الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: قدر مصر وقدرنا

نُشربتاريخ 01/أبريل/2015 على موقع البوابة نيوز

نشر
عبد الرحيم علي

منذ أن اكتشف المصريون حقيقة وضع بلادهم وأهميتها الجغرافية والتاريخية، كواحدة من أهم بقاع الأرض صناعة للتاريخ وتشكيلا للحضارات وبناء للأمم، في التاريخ القديم والحديث، راحوا يخططون ويبنون استراتيجياتهم على هذا الأساس، فمصر ليست دولة من تلك الدول التي تملك رفاهية الانكفاء على ذاتها، سواء للبناء أو التنمية، أو حتى كفاية لشر النفس أو الغير، لا موقعها الجغرافى الحيوى في قلب العالم، ولا مكانتها التاريخية تسمح لها بذلك، وظل المصريون حكاما ومحكومين يعملون وفق تلك الصيغة، سواء أبناء محمد على الذين حكموا مصر لما يقرب من قرن ونصف، أو ثوار يوليو الذين حكموا من بعدهم، وظل الساسة، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، وأجهزة المعلومات، سواء الداخلية منها أو الخارجية، يتعاملون وفق تلك الصيغة، مدركين كل أبعادها السياسية والأمنية، تلك الأبعاد التي تفرض على القاهرة التمدد والتأثير في أي بقعة من العالم، تؤثر أو تتأثر بأمن مصر القومى، حدث ذلك في عصر الرئيسين عبدالناصر والسادات وتواصل طوال العشرين سنة الأولى من حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فماذا حدث لنا وبنا في العشرية الأخيرة التي سبقت ثورة ٢٥ يناير 2011؟!. لسنا هنا بصدد محاكمة أحد أو الهجوم على أحد، فالرئيس مبارك كما أكد هو نفسه، في آخر خطاب وجهه للأمة، قدم ما قدم لمصر انطلاقا من إحساس بالمسئولية الوطنية، وسيحكم التاريخ له أو عليه، ولكننا اليوم نعرض لمجموعة من الأفكار نرى أنها التي تم تبنيها وتطبيقها في العشرية الأخيرة من حكمه، أضرت ضررا بالغا بوضع مصر وأمنها القومى، وما زلنا ندفع ثمنها غاليا حتى الآن. لقد أطلق البعض، من قادة ما سمى بالفكر الجديد في الحزب الوطنى، في بدايات الألفية الثالثة 2001، مفهوما جديدا للأمن القومى المصرى قالوا إنه الأكثر شمولا، حيث توافر الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتحقيق مستويات الرفاهة، ثم الانتقال لمستوى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لضمان تنمية قدرات ومُقدرات الدولة، وأصبح ذلك التعريف هو التعريف الإجرائى والعملى والإستراتيجي لمفهوم الأمن القومى المصرى منذ ذلك التاريخ. وهو مفهوم قد يصلح لعشرات الدول المتقدمة التي ليس لها ظروف مثل ظروف مصر، لقد نسى هؤلاء، أو غاب عنهم، أن مصر ليست من تلك الدول التي يصلح معها هذا المفهوم، لأنها ببساطة مطمع قديم لكل الإمبراطوريات التي حكمت العالم، والتي تسعى للسيطرة عليه حتى الآن، وأن تمزيقها والسيطرة عليها وتركيعها أحد المخططات المهمة التي تسعى إليها دول ومحاور بعينها تريد السيطرة على المنطقة، وتعرف أنها بدون مصر ضعيفة ومفتتة وتابعة لن تستطيع تحقيق ذلك الحلم. مصر هي قلب الأمة العربية النابض وأهم طرق التجارة العالمية ومركز من مراكز الكون المهمة، حقائق لم يلتفت إليها واضعو نظرية الأمن القومى الجديدة لمصر، لم يلتفت هؤلاء للمؤامرات التي تحاك ضد مصر من قبل محاور عديدة بعضها يريد تقزيم دورها لصالحه كإيران، تلك الدولة التي ما زالت تحلم بعودة سيطرتها كإمبراطورية فارسية على العالم، وبخاصة الشرق الأوسط، وكذا إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب، الذين يحلمون بإمبراطورية صهيونية تمتد من النيل حتى الفرات، سواء جاءت تلك الإمبراطورية على أسنة الرماح، أم جاءت على ورق البنكنوت وأسهم البورصة وسندات البنوك وحصص الشركات العابرة القارات، والأسواق المشتركة، لم يلتفت هؤلاء لحجم المؤامرة التي بدأت تفعل فعلها على الأرض في غيبة من أجهزة المعلومات التي جرى تقزيمها وتحجيمها لصالح تلك الرؤية الجديدة، رؤية الانكفاء على الذات ووضع المصالح المصرية الداخلية كأولوية قصوى في النظر إلى العالم. وبدأ البعض من أصحاب التوجه الجديد، ينظرون إلى الرؤية التي تقدمها أجهزة المعلومات وبخاصة أجهزة الاستخبارات المصرية، باعتبارها مجرد دفاع عن وضع قديم تم اكتسابه، ولا يريد أصحابه التخلى عنه، وهكذا ببساطة اختصر أصحاب الفكر الجديد، دفاع أجهزة المعلومات والأمن القومى عن رؤيتهم لمصر ودورها ومكانتها، وتم حسم الصراع بين الطرفين بانحياز الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لأصحاب النظرية الجديدة، وإلقائه بمجمل أوراق اللعبة في أيديهم. منذ ذلك التاريخ وبالتحديد منذ بداية الألفية الثالثة، عام 2001 بدأت خطوات جديدة تعلى من قيم المصرية على العروبة والإسلام، تخلى مسئولية مصر عن أمن محيطها العربى والإفريقى والإسلامى، تلك الدوائر التي صنعت ولعشرات السنين دوائر الأمن القومى المصرى، حتى جاءت ثورة 25 يناير وبدت الحاجة ملحة لأجنحة مصر التي كانت تحميها وتتدخل عند اللزوم للجم البعض ممن يحاول الضغط عليها، أو القيام بأعمال عدائية ضدها، وضح ذلك بشدة من استئساد أحزاب وحركات مسلحة صغيرة مثل حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان على مصر، وبدا واضحًا للجميع أننا لا نستطيع أن نفعل شيئا يقول إننا دولة كبرى لا يجوز التطاول عليها بهذا الشكل، على الرغم من نجاحنا في تحقيق نسب نمو اقتصادية عالية، تلك التي لم تساعدنا في الصمود أمام من أرادوا ابتلاع البلاد، مستغلين ثورة الشعب المصرى في ٢٥ يناير. الغريب أنه لم يقف أحد ليدرس، ماذا جرى ولماذا، وما هي تلك القوة الوحيدة التي وقفت ضد خطة ابتلاع مصر وتصدت لها بهدوء وحزم، ولماذا نجحت في مهمتها الشاقة والمستحيلة تلك، لماذا استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تحمى مصر من تلك المخططات وأن تعبر بها إلى بر الأمان؟!. لقد ظلت القوات المسلحة خلال تلك العشرية من السنوات بعيدة تماما عن استخدام أو تطبيق تلك الرؤية، ولم يطبق عليها أي مبادئ من مبادئ الفكر الجديد، ظلت مدركة لأهمية دورها كدرع، ليس لمصر وحسب وإنما للعرب جميعهم، كما ظلت مدركة لعقيدتها باعتبارها قوات دفاع عن الأمن القومى المصرى ليس ضد الجيوش المهاجمة وحسب، وإنما ضد كل من تسول له نفسه النيل من أمن واستقرار مصر داخليا وخارجيا، وهو ما نفع المصريين بعد إرادة الله سبحانه وتعالى في استرداد بلادهم التي تم اغتصابها لعام كامل، هو عام حكم الجماعة الإرهابية. وفيما بعد اتضح بالطبع مدى الضعف الذي وصلت إليه الذراع المصرية، التي كانت توصف بالطولى، عندما حدث ما حدث على حدودنا الغربية في ليبيا، والشرقية في سيناء، وكذا ما جرى ويجرى في ملف مياه النيل وأخيرا ما حدث ويحدث في اليمن. وأفاقت مصر على كارثة، ذراع قصيرة وضعيفة ومؤامرات متشعبة ومكثفة، وهنا بدأ العمل بقوة على استعادة تلك الذراع الطولى والقوية، لاستعادة هيبة مصر وقدرتها على الردع، حتى بدون استخدام القوة، أو إرسال الجيوش، بالطبع أمامنا سنوات عديدة حتى نصل 2001، بـ2015، ونجسر الفجوة التي دامت أربعة عشر عاما، لكننى على ثقة من أن القائمين على هذا العمل الجبار يصلون الليل بالنهار، ويعملون طوال الأربع والعشرين ساعة، كل ساعة بعشرة أمثالها، لكى يجسروا الهوة في سنوات أو شهور معدودة، وعلينا نحن أن نتفهم ما جرى ويجرى، نخبا ومواطنين، حتى ندرك حجم المسئولية التاريخية الملقاة على أكتافنا، لا أن نسأل، في بلاهة، ما فائدة ذلك، لماذا نذهب إلى ليبيا واليمن، ولماذا نؤكد على أن ما بيننا وبين دول الخليج «فركة كعب»، فهذا قدر مصر، وقدرنا.