من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: من مواطن مصري إلى الرئيس السيسي
تم نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز يوم الأربعاء ٧ يناير ٢٠١٥
حسنًا فعل الرئيس الشجاع، والمواطن المصرى المسلم بحق، عبد الفتاح السيسى، عندما ذهب إلى الكاتدرائية المرقسية، مهنئًا إخواننا من المصريين، بعيد الميلاد المجيد.
قدم الرئيس السيسى بما فعله نموذجًا يحتذى للمسلم الواعى بدينه، وللرئيس المسئول المدرك لأبعاد مسئوليته، والتحديات المحيطة به وبوطنه وبأمته، كما قدم نفسه كأول رئيس مصرى يقدم التهنئة للإخوة المسيحيين في عيدهم من قلب كاتدرائيتهم، وهو ما يفتح شهيتى استغلالًا لهذا الموقف الشجاع من الرئيس لأن أطرح عليه ما أرى أنها مشاكل حقيقية للأقباط، يجب النظر فيها بنفس الروح التي تملكته وهو يأخذ قراره بالذهاب إلى الكاتدرائية المرقسية، لتهنئة إخواننا من الأقباط.
بدأت مأساة الأقباط الحقيقية - من وجهة نظرى يا سيادة الرئيس- مع بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، الذي استهله بالتصالح الشهير مع جماعة الإخوان المسلمين، والقطيعة الكبرى مع رجال ورموز الحقبة الناصرية. كانت حادثة كنيسة الخانكة بداية تحويل ملف الأقباط برمته إلى جهاز مباحث أمن الدولة، فبعد تشكيل لجنة تقصى الحقائق برئاسة جمال العطيفى، وبعد أن وضعت اللجنة تقريرًا أشارت فيه لأسباب الاضطراب في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، ووضعت برنامجًا ناجحا لعلاج تلك المشكلات - التي مازالت بالمناسبة قائمة إلى يومنا هذا - وبعد أن أثنى مجلس الشعب على ذلك التقرير.. تم إيداعه أدراج المجلس، وتم تسليم الملف برمته لأمن الدولة.
جاءت أحداث الزاوية الحمراء كأول نموذج لتعامل جهاز مباحث أمن الدولة مع ذلك الملف، الذي عرف بملف الفتنة الطائفية، فقد وقف الرئيس السادات يشرح ما كتبه له إبانها وزير داخليته النبوى إسماعيل، طبقًا لتقارير الجهاز آنذاك، مشددًا على أن المسألة لا تعدو مشاجرة بين أسرة مسلمة وأسرة مسيحية حول قطرات من الماء العفن سقطت من شرفة إحداهما على غسيل الأخرى، كان الأمر بالطبع أبعد من هذا بكثير، والمفارقة في هذه الرؤية أن أحداث الزاوية الحمراء كانت بروفة نهائية لاستعراض القوة قامت بها جماعات العنف الدينى في مصر قبيل اغتيال السادات نفسه، والمفارقة الكبرى أن يروى هذه القصة الرئيس نفسه.
لم يختلف الأمر كثيرًا في تسعينيات القرن الماضى عندما ارتفعت موجة العنف لتطال الجميع، واتخذت الجماعة الإسلامية المصرية المسلحة الأقباط رهينة لإجبار النظام على الرضوخ لطلباتهم، وبعيدًا عن الاضطهاد الذي رأيناه بأم أعيننا للأقباط في حقبتى الثمانينيات والتسعينيات في المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا، والذي وصل إلى حد تطبيق الحدود عليهم في مساجد الجماعة الإسلامية بصعيد مصر، على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن، فقد بلغت الاعتداءات ضد الأقباط ذروتها في تلك المرحلة، التي شهدت مقتل أكثر من مائة قبطى في حوادث متفرقة، وظل الأمن كعادته يصف تلك الحوادث المنظمة بأنها حوادث فردية يقوم بها بعض الموتورين غير صحيحى العقيدة، واكتفى النظام بحفلات التقبيل بين الشيوخ والقساوسة عقب كل حادثة، خاصة عندما تكون عنيفة.
دير المحرق ودميانة وعزبة الأقباط وعزبة داود والتمساحية، كل هذه الأسماء السابق الإشارة إليها قرى وأديرة شهدت مذابح بشعة ضد الأقباط بين عامى 1994 و1997 راح ضحيتها العشرات، وظلت الدولة تتعامل مع المسألة بنفس الأسلوب، لا طائفية في الأحداث، أحداث فردية، لا متهمون يقدمون إلى المحاكم ولا أحكام.. كانت مأساة حقيقية، أن تضيع هيبة القانون، في بلد يباهى الأمم بحضارته التي تعود إلى سبعة آلاف عام، بلد يسمح ببناء الخمارات وكازينوهات القمار، وملاهى الرقص والعربدة لتجار الفشة والكرشة، ويفكر ألف مرة قبل الإقدام على منح قرار ببناء دار عبادة للإخوة المسيحيين!.
لقد تكشف لى، يا سيادة الرئيس، أثناء سنوات متابعتى لهذا الملف، والتي وصلت إلى ما يقرب من ربع قرن، أن معظم أسباب الفتنة تأتى من عدم السماح ببناء الكنائس، والبعض الآخر من التراخى في تطبيق القانون على الجميع واحترام هيبة الدولة، إذ كيف يفهم أن يسمح لقاصر أن تتزوج لمجرد أنها مسيحية أحبت شابًا مسلمًا وتريد الارتباط به، وكيف يسمح لقانون في مصر، بتعيين وصىّ على تلك القاصر بخلاف أهلها للسماح لها بتغيير الديانة، وماذا لو تم هذا مع فتاة مسلمة، إنها مشكلة تطبيق قانون وإعماله على رقاب الجميع دون اعتبارات سياسية أو دينية.
في العديسات بالأقصر والعياط بالجيزة ومنقطين بسمالوط، ومدن أخرى عديدة في ربوع مصر المحروسة راح مسلمون عاديون يحرقون كنائس يتعبد فيها الأقباط لسنوات، لا لشيء إلا لورود شائعة بأن الأقباط في طريقهم إلى ترميمها أو بناء جدرانها التي تهدمت دون إذن أو تصريح من الدولة، والسؤال هنا: كيف تحول هؤلاء البسطاء من المسلمين إلى متطرفين؟، إن هذه الأفعال كانت، ولحقب عديدة، مقصورة على فئة من الإرهابيين لهم مطالب سياسية معينة.. فماذا حدث؟ الغريب أنه لا يوجد أحد يطرح هذا السؤال ولا يوجد من يسعى بجدية للإجابة عنه، وبعيدًا عن السؤال الذي طرحناه فإننا نرى الحل أبسط من أن يظل دهرًا كاملًا حتى يتم تطبيقه واللجوء إليه، وهو ليس بسيطًا وفقط، وإنما أيضا في متناول سلطات الدولة التي تملك الحق وحدها في السماح ببناء وترميم الكنائس وحماية المتعبدين بها، ولكن يبدو لى أن البعض كان يريد وضع هذا الملف - دائما - على سطح صفيح ساخن للمناورة به حينًا وللضغط به حينًا آخر، وللتلويح به في أحيان كثيرة، ولكن ما لم يكن يدركه هؤلاء، أو ربما أدركوه وفعلوا ما فعلوا عن عمد، أن هذا الملف لا يجب أن يدخل حلبة الاحتراب السياسي مهما كانت الأسباب والدوافع، وإنما يجب وضعه في قلب اهتمامات الدولة بشكل عام، ورئيسها بشكل خاص باعتباره أخطر وأهم ملف في مصر.
الأقباط مطالبهم محددة وواضحة يا سيادة الرئيس، وقد كشفت عنها جميع الأحداث والمشكلات التي مرت بالبلاد طوال العقود الخمسة الماضية: وضع قانون موحد لبناء دور العبادة، مسلمة كانت أم مسيحية، إيجاد حلول عملية لمشكلة تمثيلهم السياسي، إزالة الاحتقان الطائفى بإيجاد قانون ينص على احترام المعتقدات، وتحريم إثارة الفتنة والتحريض عليها، إنشاء مجلس أعلى للوحدة الوطنية، يضم حكماء من المجتمع المدنى من الجانبين، يكون له حق التدخل السريع واقتراح إجراءات محددة لعلاج الظواهر المسببة للاحتقان الطائفى. وهو ما نأمل في تحقيقه، على يديك، وفى عهدك يا سيادة الرئيس.