من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي.. أمريكا والطابور الخامس وخطاب المؤامرة
نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠١٤
على هامش افتتاحية الـ"نيويورك تايمز"
تحدثت فى هذا المكان منذ أكثر من شهر تقريبًا، فى مقال بعنوان "المؤامرة الكبرى" عن طبيعة المعركة مع الأمريكان وحلفائهم، وأشرت إلى خطتهم لإسقاط مصر التى دشنوها مع الاتحاد الأوروبى فى أغسطس 2013، وقلت إن هذه الخطة لن تتوقف إلا بعد نجاح واشنطن، فى تقسيم مصر إلى دويلات وتفتيت جيشها لصالح إسرائيل الكبرى، وشرحت كيف أن هذه الخطة تعمل فى الداخل من خلال جناحين الأول: هم الإخوان وحلفاؤهم من الجماعات الإرهابية، والثانى: مجموعة من السياسيين كان فى مقدمتهم البرادعى وأصدقاؤه، هؤلاء الذين ما زالوا يؤمنون بأن واشنطن هى الآمر الناهى فى العالم الآن، وأنها دائما ما تنجح فى تحقيق ما تريد، وأن أحدًا لن يستطيع أن يقف فى وجه مخططاتها.
قلت: "إن المعركة مع ذلك التحالف الأمريكى، تدار، على ثلاثة محاور رئيسية: الأول دحر الإرهاب متمثلا فى جماعة الإخوان وحلفائها، من خلال القضاء على جميع بؤره فى سيناء وغيرها من الأماكن التى ينشط فيها، والثانى تحقيق الوحدة بين الشعب والجيش للتصدى بحزم لجميع المخططات الشيطانية للجناح الثانى، وأخيرا إفشال خطة الفوضى الأمريكية، أو محاولات رجال أمريكا إعادة عقارب الساعة فى مصر للمربع رقم واحد، عبر السعى نحو شراء الأحزاب والأفراد وتمويلهم فى الانتخابات البرلمانية القادمة، فى محاولة لخلق قوى موازية فى البرلمان تنازع مركز السلطة فى مؤسسة الرئاسة القرار، لتفشل مشروعه، وتعيدنا إلى نقطة البداية.
اعتبر البعض كلامى هذا رسائل مشفرة موجهة الى أناس بعينهم، فى إطار معارك وهمية تتحدث عن أمريكا وحلفائها انطلاقًا من مفهوم "المؤامرة" التى لا توجد سوى فى رءوسنا، وكتب أحدهم مقالًا فى "المصرى اليوم": "الأحد قبل الماضى 05-10 بعنوان: فى انتظار سايكس بيكو 2014"، حاول فيه أن يقنعنا بأن ما يحدث بعيد عن روح المؤامرة التى تسكننا منذ عصور سحيقة، مشددا على أنه "فى أجواء أقرب لدراما المؤامرة ــ الأكثر رواجًا فى دنيا السياسة والروايةــ نستطيع أن نتخيل منذ قرابة مائة عام مضت.. وتحديداً ما بين نوفمبر 1915 ومايو 1916.. يجلس سير مارك «سايكس» والسيد فرنسوا «بيكو»ـ- وهما دبلوماسيان أوروبيان- فى غرفة ذات إضاءة خافتة تشى بالمؤامرة ليعمل السيدان «سايكس وبيكو» أقلامهما فى خريطة المنطقة العربية، من أجل أن ترث الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والروسية ــ جميعًا ــ الإمبراطورية العثمانية «رجل أوروبا المريض» الذى بات موته مؤكداً فى الحرب العالمية الأولى.. وليصبح العالم العربى مقسمًا بين الانتداب والاحتلال وفقًا لمؤتمر سان ريمو عام 1920.
ثم يضيف بلغة حاسمة قاطعة: "كانت تلك من دراما الماضى.. فماذا عن دراما الحاضر؟!
ويواصل: "حاضرنا يقول إننا الآن ــ نحن والعالم ــ فى لحظة فارقة من التاريخ.. ليست ــ كما تبدو ــ لحظة تغيير جذرى للخرائط الجيوسياسية فى المنطقة العربية فقط.. ولكنها لحظة يعاد فيها طرح فلسفة مؤسسات العصور التى سبقت للنقد والنقض.. بما فيها فلسفة الدولة ذاتها..!"
وبينما رحنا نبحث عن إجابة للسؤال الأساسى: لماذا النظر فى فلسفة الدولة فى عالمنا العربى فقط، دون العالم المتقدم، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، عاجلنا صاحبنا بعلامات استفهام جديدة، حين راح يؤكد أن: "هيكل عالمنا المقبل لا يستطيع أحد القطع به ــ حتى الآن ــ لأنه يتشكل من واقع أقرب إلى الواقع الكونى الملىء بالانفجارات غير المستقرة.. التى تنتهى إلى تشكيل نهائى للأجرام بواقع قوى الجاذبية الكونية والتى بدونها لم يكن ليتشكل كون ولا أجرام..!".
"واقع موارد الاقتصاد فيه «المعرفة».. والحرب فيه ميادينها «العقول» قبل الجغرافيا.. فما بين صدامات سياسية فى العالم العربى وفى أوكرانيا وفى أفغانستان وما حولها.. وبين نشوء وأفول وانهيارات اقتصادية.. ستكون قوى الجاذبية الجيوسياسية التى سيتشكل على أثرها النظام العالمى الجديد عبارة عن عدة أطروحات لدول وأقاليم بعينها..!"
صاحبنا هنا لا يقر بوجود اتفاقات إذن بين أقطاب يشكلون عالم اليوم القوى عبر تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ولا مخططات تشرف عليها أجهزة استخبارات دولية، مشهود لها طوال سنوات عديدة، برسم خيوط المؤامرة تلو الأخرى فى جميع أنحاء العالم، وإنما محض تحرك عنيف لقوى الجاذبية الجيوسياسية سيتشكل على أثره عوالم لدول وأقاليم جديدة!!.
هذا ما يريدنا أبناء أمريكا، أو الطابور الخامس فى مصر، أن نعتقده ونؤمن به، ثم نتوكل عليهم كعقول تعرف وتعى ما يدار وما يدور حولهم، باعتباره معركة لتغيير واقع، موارد الاقتصاد فيه هى «المعرفة».. والحرب فيه ميادينها «العقول» قبل الجغرافيا.
الغريب أنه وعلى نفس المنوال نسج آخر من أبناء هذه المدرسة، فى مقال نشره فى جريدة "الشروق"
يوم الثلاثاء 2 سبتمبر تحت عنوان "لماذا لا تجرون الخط على استقامته؟"، خاطب فيه كاتبه مجهولين لم يحددهم، فلا هو حدد رجال الحكم ولا هو حدد نخبة بعينها، قائلا: "استدعيتم المؤسسة العسكرية إلى السياسة، وصنعتم من المطلب الديمقراطى الذى حمله الناس فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ «الانتخابات الرئاسية المبكرة» انقلابا كاملا على الإجراءات الديمقراطية فى ٣ يوليو ٢٠١٣".
"تصدرتم المجال العام وانتهاكات الحقوق والحريات تتراكم والعصف بحكم القانون يتصاعد واستخدام القوة المفرطة فى فض الاعتصامات والتظاهرات يخلف قتلى وجرحى تنكرهم التقارير الرسمية، فصمتّم وتجاهلتم،
"تركتم «طيور ظلام المرحلة» تغيب المعلومة والحقيقة وتغتال العقل، وتروج لفاشية التخوين والتشويه والإقصاء بسبب المبدأ والرأى والموقف والانتماء الفكرى/ السياسى، وتخلط بين المتورطين فى الإرهاب والعنف وبين المعارضين السلميين لحكم/ سلطة ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ دفاعا عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وتبرر باسم «مدنية وتحضر» - هما من طيور الظلام براء - لنزع الإنسانية عن عموم المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين ولعقابهم جماعيًا بأدوات القمع المختلفة".
"تابعتم هيمنة المكون العسكرى- الأمنى على شئون الحكم/ السلطة، وتراجع استقلالية وأدوار مؤسسات الدولة غير العسكرية وغير الأمنية، وانهيار أهمية النخب الحزبية والسياسية التى تحولت إلى مجموعات مستتبعة إن من قبل الحكم أو من قبل المصالح الاقتصادية والمالية المتحالفة معه، وتجديد دماء صناعات الاستبداد التقليدية بالترويج لحكم الفرد كبطل منقذ/ مخلص وبنشر الخوف بين الناس من «أعداء» الداخل والخارج وطوابير من ألصقت بهم إفكا وزيفا نوايا وصفات المتآمرين".
الغريب أن تأتى افتتاحية الـ"نيويورك تايمز" يوم الرابع من أكتوبر ونحن على أعتاب الاحتفال بانتصارات أكتوبر العظيم، لتؤكد بنفس الروح وربما لا أغالى إذا قلت بنفس المفردات تقريبا، ما ذهب إليه الكاتبان، فقد عنونت الافتتاحية بعنوان: "آن الأوان ليدرك العسكر المصرى حقيقته"، شرح فيها كاتبوها كيف أنه "ومنذ سيطر عبد الفتاح السيسى على مصر عبر انقلاب فى يوليو 2013 عادت البلاد لماضيها التسلطى، بما فى ذلك اعتقال الخصوم السياسيين وإخراس الناقدين وتشويه الإسلاميين السلميين".
هكذا تحول الإرهابيون الذين قتلوا وسحلوا الضباط فى كرداسة والمنيا والفيوم وبنى سويف وسيناء والدقهلية والشرقية والإسماعيلية والفرافرة، عند صاحبنا وكتاب افتتاحية الـ"نيويورك تايمز" إلى إسلاميين سلميين!!
ويواصل كاتبو الافتتاحية طرح وجهة نظرهم قائلين: "مصر اليوم أكثر قمعية فى نواحٍ كثيرة مما كانت فى أحلك فترات حكم المتسلط المخلوع حسنى مبارك، فقد قمعت حكومة السيسى المظاهرات وشددت القيود على وسائل الإعلام الحكومية واضطهدت الصحفيين".
الغريب أن كاتبى الافتتاحية لم يشيروا إلى ماهية الصحفيين الذين تم قمعهم فى عصر السيسى، إلا إذا كان اعتبار عملية القبض على صحفى أجنبى كان يقوم بعمليات تجسس لصالح بلد أجنبى وتقديمه إلى المحاكمة هو من قبيل العصف بحرية التعبير، ولم تقف الافتتاحية الملعونة عند هذا الحد وإنما امتدت للحديث عن الإرهاب فى سيناء، والمدهش أنهم يتحدثون عما يحدث من حرب ضروس ضد إرهاب أعمى، باعتبارها حربا يشنها الجيش المصرى ضد مناطق آهلة بالسكان، وقصفا لمناطق مدنية.
هل رأينا زيغ فى وجهات النظر وتنطع فى الرؤى، ولغة منحطة تفوق تلك اللغة، لقد قتل الأمريكان مليون طفل عراقى لقوا حتفهم تحت الأنقاض التى كانت تخلفها القنابل العنقودية الأمريكية، تلك التى كانت تلقى بدون أى إحداثيات، على مدن العراق المختلفة، ومثل ذلك فعلوا فى أفغانستان ضد الأطفال والنساء والمدنيين، وفى غزة، حدث ولا حرج، فقد استخدم الإسرائيليون السلاح الأمريكى فى قصف الأطفال والنساء على مرأى ومسمع من العالم كله، وليس رجال أمريكا وكتابها فقط، ولم نسمع واحدا من هؤلاء يرفع عقيرته بكلمة نقد موضوعية واحدة ضد ما تفعله الإدارة الأمريكية ولا حليفتها إسرائيل، من مذابح.
ولم تكتف الـ"نيويورك تايمز" الأمريكية بهذا وإنما راحت تتندر على خطاب الرئيس السيسى فى الأمم المتحدة قائلة: "يبدو أن السيد السيسى الذى جاء للحكم بانتخابات مزورة يظن أن باقى العالم لا يدرى عن ذلك شيئا". ففى خطابه أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضى زعم، بشكل مثير للدهشة، أنه يبنى مصر جديدة "تحترم الحقوق والحريات" و"تضمن التعايش بين كل مواطنيها دون تمييز أو اضطهاد".
هكذا وصل الخطاب الأمريكى المحرض ضد مصر ورئيسها المنتخب بأغلبية ساحقة، تعلم أمريكا قبل غيرها، ولديها مصادرها المتنوعة للمعلومات، أنها كانت أنزه انتخابات شهدتها مصر، ليست كتلك التى ساعدت واشنطن فى تزويرها ليفوز رجلها مرسى من قبل فى يوليو 2012، عندما أصرت مندوبتهم فى مصر على اعتماد النتيجة التى أعلنها الإخوان بليل، ولم يكن قد مضى على غلق صناديق الاقتراع سوى سويعات قليلة، وقبل انتهاء عمليات الفرز فى اللجان الفرعية، ناهيك عن اللجان العامة.
ففى لقائها مع الفريق أحمد شفيق بعد انتهاء المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية بيومين، قالت السفيرة الأمريكية للرجل "متى ستعلنون نتيجة الانتخابات أيها الجنرال؟".. ورد الرجل بأدب، عندما ينتهى الجدول الذى وضعته اللجنة العامة لهذا الغرض مسبقا، من فرز وتجميع للأصوات ثم تقديم للطعون وفحص لها.. ألخ. فردت المندوبة السامية للإدارة الأمريكية قائلة "إذن أنتم تريدون تزوير الانتخابات"، وعندما شاهدت علامات الدهشة على وجه الفريق شفيق، أردفت قائلة "ألم تنته الانتخابات وتعلن النتائج فى مؤتمر صحفى أقامه الإخوان منذ ساعات!"، لم يرد الفريق شفيق ولكنه فهم المغزى من كلامها، وهو أن الإدارة الأمريكية اعتمدت مؤتمر الجماعة الإرهابية واعتبرت مرسى هو الفائز، والآن يحدثوننا عن التزوير، سامحهم الله،
لكننا والله لن نسامحهم، لا هم ولا أعوانهم فى الداخل والخارج، سنظل موحدين ضد المؤامرة الأمريكية لن يهدأ لنا بال إلا عند اندحارها كاملة على أيدينا وأيدى المؤمنين بوجودها، شاء من شاء وأبى من أبى، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله!.