الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: المحارب مصر كلها معك

نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز ١ فبراير ٢٠١٥

نشر
الرئيس عبدالفتاح
الرئيس عبدالفتاح السيسي

هي معركة للشرف والكرامة، معركة لبناء الأوطان وحمايتها، معركة لمحاصرة قوى الغدر والخيانة وتركيعها، خاضها أجدادك وآباؤك من قبل، والآن يحين دورك، لست وحدك في خضم تلك المعركة، كل المصريين خلفك، وحولك ومعك، يساندونك ويقوون ظهرك، الله معك، والطيبون من أبناء مصر يتضرعون إلى المولى، عز وجل، أن يحميك ويوفقك وينصرك، خير جنود الأرض جنودك، فلا تيأس ولا تبتئس.

نعلم يا سيادة الرئيس، أن الثمن الذي تدفعه مصر الآن، من دماء زكية، وشهداء وأرامل ويتامى، ليس حماية لأمنها القومى فقط، أنت قلت ذلك أكثر من مرة، وإنما من أجل استقرار المنطقة بالكامل، بما في ذلك أوربا والعالم كله. نعرف أيضا حجم المؤامرة التي حيكت، وما زالت فصولها تترى، ضد مصر والمصريين، والمنطقة ككل. فرغم أن ثورة الثلاثين من يونيو قد أوقفت الزحف «المقدس»، نحو تقسيم مصر، فإن تلك المؤامرة التي تورطت فيها جماعة الإخوان الإرهابية حتى أذنيها، يتم النفخ في روحها السوداء مرات ومرات. لقد بدأت بالفعل، عملية التقسيم في ليبيا واليمن وسوريا، والآن يحاولون دك حصون الأمن في بلادنا، لإفقادنا الثقة في جيشنا وشرطتنا، تمهيدا لتمزيقنا وتفريق وحدتنا.

نعلم أيضا أن خطتهم ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما تعود إلى عام ١٩٧٣، عندما انتصرت القوات المسلحة المصرية على إسرائيل في حرب هي الأشرف في تاريخ مصر الحديث.

يومها ترسخ لدى كل تلك الأطراف أن إسرائيل ليست في مأمن من الخطر، وأنها في أي لحظة يمكن أن تتعرض لخطر وجودى، فالانتصار الذي حققه الجيش المصرى يمكن أن يتكرر، وفى حالة اتحاد الجيوش العربية يمكن أن تصبح إسرائيل مجرد ذكرى، وهو ما لا يمكن أن تسمح به تلك الأطراف على الإطلاق.

نعلم أن مخططهم كان يقوم على تفتيت الدول العربية من الداخل، حتى لا تكون هناك دولة عربية كبرى، وبالتالى لا يكون هناك جيش عربى يمكن أن يصلب طوله في المنطقة أو يمثل قوة «ردع» للمشروعات التوسعية للدولة الصهيوينة.

نعلم أيضا أن تلك الأطراف قد وصلت إلى ذروة حلمها بعد اندلاع ما سمى بثورات الربيع العربى، تلك التي ركبتها جماعة الإخوان الإرهابية، بوصفها حصان طروادة الذي سوف تعتمد عليه تلك القوى لإعادة ترسيم المنطقة من جديد.

متأكدون أيضا، أن أصابع تلك الأطراف لا تزال تلعب في المنطقة، توقفت قليلا بعد ثورة ٣٠ يونيو، التي أجلت مشروع إعادة تقسيم المنطقة إلى حين، لكنهم يعيدون الآن ترتيب أوراقهم، لاستئناف تنفيذ المخطط من جديد.

وما يحدث في اليمن وعلى حدودنا الغربية في ليبيا ليس ببعيد، عما نشير إليه، وتشير إليه دائما يا سيادة الرئيس، نعلم أننا أمام مؤامرة كبرى بالفعل تشارك فيها أطراف عديدة، من أجل عيون إسرائيل. 

مواجهة مفتوحة تخوضها مصر مع عدد من أهم وأخطر أجهزة الاستخبارات في العالم، إضافة إلى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية وحلفائه، الهدف منها هو تركيع مصر وإذلالها، ردا على ما فعله هذا الشعب العظيم وجيشه في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما خرج ليعلن هدم أركان المؤامرة، وإلقاء حلم إعادة تقسيم المنطقة، في البحر.

نعلم كل ذلك يا سيادة الرئيس ولكن ماذا نحن فاعلون؟! هل نكتفى بالإجراءات التقليدية من حظر للتجوال في مناطق الأحداث وإعلان حالة الطوارئ وإعلان الحداد والغضب الشعبى تجاه ما يحدث، بينما يحصد الإرهاب، كل يوم، العشرات من أرواح أبنائنا. المعركة مع الإرهاب ليست معركة حربية تقليدية يا سيادة الرئيس، خاسر من يعتبرها أو يخوضها بهذا المفهوم، أو بأدوات مثل تلك التي تستخدم في تلك الحروب، كالطائرات ومدافع الهاون، والدبابات، حرب الإرهاب تقوم على المعلومات وطريقة التعامل معها وتحليلها، والقرار الذي يتخذ على ضوئها، وكيفية تنفيذه بطرق مبتكرة وأفراد على أعلى مستوى من التدريب.

ليست البندقية ولا حجم النيران، هم من يحددون إطار المعركة. حجب الدعم اللوجيستى أحد أبجديات المواجهة مع الإرهاب، فما دامت الأموال تنهمر عليهم عبر وسطاء في المنطقة، وأعنى هنا حركة حماس الإرهابية بالتحديد، وما دام التدريب والتزود بالسلاح وتوفير أماكن الاختباء، ورسم الخطط، والتغطية على العمليات سوف يستمر، دون عقاب، فسيستمر أبناؤنا في دفع الثمن من دمائهم كل يوم.

اقتلوهم حيث ثقفتموهم، وشردوا بهم من تحتهم ومن بين أرجلهم، لا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة، اجعلوهم يألمون كما نألم، كل من قدم دعما لوجيستيا لهذه العمليات الإجرامية الخسيسة، من قادة وكوادر حركة حماس الإرهابية، كل من مول في الدوحة وإسطنبول، يجب أن يطاله العقاب، لأن من يأمن من العقاب يستمر في إساءة الأدب.

ونحن هنا لا نخترع العجلة، إذ إن لدينا تجربة واسعة في مواجهة الإرهاب سواء ما عانينا منه في تسعينيات القرن الماضى أو ما عاصرناه في بداية الألفية الثانية، وفى المرتين قمنا بتركيعه وإجباره إما على إعلان وقف العنف وإلقاء السلاح دون قيد أو شرط، كما حدث مع جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضى، وإما الهرب والتخفى لسنوات طويلة مثلما حدث مع تنظيم التوحيد والجهاد في ٢٠٠٦.

حقائق قديمة:

شرحت، في مقال سابق لى، منذ شهرين تقريبا، عقب حادث كرم القواديس التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب، في تسعينيات القرن الماضى، وطالبت باستلهام روحها مع الوعى التام لفروق التوقيت بينها وبين ما نخوضه الآن من معارك. كانت المشكلات التي تحاصر جهاز الأمن، آنذاك، ١٩٩٠-١٩٩٤، تنحصر في مشكلتين رئيسيتين: الأولى عدم توافر قاعدة معلومات متكاملة عن التنظيمات الإرهابية وتشكيلاتها الداخلية وامتداداتها الخارجية وسبل تمويلها ومن يقدمون الدعم اللوجيستى لها، والثانية غياب رجل الشرطة المدرَّب على هذا النوع من العمليات الذي بدأ في مصر في تلك الفترة.

وخلال ما يقرب من ستة أشهر راح جهاز الأمن، الذي تولى مسئوليته وقتها، اللواء أحمد العادلى، وأعنى هنا جهاز مباحث أمن الدولة، يعيد ترتيب أوراقه، مستغلًا بعض العلاقات في الخارج، حيث المعلومة لها ثمن محدد وسوق مفتوحة ومتاحة للجميع، والحرب كانت كما هي الآن، موجهة ومدعومة من الخارج، فتم شراء وتجميع المعلومات وتصنيفها والوصول من خلالها إلى خريطة متكاملة للجماعات الإرهابية، شملت المنطقة بالكامل.

تزامن مع تلك الخطة إرسال مجموعات كبيرة من أفضل الضباط في قطاع مباحث أمن الدولة، آنذاك، إلى عدد من الدول التي اشتهرت بامتلاكها وحدات متخصصة في مجال مكافحة مثل هذا النوع من الجرائم، لتشكيل ما سُمى فيما بعد بـ«قوات مكافحة الإرهاب»، ليحل عام ١٩٩٤ وقد امتلك جهاز الأمن زمام المبادرة بشكل كامل، وتغيَّر المؤشر تمامًا لصالحه، عبر النجاح في توجيه عدد من الضربات القاصمة، أفقدت الإرهابيين صوابهم، وجعلتهم يتخبطون عبر خطط وعمليات أنهكتهم تماما.

لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد شملت المواجهة في تلك الفترة تقديم عدد ١٢٠ قضية إلى نيابة أمن الدولة العليا، والمحاكم العسكرية، ضمت أكثر من ألف متهم من عناصر الجماعات الإرهابية، حكم على ٩٤ منهم بالإعدام، ونفذ الحكم في ٧٠.

كما تم إحباط عديد من العمليات ضد شخصيات عامة وأماكن سياحية، واعتقال المئات من أعضاء تلك الجماعات، وهو ما دفع بتنظيم الجهاد إلى اتخاذ قرار في نهاية عام ١٩٩٥ بوقف العمليات المسلحة نهائيا في مصر، تلاه في ١٩٩٧ قرار الجماعة الإسلامية بإلقاء السلاح ووقف العمليات العسكرية من طرف واحد.

والآن، يبدو ونحن نشاهد ذات المشاهد التي تحدثنا عنها آنفا، أننا بحاجة ماسة إلى وضع حلول عاجلة لتلك الظاهرة، مستلهمين تجارب الماضى القريب.

يجب الإسراع بتنفيذ أربع خطوات رئيسية، تمثل في مجملها، ضرورة اللحظة، إذا أردنا أن نفوز بهذه المعركة:

أولا: المسارعة بإصدار قانون للإرهاب، تحاكم على أساسه الجماعات الإرهابية وحلفائهم.

ثانيا: إنشاء محاكم أمن دولة طوارئ، للنظر في تلك القضايا، لتحقيق العدالة الناجزة.

ثالثا: إنشاء مجلس قومى لمكافحة الإرهاب يرسم الخطط ويحدد الأهداف، ويقوم بالتنسيق بين جميع المؤسسات المعنية بمواجهة ظاهرة الإرهاب.

رابعا: وضع وتنفيذ خطة إصلاح شامل للمنظومة الأمنية، يأتى في مقدمتها إلغاء جميع القوانين المقيدة للعمل الأمنى والتي تم فرضها على جهاز الأمن الوطنى، في ظل حكم الإخوان.

من دون ذلك يا سيادة الرئيس، سنظل نودع أبناءنا كل يوم، دون أن نجعل من خططوا ونفذوا ومولوا تلك العمليات الدنيئة يدفعون ثمن ما اقترفوا من جرائم في حق مصر والمصريين.