من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: الأمن القومي العربي ومهمة أبوالغيط
نُشر بموقع البوابة نيوز، الأحد 13 مارس 2016
يأتى اختيار السيد أحمد أبوالغيط، الدبلوماسى المصرى المخضرم، ووزير الخارجية الأسبق، لتولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، فى الوقت الذى يتعرض فيه الأمن القومى العربى لمخاطر هائلة، بعد أن أصبحت غالبية الدول العربية، مهددة ليس فقط فى كيانها ووحدة أراضيها، بل أيضًا فى هويتها وثقافتها ومذهبها وعقيدتها، وذلك بعد أن تراجعت فكرة التمسك بالدولة الوطنية المؤسسية، مقابل التمسك بالمكونات الأولية مثل المذهب والطائفة والقومية والقبيلة ومناطق النفوذ، ما يهدد وحدة الدول ويفتح الباب أمام التدخل الخارجى فى شئون الدول العربية، بحجة حماية الأقليات أو العرقيات أو المذاهب الدينية.
ويبرز هذا الواقع فى تدخل إيران فى شئون بعض الدول العربية، بحجة حماية الشيعة، والتهديد الأخير الذى أطلقته ضد المملكة العربية السعودية بعد إعدام الداعية الشيعى «نمر باقر النمر».
ولأن هذه التحديات، التى نضعها أمام بصر الأمين العام الجديد، تفتح الباب أمام الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، ما يؤدى لغياب حكم القانون وسيادة الدول، وتحولها إلى سيادة منقوصة أو غير موجودة مثلما يحدث حاليًا فى بعض الدول العربية، فإن الأمر يتطلب تحركًا سريعًا وعاجلًا لمواجهتها، وسد الطريق أمام كل المحاولات الخارجية لاستغلال أزمات الدول العربية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لتأليب الرأى العام، وتغذية الفوضى وإثارة الفتن، فضلا عن إيجاد حلول حقيقية وشفافة لتلك الأزمات، وعلى رأسها الفقر والبطالة وتطرف الخطاب الدينى وتعزيز النعرات الطائفية.
الشعوب حائط الصد الأول
ومن أولى خطوات معالجة الخلل ومواجهة المشكلات فى واقع أمننا العربى، هو توسيع مفهوم هذا المصطلح ليتخطى القضايا القديمة المتمثلة فى العمل على حماية واستقرار الدول فى جميع المجالات «السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية»، ضد جميع التهديدات الداخلية والخارجية، سواء كانت إقليمية أو عالمية، إلى العمل على إعداد البشر وتهيئة المناخ العام لمشاركة فعالة من الشعوب فى مواجهة هذه الأخطار، وإيجاد نوع من التعاون والتكامل بين الشعوب العربية فى المحيطين الإقليمى والأمنى، لحماية الأمن القومى وهزيمة كل الظروف التى تمثل خطرًا وجوديًا على أمتنا العربية.
وتضمن المشاركة الفعالة للشعوب ممثلة فى مؤسسات ومنظمات غير حكومية، وكيانات ونقابات تعبر عن طوائف المجتمعات العربية، وكذلك البرلمانات والكيانات الدستورية المنتخبة، نشرًا لثقافة الأمن القومى العربى وإيجاد واقع قوى على الأرض، وظهير شعبى يمثل الدعم الفعال لمؤسسات الدولة، يساعدها على أداء دورها ويحصّنها من الانهيار أو الاختراق.
وتبرز أهمية الدور الشعبى، وتوسيع مفهوم الأمن القومى ليكون مفهومًا شعبيًا، بتعزيز عمليات التوعية للمواطنين، بخطورة المرحلة الحالية وتحدياتها، التى تختلف جذريًا عما كان مألوفًا قديمًا، مع تغير أشكال الاستعمار وأساليبه وخططه، للسيطرة والهيمنة على الدول العربية، ولكن ليس باحتلالها عسكريًا، ولكن بتفتيتها وتحويلها إلى طوائف وفرق متحاربة تسيطر على أجزاء من الأرض، يسهل استنزاف ثرواتها مقابل توفير السلاح والاحتياجات الأساسية لتلك الجماعات التى ستكون فى حاجة ماسة للمساعدة.
ويتضح هذا الأمر جليًا فى العراق، التى كانت مقسمة فعليًا على الأرض، منذ الغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣ وإسقاط نظام صدام حسين، حيث كانت الحكومة المركزية ضعيفة، واختفت دولة العراق الوطنية ومؤسساتها الحاكمة فعليًا على الأرض، وحوصرت الحكومة المركزية فى المنطقة الخضراء، بينما كانت السيادة لميليشيات وجماعات مسلحة شيعية وسنية وكردية تحكم مناطق نفوذ خاصة بها، تحت إشراف المحتل الأمريكى، وهو ما سمح للشركات الأمريكية بنهب مليارات الدولارات، وتعيين حكومات وإدارات فاسدة، أنفقت ثروات العراق ونفطه مقابل عمليات إعادة إعمار وبنية تحتية وهمية، وبناء جيش ظاهره وطنى وباطنه طائفى مهلهل، غير مدرب انهار فى أيام قليلة أمام تنظيم داعش الإرهابى، والذى احتل ثلث مساحة العراق تقريبًا.
كما ظهرت إيران كقوة احتلال حقيقية فى العراق استغلت النعرات الطائفية، وأشعلت حربًا دينية عقائدية حصدت أرواح الملايين من أبناء الشعب العراقى، وأنشأت ميليشيات شيعية مسلحة، ولاؤها الأول والأخير لملالى إيران ولا تعنيهم عروبتهم أو وطنيتهم أو دولتهم العراق، وهو ما أضر كثيرًا بالأمن القومى العربى.
وفى سوريا هناك محاولات لتكرار النموذج العراقى، حيث نجحت القوى الخارجية إلى حد بعيد فى استغلال ما عرف اصطلاحًا بالربيع العربى، وتطلعات الشعوب العربية المشروعة، نحو مزيد من الحرية والديمقراطية والقضاء على الفساد وتوفير سُبل العيش الكريم والظروف الاقتصادية الملائمة والقضاء على البطالة، بتحويل سوريا إلى دولة فاشلة ممزقة تتنازعها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة المتناحرة فيما بينها، فى ظل عجز تام من جانب النظام السورى ومؤسساته سواء الجيش والأمن فى السيطرة على البلاد وفرض سيادة الدولة، وذلك بعد أن فتحت تركيا حدودها ليتدفق منها السلاح والإرهابيون من جميع أنحاء العالم إلى الأراضى السورية.
وأصبحت سوريا ـ أهم أجنحة الأمن القومى العربى والقوة الفاعلة والمؤثرة فى مواجهة إسرائيل ـ ساحة حرب بين قوى إقليمية ودولية، واختفت الدولة الوطنية أمام أطماع القوى الخارجية، لتمثل جرحًا غائرًا فى قلب العالم العربى، ومنح الفرصة لإيران لمزيد من العبث والإضرار بالأمن القومى العربى.
وفى اليمن لم يكن الوضع أفضل حالا، حيث تعرضت البوابة الجنوبية للدولة العربية وحارسة باب المندب إلى اختراق إيرانى كبير، ودخلت فى حالة فوضى وتحولت إلى دولة فاشلة، بعد أن تلاعبت بها الأيادى الخارجية متمثلة فى إيران، بتعاون مع ميليشيات مسلحة أنشأها الرئيس المخلوع «على عبدالله صالح» لتنقض على الشرعية فى اليمن وتحاصر الرئيس «عبدربه منصور هادى» وتفرض سيطرتها على البلاد بقوة السلاح.
ويخرج المسئولون الإيرانيون، ليعلنوا أنهم سيطروا على العاصمة العربية الرابعة، وهى صنعاء، بعد سيطرتهم على بغداد ودمشق وبيروت بمساعدة حزب الله اللبنانى، وهو ما زاد من التحديات أمام الدول العربية وهدد بمزيد من الحرب الطائفية والمذهبية التى كان من الممكن أن تمتد إلى دول أخرى خاصة فى الخليج، فهبت مصر والسعودية والدول العربية لإنشاء تحالف عربي إسلامي، أطلق عملية «عاصفة الحزم» لإنهاء حكم الميليشيات الإيرانية المسلحة وإعادة الشرعية للبلاد.
وفى ليبيا أخذت الأزمة شكلا آخر، ودخلت البلاد فى دوامة حرب أهلية قبلية، بين مدن وقبائل تسعى للسيطرة على ثروات البلاد، وفرض إرادتها بقوة السلاح، وكان للإخوان دور خطير على الساحة الليبية، حيث نجحوا من خلال ميليشياتهم المسلحة «فجر ليبيا» المدعومة عسكريًا من قطر وتركيا فى السيطرة على العاصمة طرابلس، ومنع البرلمان الشرعى المنتخب والحكومة المعترف بها دوليًا، من ممارسة مهام عملهما ودخول العاصمة طرابلس، بل وتعاونوا مع تنظيمات متطرفة وإرهابية أخرى منها «أنصار الشريعة» إحدى جماعات تنظيم داعش، فى محاربة الجيش الوطنى الليبى، ومهدوا الأرض لظهور التنظيم الإرهابى فى ليبيا، وسيطر داعش على سرت وبات يهدد الأمن القومى العربى وشمال إفريقيا بحرب استنزاف طويلة الأمد، لثرواته ومقدراته.
وأمام كل هذه التطورات، كان لا بد من موقف عربى موحد وقوى، ليس فقط على المستوى الاستراتيجى والسياسى والعسكرى والأمنى بين الدول العربية، ولكن أيضًا على المستوى الثقافى والدينى والإنسانى ويكون للشعوب دور مهم فى المواجهة.
البرلمانات المنتخبة وجامعة الدول العربية
ونظرا لأن البرلمانات والهيئات الدستورية المنتخبة، تمثل أصوات الشعوب وأدواتها القوية للتغيير وفرض إرادتها، فإنها يجب أن تكون فى الطليعة وتضطلع بالدور الأكبر فى تلك المعركة، سواء بتوجيه الحكومات والأنظمة وتصحيح مسارها، وتهيئة الأجواء لها للقيام بدورها، ثم محاسبتها إذا ما أخطات أو قصرت، أو فى مد جسور التعاون بين الشعوب العربية، لتشكل حائط صد قويًا أمام محاولات اختراق الصف، وإشعال الفتن والنزاعات، على أن يكون مفهوم الأمن القومى العربى ذاته، متسقًا مع الأمن الوطنى لكل قطر، وأن يستمد منه بعض قدراته ومساهماته.
ويساعدها فى هذا، أنها تتمتع بحرية الحركة بعيدًا عن التعقيدات السياسية والقيود التى يواجهها المسئولون، فضلًا عن ابتعادها التام عن تأثير القوى الخارجية والضغوط التى قد تمارسها قوى دولية على الحكومات لوقف تحركاتها، وهو ما يفتح الباب أمام تكامل إنسانى حقيقى بين الدول العربية، يشكل بداية حقيقية وراسخة لتكامل اقتصادى وثقافى ودينى، يساعد فى حل المشكلات الاقتصادية والفقر والبطالة، ويتصدى للأفكار المتطرفة، ويعزز جهود محاربة الإرهاب.
ومن أبرز الجهود التى يمكن أن تعمل فيها المؤسسات الشعبية والمنتخبة بالتعاون والتنسيق مع جامعة الدول العربية وأمينها العام الجديد.
أولا: برامج الإصلاح التى تلبى طموحات الشباب
دائما ما يعد الشباب وقود تلك الصراعات، والكتلة الحرجة التى تصنع الفارق دائمًا، ويمكنها ترجيح كفة أى طرف والانتصار للدولة والاستقرار أو المضى بها فى سبيل الفوضى والتحلل، لذلك كان الشباب هدفًا رئيسيًا لمخططات إثارة الفوضى والفتن فى الدول العربية، والمدخل الرئيسى للقوى الإقليمية والدولية لتعبث بأمننا القومى، مستغلين الكبت السياسى والظروف الاقتصادية السيئة التى يعيشها الشباب، والذى يمثل الغالبية العظمى من سكان الدول العربية.
وفى ظل فشل الحكومات والأنظمة العربية فى احتواء تلك الكتلة الحرجة بصورة ملحوظة، يظهر دور المؤسسات المنتخبة والتى تحظى بثقة غالبية الشعوب، فى اكتساب ثقة الشباب، وتوفير البديل الإيجابى أمامها للتعبير عن آرائها وإيصال رسالتها وإحياء الأمل فى نفوسها بأن هناك فرصة لتغيير الأوضاع بصورة سلمية وديمقراطية، وإغلاق الباب أمام الجماعات والتنظيمات المتطرفة التى تستغل هؤلاء الشباب وطموحاتهم بأفكار وشعارات براقة، أو حتى أطراف داخلية وخارجية تستغل حماسهم وتدفعهم نحو الفوضى، تحت شعارات الثورة والتغيير والحرية.
ومن أبرز أدوات البرلمانات، وضع وإقرار برامج إصلاح حقيقية، تعمل على تحسين المناخ السياسى والاقتصادى، وتوفير فرص عمل والقضاء على الفقر، وحماية الطبقات المهمشة، وتوفير الأمن سواء كان بسيادة القانون أو توفير الأمن الغذائى والاجتماعى والصحى والتعليمى لها، والأهم إلزام الحكومات بتطبيقها ومراقبتها.
ويمكن فى هذا الاستفادة من تجارب الدول العربية الأخرى، ودول أجنبية وتبادل الخبرات والتكامل بين الدول العربية فى تنفيذها، سواء من خلال الطاقات البشرية أو تمويل الدول العربية الثرية لتلك المشروعات فى الدول الفقيرة، التى تعانى من صعوبات اقتصادية، مع مراعاة خصوصية كل بلد عربى الثقافية والاجتماعية.
ثانيًا: ترسيخ النظام
من أهم الأولويات فى مرحلة السيولة الحالية، ترسيخ النظام سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا.
سياسيًا: يجب أن يكون على مبادئ الحرية والتعددية السياسية التى تؤدى إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام جميع الحقوق للجميع مع وجود المؤسسات السياسية الفاعلة، وعلى رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية.
ثالثًا: دعم فكرة السوق العربية المشتركة
تفرض المرحلة الحالية، التفكير فى إنشاء تكتلات اقتصادية بآليات ونظريات تناسب العصر، وإن كان البعض يرى إحياء المشروعات القديمة بإنشاء سوق عربية مشتركة، وغيرها من أحلام فترة الستينيات، إلا أن الظرف الحالى يتطلب تطوير الآليات، وإيجاد نظريات بديلة، وإنشاء كيانات عربية اقتصادية موحدة، تكون النواة لاقتصاد عربى موحد سواء تسيطر عليه الدول والحكومات أو يخضع لشركات عربية عابرة الحدود والجنسيات، تقدم رؤى استراتيجية واقعية للاقتصاد العربى والقضاء على مشكلاته.
ويمكن تكوين شركات عربية برأسمال عربى، تعمل فى عدة دول ومجالات مختلفة مستغلة الثروات والإمكانيات الطبيعية والمواقع الجغرافية المميزة للدول العربية، لاستيعاب الشباب وتوفير فرص عمل، وتحسين مستوى المعيشة، وكلها عوامل ستساعد فى شعور المواطنين بقيمتهم وأهميتهم وسيكون هناك رفض تلقائى للأفكار المتطرفة أو محاولات التحريض الخارجية.
ويتطلب الأمر تحسين المناخ العام، وتهيئته أمنيًا وقانونيًا، لجذب الاستثمارات، مع تأكيد الشفافية والمحاسبة وتنفيذ أحكام القضاء، ورفع معدلات النمو الاقتصادى الحقيقى، وينعكس هذا النمو إيجابيًا على حياة المواطنين ويشعرون بحجم التطور الاقتصادى.
بالإضافة لوضع خطط طويلة الأمد، تعتمد على التكامل بين الدول العربية واستغلال مواردها بشكل جماعى، وفق خطط مدروسة تضمن مشاركة كل دولة بقدراتها المتاحة، فهناك من يستطيع تقديم موارد بشرية مثل مصر، وهناك من يملك الأراضى الخصبة والمياه، وهناك من لديه تقدم علمى وتكنولوجى وقدرات تصنيعية هائلة، وهناك من يملك الأموال والاستثمارات المباشرة القادرة على تغيير واقع الدول العربية بأسرها.
رابعًا: تجديد الخطاب الديني
ولن يمكن تحقيق أى من هذه الخطط والرؤى، دون وجود برامج توعية دينية وثقافية شاملة، تعمل عليها العديد من المؤسسات سواء كانت دينية مثل الأزهر الشريف، أو مؤسسات تعليمية، تقدم مناهج دينية منقحة تحارب الفكر المتطرف، أو من خلال مؤسسات ومنظمات غير حكومية تعمل على التوعية الثقافية والدينية بشكل صحيح، فضلًا عن الاهتمام بدور الثقافة الشعبية والجماهيرية.
ويمكن للجامعة بالتنسيق مع البرلمانات العربية، أن تتبنى هذا الدور سواء من خلال التشريعات التى تسنها أو من خلال الزيارات الشعبية وتبادل الرؤى بين الدول العربية، للخروج من دائرة الخلافات السياسية والتباين فى وجهات النظر بين الحكومات.
ومن أهم الأطر التى يمكن العمل فيها، وضع معايير عربية لمخرجات التعليم فى جميع مراحله، وبما يتوافق مع المعايير الدولية، دعم البحث العلمى والقضاء على الأمية وإدماج الشباب وتعميق انتمائهم، وصياغة عقد اجتماعى جديد بين الدولة والمواطن فى المجتمع العربى يحدد بصورة واضحة حقوق الدولة والتزاماتها إزاء المواطن وواجبات المواطن ومسئولياته تجاه وطنه.
وتجديد الخطاب الثقافى وإشاعة ثقافة الديمقراطية والشورى والتسامح والتكافل فى مناهج التعليم والإعلام، وكذا تجديد الخطاب الدينى فى إطار وسطية الدين الإسلامى الحنيف، دون تطرف أو تشدد خاصة فى فهم النصوص الدينية وأخيرًا تنشيط مؤسسات الترجمة الحكومية والأهلية وتشجيع الإبداع والإنجازات الفكرية.
خامسًا: مواجهة التحديات الأمنية
يجب العمل على تعزيز الأمن الداخلى والخارجى للدول العربية، لتوفير المناخ الصحى لتحقيق كل ما سبق، وفى إطار هذا يجب تكثيف وتعزيز التعاون العربى فى كل القطاعات السياسية والاستخباراتية والدبلوماسية وتفعيل الاتفاقيات، واعتبار أى جماعة أو طائفة أو شخص يهدد أى دولة عربية تهديدًا لبقية الدول العربية، وتكاتف الجميع فى مواجهة الخطر، ولم يعد مقبولًا أن تفتح دولة عربية أبوابها لتنظيمات إرهابية تهدد دولة أخرى وتسعى لتدميرها، بل وتمنح لهم منابر إعلامية وتوفير ملاذات آمنة لقياداتها الهاربة من أحكام قضائية.
ويجب أن يكون هناك تحرك جماعي دبلوماسي أيضًا للوقوف مع أى دولة عربية تواجه تهديدًا سياسيًا أو أمنيًا خارجيًا، وذلك من خلال تطوير العمل الدبلوماسى العربى ووضع استراتيجية قومية شاملة لاستغلال المؤسسات العربية المؤثرة عالميًا مثل الجامعة العربية والبرلمان العربى، فضلًا عن التواجد والتمثيل فى المؤسسات الدولية الفاعلة، مثل حصول مصر على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن ورئاستها للجنة مكافحة الإرهاب العالمى.
بجانب تقوية نقاط الضعف الحالية فى الجسد العربى وتطوير جوانب القوة فيه، وذلك بفلسفة وسياسة قومية شاملة تأخذ فى اعتبارها المستجدات العالمية والإقليمية والتكامل السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى مع الدول الإسلامية.
وفى سبيل هذا يمكن تقسيم الوطن العربى، إلى مناطق جغرافية بين الدول التى تتشارك فى محيط جغرافى واحد لتكون نقطة انطلاق لمواجهة الخطر القادم من تلك المنطقة، وبالتالى توسيع الدائرة لتشمل بقية الدول العربية، فمثلًا إذا حاولت دول خارجية أو تنظيمات استغلال البحر الأحمر لاختراق الأمن القومى لدول عربية مطلة عليه، يجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين الدول العربية المطلة عليه لتعزيز التعاون الأمنى بينها، وبالتالى تتوسع الدائرة لتشمل فيما بعد الدول العربية الأخرى، لتقدم المساعدة لدول المواجهة المباشرة مع الخطر.
سادسًا: تشكيل قوة ردع عربية
وستعمل كل مجموعة دول على تشكيل قوات ردع عسكرية وأمنية ومنظومات استخبارات خاصة بها لمواجهة الخطر، على أن تكون جزءًا أو نواة لقوات ردع عربى أكبر وأقوى، تتدخل لدعم القوات الصغيرة التى تواجه الخطر، والتى ستكون الأكثر دراية بطبيعة الأرض والأكثر خبرة فى مواجهة تكتيكاته.
وفى هذا يمكن العودة مرة أخرى إلى فكرة تشكيل «قوة عربية مشتركة» كمشروع لتكامل عربى أمنى وعسكرى، وحلم طال انتظاره.
كما يجب العمل على ضرورة التكامل السياسى والاقتصادى والثقافى والأمنى مع جميع الدول العربية، التى تعتبر حزام أمن للأمن القومى العربى ومرتكزًا قويًا لأمن الأمة العربية جمعاء، والاستغناء عن القوى الاستعمارية والغربية التى تسعى إلى استنزاف طاقتنا وتدمير أوطاننا. وهذه هى المهمة الكبرى أمام الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط.