من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان والتنظيم "1"
نُشرعلى موقع البوابة نيوز، الأحد 12يوليو 2015
مرت جماعة الإخوان بعدة مراحل خلال مسيرتها التي امتدت لأكثر من تسعين عامًا منذ إنشائها على يد حسن البنا عام 1928 وحتى الآن: مرحلة البناء التي استمرت حتى عام 1939، ومرحلة إنشاء النظام الخاص التي امتدت حتى عام 1948، ثم بدأت محنتها الأولى، عندما امتدت يد النظام الخاص لتغتال محمود فهمى النقراشى، رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، احتجاجًا على حل الجماعة.
منذ ذلك التاريخ تعرضت جماعة الإخوان لأربع محن في تاريخها، كانت الفترة التي تلت مقتل النقراشى باشا أولها، ثم تتالت المحن فكانت محنة 1954 عقب حادث المنشية، ومحنة 1965 عقب محاولة سيد قطب الشهيرة إعادة بناء التنظيم واغتيال جمال عبدالناصر، ثم المحنة الرابعة والأخيرة بعد 30 يونيو 2013.
في كل تلك المحن التي مرت بالجماعة لم يسع أي نظام إلى القضاء على التنظيم سوى مرة واحدة، بعد محاولة سيد قطب الانقلاب على السلطة عام 1965، حيث ظلت الجماعة خارج إطار معادلة الوجود الفعلى على الأرض ولمدة سبع سنوات كاملة انتهت بتصالح السادات الشهير معهم وإخراجهم من السجون عام 1972.
أما المحنتان اللتان سبقتا محنة 1965 فقد تعاملت حكومتا السعديين وعبدالناصر مع النظام الخاص للجماعة فقط، تاركتين جسم الجماعة في حالة كمون، حتى إذا ما حانت اللحظة نفض عن نفسه التراب واستطال عملاقا يحارب معاركة من جديد.
ونحن الآن على أعتاب، إن لم نكن في خضم، معركة جديدة نخوضها مع تنظيم الإخوان الإرهابى وأذرعه المختلفة دفاعًا عن وطن وقيم إنسانية وحضارية بنيناها عبر عقود طويلة مضت، لذا لا بد أن نتدارس طبيعة هذا التنظيم وعلاقته بالإرهاب، ومناطق القوة والضعف إذا أردنا مواجهة حقيقية تعيد للدولة المصرية هيبتها ومكانتها واستقلاليتها.
فتنظيم الإخوان مؤسسة قائمة بذاتها لا تتأثر بوجود الأفراد أيا كانوا، سواء على قمة المؤسسة كالمؤسس حسن البنا، وأحمد السكرى، أو على رأس النظام الخاص كعبد الرحمن السندى، أو واجهات اجتماعية وفكرية كالغزالى والباقوري. فقد ظل التنظيم هو البطل في كل تلك المراحل، وظلت الحكومات متمسكة بسياسات البعد عنه قدر المستطاع باعتباره مكونا سياسيا واجتماعيا من مكونات المجتمع المصرى، غافلة أو مغمضة العين عن طريقة النشأة ومدى التأثير السلبى على الحياة السياسية للمصريين طوال تلك السنوات التي قاربت القرن من الزمان، ظلت تلك الجماعة شوكة في ظهر كل تحول ديمقراطى جاد وموضوعى يمكن أن ينقل مصر لمصاف الدول المتقدمة. الأمر الذي بات معه من واجبات اللحظة الراهنة التصدى ليس فقط لجزء من التنظيم، ذلك الذي يمارس ويتبنى العنف، خاصة أن التنظيم تعلم من دروس الماضى فأخذ يبنى تنظيمات العنف خارجه ويدعمها بالمال والسلاح ويقدم لها كل دعم لوجستى لازم لبقائها، دون أن يجازف بضم تلك المجموعات داخله، فيتعرض لما تعرض له من محن في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وهو ما ظهر جليًا من خلال دعمه لتنظيمات أمثال أنصار بيت المقدس والتوحيد والجهاد وأخيرًا داعش.
وهو ما يدعونا للقول إن الأزمة في التنظيم نفسه، فحتى لو تم إعدام بديع أو مرسي أو غيره فقد سبق أن تم إعدام آخرين، ومات آخرون موتة طبيعية، وبقى التنظيم يتوالد ويتناسل لأن الدولة توفر له الحاضنة الطبيعية لذلك. ليس أمامنا إذن سوى القضاء على الحواضن الطبيعية التي تساعد على بقاء تنظيم الإخوان كمؤسسة كارهة للدولة الوطنية، تعمل خارج سياقها في محاولة لبناء دولتها الموازية، ولكن كيف يمكن القضاء على تلك الحواضن؟ هذا ما سنتناوله في العدد القادم إن شاء الله.