من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان والتنظيم "3"
نُشرعلى موقع البوابة نيوز، الأربعاء 22 يوليو 2015
نشرت هذا المقال على جزئين في مجلة «البوابة»، ولكن نظرًا لخطورة الموضوع وحساسيته فقد رأيت إعادة نشره مكتملًا في زاويتى الأسبوعية في الجريدة، فقد مرت جماعة الإخوان بعدة مراحل خلال مسيرتها التي امتدت لأكثر من تسعين عاما منذ إنشائها على يد حسن البنا عام ١٩٢٨ وحتى الآن مرحلة البناء التي استمرت حتى عام ١٩٣٩، ومرحلة إنشاء النظام الخاص التي امتدت حتى عام ١٩٤٨، ثم بدأت محنتها الأولى، عندما امتدت يد النظام الخاص لتغتال محمود فهمى النقراشى، رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، احتجاجًا على حل الجماعة.
منذ ذلك التاريخ تعرضت جماعة الإخوان لأربع محن في تاريخها، كانت الفترة التي تلت مقتل النقراشى باشا أولها، ثم تتالت المحن فكانت محنة ١٩٥٤ عقب حادث المنشية، ومحنة ١٩٦٥ عقب محاولة سيد قطب الشهيرة إعادة بناء التنظيم واغتيال جمال عبدالناصر، ثم المحنة الرابعة والأخيرة بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
في كل تلك المحن التي مرت بالجماعة لم يسع أي نظام إلى القضاء على التنظيم سوى مرة واحدة، بعد محاولة سيد قطب الانقلاب على السلطة عام ١٩٦٥، حيث ظلت الجماعة خارج إطار معادلة الوجود الفعلى على الأرض ولمدة سبع سنوات كاملة انتهت بتصالح السادات الشهير معهم وإخراجهم من السجون عام ١٩٧٢.
أما المحنتان اللتان سبقتا محنة ١٩٦٥ فقد تعاملت حكومتا السعديين وعبد الناصر مع النظام الخاص للجماعة فقط، تاركتين جسم الجماعة في حالة كمون، حتى إذا ما حانت اللحظة نفض عن نفسه التراب واستطال عملاقا يحارب معاركه من جديد.
ونحن الآن على أعتاب، إن لم نكن في خضم، معركة جديدة نخوضها مع تنظيم الإخوان الإرهابى وأذرعه المختلفة دفاعًا عن وطن وقيم إنسانية وحضارية بنيناها عبر عقود طويلة مضت، لذا لا بد أن نتدارس طبيعة هذا التنظيم وعلاقته بالإرهاب، ومناطق القوة والضعف إذا أردنا مواجهة حقيقية تعيد للدولة المصرية هيبتها ومكانتها واستقلاليتها.
فتنظيم الإخوان مؤسسة قائمة بذاتها لا تتأثر بوجود الأفراد أيا كانوا، سواء على قمة المؤسسة كالمؤسس حسن البنا، وأحمد السكرى، أو على رأس النظام الخاص كعبدالرحمن السندى، أو واجهات اجتماعية وفكرية كالغزالى والباقوري. فقد ظل التنظيم هو البطل في كل تلك المراحل، وظلت الحكومات متمسكة بسياسات البعد عنه قدر المستطاع باعتباره مكونا سياسيا واجتماعيا من مكونات المجتمع المصرى، غافلة أو مغمضة العين عن طريقة النشأة ومدى التأثير السلبى على الحياة السياسية للمصريين طوال تلك السنوات التي قاربت القرن من الزمان، ظلت تلك الجماعة شوكة في ظهر كل تحول ديمقراطى جاد وموضوعى يمكن أن ينقل مصر لمصاف الدول المتقدمة. الأمر الذي بات معه من واجبات اللحظة الراهنة التصدى ليس فقط لجزء من التنظيم، ذلك الذي يمارس ويتبنى العنف، خاصة أن التنظيم تعلم من دروس الماضى فأخذ يبنى تنظيمات العنف خارجه ويدعمها بالمال والسلاح ويقدم لها كل دعم لوجيستى لازم لبقائها، دون أن يجازف بضم تلك المجموعات داخله، فيتعرض لما تعرض له من محن في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وهو ما ظهر جليًا من خلال دعمه لتنظيمات أمثال أنصار بيت المقدس والتوحيد والجهاد وأخيرًا داعش، وهو ما يدعونا للقول، إن الأزمة في التنظيم نفسه، فحتى لو تم إعدام بديع أو مرسي أو غيره فقد سبق أن تم إعدام آخرين، ومات آخرون موتة طبيعية، وبقى التنظيم يتوالد ويتناسل لأن الدولة توفر له الحاضنة الطبيعية لذلك. ليس أمامنا إذن سوى القضاء على الحواضن الطبيعية التي تساعد على بقاء تنظيم الإخوان كمؤسسة كارهة للدولة الوطنية، تعمل خارج سياقها في محاولة لبناء دولتها الموازية.
وأعتقد أنه آن الأوان لوضع نهاية لتلك الرؤية البغيضة التي تتسرب بين أنسجة فكرنا العربى المعاصر لتأكل الأخضر منه واليابس، فلا يعقل أن يكون هناك تنظيم يضرب عرض الحائط بكل خصائص الوطن، وينخر كالسوس في الفكرة الوطنية التي هي صلب العقيدة المصرية، ويعتبره البعض- في ذات الوقت- جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطنى، فالعزل للمريض الحامل للفيروس يصبح حتميا إذا كان الفيروس معديا، فما بالك بمن يمارس عملية نشر العدوى عن طريق تجنيد المزيد من الشباب كل يوم لتلك الرؤية النافية لقيمة الوطن، تلك التي تعتبر الدين وطنا، الأمر الذي يصبح معه المسلم الماليزى أقرب إلى الإخوانى المصرى من المسيحى المصرى، وهو ما ترفضه كل القيم الوطنية الصحيحة والسليمة، وما تعلمناه في كتب التربية الوطنية جيلا بعد جيل، وأيضا ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال قولته المشهورة، وهو يغادر مكة متخفيا في الليل: «والله إنك لأحب بلاد الله إلى، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت».
وهنا يكمن الخطر من وجهة نظرى، فليس الخطر فقط فيمن يمسك السلاح ويضرب في صدور المصريين جيشا وشرطة وقضاء ومواطنين، فهؤلاء سينتهون حتما عندما نجفف منابع تمويلهم، ونمنع تقديم الدعم اللوجيستى لهم ونهزم عناصرهم، ولكن الخطر الحقيقى يكمن في هذا السوس الذي ينخر في جسد الوطن فيمزقه ويجعله أشلاء لا ترقى لمواجهة الغزو الفكرى أو الثقافى أو حتى العسكري، فأمة بلا ذاكرة وطنية أمة لا تستحق أن تعيش، فضلا على أن تنتصر.
من هنا، كان يجب على كل الحكومات التي واجهت أزمات الجماعة من قبل أن تتوجه رأسا إلى التنظيم، فتقوم بتفكيك الأسس التي يقوم عليها عبر تجريمها في قانون العقوبات، وتقوم بعزل التنظيم باعتباره يخون أبسط مقدسات الوطن، وهى فكرة الوطنية ذاتها، لا أن تواجه ما نتج عنه من شرور أو تنظيمات حملت السلاح ودعت إلى العنف، وتترك التنظيم يستمر في بث سمومه في ربوع الوطن، مستغلا فترات ضعف الدولة للانقضاض عليها، والآن وهناك حالة من العزل المجتمعى والرفض الشعبى جرت على هذا التنظيم بفعل ثورة ٣٠ يونيو، آن الأوان أن ننهض جميعا حكومة وأحزابا ومواطنين بعملية تعبئة كبرى تُدفع في سياق حظر التنظيم بشكل نهائى في مصر وبقرار سيادى يصدر عن رئيس الدولة باعتبار التنظيم تنظيما إرهابيا يخرب قيم الوطنية، ويدعو إلى التخلى عنها، وهو ما يهدد الأمن القومى المصرى، ويضعه دائما في دائرة الخطر.
أيضا تجريم الدعوة إلى تلك الأفكار باعتبارها تصيب الأوطان في مقتل عبر تجنيد الشباب لأفكار تأكل الأوطان وتضحى بها لصالح أفكار عولمية غير واضحة وغير مفهومة.
يصاحب عملية العزل تلك عدد من الخطوات في مجال التعليم والإعلام، تناقش تلك الأفكار وتفندها وترد عليها في محاولة للقضاء على تأثيراتها الضارة على المجتمع.
وبدون ذلك، فنحن نسير في طريقهم الذي رسموه لنا ولمجتمعاتنا، وإن ادعينا أننا نواجههم، حتى ولو بالسلاح.