من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الرئيس.. والمرشد
فاز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، وأصبح لمصر رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة.. ثم أقسم الرئيس على احترام القانون والدستور ثلاث مرات؛ الأولى أمام ثوار التحرير.. والثانية أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا.. والثالثة أمام نخبة من المصريين بجامعة القاهرة.
ومنذ حلف اليمين بدأ الصراع عند الرئيس بين القسم الذي أقرة.. والبيعة التي في عنقة لمرشد الجماعة، والفرق كبير بين القسم والبيعة، فالقسم يعني أنه رئيس لكل المصريين.. أما البيعة فتعني أن انتماءه للجماعة التي بايعها، القسم يعني أن مصر فوق الجميع.. أما البيعة فتعني أن الجماعة فوق الوطن، القسم يعني إعلاء مصلحة الوطن والشعب.. أما البيعة فتعني مصلحة الجماعة، القسم يعني الولاء والانتماء لمصر.. أما البيعة فتعني أن الانتماء لمصر بحكم الجنسية التي يحملها الرئيس.. أما الولاء فهو للجماعة، القسم يعني أن كلمة الله هي العليا.. أما البيعة فتعني أن كلمة المرشد والإمام المؤسس- حسن البنا- هي العليا، القسم يعني شعب مصر.. أما البيعة فتعني الأهل والعشيرة.
كان على السيد الرئيس أن يختار ويحسم هذا الصراع، لكنه للأسف اختار الجماعة، رفض أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وفضل أن يكون مندوب مكتب الإرشاد لدى مؤسسة الرئاسة.
قَبِلَ الرئيس أن ينهض بالجماعة على حساب مصر وشعبها، قَبِلَ أن يدير البلاد بأجندة إخوانية على حساب هدم القانون ودولته، قَبِلَ أن يحكم مصر بالانتقام والحقد والكراهية بدلاً من أن يحكمها بالمصالحة والحب والشفافية، قَبِلَ أن يتحكم في الوطن والمواطن بعقلية السجين تاركًا عقليته الحرة الطليقة، قَبِلَ أن يحكم البلاد ووراءه أهلة وعشيرته، بدلاً من أن يحكمها ووراءه شعب مصر كله، قَبِلَ أن يدافع عنه ويحميه شباب جماعته التي ينتمي إليها، بدلاً من شعب مصر الذي اختاره، قَبِلَ أن يلقي خطبته ويفتح سترته أمام مؤيدية فقط بدلاً من أن يتحدث أمام شعبة كله، مؤيديه ومعارضيه، وأخيرًا قَبِلَ أن يكون محمد بديع هو رئيس مصر ومرشدها الأعلى، واكتفى بدوره المحدد له كمندوب للجماعة في مؤسسة الرئاسة.
استشعر الشعب المصري بأن هناك غشًا وتدليسًا وقع عليه، لقد اختار مرسي رئيسًا وليس بديع، لقد اختار قصر الاتحادية بمصر الجديدة وليس مكتب الإرشاد بالمقطم، اختار الدولة وليس الجماعة، اختار الوسطية وليس التشدد والتطرف، اختار الحرية وليس الديكتاتورية، فكانت الانتفاضة وكان الصدام، ليس من أجل إلغاء الإعلان الدستوري أو تأجيل الاستفتاء على الدستور، لكن من أجل الحفاظ على هوية الشعب المصري الوسطية؛ من أجل الدولة المدنية، ومن أجل التعايش السلمي بين طوائف الشعب، ومن أجل سيادة القانون والدستور.
إن أحداث 5 ديسمبر المعروفة بموقعة الجمل الثانية أسقطت عن الجماعة وصف الدعاة، فما شاهدناه من وقائع يوم الثلاثاء الأسود لا يصدر إلا من إرهابيين وليس دعاة، إنهم الإخوان الإرهابيون.
إن ما يحدث على الساحة الآن من عنف موجه ضد جماعة الإخوان الإرهابيين، إنما هو رد فعل لممارسات الجماعة التي تتسم بالعنف والبلطجة، فإن حرق مقرات الجماعة (رغم اعتراضنا عليها، وعلى جميع أعمال العنف) إلا أنها رسالة إلى الرئيس بأن الشعب يرفض حكم الإخوان، وأنه لن يقبل أن تدار البلاد من مكتب الإرشاد بالمقطم، فهل يعي الرئيس الرسالة من أجل مصر، أم أن الأمور فلتت من أيدي الجميع؟.