الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب : من قتل المتظاهرين ؟

نشر هذا المقال على موقع البوابة نيوز، الإثنين 1 ديسمبر 2014

نشر
عبد الرحيم علي

أسدل المستشار محمود كامل الرشيدى الستار على محاكمة القرن بالحكم ببراءة جميع المتهمين، وفى مقدمتهم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى ومساعدوه فى جناية قتل المتظاهرين، والسؤال الذى يفرض نفسه، بعد هذا الحكم التاريخى، وبعيدا عن تنطع البعض، ممن أدمنوا الفجر فى الخصومة، هو «مَن قتل المتظاهرين إذن؟». 

 

والإجابة، من وجهة نظرى، واضحة جلية، ظهرت بقوة منذ أن اقتحمت عناصر حماس، الجناح المسلح لتنظيم الإخوان الإرهابى، السجون وهاجمت أقسام الشرطة وقتلت الجنود والضباط، وأشعلت النيران فى دواوين الحكومة ومقرات الأجهزة الأمنية، فى خطة تحدث عنها الشهيد العقيد محمد مبروك طويلا، فى محضر تحرياته، الذى تضمنته قضية التخابر الشهيرة، والتى يحاكم فيها مرسى ورفاقه.

 

لقد رصد مبروك خطة الجماعة منذ اللحظة الأولى، وأورد فى شهادته، التى دفع حياته ثمنا لها، وقائع اللقاء الذى عقد بمدينة دمشق خلال شهر نوفمبر عام 2010، أى قبيل ثورة 25 يناير مباشرة، برعاية جماعة الإخوان فى مصر، وبالتنسيق مع التنظيم الدولى، والذى شارك فيه كل من على أكبر ولاياتى مستشار الإمام الخمينى، وعلى فدوى أحد قادة الحرس الثورى الإيرانى، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى ذلك اللقاء اتفق «الإخوان» أن تتولى عناصر من حرس الثورة الإيرانى تدريب العناصر التى سوف يتم الدفع بها من قطاع غزة إلى مصر، وذلك عقب خروج الجماهير يوم 25 يناير، مسندين مسئولية تخطيط دخول تلك العناصر إلى البلاد للفلسطينى أكرم العجورى، أحد كوادر حركة حماس، نظرا لعلاقته المتميزة مع بدو سيناء ومهربى الأسلحة بها. فى هذا اللقاء أيضا سلَّم خالد مشعل أحد عشر جواز سفر مصريًّا إلى على فدوى لمساعدة عناصر حزب الله اللبنانى فى دخول البلاد.

 

كان الهدف الأول من الخطة ضرب جهاز الشرطة المصرية ضربة موجعة، لإفقاده القدرة على الحركة من خلال استهداف مائة وستين قسما ومركز شرطة فى توقيت متزامن، وكذا اقتحام مبانى الليمانات والسجون، بهدف تهريب عناصر حركة حماس وحزب الله والعناصر البدوية، التى سبق أن شاركت فى تفجيرات طابا وشرم الشيخ ودهب، بالإضافة إلى المسجونين الجنائيين، بهدف زيادة حالة الفوضى فى البلاد.

 

لم يكتف مبروك بذلك، وإنما أورد دليل براءة مبارك ومساعديه، وأدان الإخوان وحلفاءهم، عندما أكد اتفاق الجماعة الإرهابية وأعوانها من كوادر حركة حماس على الوجود بميدان التحرير وبعض الميادين الأخرى بالمحافظات، بهدف إطلاق النيران على عدد من المتظاهرين وإردائهم قتلى، مدعين بأن قوات الشرطة هى التى تطلق النيران على المتظاهرين. وشرح مبروك كيف بدأ تنفيذ المخطط يوم الثامن والعشرين من يناير عندما قامت تلك المجموعات بالتسلل إلى محافظة شمال سيناء، عبر الأنفاق، بمعاونة بعض العناصر البدوية وكوادر إخوانية من قاطنى شمال سيناء، ذكرهم بالاسم فى شهادته، مستقلين سيارات دفع رباعى، ومزودين بمدافع «آر بى جى» وأسلحة رشاشة.

 

ليس مبروك فقط الذى منح مبارك صك البراءة من تهم قتل المتظاهرين منذ اللحظة الأولى، ففى مفاجأة من العيار الثقيل جاءت شهادة المشير حسين طنطاوى فى قضية القرن، لتنفى تماما شائعات القناصة التى روجها البعض، وما زال يؤمن بها آخرون من مدعى الثورية، حول وجود قناصة من الشرطة فى ميدان التحرير قاموا بعمليات قنص للمتظاهرين، حيث أكد الرجل أن هذا الموضوع عارٍ تماما عن الصحة، معللا ذلك بأن قيادة المنطقة المركزية كانت تقدم له تقريرا يوميا مفصلا بما يحدث، على طول البلاد وعرضها، وأنه لم تذكر معلومات بهذا الشأن فى تلك التقارير. على عكس ذلك تماما، والكلام ما زال للمشير طنطاوى، ذكر له قائد المنطقة المركزية فى أحد تقاريره أن هناك بعض العناصر المنتمية إلى الإخوان اعتلوا أسطح المنازل المحيطة بالتحرير ويقومون بعمليات قنص للمتظاهرين.

 

نفس الأمر حدث فى شهادة اللواء مراد موافى، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، عندما أكد الرجل أن المرحوم عمر سليمان أخبره بوجود عناصر من حركة حماس فى ميدان التحرير. لم يكتفِ موافى بتلك الشهادة وإنما أضاف، فى قول فصل لا يقبل التأويل، أن الإخوان هم من يقفون وراء عمليات العنف والقتل التى حدثت إبان ثورة 25 يناير، وأن الهدف من وراء ذلك كان كسر مفاصل الدولة، سواء الشرطة أو القوات المسلحة.

 

الحقيقة أن الأحداث التى تلت ثورة 25 يناير وحتى الآن أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الإخوان وحلفاءهم من إرهابيى حماس وحزب الله، ومن بعد ذلك «أنصار بيت المقدس» و«داعش»، هم من يقفون وراء كل أحداث العنف والقتل التى جرت وما زالت تجرى على أرض الوطن. لقد قلنا منذ اليوم الأول إنه لا يوجد ضابط واحد تلقى أمرا بإطلاق النار على المصريين، ولم يحدث أن أطلق أحدهم النار على صدر مصرى، وهو ما أكدته الأحداث وعنونته كحقيقة على حكم المحكمة التاريخى.

 

يبقى الحديث عن حالات الفساد والإفساد السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وترهل نظام حكم مبارك، فى سنواته الأخيرة، وتلك قضية أخرى مجالها التاريخ، وقد حكم التاريخ على مبارك ورجاله بأن عزلهم عن السلطة فى ثورة شعبية اختطفها الإخوان، ولم يبق لنا الآن إلا أن نتصدى وبكل حزم وحسم لكل محاولات الجماعة الإرهابية، وأعوانها، سواء هؤلاء الذين يساندون خططها لاستغلال حكم محكمة الجنايات ببراءة مبارك لصنع حالة جديدة من الفوضى تماثل ما حدث فى 25 يناير من عام 2011، أو الذين يناقشون الحكم بشكل سياسى يصب فى النهاية فى نفس البوتقة. 

 

أخيرا، فإن بين أيديكم اليوم العدد الأول من جريدة «البوابة» اليومية، صوت الشعب المصرى، تلك المطبوعة التى نأمل أن تكون لسان الحقيقة، مهما بلغت مرارتها، فقد تعودتم منا أن نفعل ذلك مهما كلفنا الأمر.. إن احتضانكم لها هو ما سوف يبعث فى روحنا الأمل لنكمل مسيرتنا، ونحن واثقون من ذلك.