الثلاثاء 03 ديسمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: ماذا قلتُ لوزير الخارجية السعودي؟.. وماذا قال لي؟

نُشر بموقع البوابة نيوز، الإثنين ١١ أبريل ٢٠١٦

نشر
وزير الخارجية السعودى
وزير الخارجية السعودى (عادل الجبير)

كان وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، قد انتهى لتوه من لقاء مع عدد من الزملاء الإعلاميين ورؤساء التحرير، وحضره إلى جواره السفير أحمد القطان، سفير المملكة فى القاهرة.. منحهم ما يريدون من معلومات، أجاب عن أسئلتهم بأريحية شديدة، لكن فيما يبدو لم يكن هذا كافيا، فعقد لقاء ثانيا ضم هذه المرة عددا من السياسيين والباحثين والكتاب والمفكرين. 

جلسنا إليه؛ الكاتب والمفكر الكبير السيد ياسين، والسياسى البارز الدكتور مصطفى الفقى، والكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، والكاتب والباحث السياسى الدكتور عبدالمنعم سعيد، والكاتب الناصرى أحمد الجمال، والكاتب الصحفى عمرو عبدالسميع، وأنا. وقد شعرت من اللحظة الأولى أن وزير الخارجية السعودى فى هذه الجلسة يريد أن يسمع ربما بأكثر مما يرغب فى أن يتحدث، وإن كان فى النهاية تداخل معنا، فقد كان ما قلناه جميعا مثيرا للاهتمام، بما جعله يرد ويشرح ويفسر ويضع كثيرا من النقاط على الحروف الحائرة. 

تحدث عبدالمنعم سعيد عن قضية جزيرتى تيران وصنافير، وكان رأيه بعد استعراض بعض المعلومات التاريخية، أن توقيت التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود وتنفيذها خطأ تماما، وكان مفروضا أن يتم قبل عدة أشهر، أو بعد عدة أشهر، لكن الآن الظرف السياسى كان عاملا مساعدا فى إثارة مزيد من اللغط على المستوى الشعبى، وهو ما لا نريده ولا نحبذه. 

مكرم محمد أحمد بخبرته السياسية والمهنية، أمسك بطرف خيط مختلف بعض الشىء، قال إنه كانت هناك خلافات واضحة بين مصر والسعودية، تحديدا فى اليمن الذى كانت مصر تراه بالنسبة إليها أشبه ما يكون بمستنقع فيتنام، بينما كانت السعودية لا تراه كذلك، كانت هناك اختلافات أيضا بين مصر والسعودية فيما يتعلق بالقضية السورية ومصير الأسد، لكنه أكد أن هوة هذه الخلافات ضاقت كثيرا، قبل أن ينهى كلمته بأنه لا يرى ضررا من الخلاف بين الدولتين فى التفاصيل، فليس ضروريا أن يكون هناك تطابق مائة فى المائة فى كل الملفات. 

الكاتب والمفكر الكبير السيد ياسين دخل بنا إلى مساحة مهمة جدا فى الحوار، ركز على تكنولوجيا المعلومات، وضرورة التعامل مع المستجدات الجديدة، مؤكدا أهمية تداول المعلومات خصوصا وقت الأزمات، لأن وجود المعلومات الصحيحة والحقيقية كفيل بإزالة أى لبس، فكما يعتقد أن عدم وجود المعلومات فى وقتها الصحيح خلف وراءه أثرا كبيرا من التناقض والغموض والريبة أحيانا فى كثير من القضايا التى وقفت فيها مصر والسعودية على طرفى نقيض، رغم أنه لم يكن هناك تناقض كبير فى المواقف بين البلدين.

الدكتور مصطفى الفقى كعادته كان مختلفا، إذ أشار إلى نقطة مهمة جدا، فقد تحدث عن ميزة مهمة جدا ينفرد بها الملك سلمان، حيث قال إن أفضل ما فى هذه المرحلة بالنسبة للمملكة العربية السعودية أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يتصرف باستقلالية تامة عن القرار الأمريكى، لقد وضع مصالح المملكة القومية نصب عينيه، وبدأ يأخذ قراراته ويحدد مواقفه بناء عليها، بعيدا عن الرغبات الأمريكية، وهو أمر يحسب له تماما، والدليل على ذلك أن الأمريكان عندما أوحوا للمملكة على لسان الرئيس باراك أوباما بضرورة التقارب مع إيران، خرج الملك سلمان بموقف واضح ومحدد من إيران بأنه لا تقارب معهم على الإطلاق.

المفاجأة الحقيقية بالنسبة لى كانت من الكاتب الناصرى أحمد الجمال، فقد كنا جلسنا ونحن نعرف أن هناك من استعان بمقطع صوتى للرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقول فيه إن تيران مصرية، فقال الجمال إن عبدالناصر بالأساس أجرى كثيرا من المراجعات السياسية بعد ٦٧، وهناك مدونات كثيرة سجل فيها مراجعاته فيما يخص الجزيرتين، وأشار الجمال إلى أن ما قاله عبدالناصر كان من قبيل المماحكات السياسية على خلفية الصراع مع إسرائيل، وأن هيكل فى كتابه «سنوات الغليان» أشار إلى أن الجزيرتين سعوديتان، وهو ما فعله أيضا المفكر الكبير جمال حمدان، حيث أثبت فى دراساته أن الجزيرتين سعوديتان.

جاء دورى فى الحديث، ولأننى أرتكن على معلومات واضحة ومحددة عن العلاقات بين مصر والسعودية، فقد تحدثت كثيرا، وأعتقد أن ما قلته كان حافزا ومحفزا لوزير الخارجية السعودى عادل الجبير، على أن يتحدث كثيرا وباستفاضة فى ملفات كثيرة كانت حائرة ومحيرة. 

قلت إن مصر بلد كبير جدا، ما فى هذا شك، وعلاقاتها بالمملكة العربية السعودية علاقة مصير، لا يوجد عاقل على وجه الأرض يمكنه أن ينفى ذلك أو يتجاهله، ولذلك فإننى أعتبر أن زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة فى هذا التوقيت، مثل القنبلة النووية، التى فجرت كل الملفات، ومن شأنها بعد ذلك أن تسوى الأرض وتجعلها مناسبة للحياة والتفاهم معا. 

وأضفت: أنا أقول إن مصر دولة كبيرة، وأعرف أنه حدث خلاف حول «عاصفة الحزم»، فليس معقولا أن تتحدث مع القيادة المصرية قبلها بساعتين فقط وتطلب منها أن تدخل معك الحرب، ثم ما الذى حدث فى سوريا، أعرف أنه كان هناك خلاف.. الدولة المصرية لديها موقف واضح وخاص بعدم التضحية بالدولة السورية، وليس متعلقا أبدا بمصير أو مستقبل بشار الأسد. 

قلت أيضا إنه فى الوقت الذى لدينا فيه مشكلة واضحة مع تركيا التى تريد قيادة المنطقة، وهو ما لا نرضاه، فنحن لا نرضى إلا بقيادة عربية للمنطقة، رأينا أن هناك تفاهما ما تركيًا، وشعرنا أن القرار السعودى يميل إلى التفاهم مع الأتراك، للدرجة التى يتردد فيها أن الإرادة السعودية تسعى لصلح ما بين مصر وتركيا؛ على اتساع ما فعلته مع مصر بعد ٣٠ يونيو. 

وكما أشرت إلى سوء التفاهم فى الملف التركى، أشرت أيضا إلى ملف إيران، قلت إن السعودية لديها فكرة خاطئة عن علاقة مصر بإيران، رغم أن الأجهزة السيادية لدينا عندها وحدات لمكافحة التمدد الإيرانى فى المنطقة، والطلاب فى الكليات السيادية يدرسون تفاصيل العداء التاريخى مع الدولة الصفوية، لدينا عقيدة واضحة ضد التقارب مع إيران، لكن المشكلة أن الذهنية السعودية بنت تصورا أنه ما دامت تتقارب مع إسرائيل فإن مصر حتما ستتقارب مع إيران، وبدأت تتعامل مع هذا السيناريو على الأرض كأنه واقع لا جدال فيه، رغم أن شيئا من هذا لم يحدث على الإطلاق. 

كان لا بد من خاتمة مناسبة لهذا الكلام، فقلت: ما كان ينبغى أن يكون هذا التصور موجودا من الأساس، وإننا نتعامل مع إسرائيل وإيران بالمنطق نفسه، نعرف أن لهما الخطورة نفسها على الأمن القومى العربى، وهناك من يرى أن إيران أخطر، ولو فرضنا جدلا أن مصر كانت تفكر فى التقارب مع إيران، وهو ما لم يحدث من الأساس، فكان يجب على السعودية أن تنحاز إلى مصر وإلى الدول العربية، وما كان يجب أن تترك الملف مفتوحا بهذه الطريقة، من الممكن أن أضعف بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وبسبب المؤامرات التى تحاك ضدى فى الداخل والخارج، لكن هذا لم يحدث على أى حال.

نقطة أخيرة أثرتها، ولم يكن لى أن أغادرها وأنا جالس إلى وزير الخارجية السعودى، قلت له: لقد لاحظنا تغيرا جذريا فى سياسات المملكة العربية السعودية تجاه مصر، فقد كان الملك عبدالله شيئا والملك سلمان شىء آخر، ولم يكن هذا مقصورا على مصر وحدها، فبعد أن كانت المملكة منكفئة على نفسها، تبحث فى قضايا الإصلاح الداخلى وجدناها منطلقة فى كل الملفات الخارجية، وهو ما أعطى انطباعا بأن هناك أمرا جديدا يحدث داخل المملكة وخارجها.

جمع وزير الخارجية السعودى عادل الجبير أطراف الحديث كلها وبدأ يتحدث، متجاوبا مع الأفكار كافة التى طرحناها، ولأننى كنت أكثر من تحدث، فقد جاء حديثه مشتبكا مع ما أثرته من معلومات وأخبار وأفكار. 

بدأ الجبير حديثه بالإشارة إلى أن العلاقات بين مصر والسعودية تاريخية واستراتيجية، ويجمعهما مصير واحد، ولم تتغير سياسة المملكة تجاه مصر أبدا، فما كان أيام الملك عبدالله، هو نفسه ما يجرى فى عهد الملك سلمان، أما عن تحركنا خارج المملكة، فأنتم كُنْتُمْ تلوموننا عندما كنا منكفئين على أنفسنا، وعندما بدأنا فى التحرك وجدنا اللوم نفسه. 

يفسر الجبير تحرك السعودية خارجيا بقوله: كان علينا أن نملأ الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة فى المنطقة، أوباما رفع يديه بعد أن رأى أنه لا يجب أن يتورط فى المنطقة أكثر من هذا، ومصر كانت مشغولة بسبب أحداثها الداخلية، وكانت إيران مستعدة للانقضاض على كل ما تطاله يداها، فتحركنا. 

مصادر قريبة الصلة من الملف السعودى أكدت لى أن السعودية بالفعل دخلت على كل الملفات التى رغبت إيران فى العمل عليها، دخلت إلى العراق وأقامت هناك أكبر سفارة، ودخلت إلى لبنان ولعبت دورا مهما جدا ضد حزب الله المدعوم من إيران، وكان مهما جدا أن تدخل اليمن، لتقف أمام خطة إيران للسيطرة عليه. 

جاء الجبير على الخلاف مع مصر فيما يخص اليمن، فقال: لم نطلب من مصر فعليا أن تساندنا عسكريا فى اليمن، طلبنا منها فقط أن تدعمنا معنويا، صحيح أننا تحدثنا مع القيادة المصرية قبل الضربة الأولى بساعتين، لكن من أجل الحصول على غطاء سياسى، وهو ما جرى، فقد أيدتنا مصر معنويا، وقالت لنا إن لدينا عشر سفن فى مضيق باب المندب، يمكن أن تقوم بمهمة التفتيش على السفن العابرة، وهو ما حدث بدقة. 

ويعترف الجبير بأن مصر حذرت السعودية من المستنقع اليمنى، وكانت لديها تخوفات أن يحدث لنا ما حدث للمصريين فى حرب اليمن، لكننا كنا على ثقة بأن الظرف السياسى تغير تماما، وهو ما حدث على الأرض. 

وعن سوريا قال الجبير: موقفنا فى سوريا واضح جدا لا يحتمل لبسا ولا تأويلا، وموقف مصر واضح ويرتكن إلى مباحثات جنيف «١» و«٢» وقرار مجلس الأمن، وكلها تطالب بدستور جديد وقيادة جديدة، وهو نفس ما نقوله.. الحديث عن فترة انتقالية، فهل توجد فترة انتقالية وبشار فيها؟ إننا نقول لا لبشار، لكننا مع وحدة الدولة السورية، وبالمناسبة لم يكن لدينا اعتراض على الأسرة العلوية، لكن المشكلة مع بشار الذى قطع كل العلاقات مع الدول العربية، وارتمى بالكامل فى أحضان إيران، لقد قتل أكثر من ٤٠٠ ألف سورى، وشرد ما يقرب من ١٢ مليونا، وهو ما لا يقبل به أحد. 

أضاف الجبير أن أوباما لا يؤمن بالحل العسكرى فى سوريا، وهو بذلك منح قبلة الحياة لبشار الأسد، والغريب أن فى الوقت الذى يقول ذلك يدعم المعارضة السورية المسلحة استخباراتيا، وعليه كان مهمًا أن تتدخل السعودية فى الأمر وبحسم. 

من سوريا إلى تركيا، يقول الجبير: لا يمكن أن تسمح السعودية لتركيا بقيادة العالم السنى، لأننا بذلك نضرب شرعيتنا كعرب ، كما أننا ندرك أن التعامل مع تركيا لا يمكن أن يأتى أبدا على حساب مصر، بل العكس ما يحدث، فالتعامل مع تركيا يحدث لحساب مصر، وهذا أمر مفروغ منه.

عرج بنا الجبير إلى مسألة الجزيرتين فقال: معنا من المستندات ما يشير إلى أنهما سعوديتان، وقد نشرت الوثائق التى تشير إلى ذلك من بينها المراسلات بين وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل والدكتور عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصرى الأسبق، وقد كتب الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولى المرموق ورقة بحثية تؤكد حق السعودية فيهما، وقد استمرت المباحثات حتى جاء الرئيس السيسى، وقد أجلنا الإعلان عن تسلمهما، ليتم ذلك خلال زيارة الملك إلى السعودية باعتبارها اتفاقية كبرى، وإننى أرد على من يستغلون الأمر وتحديدا من الإخوان الذين يصورون الأمر على أنه تنازل عن الأرض، بأن الأمر لا تنازل فيه على الإطلاق، فهى أرض سعودية عادت إلينا، وقد جاءت فى إطار ترسيم الحدود، وأعتقد أن السعودية ستساعد مصر فى ترسيم حدودها الجنوبية بما يحفظ حقوقها فى حلايب وشلاتين.

وعن الإرهاب قال الجبير إننا نتعاون معا لمواجهة الإرهاب، ولدينا قوة عربية مشتركة بدأتها مصر، وهو قرار لن نتراجع عنه، لأننا نعرف أن الإرهاب هو الخطر الأكبر الذى يواجه المنطقة. 

وفى النهاية جاء الجبير إلى زيارة الملك سلمان إلى القاهرة التى اعتبرتها بمثابة القنبلة النووية، قال: لقد جئنا إليكم بعد أن عرفنا أن البنك الدولى رفض دعم مصر، فأتينا بمشروعات نبقى من ورائها الرواج الاقتصادى لمصر، قدمنا استثمارات بما يساوى ٣٠ مليار دولار، هذا غير وديعة فى البنك المركزى بـ١٠ مليارات دولار، كما أن الجسر الكبير سيحدث نقلة حضارية، نسعى من خلاله إلى إقامة منطقة حرة فى جنوب سيناء، كما سيسهل الحج البرى، ويكفى أن نقول إن العالم كله سيكون عندنا.

اختار وزير الخارجية السعودى أن يختم حديثه إلينا بقوله: العمل السياسى لا عواطف فيه، نحن نتصرف فى المجتمع الدولى طبقا لمصالحنا، وطبقا لمقتضيات الأمن القومى، وهو ما تفعله مصر أيضا، فهى تتصرف طبقا لمصالحها وأمنها القومى.