من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: إبراهيم محلب.. حمّال الهموم
لماذا نكتب اليوم عن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، وهل هو فى حاجة بالأساس لكى نكتب عنه، أعتقد أن سيرة الرجل وعطاءه لا يحتاجان تزكية من أحد، ولكن الحملة الظالمة التى يتعرض لها وصلت حدًا لا يجوز لأى صاحب ضمير أن يقف صامتًا تجاهها، خاصة وهى تتنامى فى شكل يبدو منظمًا للنيل منه، ليس بوصفه رئيس وزراء مصر فقط، ولكن بوصفه ممثلًا لنظام بأكمله.
يقولون إن رئيس الوزراء وحكومته يسعيان لعرقلة خارطة المستقبل، وتعطيل إجراء الانتخابات النيابية، وهى تهمة يضحك له الولدان فضلا عن الشيوخ والعجائز، الذين أدركتهم الحكمة فحنكتهم سياسيًا واجتماعيًا، لماذا؟ لأن القاصى والدانى يعلم أن الخاسر الأكبر من تأجيل أو إلغاء تلك الانتخابات هو النظام الذى ينتمى إليه رئيس الوزراء نفسه، والأدهى من ذلك أن الذين يرددون ذلك الاتهام، هم أكثر الناس شوقًا إلى التأجيل لعدم استعدادهم لهذه الانتخابات وعدم جاهزيتهم لاستحقاقاتها.
يقولون إن رئيس الوزراء، الذى كان منذ قليل يسعى لعرقلة إجراء الانتخابات لكى ينعم بمرحلة من العمل بلا رقابة برلمانية، يسعى ومعه حكومته لاستجلاب حصانة مسبقة للبرلمان القادم تحميه من الحل، وفق أى طعن أمام المحكمة الدستورية.
لعلى أراكم وقد أمسكتم مثلى بأدمغتكم، لكى لا تنفجر من حجم الإرباك والارتباك، إذ كيف يسعى الرجل إلى تحصين البرلمان القادم من الحل، وهى تهمة يعلم الله، قبل مطلقيها، أن الرجل برىء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ثم يسعى فى ذات الوقت إلى عرقلة قيامه من الأساس لكى ينعم بوضع تنعدم فيه الرقابة الشعبية على أعمال حكومته.
لقد أعلن المهندس إبراهيم محلب، فى أكثر من مناسبة، أنه لا حصانة للبرلمان القادم أو أى برلمان من رقابة المحكمة الدستورية العليا، وأنه لا تدخل من الحكومة فى العملية الانتخابية، سواء ما يتعلق بتوقيت إجرائها، أو الرقابة عليها، أو تعديل قانون تقسيم دوائرها، إذ كل نقطة من تلك النقاط الثلاث تختص بها إحدى الجهات المعتبرة قانونًا، حيث تتولى اللجنة العليا للانتخابات الإعداد لها وتحديد مواعيدها وأماكن إجرائها، وتختص اللجنة التشريعية المشكلة بقرار من رئيس الوزراء، وليس رئيس الجمهورية كما يدعى البعض، بتجهيز التعديلات التى اعترضت عليها المحكمة، ويتولى المجتمع المدنى واللجنة العليا للانتخابات، مجتمعين، الرقابة على العملية الانتخابية، بينما ينحصر دور الحكومة فى تقديم التسهيلات لكافة الجهات المشاركة فى العملية الانتخابية، بما فى ذلك عملية تأمينها من خلال وزارتى الداخلية والدفاع بشكل كامل.
الحوار المجتمعى:
ونأتى إلى دعوة محلب للقوى السياسية للحوار المجتمعى حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخابات، وهل جاءت الدعوة من محلب تسلطًا أو ممارسة لسلطة تخالف الدستور والقانون، أم أن محلب استجاب لدعوات القوى السياسية والشخصيات العامة التى ألحت فى لقائه لإجراء حوار حول قضايا متعلقة بالتعديلات المقترحة لكى تأخذها اللجنة المشكلة لهذا الغرض فى حسبانها وهى تقوم بعملية التعديل، ولماذا لم يعترض المعترضون، عندما استجاب رئيس الوزراء لدعوات ومطالب سابقة لقوى مجتمعية عديدة ناقشت مع محلب العديد من قضايا الوطن، ونزعت العديد من فتيل القنابل قبل أن تنفجر فى وجه المجتمع.
ولماذا لم يعتبر المعترضون لكون هذه الحكومة، تحديدًا، هى حكومة شعبية بامتياز، باعتبار ما حازه مشكلها، وهو رئيس الدولة، من إجماع شعبى فى الانتخابات الرئاسية السابقة، حيث حصل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى شكل تلك الحكومة واختار رئيسها، على ٩٧٪ من الإرادة الشعبية لجميع المصريين.
وطبيعى أن تقوم تلك الحكومة فى غيبة البرلمان بأعمال ووظائف عديدة لعل أهمها هو ذلك الحوار المجتمعى الذى يهدف بالأساس إلى تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف والكلمة، فى وقت تحتاج مصر فيه، أشد الاحتياج، لمثل ذلك الاصطفاف.
هل أخطأ السيد رئيس الوزراء فى الاستجابة لطلب القوى السياسية للحوار المجتمعي؟! وهل نعود للمثل القائل «نفتح الباب ولا نقفله»، وندخل فى تلك الحيرة متشدقين ببعض المواد القانونية والدستورية التى يعرفها ويحفظها القاصى والدانى عن ظهر قلب، كما يحفظوا أيضًا ظروف بلادنا جيدًا، أعتقد أن محلب ليس ذلك الرجل الذى يدير ظهره لبلاده عندما تحتاجه تجنبًا لانتقادات البعض.
لقد تولى إبراهيم محلب رئاسة الوزراء فى فترة هى الأصعب فى تاريخ مصر، حيث تعاقب على رئاسة الحكومة، بعد ٢٥ يناير، عدة أسماء لم تستطع أن تحقق ما يصبوا إليه المواطن، بدءا من الفريق أحمد شفيق، الذى لم يأخذ فرصته كاملة نتيجة الأحداث التى شهدتها البلاد، ثم حكومة شرف التى خذلت توقعات الكثيرين، مرورًا بحكومة الجنزورى التى حاولت قدر الإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ثم حكومة قنديل الإخوانية التى أحدثت انتكاسة لمصر ومصالح المصريين على كافة المستويات، حتى حكومة الببلاوى التى مثلت أكثر الحكومات ارتعاشًا فى تاريخ مصر.
البيئة السياسية لم تكن مشجعة، إذن، ولا ممهدة، والتوترات كانت كبيرة والإرهاب يتنامى، وهبوط سعر الجنيه فى استمرار، ما أدى إلى تراجع وانسحاب للاستثمارات المصرية والعربية والأجنبية،... إلخ.
كل تلك المشكلات ورثها إبراهيم محلب ووزارته، وهى تركة لم يكن ليحسد عليها أحد.
دون تردد، أقدم محلب على مهام منصبه، فى وقت آثر فيه من كانوا نجومًا لمرحلة ما بعد ٢٥ يناير، الابتعاد عن مواقع العمل، والهروب من منابر المساءلة، بدا الرجل حاسمًا منذ الوهلة الأولى، لديه أولويات محددة وخطط عمل واضحة، نزل إلى الشارع وتفاعل مع الأزمات ومع هموم المواطنين، أعلن أنه لا يعرف المكاتب المكيفة.. شاهدناه فى الشوارع والحوارى الضيقة فى أسوأ الأحوال المناخية، بملابس مصرية عادية.. فعالًا يحل مشاكل الجماهير فى حينها حلًا جذريًا، بعيدًا عن البروباجندا والثرثرة الإعلامية، كان يعمل فى صمت، وتحد حتى لنفسه وتاريخه، حتى دخل قلوب المصريين من أوسع الأبواب.
الاحتجاجات الفئوية:
كانت الاحتجاجات الفئوية فى السنوات، التى تلت ثورة ٢٥ يناير، غولًا ينهش جسد أى موازنة للدولة، وكانت الحكومات تعيش تحت وطأة «اللافتة والهتاف»، وما بينهما من مطالب، وعلى المسئول آنذاك الاختيار، بين الاستجابة أو تعطيل مصالح البلاد والعباد. وفى الأسبوع الأول لحكومته، كان إبراهيم محلب، وسط عمال غزل المحلة الغاضبين، فى زيارة غير معلنة، قائلًا: «إحنا ممعناش عصا سحرية، أنا محتاج ٤ شهور بلا إضراب لحين إعادة تشغيل الشركة ومصانعها، وأنا سأقاتل لتحقيق مطالبكم»، فوجئ العمال حينها برجل من قلب الشارع، يشاطرهم الكثير من القواسم المشتركة، مظهره لا يوحى بأى تعال، غير محاط بحرس ورجال أمن كما اعتادوا أن يروا من هم حتى أقل منه منصبًا وشأنًا، بدد مخاوفهم من الخصخصة، وأكد على الحفاظ على حقوقهم. فاستطاع أن يحتوى غضبًا كان يمكن أن يكبد اقتصاد مصر، كما أراد أعداؤها، الكثير.. وجاء الرد من بين صفوف العمال سريعًا، حينما وصفه أحدهم بـ«طلعت حرب الجديد».
لقد وضع محلب الجميع، حقيقة، أمام حالة اسثنائية، أيقنت خلالها كافة أطراف المعادلة أن الحكم لم يعد من داخل الغرف المكيفة، وإنما من قلب ميادين العمل.
استطاع فى فترة قصيرة جدًا رغم حملات التشكيك والتجريح، أن يبنى رصيدًا كبيرًا من الثقة بينه وبين الشعب، واستطاع أن يحرج كل أعضاء حكومته بنشاطه وجولاته المكوكية ليل نهار، يتفاعل مع كل كبيرة وصغيرة ويهتم بكافة التفاصيل.
نجح فى حل العديد من الملفات بشكل لافت للنظر، أتاح المتطلبات الأساسية التى تحقق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للمواطن، فى بلد يعيش ظروفًا عصيبة، ولم ينس رغم كل تلك الهموم المشروعات القومية الكبرى، ومعالجة الاختلالات الهيكلية فى بنية الاقتصاد المصرى واستعادة توازنه، كما نجح فى تحقيق الإصلاح المؤسسى والإدارى والحفاظ على أصول الدولة والقطاع العام.
استكمال خارطة الطريق:
وجاء الحوار المجتمعى فى وقت عصيب أيضًا، ففى نهاية ٩٠ يوما منذ أن حلفت حكومة محلب اليمين الدستورية، تم تحقيق التكليف الأول للحكومة باستكمال خارطة الطريق، وذلك بعد أن فرض الشعب المصرى إرادته باختيار رئيس جمهورية فى انتخابات شهد العالم أجمع بنزاهتها. كان أداء الحكومة فيها رائعًا ومحايدًا. وتمت العملية الانتخابية بنموذجية، فاقت كل التصورات، سواء فى إدارتها أو فى مناخها العام.
إلا أن التحدى الأكبر كان الانتخابات البرلمانية، آخر استحقاق لخارطة المستقبل، والتى تم تأجيلها بعد قبول الطعون على تقسيم الدوائر، ولكى لا يتم فرض حلول من الحكومة أو القيادة السياسية، اهتم محلب بفكرة الحوار المجتمعى من أجل التوافق على شكل العملية الانتخابية، ليضع مثلًا للديمقراطية والحرص من جانب الحكومة للعبور لبر الأمان بمشاركة كل القوى السياسية والمجتمعية.
أكد محلب أنه حريص على تحقيق ما تطالب به القوى السياسية والمجتمعية، أن تبدأ الإجراءات فى أسرع وقت، معلنًا أن الحكومة سوف تبذل قصارى جهدها للوصول إلى تلك النتيجة، رغم علمه بصعوبة ذلك، لكنه راح يبعث الأمل فى النفوس، ويبعد الإحباط عن المشاركين فى الحوار. وقال خلال الجلسة الثالثة: «نتعامل مع حوار قانون المعركة البرلمانية برقى، ونسعى أن تعتلى مصر مكانتها».
تحمل غضب البعض خلال الجلسة الثانية من الحوار وقال «أعطى لمن غضب العذر وألوم نفسى، ولكن أقول بحزم إن الحكومة أقسمت أنها لن تتدخل فى الانتخابات البرلمانية، ولن أتدخل شخصيًا فى العملية الانتخابية لأنى رجل أمين».
كانت تلك كلمات رئيس الوزراء التى ختم بها الحوار، وعلينا أن نثق بها وبه، لأنه حمّال الهموم، ورجل من أهم رجال المرحلة، مرحلة ما بعد ٣٠ يونيو، حيث مصر جديدة وقوية وصاعدة.
محلب
أقدم محلب على مهام منصبه، فى وقت آثر فيه من كانوا نجومًا لمرحلة ما بعد ٢٥ يناير، الابتعاد عن مواقع العمل، والهروب من منابر المساءلة، بدا الرجل حاسمًا، لديه أولويات محددة وخطط عمل واضحة، نزل إلى الشارع وتفاعل مع الأزمات ومع هموم المواطنين، أعلن أنه لا يعرف المكاتب المكيفة
عبدالرحيم علي
رئيس الوزراء يستمع إلى مشاكل المواطنين فى كل مكان
نجح فى حل العديد من الملفات بشكل لافت للنظر، أتاح المتطلبات الأساسية التى تحقق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للمواطن، فى بلد يعيش ظروفًا عصيبة، ولم ينس رغم كل تلك الهموم المشروعات القومية الكبرى.