من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الرئيس وجماعته والفلول
نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، السبت ١ ديسمبر ٢٠١٢
تتداول في أوساط القطاعات الجماهيرية بعد ثورة 25 يناير بعض الألفاظ والكلمات والمصطلحات التي لم تكن معروفة على مستوى الساحة السياسية، بل أصبح رجل الشارع العادي يتناولها في أحاديثه اليومية دون فهم وإدراك، وقد انعكس هذا الأمر في ردود أفعال المواطنين تجاة القضايا والأحداث المثارة بصورة بعيدة عن طبيعة وسلوك الشعب المصرى المعروف، لقد أصبحت تلك الكلمات تمثل الشماعة التي يعلق عليها النظام الحالي أخطاءه لإيجاد مبررات للقرارات الخاطئة غير المدروسة التي يصدرها الرئيس وبطانته، والتي تمثل مراهقة سياسية في أقل تقدير.
فما معنى مصطلح شرعية الشارع؟.. وماذا تعني كلمة فلول؟
في بداية أحداث ثورة يناير، أعلن الدكتور يحيى الجمل، والدكتور عصام شرف، أنهما استمدا شرعيتهما من ميدان التحرير، وحينما عاد وطلب ميدان التحرير- ذاته- أن يقدما استقالتهما لما يشوب أداءهما من عدم التوافق مع طبيعة المرحلة، لم يستجيبا لهذا المطلب باعتبار أن وراءه مؤامرة، ويد خفية، وفلول النظام السابق (وهو ما يمثل ازدواجية واضحة وغير مبررة في المعايير).
وتحت شرعية الشارع.. كانت المطالب الفئوية التي كان التعامل معها بلا ضوابط وبدون قواعد، فطلبة الجامعة يطالبون باستقالة رؤساء الجامعات.. والعمال ينادون بعزل رؤساء الشركات.. والبلطجية يرفضون رؤساء المباحث ومديري الأمن وينادون بتغييرهم.. والمواطنون في المحافظات يطالبون بتغيير المحافظين.. وأصبح الشعب كله مطلوب تغييره؛ لأنه ينتمي إلى فلول النظام السابق، وذلك حتى يمكن المحافظة على مكاسب الثورة.
إن هذا المصطلح (شرعية الشارع) أدى الى الفوضى.. إنها بديل للبلطجة.. حينما يمارسها شعب نسبة الأمية فيه 40% ومجلس وزراء يمارس أعضاؤه المراهقة السياسية في إدارته للبلاد.
لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين تتبنى في بداية الثورة هذا المفهوم في حركتها لخدمة مصالحها، وعندما وصلت لمجلس الشعب وحصلت على الأكثرية، أعلنت أن الشرعية للبرلمان وليست للميدان، واليوم وبعد وصول الجماعة لسدة الحكم نرى السيد الرئيس وجماعته يتحدثون عن مؤامرة وراءها فلول النظام السابق بتمويل من بعض دول الخليج لقلب نظام الحكم.
إن عدم احترام الرئيس للقانون والدستور، وإسقاط دولة القانون، أحيا من جديد مفهوم شرعية الشارع؛ حيث أصبح الأمر لا يقتصر على ميدان التحرير فقط، بل امتد إلى ميدان العباسية وروكسى وشبرا ومصطفى محمود وجميع ميادين مصر المحروسة.
ونظرًا لنظرية المؤامرة التي تعيشها الجماعة منذ نشأتها- وبعد ثورة يناير- بدأت تطلق لفظ الفلول على كل ما هو مرتبط بالعهد السابق دون ضابط أو رابط، وهو الأمر الذي أدى إلى اختلاف الآراء حول وضع تعريف محدد لهذه الكلمة، عند مناقشة اللجنة التأسيسية لوضع الدستور لقانون العزل.
والسؤال.. هل المقصود بالعزل هنا أعضاء الحزب الوطني، أم لجنة سياساته، أم أمناء الحزب على مستوى الجمهورية؟، هل المقصود كل من تولى منصب قيادي أو وزاري في الدولة؟، هل المقصود كل من كان له دور في المشهد السياسي؟، هل المقصود كل من كان على صلة بالقيادات السياسية في الحكم السابق أم المقصود كل من كان على صلة أو اتصال أو تنسيق مع أجهزه الدولة المختلفة؟.
وتحت أي تعريف من التعريفات السابقة، فإن جماعة الإخوان المسلمين ينطبق عليها لفظ الفلول، فلقد كانت جزءًا من المشهد السياسي وشاركت فيه، وكانت على صلة وثيقة بقيادات الحزب الوطني، وهناك الكثير من الصور والفيديوهات التي توضح ذلك، وكانت تمثل ورقة ضغط في يد النظام، يستخدمها بالتنسيق معها في بعض المواقف التي تحتاج فيها إلى إرسال رسائل لأمريكا أو إسرائيل أو دول الاتحاد الأوروبي، وكانت على صلة كبيرة بأجهزة الأمن السياسي (مباحث أمن الدولة)؛ حيث كان يمثل هذا الجهاز حلقة الاتصال بينها وبين القيادة السياسية، وقد سبق وأعلن مرشدا الجماعة مهدي عاكف ومحمد بديع عن هذه العلاقة بشكل علني، في أكثر من مناسبة، عبر اعترافهم بالتنسيق مع جهاز أمن الدولة فيما يتعلق بانتخابات المجالس النيابية، وغيرها من التحركات السياسية والجماهيرية التي كانت الجماعة تقوم بها، بعلم وموافقة ومباركة تلك الأجهزة، لعل صفقة 2005 التي اعترف بها مهدي عاكف ومحمد حبيب، وجلسة أغسطس 2010 التي حضرها المرشد العام بنفسه ومحمد مرسي العياط مسئول الملف السياسي وسعد الكتاتني في مكتب حسن عبد الرحمن مساعد وزير الداخلية لأمن الدولة؛ لخير دليل على ما نذهب إليه.
إن الجماعة (مرشدًا ورئيسًا) تحاول طمس تاريخ تعاونها مع النظام السابق عبر إبعاد كل من له صلة بهذه الوقائع، عبر قانون العزل، عزل رجال هذا النظام الذي سبق وأن وضعت الجماعة يدها في يده لسنوات طويلة، وأبلغت قياداته بأنها لا تمانع في توريث الحكم وتهيئة الشارع لذلك، إن البطحة التي على رأس الجماعة هي التي تدفع الرئيس محمد مرسي للترويج دائمًا بأن فلول النظام السابق وراء جميع الأحداث التي ألمت بالشعب المصري من عنف وفوضى منذ ثورة 25 يناير وحتى هذه اللحظة.
إن الرئيس فيما يردده من اتهام للفلول هو حق، بل أكاد أجزم وأقسم على ذلك بأغلظ الأيمان أنه صادق، فما حدث من جرائم في أحداث الثلاثاء الدامي 5 ديسمبر 2012 إنما وراؤها فلول النظام السابق من جماعة الإخوان المسلمين (شريكة النظام السابق في الحكم لمدة ثلاثين عامًا).
إن السياسة التي تدار بها البلاد في الوقت الحالي وراء عودة شرعية الشارع التي انتصرت على شرعية الصندوق، وكشفت حقيقة جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم من عناصر الإسلام السياسي، وإلا فكيف يفسر لنا الرئيس أحداث قصر الاتحاديه 5 ديسمبر2012، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وحصار المحكمة الدستورية العليا، وتهديدات شيوخ السلفية ومعهم د. محمد البلتاجي لشعب مصر، بأنهم أعدوا العدة لساعة الصفر.. أم أن الفلول أيضًا هم من يفعلون ذلك؟.