الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الهدف.. جثة حسني مبارك أم جثة مصر؟

نشر
عبد الرحيم علي

 هناك مؤامرة تم التخطيط لها خلال عشرية من السنوات كان المقصود بها تركيع مصر وشلها وتفتيت جيشها لصالح مشروع وحلم إسرائيل الكبرى.

الكلام عن تنحى مبارك مرغما كلام ينقصه الدقة فدلائل التاريخ لا تقوم على العواطف بقدر ما تقوم على تقصي الحقائق ممن عاشوا تلك الأحداث.

 كتب الزميل الدكتور محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي للبوابة مقالا اعتبره البعض فاجعا وموجعا ومؤلما "متى ندفن جثة حسنى مبارك؟" واعتبرته فاتحة لسجال ربما يطول بيني وبينه ليس فقط على صفحات "البوابة"، وإنما أتمنى أن يمتد ليشمل مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والجرائد الخاصة والعامة ومواقع الإنترنت، فالقضية مصرية بامتياز، وتفتح على تشكيل وعي جديد لجيل جديد بحجم ما كان يراد له ومنه وفقا لما تيسر وتم معرفته من خطط أمريكية في هذا الإطار.

بداية.. أعتقد أن الدكتور محمد كان يقصد عصر حسني مبارك وليس مبارك الشخص عندما تحدث عن عملية الدفن، ذلك العصر الذي تفشت فيه كما قال هو "مظاهر الفساد والتعذيب وخنق المواهب.. إلى آخره"، لأنه أصبح عبئًا على المستقبل كما هو عبء على حاضر بلد يحاول أن ينهض مكبلا بأزمات عديدة ومعقدة.

وفي البداية أود أن أُؤكد أن هذا السجال نقوم به لصالح مصر والحقيقة في البدء والخاتمة لأننا ندرك أنه بدون معرفة الحقائق لا تستطيع الشعوب ولا الأمم أن تبنى مستقبلها.

 واسمحوا لي في البداية أيضا ألا أنجر لمناقشة ما أكده الزميل العزيز وكأنها حقائق دامغة حول شيوع الفساد والتعذيب وخنق الطاقات وتجريف الحياة السياسية..إلخ، في عهد مبارك مع اعترافي بأن جزءا ليس بسيطا مما قاله الزميل صحيح، وسبق أن أكدت أنه مثل الظروف الموضوعية التي استغلها البعض"أمريكا وحلفاؤها" لرسم خريطة الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وأشكر الدكتور لأنه كفانا شر الدخول في سفسطائية غير محمودة عندما اعترف بأن الثورة تحولت إلى مؤامرة بعد أن اختطفها الإخوان، ولكن الخلاف هنا هل المؤامرة التي تحدث عنها الدكتور محمد سبقت الحدث "أقصد 25 يناير" أم تزامنت معه أم جاءت لاحقة له؟ وبمعنى آخر هل ثورة 25 يناير حدث جرى تسخينه وتثويره ليصبح ثورة في إطار مؤامرة محبوكة تم التخطيط لها منذ زمن بعيد؟ أم أنه ثورة حقيقية توفرت لها الظروف الموضوعية والذاتية ونضجا معا ليشكلا ما حدث أثناء وبعد 25 يناير؟

 وأعتقد أن كل الشواهد التي عايشناها في الأيام السابقة، وكل الشهادات التي قدمها رجال عاشوا تلك المرحلة، سواء شهاداتهم أمام محاكمة القرن، أو تخابر الإخوان، أو الاتحادية أو غيرها من القضايا، تؤكد أن هناك مؤامرة تم التخطيط لها خلال عشرية من السنوات كان المقصود بها تركيع مصر وشلها وتفتيت جيشها لصالح مشروع وحلم اسرائيل الكبرى.

 وما اجتماع "دار مشتادت" ببعيد، تلك المدينة الألمانية الهادئة التي شهدت ما بين السادس عشر والثامن عشر من أغسطس 2013، أخطر اجتماع لعدد من ممثلي أجهزة الاستخبارات العالمية، في مقدمتهم ممثلون للموساد الإسرائيلي ولجهاز الأمن القومي الأمريكي وللقوات البريطانية في قبرص، ولوزارة الدفاع الفرنسية ولغرفة عمليات حلف شمال الأطلسي، والذي صدر عنه 29 تقريرا مسجلاً تحت تصنيف سري جدا، وكان معقودا تحت عنوان "حول انقلاب مصر".

وحسب الوثائق، التي استطاعت أجهزة سيادية مصرية وصديقة الحصول عليها، وتم تصعيدها إلى أرفع قيادة سياسية في البلاد آنذاك، فإن الاجتماع كان يدرس خطط شل مصر من جميع النواحي "بعد نجاح ثورة 30 يونيو وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي" وذلك من خلال عدة محاور، منها إبقاء القرار السياسي والاقتصادي في مصر في حالة شلل، وتأخير أو منع الاستثمار وإطلاق حملة للتأثير على سمعة مصر المالية، وكذلك زعزعة الأمن في مصر عن طريق ضخ أسلحة من النقب والسودان وليبيا وتشاد، وأن تكون الأهداف التي سيتم ضربها هي أنابيب الغاز والمحولات الكهربائية، والجسور الرئيسية، وعبّارات قناة السويس، بما يحافظ على حالة التوتر في مصر، اليس ما يحدث الآن هى ذات الخطة التي تم اعتمادها، وبعد ذلك نتحدث عن عمليات دفن لتاريخ مازالت أحداثه تترى.

ترك مبارك للحكم:

كلام الدكتور محمد عن ترك مبارك مرغما كلام تنقصه الدقة فدلائل التاريخ لا تقوم على العواطف بقدر ما تقوم على تقصي الحقائق ممن عاشوا تلك الأحداث، ولم يقل لنا أحد ممن أحاطوا بمبارك في تلك الفترة: إن الرجل ترك السلطة مرغما، على العكس من ذلك فقد أكد كل من تحدث في هذه النقطة تحديدا بدءًا من رجال المجلس العسكري، تذكرون لقاء اللواء العصار واللواء محمود حجازي مع منى الشاذلي في الأيام الأولى للثورة، وقولهم إن مبارك كان بإمكانه المعاندة وإدخال الحرس الجمهوري في مواجهة غير محمودة مع وحدات الجيش الأخرى، بل وصلت شهادة أحد ضباط الحرس الجمهوري، أن قال "إن مبارك أخبره ألا يتدخلوا حتى لو دخل المواطنون إلى حجرة نومي وقاموا بقتلي"، وقال بشبه ذلك كل من طنطاوي وعنان وسليمان في محاكمة القرن.

تلك حقائق التاريخ التي يجب ألا ننكرها كجيل حجبت عنه شمس الترقي داخل المجتمع وفق موهبته، أو ذبحت أحلامه أمام عينيه، تلك قضية أخرى لا علاقة لها بالقول بإجبار مبارك على ترك السلطة من عدمه وأضيف هنا ما قاله لي شخصيا الفريق أحمد شفيق عن ذات القضية بالتحديد مؤكدا- أي الفريق شفيق- أنهم كانوا يجلسون هو واللواء عمر سليمان والمشير حسين طنطاوي، يوم الجمعة 11 فبراير وطرحوا السؤال: وماذا بعد؟.

يقول الفريق شفيق، نطقتها بصعوبة، قلت، يجب أن يقول أحد منا للرئيس "آن الأوان" فقام اللواء عمر سليمان متبرعا وقال "أنا سأخبره بأن الوضع متأزم"، وقام بالاتصال بالرئيس في شرم الشيخ وقال له: إن الوضع يتأزم ولم يزد، ويضيف الفريق شفيق: جاء صوت الرئيس على الجهة المقابلة مفاجأة لنا، سأفوض الجيش لإدارة البلاد لكن بعد التأكد من وصول أسرتي سالمة إلى شرم الشيخ، يقول الفريق شفيق: كان من الممكن أن يضرب مبارك بهذا الكلام عرض الحائط كقائد أعلى وكان لديه مناصرون في ميادين أخرى"في إشارة لميدان مصطفى محمود" ويعاند لنصل لحرب أهلية، تلك الحرب التي أشرت في أكثر من مناسبة والكلام هنا لي وليس للفريق شفيق إلى أن الأمريكان كانوا يسعون لها منذ البداية.

فهل يمكننا، ونحن مستريحو الضمير أن نقول على من فوت الفرصة على الأمريكان للوصول لحرب أهلية تدمر الأخضر واليابس في مصر، إنه أرغم على الرحيل؟

ولا يقل حسم قضية إجبار مبارك على ترك السلطة، في مقال الدكتور محمد أهمية، عن قضية محاولة الصاق دم الشهداء "شهداء الثورة" بعد كل هذه البراهين التي تم تقديمها سواء داخل المحكمة أو خارجها وبعد هذه الأحكام القطعية الثبوت والدلالة ببراءة الفاعلين الأصليين من الضباط المتهمين بجرائم القتل، إلى حد تقديم قضاة للاعتذار علانية لهم لأنهم قدموا ككبش فداء لغوغائية الشارع، وبعد كشف جميع الأدلة التي تثبت سعي الأمريكان وحلفائهم من الإخوان و6 أبريل ومن لف لفهم، لتركيع وتمزيق الدولة المصرية، مبتدئين بجهاز الشرطة، الذين حاولوا ضربه في مقتل ليسهل عليهم اختراق الوطن، أبعد كل ذلك نقول بتحميل رجال الشرطة دم الشهداء.

لقد حوكم هؤلاء الضباط في عهد الإخوان ورئيسهم مرسي العياط وحصلوا جميعا وبلا استثناء على أحكام بالبراءة، ثم أعيدت محاكمتهم وحصلوا على أحكام بالبراءة، رغم كل شهادات الزور التي ساقها صفوت حجازي والمجموعة 95 الإخوانية، وكل من لف لفهم من شياطين 6 أبريل ونشطاء السبوبة و"دكاكين حكوك الإنسان" الممولة أمريكيا.

إن الحقيقة التي لا تقبل الشك، والتي اعتمدتها أحكام قضائية نهائية باتة وملزمة، أن جهاز الشرطة لم يقتل أحدًا من الثوار أو غيرهم في ميدان التحرير أو في أى ميدان من ميادين الثورة، وأنه لو صحت قصة القناصة كما أشاع الإخوان وأعوانهم، لكانت رؤوس الثوار المهمين قد حصدت بدقة وعناية ولأجهضت الثورة في مهدها.

لقد ثبت أن كل الذين قتلوا بأيدي رجال الشرطة البواسل كانوا أمام أقسام الشرطة ومديريات الأمن بهدف سرقة مخازن السلاح والاصطدام بالجيش الذي كان قد نزل للتو في الشوارع سعيا نحو حرب أهلية، سعى الأمريكان وحلفاؤهم لها منذ اللحظة الأولى وفي هذه المرة حمى أبناء الشرطة البواسل مصر وجنبوها مصير سوريا مضحين بحياتهم محتسبين كل تلك التضحيات عند الله لنأتي ونعيد محاكمتهم بتهم قتل الثوار تاركين حماس وحزب الله والإخوان يفلتون من الجريمة، تلك إذن قسمة ضيزي.

التاريخ يا سادة لا يكتب بهذه السهولة مهما كانت وجهة نظرنا فيه، ولا يحفظ وفق عناوين صحفية مثيرة، فهتلر الذى دمر نصف الكرة الأرضية ظل يشغل العالم دراسة وبحثا لنصف قرن بعده، هكذا حدث مع نابليون، حتى التتار والصليبيون خضعوا للبحث والدراسة والتمحيص لاستخلاص العبر واستيعاب الدروس وفرقان الحق من الباطل، حتى نستطيع أن نرسم لأبنائنا طريقا سليما للمستقبل.

المؤامرة التي حيكت ضد مصر مازالت تفاصيلها تترى على الأرض وما زال رجالها منتشرين ينتظرون اللحظة التي ينقلبون بها على جثة الوطن، لا جثة مبارك، فهم يريدون أن يدفنوا جثة مصر مع جثة مبارك، الرجل مع سره، لأن المقصود بالمؤامرة الكبرى، مصر الحاضر، والتاريخ والمستقبل وليس مصر مبارك أو السيسي أو حتى عبدالناصر.

وللحديث بقية في الأسبوع المقبل إن شاء الله.