية المحبطة، وتفعيلها لخدمة أهدافه، ومن هنا فلا يمكن بحال استبعاد قيام الإسلاميين السياسيين بخلق سلطة لهم عابرة لجميع الحدود القومية.
3- إن العوامل الرئيسية التى أنتجت وأفرزت الإرهاب الدولى لن تكشف -على امتداد العقد القادم- عن أى علامات أو مؤشرات على انتهائها أو حتى اقترابها من الانتهاء، فشبكات الاتصال والتواصل العالمية الحديثة قد سهلت على الإسلاميين إحياء هويتهم، ونشر أفكارهم الراديكالية ليس فقط فى ربوع الشرق الأوسط، بل امتد ذلك إلى جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وغرب أوروبا.. حيث لم تكن حتى عهد قريب تتمتع الهوية الدينية بقوة واضحة، وقد صاحب هذا الإحياء الإسلامى (لاحظوا معى استخدام الغرب والإدارة الأمريكية لذات المصطلح الذى كانت تستخدمه "الإخوان" فى تلك الفترة للتعبير عن قوة مشروعهم)، تضامنًا واسعًا وتلاحمًا صادقًا من قبل المسلمين الذين وجدوا -وما زالوا يجدون- أنفسهم فى حروب طاحنة، تتسم بالكفاح الوطنى أو السعى نحو تقرير المصير، مثل مسلمى فلسطين والشيشان والعراق وكشمير وجنوب تايلاند، كذلك وجد هذا الإحياء تضامنًا من قبل المسلمين الذين يعيشون تحت وطأة استبداد حكوماتهم، وفسادها، وعدم فعاليتها.
4- تجاوز تنظيم "القاعدة" من قبل جماعات إسلامية مسلحة أخرى بحلول العقد القادم، مع احتمالات قيام حركات إسلامية كبرى -تتقارب فكريًّا وعمليًّا مع "القاعدة"- بالالتحام مع الحركات المحلية المنشقة (وهو ما ظهر بالفعل من خلال داعش وأخواتها، وكأن الأمريكان كانوا يرسمون الطريق آنذاك لتلك التنظيمات)، الأمر الذى يشكل خطرًا جسيمًا على الأمن العالمى.
5- إن "الإسلاميين المعتدلين"، خاصة التنظيمات ذات الشعبية فى المنطقة العربية، هى التى تستطيع القيام بدور حائط الصد الذى يقوم بامتصاص ومنع تدفق العناصر الإسلامية الشابة والساخطة نحو التنظيمات الإرهابية أو الجيل التالى للقاعدة المتوقع ظهوره فى العقد القادم.
6- مطالب هذه التنظيمات محدودة، وهى دائمًا ما تركز على حقها فى المشاركة فى السلطة فى بلدانهم، نظرًا لتمتعها بالثقل الجماهيرى الذى يؤهلها لذلك، ومن هنا فإنه بإمكان الولايات المتحدة عقد صفقة كبيرة معهم تحقق أغراض كل الأطراف دفعة واحدة.

إلى مَن توجه الرسائل؟
ظنى أن رسائل الإدارة الأمريكية، آنذاك، كانت موجهة فى المقام الأول إلى الحكومات العربية لا إلى الإسلاميين، بل ويمكن القول أيضًا، بأنها كانت رسائل مزدوجة موجهة إلى الطرفين فى آن واحد، فالأمريكان لن يخسروا شيئًا إذا ألقوا بحجر فى بحيرة السياسة الراكدة فى المنطقة العربية، خاصة فى دول مثل مصر والسعودية، وراهنوا على حصانين بدلاً من حصان واحد وعمدوا إلى تخويف أحدهما بالآخر، وجعل الاثنين فى حالة من اللهاث المستمر من أجل كسب المصداقية الأمريكية.
استمرت هذه الرسائل، أو قل اللعبة الأمريكية، حتى جاء الربيع العربى، محمولاً على تلك الرؤية الأمريكية الجديدة، فدفعوا بالمنطقة، عبر تلك الاستراتيجية، إلى فوضى عارمة، لم ينقذ مصر منها سوى تكاتف الشعب وقواه الوطنية الحية، مع المؤسسة العسكرية، العمود الفقرى للدولة المصرية، طوال تاريخها، ليُكتب للمنطقة عمر جديد بتدخل إلهى لا تخطئه العين، ولتمنى الرؤية الأمريكية بسكتة دماغية قضت عليها، ولكن إلى حين، ولكن السؤال: هل بدأت علاقات التيار الإسلامى وفى القلب منه جماعة الإخوان بواشنطن بعد تفجيرات سبتمبر 2001 الشهيرة، أم أن تاريخ العلاقة بين الطرفين يحتاج الى نظرة متفحصة تضع أمامنا مستخلصات واضحة لفهم هذه الظاهرة ورسم الاستراتيجيات الوطنية اللازمة للتعامل معها؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه عبر حلقات تلك الدراسة.