من أرشيف عبد الرحيم علي
الملفات السرية للإخوان.. الحلقة السابعة.. البنا يُشبه الملك بالإله ويصف النقراشي بالأحمق
نشر بتاريخ 29 ديسمبر2013 بموقع "المركز العربي للدراسات والبحوث"
نشر
- الصباغ يعترف بأن سيد فايز هو صاحب قرار اغتيال النقراشي
- ويضيف اعترافات أخرى حول مسئولية الجماعة عن اغتيال سليم ذكي
- البنا يرسل رسالة للملك يشبهه فيها بالله سبحانه وتعالى ويقول له: «نلوذ بعرشك الكريم»
- البنا يصف النقراشي في رسالته للملك بالأحمق في إدارة أمور الدولة
ويبكي بعد يومين في حضرة وكيله واصفا إياه بالحكمة وسعة الأفق
لأول مرة في جريدة مصرية:
خطاب البنا للملك فؤاد
ومذكرة وكيل الداخلية حول لقائه بالبنا
رواية الصباغ لأسباب قتل النقراشي باشا :
وحتى نكون منصفين فإننا لن نعتمد على صوت واحد من داخل النظام الخاص (الجناح العسكري للإخوان) في تأكيد قيام الإخوان بعملية الاغتيال، على الرغم من إنكار البنا وعدد من قادة الإخوان نسبة عملية الاغتيال للجماعة حتى الآن، فسوف نورد ما قاله أحد الأقطاب الكبار للنظام الخاص وبطل قضية السيارة الجيب المعروفة، محمود الصباغ، الذي يروي تفاصيل عملية الإغتيال كاملة في متابه الذي قدم له مصطفى مشهور عام 1986، حقيقة التنظيم الخاص ودوره فى دعوة الأخوان المسلمين – الطبعة الأولى – دار الأعتصام- ص 312
قتل النقراشى باشا:
فتحت هذا العنوان يقول الصباغ في ص 450: لا يمكن أن نعتبر أن قتل النقراشى باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائى صرف قام به أبطال الاخوان المسلمين ( إذا لماذا أصر البنا –آنذاك- أن الإخوان بريئون من دم النقراشي براءة الذئب من دم بن يعقوب وما زال يعض قياداتهم يصر على ذلك حتى الآن ) لما ظهرت خيانة النقراشى باشا صارخة فى فلسطين بأن أسهم فى تسليمها لليهود ثم أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التى تنزل ضربات موجعة لليهود، كما شهد بذلك ضباط القوات المسلحة المصرية سابقا، وكما سنرويه تفصيليا فى الفصل القادم ان شاء الله، فحل جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم وحرم أن تقوم دعوة فى مصر تدعو الى هذه المبادئ الفاضلة الى الأبد، فكانت خيانة صارخة لا تستتر وراء أى عذر أو مبرر، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعا، ويكون قتله فرض عين على كل مسلم ومسلمة (أنظروا كيف يقرر الإخوان من هو الخائن ومن هو الوطني ثم يصدرون الحكم عليه ثم ينفذوه دون أدنى محاكمة) .
سرية الشهيد الظابط أحمد فؤاد لقتل النقراشى باشا:
وتحت هذا العنوان يورد الصباغ ما نصه: كان الشهيد السيد فايز هو مسئول التنظيم الخاص عن مدينة القاهرة بعد اعتقال كل من يعلوه فى القيادة سواء من رجال الدعوة العامة او من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع اعضاء الهيئة التأسيسية وحيل بين المرشد العام وبين جميع الاخوان، فأصبح سيد فايز هو المسئول عن حماية الدعوة فى هذه الظروف الشاذة وله حق الاجتهاد .
وقد نظر السيد فايز فى قرار حل الإخوان المسلمين وفى الظروف التى تحيط بهذا القرار سواء فى الميدان او فى داخل مصر، فشعر أنه محكوم بحكومة محاربة للإسلام والمسلمين وقرر الدخول معها فى حرب عصابات فوق أرض مصر.
(الغريب أن سيد فايز هذا تم قتله فيما بعد بمعرفة نفس التنظيم الذي كان يقوده بواسطة علبة حلوى مفخخة وهكذا أذاقه الله طعم ما ذوقه للآخرين وصدق الله العظيم «يمهل ولا يهمل»
ونكمل مع الصباغ حيث يورد: لم يكن للسيد فايز من بد فى أن يتحمل هذه المسئولية، فكل إخوان الدعوة العامة معتقلون والمرشد العام محجوب عن اللقاء بالإخوان بوضعه تحت العدسة المكبرة لرجال الأمن طوال ساعات النهار والليل فليس هناك مجال للأتصال به أو أخذ التعليمات منه، وبدأ السيد فايز معاركه برأس الخيانة- محمود فهمى النقراشى.
كون سرية من محمد مالك وشفيق أنس وعاطف عطية حلمى والضابط أحمد فؤاد وعبد المجيد أحمد حسن ومحمود كامل، لقتل النقراشى باشا غيلة ولتتحطم رأس الاستبداد وقد أسند قيادة هذه السرية الى الشهيد الضابط أحمد فؤاد.
وقد رسموا الخطة على النحو الذى ظهر فى تحقيقات هذه القضية ( قد أشرنا إليه في الحلقات السابقة) ونجح عبد المجيد أحمد حسن فى قتل النقراشى باشا، فى مركز سلطانه وسط ضباطه وجنوده وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية.
البنا وعملية قتل النقراشي:
أشارت أغلب كتابات قادة الإخوان في موضوع مقتل النقراشي باشا على يد العصابة الإخوانية المسماة، زورا وبهتانا، بالمسلمين، من طرف خفي الى عدم علم البنا بقرار اغتيال النقراشي، مع الأخذ في الإعتبار أن سيد فايز المخطط الرئيسي للحادث هو التلميذ النجيب للبنا، الذي أتى به للقضاء، على ما أسماه (البنا) فوضى النظام الخاص في عهد عبد الرحمن السندي، وعلى الرغم من أن مجمل كتابات الإخوان أنفسهم قد أكدت على ان سيد فايز لم يكن له –أبدا – أن يتخذ قرارا دون علم البنا، فما بالك والقرار هو اغتيال رئيس وزراء مصر. نقول على الرغم من كل ذلك فإنه ما زال من قادة الإخوان من يذهب الى عدم علم البنا بقرار الجماعة قتل النقراشي باشا، وهنا يجب الإشارة الى وثيقتين أساسيتين، ربما يلقوا نظرة مختلفة لما إذا كان البنا هو الذي أتخذ القرار أم غيره.
الأولى هي نص خطاب البنا الى الملك الذي راح يحرض فيه السراي على النقراشي باشا في السادس من ديسمبر عام 1948 ، والذي حوله الملك الى إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الديوان، الذي حوله بدوره الى النقراشي باشا . ونصه:
الخطاب الذى رفعه حسن البنا إلى الملك يستعديه على النقراشى
ديوان جلالة الملك-سري رقم 1666
حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك وادى النيل حفظه الله،
أحمد اليكم الله الذى لا إله إلا هو وأصلى وأسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وأمام المتقين وأحيي سدة جلالتكم المجيدة بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته متبوعة بأصدق آيات الاخلاص وأخلص معانى الولاء.
يا صاحب الجلالة
لقد حرمنا جهادنا فى فلسطين أو كدنا لا لضعف فى جيشنا أو تخاذل فى شعبنا أو نقص فى عددنا أو جهل بواجبنا ولكن لتحكم السياسة المترددة فى الحرب الصارمة وتدخل رئيس الحكومة (في إشارة الى النقراشي باشا) فى شئون القتال وتردده فى مواجهة المواقف بما تقتضيه إلى جانب العوامل الأخرى التى لا يد لنا فيها ولكن كان فى وسع الحازم اللبق والقوى الفن أن ينتفع بها ويستفيد منها.
ولقد انفرد الحاكم العام بالعمل فى السودان ينفذ فيه سياسة بريطانيا المرسومة وخططها الانفصالية المعلومة وأخذ يوجّه إلى مصر اللطمة بعد اللطمة وينفّذ من برنامجه الخطوة تلو الخطوة والحكومة المصرية تمد له فى ذلك وتشجعه على المضي فيه بسياستها السلبية وهو ممعن فى عدوانه حتى بلغ به الأمر أخيراً إلى أن يمنع بعثة المحامين من أداء واجبها ويعلن على لسان رجاله أن مصر شيء والسودان شيء آخر وكل هذا يحدث والحكومة المصرية لم تفعل شيئاً بعد.
والعالم كله الآن يا صاحب الجلالة تغلي مراجله بالأحداث الجسام والخطوب العظام ويبدو فى آفاقه كل يوم شأن جديد لا يقوى أبداً دولة النقراشى باشا على أن يضطلع بأعباء التصرف فيه بما يحفظ كرامة مصر ويصون حقوق الوادي المجيد العظيم، والنزاهة وطهارة اليد (اعتراف جلي من البنا بنزاهة وطهارة يد النقراشي باشا تلك التي لم تشفع له عند الجماعة بحال) لا تكفى وحدها لمواجهة هذه الغمرات المتلاحقة من أحداث الزمن ومضلات الفتن.
وفى وسط هذه اللجّة من الحوادث الجسيمة التى تتصل بحاضر الوطن ومستقبله وكيانه فى الصميم يُعلن دولة النقراشى باشا الحرب السافرة الجائرة على الاخوان المسلمين. فيحل بالامر العسكرى بعض شعبهم. ويعتقل بهذه السلطة نفسها بدون اتهام أو تحقيق سكرتيرهم العام وبعض أعضاء هيئتهم ويأمر الوزارات والمصالح المختلفة بتشريد الموظفين الذين يتصلون بالهيئة ولو بالاشتراك فى أقسام البر والخدمة الاجتماعية تلفونيا أو تلغرافيا إلى الأماكن النائية والمهاوى السحيقة وماعليهم أن ينقلوا فذلك شأن الموظف المفروض فيه ولكن صدور هذه التنقلات فى هذه الصور القاسية التى تحمل معنى الانتقام والاتهام تجرح الصدور وتثير النفوس وتسيء إليهم فى نظر رؤسائهم ومرؤوسيهم على السواء.
ويصدر الرقيب العام أمره بتعطيل جريدتهم اليومية إلى أجل غير مسمى بحجة لا قيمة لها ولا دليل عليها بل أنه لو صحت الأوضاع لكان للجريدة أن تؤاخذ الرقباء أشد المواخذة بمواقفهم منها وتعنتهم معها وعدم اصغائهم الى شكاياتها المتلاحقة.
ويتردد على الأفواه والشفاه قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وأخيرا يحاول دولة رئيس الحكومة أن يلصق بالاخوان تهمة الحوادث الأخيرة التى لم تكن الا صدى لهذا العدوان من الحاكم فى السودان ولجهاد اخواننا السودانيين فى جنوب الوادي ويلقي عليهم تبعة هذا الحادث الأسيف حادث مصرع حكمدار العاصمة الذى كان المركز العام للاخوان المسلمين أول من اسف له وتألم منه اذ كان رحمه الله معروفا بعطفه على حركتهم ودفاعه عن هيئتهم ومواقفه الطيبة فى ساعات المحن إلى جانبهم مع حكمة فى العمل واحسان فى التصرف (لاحظ كلام البنا عن الرجل وما اعترف به الصباغ آنفا من مسئولية للإخوان عن الحادث وحسبنا الله ونعم الوكيل) .
ويحاول دولته أن يتذرع لهذه الحرب الشعواء بتحقيقات لم ينته أمرها بعد ولم يعرف فيها المتهم من البرئ إلى الآن وان كانت وزارة الداخلية فى بلاغاتها الرسمية قد خالفت أمر النيابة وسبقت كلمة القضاء وأعلنت على رؤوس الأشهاد أتهام الأبرياء.
يا صاحب الجلالة
اسمح لي أن أجرأ فى هذا المقام الكريم فأقول أن هذه المجموعة من الاخوان المسلمين فى وادي النيل هى أطهر مجموعة على ظهر الأرض (لاحظ الوصف) نقاء سريرة وحسن سيرة واخلاصا لله وللوطن وللجالس على العرش (لاحظ التملق) فى كل كفاحهم فى سبيل دعوة لا تخرج أبدا عما رسم الإسلام الحنيف قيد شعرة وأنهم بحكم ايمانهم ومنهاجهم ونظامهم وانتشار دعوتهم بكل مكان فى الداخل والخارج أفضل قوة يعتمد عليها من يريد بهذا الوطن الخير ويتمنى له التقدم والنهوض وأكتب ورقة فى يد كل عامل لخير البلاد والعباد وان تحطيم دعوتهم والقضاء عليهم وهو ما تستطيعه الحكومة إذا أرادته وصممت عليه ولو فى ظاهر الأمر إلى حين بما فى يدها من سلطات عسكرية وما تملكه من قوة رسمية ليس من المصلحة فى شيء بل هو قضاء على نهضة هذا الوطن الحقيقية وقتل للبقية الباقية من روح الأخلاص والجد والاستقامة والطهر فيه على ان نتائج هذا الموقف فى مثل هذه الظروف غير مضمونة ولا معروفة ولا أدري لحساب من يقوم دولة رئيس الحكومة بهذه المهمة ويحمل هذه التبعة الضخمة أمام الله وأمام الناس وفي التاريخ الذى لا ينسى ولا يرحم.
يا صاحب الجلالة
ان الأخوان المسلمين باسم شعب وادي النيل كله يلوذون بعرشكم (لاحظ اللغة) وهو خير ملاذ ويعوذون بعطفكم وهو أفضل معاذ ملتمسين أن تتفضلوا جلالتكم بتوجيه الحكومة إلى نهج الصواب أو باعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها ولجلالتكم الرأى الأعلى والله أسأل أن يتم عليكم نعمة التأييد والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
المخلص حسن البنا
المرشد العام للإخوان المسلمين
ولن نعلق كثيرا على هذه الوثيقة التي أوردتها كاملة الأستاذة الدكتورة هدى شامل أباظة ، في كتابه الرائع حول النقراشي باشا – الطبعة الأولى – دار الشروق . فالوثيقة تشرح نفسها ينفشها وتدل على مدى حمق البنا على النقراشس وسعيه الى تنحيته عن الحكم بأي وسيلة .
مذكرة عبدالرحمن بك عمار:
ونأتي للوثيقة الثانية وننقلها من نفس كتاب الدكتورة هدى شامل أباظة (على الرغم من إمتلاكنا لصورة من الوثيقتين ) وهي مذكرة عبد الرحمن بك عمار وكيل وزارة الداخلية إلى النقراشى باشا، والتي تتضمن تقريراً عن لقائه بحسن البنا في الثامن من ديسمبر 1948 أي عقب رسالته للملك بيومين (وأقرأ بها العجب العجاب لترى مدى دهاء الرجل وخداعه البعيدين أبدا عن أخلاق الإسلام).
«حضر الليلة الشيخ حسن البنا إلى ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الافضاء الينا بأمور هامة يرغب فى ابلاغها فورا إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم أن الحكومة أصدرت قرارا بحل جماعة الاخوان المسلمين أو هى في سبيل اصدار هذا القرار وأنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد عوّل نهائياً على ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة على الشئون الدينية كما كان الحال في بداية قيام جماعة الإخوان المسلمين وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة في كل الأمور وأنه كفيل بتوجيه رجاله فى كافة الجهات بالسير على مقتضى هذا الاتجاه، كما أعرب عن أسفه لما وقع من جرائم ارتكبها اشخاص يرى أنهم اندسوا على الإخوان المسلمين، وراح يترحم على سليم زكي باشا قائلاً أنه كان صديقا حميما له وكان بينهما تعاون وثيق وتفاهم تام – ثم أكمل مادحا دولة النقراشى باشا قائلا انه على يقين من نزاهته وحرصه على خدمة وطنه وعدالته فى كل الأمور. وأنه لو تمكن من مقابلة دولته بعد أن مضت سنتان لم يلتقيا فيها بسبب جفوة أثارها الوشاة (هو لم يعتبر نفسه من الوشاة حيث لم تكن رسالته للملك قد جف حبرها بعد) لأقنع دولته بأنه من صالح الحكومة والأمة معا أن يبقى الصرح الضخم الذى جاهد الاخوان المسلمون سنوات طويلة فى اقامته كما قال أنه يعز عليه بل ويزعجه ويؤلمه أن ينهار هذا الصرح على يد دولة النقراشى باشا الحريص على خدمة بلاده.
ثم قال أنه اذا قدر أن تمضى الحكومة فى ما اعتزمته من حل الجماعة فانه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن اذ لا يقدم على مثل هذا العمل الا مجنون كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمناً شاملاً (أنظر كيف يقدم البنا خدماته لوزير الداخلية النقراشي باشا) .
وختم حديثه بقوله أنه على استعداد للعودة بجماعة الاخوان المسلمين الى قواعدها بعيدا عن السياسة والاحزاب متوفرا على خدمة الدين ونشر تعاليمه بل انه يتمنى لو استطاع أن يعتكف في بيته ويقرأ ويؤلف مؤثرا حياة العزة ثم جعل يبكى بكاء شديدا ويقول انه سيعود الى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء داعيا له بالخير والتوفيق.
وكيل الداخلية
8 ديسمبر سنة 1948
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة .