من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي.. داعش والإخوان وأمريكا.. الكيل بـ "مكيالين"
نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، الخميس ١٨ سبتمبر ٢٠١٤
انتفض الأمريكان مؤخرًا فى وجه تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وبلاد الشام، المعروف اختصارًا باسم "داعش"، وبدأت الخارجية الأمريكية نشاطًا محمومًا داخل المنطقة، فى محاولة لتشكيل تحالف عربى أمريكى واسع فى مواجهة تلك الظاهرة المقلقة.. وإن كنت من الذين يظنون أنها انتفاضة موقوتة، وليست دائمة، تتعلق بتحقيق أهداف أمريكية واضحة ومحددة، تتمثل فى تحجيم طموحات داعش لتظل ضمن خطة واشنطن الرامية الى تخويف قادة وشعوب المنطقة من داعش ومشروعها، والدخول فى تفاهمات تقضى فى النهاية بالقبول بالتصالح مع التنظيم المعتدل، وفق الرؤية الأمريكية، المسمى بالإخوان المسلمين، الذين يعيثون فسادًا وتقتيلاً فى مصر وليبيا وسوريا، ليكون بديلاً لتوحش داعش وخطتها للانقضاض على الوطن العربى من المحيط الى الخليج.
والسؤال الذى يطرح نفسه، هل هناك فرق كبير بين داعش والجماعة الإرهابية المسماة زورًا وبهتانًا بالإخوان المسلمين؟!
والإجابة التى نبدأ بها شرح رؤيتنا، تدور حول "الهدف النهائى" الذى يسعى لتحقيقه الفريقان، ومدى تطابق أساليب الوصول إلى هذا الهدف بينهما.
فإذا كان هدف داعش كتنظيم إرهابى يعتبر امتدادًا طبيعيًا ونبتًا حقيقيًا للقاعدة، يتطابق مع هدف الإخوان المتمثل فى تحقيق حلم الدولة الدينية الإسلامية الممهدة للخلافة.. فلماذا نسعى للتصالح مع الأخيرة؟ ونواجه بصلابة وعنف الأولى؟!
فى محاولتنا لتوضيح رؤيتنا تلك، سوف نسترشد بثلاثة محددات رئيسية، تتمثل فى المرجعية الفكرية، والمرجعية الحركية والتنظيمية، والموقف من العنف.. وبالطبع لن نطيل فى التطرق لحديث تاريخى مفصل حول نشأة وتطور وواقع التنظيمين، ولكننا سندخل فى الموضوع مباشرة.
أولاً: الإطار الفكرى:
مثَّل هاجس الوصول الى السلطة لتحقيق حلم الدولة الإسلامية، كجسر يعبر من خلاله التيار الإسلامى، للهدف الأسمى والأعظم "الخلافة الضائعة"، السمة المميزة والعلامة التجارية ـ إذا جاز التعبيرـ للتنظيمين، فلم تخرج جماعة الإخوان، التى مثلت، فى وقت من الأوقات، كبرى الحركات الإسلامية وأقدمها، منذ النشأة فى عام1928، عن هذا الإطار، يكفى أن نشير الى أن كل الكتابات التاريخية والتحليلات السياسية، التى تعرضت لنشأة الجماعة أجمعت على اعتبار أنها رد فعل طبيعى على سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، من هنا، وهى بالطبع على سلم أولويات داعش، لذا فإن فكرة عودة الخلافة لدى كل من جماعة الإخوان وداعش، هى الهاجس المسيطر والموجه للحركة والفعل، فى كلا التنظيمين، طوال الوقت.
الحركتان لا تطيقان الحديث عن الديمقراطية أو التعددية.. فالفكرتان لديهما رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه! وإن كان لا بد من الحديث عنهما فى وقت ما، فإنما لتسفيههما والنيل من سمعتهما كابنتين للحضارة الغربية المشوهة والمادية، وإن أجاز جيل السبعينيات، فى الإخوان تحديدًا، استخدام الإجراءات الديمقراطية ممثلة فى صندوق الانتخابات، كجسر للوصول إلى السلطة، ولمرة واحدة فقط غير قابلة للتكرار.
وتتجلى هذه الرؤية بوضوح فى موقف جماعة الإخوان المسلمين من النظام الديمقراطى، كما جسدتها كتابات مؤسس الجماعة، حسن البنا، وبخاصة كتاب الرسائل الشهير، الذى يكشف عن عداء أصيل وعميق لفكرة الديمقراطية، فى مقابل انتصار واضح، لأفكار الشمولية والاستبداد وحكم الفرد.
الخلافة الإسلامية هى النظام المنشود الذى يراود البنا على طول الخط، وهو القائل فى وضوح: الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وهى شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها والاهتمام بشأنها، ويعود البنا ليؤكد فى محاولة للانتقال من "النظرى" إلى "العملى": والإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها فى رأس مناهجهم.
كهف الشيطان.. داعش والإخوان على طريق وهم الدولة الإسلامية الكبرى
والسؤال الذى يطرح نفسه أو يطرحه البعض: هل استخدام القوة لتحقيق هدف الإخوان فى تأسيس دولة إسلامية كبرى مطروح؟
ويجيب مؤسس الجماعة بوضوح فى رسالة المؤتمر الخامس 1938 بالقول: الإخوان المسلمون لا بد أن يكونوا أقوياء ولا بد أن يعملوا فى قوة لتحقيق أهدافهم.
وهو ذات المعنى الذى أكده مصطفى مشهور المرشد العام الخامس للجماعة بعد وفاة البنا بأكثر من أربعة عقود وبالتحديد فى شهر سبتمبر 1991، عندما تقدم "أبوهانى" وهى كنية "مشهور" باقتراح لمكتب إرشاد التنظيم الدولى يخص وسائل التغيير جاء فى بنده الثالث: نستطيع أن نلحظ أن الإمام البنا قد اختار وسيلة بعينها فى الأجواء الليبرالية التى كانت تحيط به وهى النضال الدستورى ولكنه لم يغلق باب الخيارات الأخرى التى قد تحتاجها الحركة للتغيير النهائى. ويضيف: إن الإمام البنا قد قام بما يلى:
1ـ دراسة الواقع المحيط وتحديد المشكلة المطلوب علاجها.
2ـ تحديد الأهداف الإستراتيجية للحركة.
3ـ تحديد وسائل التغيير فى التالى:
أـ المباشرة: النضال الدستورى.. الانقلاب العسكرى.. الثورة.
بـ غير المباشرة: العمل الجماهيرى ونشر الفكرة.
4ـ بناء أجهزة الحركة المناسبة للتغيير: التنظيم الخاص.. التنظيم العسكرى.. الشعب.. الجهاز التربوى.. الجهاز الإعلامى والمؤسسات الاقتصادية.
الخلافة التى يريدها البنا لا تتسع بطبيعة الحال لفكرة الديمقراطية أو الحق فى الاختلاف، ذلك أن الخليفة هو الحاكم الذى يجسد تعاليم الإسلام ويعبر عن مبادئه، فكيف يمكن الاختلاف معه دون التورط فى خلاف مع الدين! الإخوان بدورهم لا يقرون الاختلاف معهم، فبرنامجهم هو الإسلام، ومعارضتهم بالتبعية ليست إلا معارضة للدين.. وقد رأينا بعد ثورة الشعب عليهم فى "30 يونيو" كيف تعاملوا مع فكرة رفضهم باعتبارها رفضًا للدين ورفضًا لتحكيم شرع الله.
النظرية السياسية للإخوان:
ونتجاوز البنا إلى مفتى الجماعة الشيخ محمد عبدالله الخطيب، لنتعرف على النظرية السياسية للإخوان وموقع الديمقراطية منها.
فى العدد رقم53 من مجلة "الدعوة" ـ لسان حال الجماعةـ يقدم الشيخ الخطيب تصورًا عن مفهوم الإخوان لصفات وسمات الحكومة الإسلامية، عبر بنود عشرة، وفى البنود التى يقدمها الرجل، ما يتيح التأمل فى الخطوط العريضة لنظرية الإخوان فى مجال السياسة.. فالإجابة المنشورة بمثابة البرنامج الذى تطرحه الجماعة وتعد بتنفيذه حال وصولها إلى السلطة.
يسأل "م. س. ح": ما هى أهم خصائص وصفات الحكومة الإسلامية؟. وتأتى الإجابة على النحو التالى:
1ـ الحكومة الإسلامية هى التى تجعل مهمتها الأولى تطبيق شريعة الله بجميع نواحيها.. والهدف تعبد الناس لربهم وطاعتهم له، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.
2ـ جميع أعضائها من المسلمين المشهود لهم بالاستقامة والخلق وسلامة العقيدة.
3ـ يلتزم هؤلاء الأعضاء بالإسلام قولاً وعملاً وخلقًا وسلوكًا ومنهجًا ونظامًا، ويؤدون جميع الفرائض الإسلامية ولا يجاهرون بالمعاصى ويوالون المؤمنين أحباب الله.. ويعادون أعداءه.
4ـ تتعهد بتحرير وتطهير جميع أجزاء الوطن الإسلامى من كل دخيل ومستعمر.
5ـ تجاهد ألوان الاستعمار بشتى أشكاله: "الاقتصادى.. السياسى.. الثقافى والعسكرى"، "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".
6ـ تبلغ وتنشر دعوة الإسلام فى العالم "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته".
7ـ تقوم على حماية الأقليات الإسلامية فى العالم، بل ترعاها وتعمل على جمع كلمتها على الحق.
8ـ ترعى الأقليات غير المسلمة فى داخل الأمة الإسلامية وتوفر لها الأمان والحرية "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" ومبدأ سيدنا عمر الذى واجه به عمرو بن العاص "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا" مبدأ أصيل فى الإسلام.
9ـ تحمى ثغور المسلمين بالمرابطين عليها، وتؤمن الفقير واليتيم وتكفل الأرملة والمحتاج وتحض الناس على البر والتقوى.
10ـ تأمر بالمعروف وتشجع أهل الخير، وتنهى عن المنكر وتعالج أهل البدع والمنكرات، وتحاول إنقاذهم من ذل الدنيا وعذاب الآخرة. ونواصل:
بعد ذلك، نرى من يقول، إن الإخوان لا يفكرون فى إقامة حكومة دينية أو بأنهم يؤيدون إقامة الدولة المدنية التى لا تعادى الدين وتنزله ما يستحق من الاحترام.
والسؤال هنا: هل يختلف ما يطرحه تنظيم داعش فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية عن المنهج الذى يحتذيه الإخوان؟!
هل يؤمن الإخوان بحرية العقيدة..؟
ثلاثة أسئلة عن الرأى الإسلامى فى مجموعة من القضايا التى تتعلق بغير المسلمين حملها "العدد رقم 56 من مجلة الدعوة" لسان حال الجماعة أجاب عنها جميعًا الشيخ محمد عبدالله الخطيب مفتى الجماعة فى القضايا الشرعية والسياسية.. أول هذه الأسئلة كان عن حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام؟ ويجيب مفتى الإخوان: إن حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:
الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها.. كالمعادى والعاشر من رمضان وحلوان.. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة، والثانى: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضًا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها، وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والثالث ما فُتح صلحًا بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيعة على ما هى عليه فى وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها.
المفهوم من الفتوى فى غير لبس، أن البلاد التى أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين والمغالطة الأولى أن الأحياء المصرية المشار إليها قد بناها المصريون جميعًا مسلمون ومسيحيون، وأن حقوق المواطنة التى يقرها الدستور المصرى لا تحول دون إقامة المواطن المصرى فى أى مكان يتناسب مع مكانته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية وطبيعة عمله.. وبالتبعية فإن من الحقوق الراسخة للمصريين المسيحيين القاطنين فى المعادى والعاشر من رمضان وحلوان أن يمارسوا شعائرهم الدينية فى حرية تامة لكن هذا الحق البدهى يبدو مستحيلاً فى ظل التحريم القاطع الصارم الذى يقدمه الشيخ فكأنه يطالب ـ موضوعيًا ـ بجيتو مسيحى مغلق فى مكان محدد محدود لا يجوز الخروج منه أو التطلع إلى غيره.
كيف وأين يتعبد المسيحيون إذن؟!
تزداد صعوبة الإجابة بالانتقال إلى القسم الثانى من الفتوى، حيث يجزم الشيخ بأنه لا تجوز إقامة دور العبادة غير الإسلامية فى البلاد التى فتحها المسلمون بل إنه لا يجوز الاحتفاظ بما كان قائمًا قبل الفتح!
سؤال بسيط لا بد من طرحه هنا ونريد بالطبع إجابة مقنعة عنه من جماعة الإخوان والقوى والشخصيات التى تحالفت معهم: أين وكيف يتعبد المصرى المسيحى المقيم فى مدينة الإسكندرية مثلاً؟! وهى مدينة وفقًا لفتوى الجماعة لا يحق للمسيحيين فيها بناء الكنائس بل لا بد من هدم القائم منها فإلى أين يذهبون؟! النتيجة المنطقية هى أن يغادروا الإسكندرية كلها وأن يكون ملاذهم فى الأماكن التى يسمح الإخوان ببناء الكنائس فيها.
هل نجد مثل هذه الكنائس فى القسم الثالث من الفتوى، حيث الأماكن التى فُتِحت صلحًا بين المسلمين وبين سكانها؟!
التنازل الوحيد الذى يقدمه الإخوان هو الإبقاء على ما كان موجودًا من دور العبادة غير الإسلامية لكنهم يجعلون من هذا التنازل سرابًا يمنع بناء ما تهدم ولا بد أن الزمن كفيل بالقضاء على ما كان موجودًا عند الفتح.. فأى بناء يقاوم القرون الطوال ولا ينهار؟!
المحصلة النهائية المستخلصة من الفتوى الإخوانية هى حتمية غياب الكنائس فى ديار الإسلام، ويترتب على ذلك منطقيًا أن لا مكان لغير المسلمين فى مصر! وكأنما يخشى فضيلة الشيخ المفتى من أن تغيب رسالته، فهو ينهى فتواه مؤكدًا وضوح أنه لا يجوز إحداث كنيسة فى دار الإسلام.
أليست الترجمة العملية لكلامه أنه لا معنى لوجود غير المسلمين فى الديار الإسلامية، وهل فعلت داعش غير ذلك؟ حيث قامت بترحيل المسيحيين خارج ديار الإسلام، ولو بقى الإخوان يسيطرون على الحكم فى مصر لعشرية من السنوات لكنا قد وصلنا الى ما قامت به داعش فالخلاف بين التنظيمين يقوم على حساب الوقت وليس على الاعتقاد بالفكرة.
ثانيًا: الإطار التنظيمى:
الشكل الهرمى المحكم، ذو الأبعاد الغامضة، هو ما سعى إليه التنظيميون عند تشكيلهم للتنظيم، فلا يمكن لدى الإخوان، وهم يشيعون أنهم تنظيم علنى، أن تعرف عدد العضوية أو أماكن التمركز أو بعض المسئولين الكبار، كمسئول المالية أو التنظيم الخاص، وكما تتسم داعش بوجود متحدثين إعلاميين، مختبئين بحكم الظروف، فقد كان للإخوان ناطقون رسميون، كما لهم أيضًا جناحهم السرى وهياكلهم التمويلية التى لا يعرف عنها أحد شيئًا حتى الآن، رغم حكمهم للبلاد لمدة عام كامل.
السمع والطاعة:
السمع والطاعة هو المبدأ السائد فى كلا التنظيمين إذ لا يمكن، ولا يسمح، بالخروج عن وجهة نظر الأمير أو المرشد أو القائد تحت أى ظرف وبأى شكل من الأشكال، والثمن فى كل الأحوال هو الطرد من جنة الجماعة والتشهير بالكادر، بدءًا من اتهامه بالعمالة لقوى الأمن، ومرورًا بأصغر التهم وهى الفتنة فى الدين، وليس ما حدث مع المهندس أبوالعلا ماضى، والمحاميين مختار نوح وعصام سلطان والدكتور عبدالستار المليجى وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم ببعيد.
يقول فتحى يكن مؤسس فرع الإخوان فى لبنان، فى كتابه "التربية الوقائية فى الإسلام" والذى يعتبر دستور جهاز التربية داخل الجماعة، حول البيعة وحكمها الشرعى، وكذا الطاعة وحكمها الشرعى: "البيعة هى العهد على الطاعة.. كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر فى نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه فى شىء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره".. ولعل مفهوم الطاعة العمياء للأمير فى داعش واضح لا يحتاج الى تدليل.
ثالثًا: الموقف من العنف:
من أكثر القضايا والمواقف التى أثارت ـ ومازالت ـ لغطًا وتأويلاً ومجاهرة وإنكارًا بالنسبة لمسيرة الإخوان حتى 30 يونيو 2013، عندما تجلى عنف الجماعة وإرهابها للقاصى والدانى، كان الموقف من قضايا العنف والإرهاب، ومثلت هذه القضية، تاريخيًا، مرتكزًا أساسيًا لأغلب المؤرخين والدارسين لتاريخ الجماعة، بل عكست تباينًا واضحًا فى التعامل معها، حتى داخل صفوف الإخوان، بين من ينفى بشدة وحزم أى صلة للجماعة بالإرهاب والعنف، وبين من يبرر له ويصوغه، لضرورات تاريخية.
يقول محمود الصباغ: "الإرهابيون نوعان: إرهابيون لأعداء الله، وهؤلاء هم أرق الناس قلوبًا وأرهفهم حسًا، وإرهابيون لأحباب الله وهؤلاء هم أغلظ الناس قلوبًا وأكثرهم قسوة ووحشية".
ومثل هذا التعبير، كان المنطق الذى استندت إليه الجماعة فى الدفاع عن إرهابها وعن جهازها الإرهابى، يقولون أحيانًا إنه أنشئ ضد الإنجليز والصهاينة، وفى أحيان أخرى يوسعون الدائرة فيقولون إنه استهدف أعداء الله، وتبقى المشكلة فى تعريف من هم أعداء الله، فالإخوان يقررون أن أعداء الله هم تحديدًا أعداء الجماعة، وهو ما ظهر جليًا عقب فض اعتصام رابعة، إيذانًا بانتهاء الاحتلال الإخوانى لمصر فى الرابع من أغسطس 2013.
سيد قطب.. المشترك الأعظم:
لقد كانت الأفكار التكفيرية، التى مثلت نهاية المطاف فى رحلة حياة سيد قطب، نقطة الوصل بين التنظيمين، فقد كان الجهاد هو المبدأ الذى اعتنقه القطبيون من قادة الجماعة، مثل محمد بديع مرشدها الأخير ومحمود عزت النائب الأول له، ورفيقَىّ سيد قطب فى القضية الشهيرة التى أعدم على أثرها قطب، وهو الشعار الذى تشبثت به كل الجماعات التى تشكلت بعد إعدام سيد قطب، بما فيها تنظيم داعش.
يقول أبومصعب الزرقاوى (المؤسس الحقيقى للدولة الإسلامية فى العراق)، والتى جاءت داعش كامتداد طبيعى لها ولأفكار مؤسسها، والذى قتلته القوات الأمريكية فى يونيو عام 2006، فى كتابه وصايا المجاهدين ما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله تعليقًا على قوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) فهذه هى القاعدة فى حس الذين يقولون إنهم ملاقو الله، فالقاعدة أن تكون الفئة المؤمنة قليلة، لأنها هى التى ترقى الدرج الشاق حتى تنتهى الى حزب الاصطفاء والاختيار، ولكنها تكون الغالبة لأنها تتصل بمصدر القوة ولأنها تمثل القوة الغالبة، قوة الله الغالب على أمره، القاهر فوق عباده، محطم الجبارين، ومخزى الظالمين، وقاهر المتكبرين!.
الى هذا الحد كان تأثير سيد قطب وما زال على قادة داعش وأمرائها، كما كان المعلم والمثل لجيل القيادة الإخوانى الذى هوى بالجماعة الى أسفل سافلين، وهم جيل بديع وعزت وتلميذهم الشاطر.
وأخيرًا نجد من يفرق بين داعش والجماعة الإرهابية المسماة بالإخوان، فيطالب بمواجهة الأولى وتشكيل الأحلاف من أجل إعلان الحرب عليها، والسعى لمصالحة الثانية وتمهيد الأرض لتلك المصالحة.