من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: طارق نور بدون مكياج
نُشرعلى موقع البوابة نيوز، الأربعاء ٨ يوليو ٢٠١٥
عندما وجَّه لى الإعلامى طونى خليفة، الدعوة لتسجيل حلقة لبرنامجه الرمضانى «بدون مكياج»- تحولت داخل الاستوديو إلى حلقتين- ترددت للوهلة الأولى، فقد كنت قد اتخذت قرارا بعدم الظهور على قناة «القاهرة والناس» مطلقا، لأن مالكها طارق نور، قد ابتعد بها تماما عن مجال حرية الرأى والتعبير، وأدخلها فى دائرة القنوات الموجهة، بعدما كان شعارها «أجرأ قناة فى مصر».
اتخذتُ هذا القرار منذ أن أغلق طارق نور الهواء علىَّ، وأنا أعرض إحدى حلقات برنامجى «الصندوق الأسود»، فى واقعة كللت «طارق نور»- وقناته- بالعار إلى الأبد.
كان طارق نور قد أقدم على فعلته تلك، بعد تلقيه اتصالا هاتفيا من رجل الأعمال نجيب ساويرس، هدده فيه بغلق القناة، وفتح عدد من ملفاته، التى دفناها معا فى الأيام الخوالى.
المرة الوحيدة التى وافقت فيها على الظهور على شاشة «القاهرة والناس» كانت بعد إلحاح شديد من الصديق العزيز أسامة كمال عبر برنامجه «360»، لتوضيح ما جرى فى حلقة «الصندوق الأسود» التى تناولت فيها بعض المعلومات حول رجل الأعمال نجيب ساويرس، وكانت سببا فى الأزمة بينى وبين القناة.
حاول مذيعون كثيرون فى «القاهرة والناس» بعدها استضافتى أو إجراء مداخلات تليفونية معى إلا أننى رفضت، حتى تمت دعوتى من قِبل الزميل العزيز طونى خليفة، لإجراء مقابلة معى فى برنامجه الرمضانى الجديد.
وافقت بعد تردد وقلت ولمَ لا؟ لماذا لا أفصل بين علاقتى بطارق نور وقناة «القاهرة والناس» ما دمت أننى سأقول كلمتى وأذهب؟! هناك علمت أن فكرة البرنامج تقوم على نزع الأقنعة من على أوجه الضيوف وإظهارهم بدون قناع، ففى حجرة المكياج يتحدث معك المذيع والمعدون بشكل لطيف بعيدا عن الكاميرات، ويقوم الضيف بالاسترسال معهم فى الكلام، باعتبار كل ذلك خارج إطار التسجيل، وفى نهاية الحلقة يفاجئك طونى خليفة بأن ما قلته كان مسجلا.
ويعلم الله، وطونى وزملاؤه يشهدون، أننى ما فكرت لحظة عندما أخبرنى الرجل بما حدث وعرض علىّ خيارين، أن يذيع ما سجله معى فى غرفة المكياج، أو أن يظل سرا، لقد فوجئ الرجل بموقفى، فقد قلت له على الفور: بل يجب أن تذيعه فليس لدىّ شيئا أخفيه، أو أقوله خارج الاستوديو، أخجل من أن أقوله أمام الكاميرا.
وطلبت منه، على الفور، إجراء مقارنة بين ما قلته داخل غرفة المكياج وما قلته أمام الكاميرا ليفاجَأ هو وجميع العاملين فى البرنامج بالتطابق الكامل بين الموقفين.
طارق نور
سألنى طونى خليفة فى الحلقة الثانية عن علاقتى بطارق نور وهل انقطعت إلى الأبد أم لا؟ ولماذا قطع طارق نور الهواء علىّ فى حلقة «الصندوق الأسود» التى تناولت فيها بعض المعلومات والمواقف التى تخص رجل الأعمال نجيب ساويرس؟
قبل الإجابة، قلت لطونى: هل تتحمل إذاعة ما سأقوله، خصوصا وأنتم ترددون ليل نهار أنكم أجرأ قناة وأنك أجرأ مذيع، وبرامجك من أجرأ البرامج على الفضائيات المصرية؟ فهل تستطيعون أن تظهروا كقناة، بدون مكياج، كما تسعون دائما لإظهار ضيوفكم، أم أنكم سترسبون فى الامتحان؟ فانتفض طونى خليفة، مؤكدا قبوله التحدى، معلنا أنه سيقوم بإذاعة الحلقتين كاملتين دون أى مونتاج.
بالطبع كان التحدى فوق طاقة الرجل، فمالك القناة هو الحاكم والآمر الناهى فى كل ما يُعرض على شاشتها، حتى ولو زعم الآخرون غير ذلك.
فعند طارق نور يمكنك مهاجمة الدولة والشرطة والجيش والقضاء، وحتى الرئيس شخصيا، لكن إذا فكرت، مجرد تفكير فى انتقاد طارق نور أو أحد أصدقائه، ولو بشكل موضوعى، هنا تأتى المفاصلة بينك وبين القناة، وللأسف هذا ما ذكرناه فى أكثر من مناسبة، وحذرنا منه مرارا وتكرارا، وهو فكرة سيطرة رجال الأعمال على الإعلام، واستخدامه لحماية مصالحهم، فلا أحد، على سبيل المثال، يجرؤ داخل قناة «القاهرة والناس»، أن يتناول قضايا تهرب طارق نور من الضرائب، رغم أنها مادة صحفية شيقة، ومستنداتها موجودة فى مصلحة الضرائب لكل من يريد الحصول عليها، ولا أحد يجرؤ أن يتعرض لعلاقات طارق نور السرية، برجال النظام القديم، ومدى استفادته منهم، وفى مقدمتهم يوسف بطرس غالى، ورشيد محمد رشيد، وأحمد عز، ولا أحد يستطيع أن يشير ولو بطرف خفى، إلى استثمار هؤلاء بأسماء وطرق وهمية فى قنوات وشركات طارق نور، لا أحد يستطيع أن يطرح حتى سؤالا من هذا النوع على طارق نور فى أى برنامج تليفزيونى تقدمه القناة، وكأنه ليست شخصية عامة أو رجل أعمال تحوم حوله الأسئلة وتلاحقه علامات الاستفهام.
كل ذلك بينما تستطيع قناة «القاهرة والناس»، أن تنتقد كل شىء- وأى شىء- تقوم به الحكومة أو الرئيس أو أجهزة الدولة، إيجابيا كان أو سلبيا، وتكيل الاتهامات لمن تشاء ولصالح من تشاء.
فهل عرفتم الآن مَن منا يريد أن يضع ألف قناع على وجهه، ويسعى للمكوث طيلة حياته بفلوسه وقبضته المسيطرة على الإعلام، داخل غرف المكياج، ملطخا وجهه بألف لون ولون، فى الوقت الذى يسعى فيه لغسيل سمعته، عبر إنتاج برامج من عينة «بدون مكياج»؟.