من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: إنها حرب ضد الإرهاب.. فأعدوا لها عُدّتها
ما حدث في شمال سيناء، وفى أحياء كثيرة، من قبل، في القاهرة والجيزة والقليوبية، كالمطرية وكرداسة والوراق وعين شمس والخانكة، هو حرب بمعنى الكلمة، حرب أطلقتها قوى الغدر والخيانة ضد هذه الأمة، التي لفظتهم في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ واضعة نهاية لحكمهم، لم يتوقعوها.
إنها الحرب، أعرف، قد تثقل القلب، لكن ما بيدنا حيلة، فأبناؤنا يقتلون ويخطفون ويذبحون، ونحن لا هم لنا إلا كيفية نظرة الغرب لنا، نتحدث عن مؤامرات برعايتهم، ونحسب لهم ولمنظماتهم وإعلامهم، ألف حساب، ندرك حجم دعمهم للجماعة الإرهابية وحلفائها، ولا نجرؤ على طرد سفير واحد لهم، نعلم أن الحل في إعلان الحرب على الإرهابيين، بكل ما تعنيه الكلمة من تجهيزات وتعبئة وإعلان للطوارئ والسماح للضباط والجنود بمواجهة الحالة كما ينبغي، بالضرب في المليان، لكننا لا نفعل ذلك.
اقتلوا المخربين:
عندما نشرنا في عدد الأحد ٢٥ يناير تقريرًا بعنوان: «المخربون.. إذا رأيتموهم في الشوارع فاقتلوهم»، انبرى عدد من حلفاء الجماعة الإرهابية وفى مقدمتهم «فهمى هويدي» ورفاقه للهجوم علينا، متهمين إيانا بأننا ندعو لقتل المتظاهرين، الغريب أننا لا نسمع للأخ هويدى ولا لزمرته كلمة واحدة، عندما يقتل جنودنا على الهوية، كما حدث بالأمس في سيناء، اللهم إلا إذا راح يهددنا بأحد أمرين إما الصلح مع القتلة، أو مزيد من دماء أبنائنا. الغريب أيضًا أنه لا أحد يحاسب هؤلاء الناس الذين يفُتّون في عزمنا، وينهكون قوانا، ويشيعون الفتنة بيننا، لصالح تلك الجماعات، يخوفوننا من الغرب، وجمعيات حقوق الإنسان، ويقبضون الثمن على أجساد ضحايانا.
إن الأيادى المرتعشة، يا سادة، لا تبنى الأوطان، هكذا أثبتت الأيام، فالإرهاب يعيش عكسيًا مع الطريقة التي تتم مواجهته بها، فإذا كانت قوية ضعف، وإذا كانت ضعيفة استقوى علينا.
معادلة بسيطة، ثبتت صحتها عبر كل العصور، من عهد الملك فاروق وحكوماته، وحتى الرئيس الأسبق مبارك، مرورًا بالرئيسين عبد الناصر والسادات.
المعركة مع الإرهاب ليست معركة حربية تقليدية، خاسر من يعتبرها أو يخوضها بهذا المفهوم، أو بأدوات مثل تلك التي تستخدم في تلك الحروب، كالطائرات ومدافع الهاون، والدبابات، حرب الإرهاب تقوم على المعلومات وطريقة التعامل معها وتحليلها، والقرار الذي يتخذ على ضوئها، وكيفية تنفيذه بطرق مبتكرة، وأفراد على أعلى مستوى من التدريب.
ليست البندقية ولا حجم النيران، هي من تحدد إطار المعركة، حجب الدعم اللوجستى أحد أبجديات المواجهة مع الإرهاب، فطالما الأموال تنهمر عليهم عبر وسطاء في المنطقة، وأعنى هنا حركة حماس الإرهابية بالتحديد، وما دام التدريب والتزود بالسلاح وتوفير أماكن الاختباء، ورسم الخطط، والتغطية على العمليات سوف يستمر، دون عقاب، فسيستمر أبناؤنا في دفع الثمن من دمائهم كل يوم.
اقتلوهم حيث ثقفتموهم، وشردوا بهم من تحتهم ومن بين أرجلهم، لا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة، اجعلوهم يتألمون كما نتألم، كل من قدم دعمًا لوجستيًا لهذه العمليات الإجرامية الخسيسة، من قادة وكوادر حركة حماس الإرهابية، كل من موّل في الدوحة وإسطنبول، لأن من يأمن من العقاب يستمر في إساءة الأدب.
ونحن هنا لا نخترع العجلة، إذ إن لدينا تجربة واسعة في مواجهة الإرهاب سواء ما عانينا منه في تسعينيات القرن الماضى، أو ما عاصرناه في بداية الألفية الثانية، وفى المرتين قمنا بتركيعه وإجباره، إما على إعلان وقف العنف وإلقاء السلاح دون قيد أو شرط، كما حدث مع جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، وإما الهرب والتخفى لسنوات طويلة مثلما حدث مع تنظيم التوحيد والجهاد في ٢٠٠٦. معادلات بسيطة ومحفوظة، طبقها أساطير في جهاز الأمن جميعهم اليوم بين يدى الله، كالمرحوم اللواء أحمد العادلي، والمرحوم اللواء أحمد رأفت.
حقائق قديمة:
في هذه الزاوية منذ ما يقرب من شهرين، كتبت رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس، شرحت فيها تجربة مواجهة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، مع وعينا التام وإدراكنا، بالطبع، للفروق بين المعركتين.
فقد كانت المشكلات التي تحاصر جهاز الأمن، آنذاك، ١٩٩٠-١٩٩٤، وهى عين المشكلات التي تحاصره الآن، تنحصر في مشكلتين رئيسيتين: الأولى عدم توافر قاعدة معلومات متكاملة عن التنظيمات الإرهابية، وتشكيلاتها الداخلية وامتداداتها الخارجية، وسبل تمويلها ومن يقدمون الدعم اللوجستى لها، والثانية غياب رجل الشرطة المدرَّب على هذا النوع من العمليات الذي بدأ في مصر في تلك الفترة.
وخلال ما يقرب من ستة أشهر راح جهاز الأمن، الذي تولى مسئوليته وقتها، اللواء أحمد رأفت، وأعنى هنا جهاز مباحث أمن الدولة، يعيد ترتيب أوراقه، مستغلًا بعض العلاقات في الخارج، حيث المعلومة لها ثمن محدد وسوق مفتوحة ومتاحة للجميع، والحرب كانت كما هي الآن، موجهة ومدعومة من الخارج، فتم شراء وتجميع المعلومات، وتصنيفها والوصول من خلالها إلى خريطة متكاملة للجماعات الإرهابية، شملت المنطقة بالكامل.
تزامن مع تلك الخطة، إرسال مجموعات كبيرة من أفضل الضباط في قطاع مباحث أمن الدولة، آنذاك، إلى عدد من الدول التي اشتهرت بامتلاكها لوحدات متخصصة في مجال مكافحة مثل هذا النوع من الجرائم، لتشكيل ما سُمى فيما بعد بـ«قوات مكافحة الإرهاب»، ليحل عام ١٩٩٤ وقد امتلك جهاز الأمن زمام المبادرة بشكل كامل، وتغيَّر المؤشر تمامًا لصالحه، عبر النجاح في توجيه عدد من الضربات القاصمة، أفقدت الإرهابيين صوابهم، وجعلتهم يتخبطون عبر خطط وعمليات أنهكتهم تمامًا.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد شملت المواجهة في تلك الفترة، تقديم عدد ١٢٠ قضية إلى نيابة أمن الدولة العليا، والمحاكم العسكرية، ضمت أكثر من ١٠٠١ متهم من عناصر الجماعات الإرهابية، حكم على ٩٤ منهم بالإعدام، ونفذ الحكم في ٧٠.
كما تم إحباط العديد من العمليات ضد شخصيات عامة وأماكن سياحية، واعتقال المئات من أعضاء تلك الجماعات، وهو ما دفع بتنظيم الجهاد إلى اتخاذ قرار في نهاية عام ١٩٩٥ بوقف العمليات المسلحة نهائيًا في مصر، تلاه في ١٩٩٧ قرار الجماعة الإسلامية بإلقاء السلاح ووقف العمليات العسكرية من طرف واحد.
والآن، يبدو ونحن نشاهد ذات المشاهد التي تحدثنا عنها آنفًا، أننا بحاجة ماسة لوضع حلول عاجلة لتلك الظاهرة، مستلهمين تجارب الماضى القريب.
يجب الإسراع بتنفيذ أربع خطوات رئيسية، تمثل في مجملها، ضرورة اللحظة، إذا أردنا أن نفوز بهذه المعركة:
أولًا: المسارعة بإصدار قانون للإرهاب، تحاكم على أساسه الجماعات الإرهابية وحلفاؤهم.
ثانيًا: إنشاء محاكم أمن دولة طوارئ، للنظر في تلك القضايا، لتحقيق العدالة الناجزة.
ثالثًا: إنشاء مجلس قومى لمكافحة الإرهاب، يرسم الخطط ويحدد الأهداف، ويقوم بالتنسيق بين جميع المؤسسات المعنية بمواجهة ظاهرة الإرهاب.
رابعًا: وضع وتنفيذ خطة إصلاح شامل للمنظومة الأمنية، يأتى في مقدمتها إلغاء جميع القوانين المقيدة للعمل الأمنى، والتي تم فرضها على جهاز الأمن الوطني، في ظل حكم الإخوان.
بدون ذلك، يا سادة، سنظل نودع أبناءنا كل يوم، دون أن نجعل من خططوا ونفذوا وموّلوا تلك العمليات الدنيئة، يدفعون ثمن ما اقترفوا من جرائم في حق مصر والمصريين.