من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الخطر كبير والمواجهة تحتاج الكثير
نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠١٥
ذهبتُ أمس الأول لتقديم واجب العزاء للبابا تواضروس الثاني بطريرك الكرازة المرقسية، فى استشهاد عدد من مواطنينا المصريين فى ليبيا.. استقبلنى الرجل بترحاب كعادته فى استقبال جميع المعزين، كبيرًا كان أم صغيرًا، بدا متسامحًا تجاه الحدث، لم يظهر عليه أى علامات غضب، روح مستنيرة ومؤمنة بقضاء الله، وسكينة منبعها إيمان راسخ بأن أبناءه فى ملكوت السماء، ذلك أفضل لهم.
تحدثتُ مع البابا عن ضرورة استخدام القوة الناعمة للكنيسة الأرثوذكسية فى العالم الغربى، لإقناعهم بضرورة إقامة حلف استراتيجى مع مصر فى مواجهة الإرهاب القابع فى ليبيا، قلت له إنه بدون ذلك الحلف سيتم الدفع بالجيش المصرى فى مواجهة برية غير محسوبة على أرض غريبة عليه، تلعب فيها أجهزة الاستخبارات الدولية لعبة خطرة من أجل تقسيم ليبيا وتفتيتها، وتحزيم مصر من الجهة الغربية. لم يخف البطريرك قلقه وقال لى: إنه مستعد للذهاب الى آخر الدنيا من أجل مصر، وإن أساقفة الكنيسة فى الخارج خاصة فى لندن يقومون الآن بتوضيح هذه المسألة.
لم يبد لى أن أحدًا تحدث مع الرجل فى هذا الموضوع أو وضع خطة يشرك فيها الكنيسة لإظهار حق مصر فى إنشاء حلف أوروبى مصرى فى مواجهة داعش فى ليبيا التى تقوم بتهديد الغرب قبل مصر، فى الإشارة الشهيرة التى ختم بها قائد كتيبة الإعدام رسالته التى بثت عبر اليوتيوب، والحقيقة أن هذا مستغرب، فهو من أبجديات أى خطة عمل بعد حادث كبير كذلك، استخدام أدوات القوة الناعمة لمصر فى الخارج حيث تأثير الكنيسة القبطية وعلاقاتها العميقة ببعض القوى المؤثرة فى الغرب.
حسنًا فعلنا، بالطبع، بالضربة الجوية السريعة، امتصصنا غضب المواطنين وأغلقنا الباب على المزايدين، وأنجزنا جزءًا من حملتنا لإرهاب الدواعش، وأثبتنا لهم، ولمن يقف وراءهم أننا لن نترك ثأر أبنائنا، حسنًا فعل الرئيس أيضًا عندما توجه بنفسه للمرة الثانية، لتقديم واجب العزاء للبابا داخل الكاتدرائية، كل ذلك أثلج صدور الملايين من المصريين، خاصة الذين باتوا ليلتهم فى غضب شديد، ولكن يبقى أن نتأمل كيف سوف نحافظ على أرواح تلك الأعداد الغفيرة، من أبنائنا فى ليبيا، خاصة وهم الآن صيد سهل المنال لداعش وحلفائها، كيف يمكن لنا أن نتواجد على الأرض، عن طريق أصدقاء مصر فى ليبيا، فهناك العديد من القوى السياسية والقبائل المسلحة المحسوبة من أصدقاء الدولة المصرية من قديم الأزل، ينقصهم فى مواجهة داعش وحلفائها فقط الدعم اللوجستى، كذلك هناك طرق تهريب وإمداد داعش بالمال والسلاح، كيف يمكن لنا السيطرة عليها وتجفيف تلك المنابع لخنق هذه الجماعات وإرهابها داخل أراضيها، وعن طريق مقاتلين وطنيين ليبيين، يتمنون حمل السلاح اليوم قبل غد لتحرير أرضهم من نجاسة داعش وحلفائها.
لقد أرسل لى صديق ليبى رسالة مفادها- وتلك وجهة نظر يجب وضعها فى الاعتبار- أن الضربات الجوية رغم نجاعتها الوقتية، إلا أنها غير مفيدة فى مثل هذا النوع من المواجهات، مع تلك الجماعات على المدى الطويل، ذكرنى صديقى بالضربات الجوية الأمريكية على القاعدة وطالبان فى أفغانستان، والتى استمرت لمدة عشر سنوات كاملة وانتهت بفشل ذريع على الأرض، بل تسببت أحيانًا فى حجم كبير من التعاطف الجماهيرى مع طالبان والقاعدة، بينما عملية واحدة قامت بها مجموعة استخباراتية مدعومة لوجستيًا من أفغانيين، استطاعت أن تنهى أسطورة زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
خلاصة نصيحة الرجل أن المواجهة على الأرض فى ليبيا مع تلك الجماعات هى الحل، ولكن بشرط أن تكون بأيدٍ وطنية ليبية، مشروع أمام مشروع، وبندقية وطنية أمام بندقية عميلة، وانطلاقًا من نصيحة الرجل يصبح التفكير واجبًا وسريعًا فى فتح قنوات اتصال مع تلك القوى الوطنية، ودراسة الواقع على الأرض معها، أين تكمن نقطة الانطلاق ومن أين نبدأ وما هى الخريطة الواقعية على الأرض لتواجد تلك الجماعات وحجم أعدادها وتسليحها، من أين يأتيها الدعم اللوجستى..إلخ، وأعتقد أن هذا التفكير أنجع من أى تفكير آخر يجعل نقطة الانطلاق مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، حيث لأمريكا اليد الطولى فى هاتين المنظمتين، وقد وضح ذلك جليًا فى آخر تصويت فى مجلس الأمن عندما ذهب الرئيس الفلسطينى ليعلن الدولة الفلسطينية من طرف واحد، فتصدت له واشنطن وأفشلت مجهوداته، إن المعركة طويلة ومهمة، والخطر كبير جدًا، ويحتاج الى تفكير خارج الصندوق. إن جر جيش مصر لحرب برية فى ليبيا مع فتح مواجهة بينه وبين الإرهابيين المدعومين من حماس فى سيناء، وإعلان التنظيم الدولى الإخوانى الإرهابى النفير داخل المدن، هى خطة معدة من زمن بعيد، ولا يجب أن نقع فى هذا الشرك، حتى لو أعجبنا تصفيق البعض، فمصير الأمم لا يقاس بصيحات الإعجاب أو التصفيق. اللهم بلغت اللهم فاشهد.