من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: ألغام الدستور والبرلمان القادم
نُشر بموقع البوابة نيوز، الأربعاء 16سبتمبر2015
أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى لأول مرة، بتهذبه المعهود، عن رؤيته لدستور ٢٠١٤، ذلك الدستور الذى ستجرى على أساسه الانتخابات البرلمانية القادمة، مؤكدًا أن من وضعوا هذا الدستور اتسموا بحسن النية على أن حسن النوايا لا يبنى الأوطان.
كان الرئيس يشير بوضوح إلى الألغام التى وضعها البعض من أعضاء لجنة الخمسين عمدًا فى الدستور لعرقلة المسار الديمقراطى لثورة ٣٠ يونيو المجيدة.
لقد اتفق ممثل حزب «الوفد» فى لجنة الدستور الدكتور سيد البدوى مع ممثلى حزبى «النور» و«الديمقراطى الاجتماعى» على وضع عدد من المواد تقلص من جهة سلطات رئيس الجمهورية لصالح البرلمان والحكومة التى يختارها، وتمنح أيضا البرلمان، لأول مرة فى تاريخ مصر السلطة لسحب الثقة من الرئيس المنتخب.
كان الجميع يعلم أن تلك المواد الملغمة خطر على مصر وعلى مستقبل الحياة السياسية فيها إذ إنها تؤدى عبر استخدامها إلى تفجير المشهد السياسى بأكمله، فضلًا عن تفجير الوطن.
لكن كان لكل طرف حساباته الخاصة، السيد البدوى الذى ظل حينًا من الدهر يحلم بمنصب رئيس الجمهورية، الأمر الذى دفعه مسافات بعيدة عن مبادئ وأهداف وتراث حزب «الوفد» العريق، فراح مدفوعًا بطموحاته يغازل الإخوان والسلفيين، ووصل الأمر إلى التحالف معهم، بمنطق برجماتى سعيًا للحصول على مباركتهم فى الانتخابات الرئاسية التى كان ينتوى خوضها لولا أن قام الإخوان بالدفع بأحد مرشحيهم فى اللحظات الأخيرة بعدما ظلوا يرددون أنهم لن يقتربوا من هذا المنصب على الأقل لدورتين.
حزب «النور» لم ينس أبدا، رغم استقلال قيادته قطار ٣٠ يونيو فى محطته الأخيرة، لم ينسوا موقفهم من الجيش حيث مثل وصول رئيس ذى خلفية عسكرية إلى قصر الاتحادية كابوسًا كبيرًا بالنسبة لهم، فراحوا يحاولون ولوج الباب من السلم الخلفى حيث تم منح سلطات أكبر للبرلمان والحكومة فى مواجهة الرئيس، ثم السعى لاقتناص أكبر عدد من المقاعد البرلمانية تضمن للحزب الاستمرار فى لعبة التفاوض والتأثير على المشهد السياسى لأطول وقت ممكن، تمهيدا لانقلاب مرجو على السلطة واستعادة زمام المبادرة مرة أخرى للوثوب على المنصب الذى داعب رءوسهم كثيرا بعد خلع مرسى العياط ممثل الإخوان.
أما الدكتور أبوالغار، فالرجل لا يمتلك أى رؤية سياسية من أى نوع، ولم يشارك قبل ٢٥ يناير لا فى حقل العمل السياسى ولا حتى فى حقل العمل العام بمعناه المتعلق برسم السياسات المستقبلية للبلاد، من هنا جاءت رؤيته التى لا تقف على قدمين، وتخالف شروط واقع الدول ما بعد الثورات، بل تخالف كل الأعراف الموجودة فى كافة دساتير العالم، تلك التى لا تعطى لأى برلمان الحق فى سحب الثقة من الرئيس المنتخب، إذ كيف تسحب الثقة من رجل حاز على أغلبية شعبية أهلته لتبوء أرفع منصب سياسى فى البلاد بواسطة أعضاء البرلمان، وماذا نقول فى الإرادة الشعبية التى انتخبته.
لكنها المراهقة السياسية التى لم تقف، للأسف، عند حد، واستمرأها البعض لأنها لعبت على طموحاته وأحلامه، لقد اتضح حجم الخطر الأكبر الذى يخيم على مسيرة الاستقرار والديمقراطية فى مصر من خلال قراءتنا للمادة ١٦١ من دستور ٢٠١٤ التى أجازت لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه! فإذا تمكن هؤلاء الذين أشرنا إليهم فى بداية المقال، وحلفاؤهم الذين ظهروا فيما بعد كحلف ساويرس وفلول الإخوان من الدفع بـ٣٨٥ عضوًا إلى المجلس القادم، تمكنوا بين عشية وضحاها من الإطاحة بالرئيس المنتخب رغمًا عن الجماهير التى انتخبته ومنحته ٩٧٪ من الأصوات.
أرأيتم حجم الكارثة التى نحن بصددها؟!
وإذا استطعنا المروق من تلك الخية واجهنا خية أخرى من خلال تلك الصلاحيات التى منحتها لجنة الخمسين، أو بالأحرى تلك المجموعة التى تآمرت على الوطن، عبر ما جاء بالمادة ١٣١ من دستور ٢٠١٤ التى تعطى الحق لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، وما يترتب على ذلك من استقالة الحكومة أو عضو الوزارة الذى سحبت منه الثقة. لقد وضع الإخوان هذا النص فى دستور ٢٠١٢ فى المادة ١٢٦ لتهديد حكومة الجنزورى، ولكنه فى دستور ٢٠١٤ سيكون أداة لتهديد النظام كله فى حال كلف رئيس الجمهورية رئيساً للوزراء على غير هوى تلك المجموعة.
إن هذه الألغام التى وضعها ممثلو أحزاب «الوفد» و«النور» و«الديمقراطى الاجتماعى» وتآلف معها حلف ساويرس وفلول الإخوان، لا تشير أبدا إلى حسن نوايا، وإنما هى تآمر سياسى واضح على البلاد من خلال دس السم فى العسل والسعى لعرقلة مشاريع إعادة البناء السياسى والاجتماعى والاقتصادى لمصر من أجل مصالح خاصة ضيقة، لذا فإن المواطن مطالب بالنظر فى القوائم والشخصيات المرشحة للبرلمان القادم وإعاقة كل من كانت له يد فى إرساء وتدعيم تلك المواد/ الألغام فى دستور ٢٠١٤ من الوصول إلى البرلمان حتى لا نساهم فى استكمال خطتهم والإحاطة بالوطن ومنجزاته.
اللهم قد بلّغت، اللهم فاشهد!