الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: تحية إلى الشهداء

نُشر بموقع البوابة نيوز، الأحد 24 يناير 2016

نشر
عبد الرحيم علي


لا شىء أخطر على مصر من الإرهاب، ولا شىء أبقى لمصر من شهدائها الأبرار الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، يقدمونها بنفوس راضية، من أجل أن يبقى هذا الوطن شامخًا مرفوع الرأس. 

ما الذى تنتظرون أن أقوله لكم..؟ هل رأيتم أمهات الشهداء الثكالى، هل رأيتم آباءهم المتعبين، هل رأيتم زوجاتهم الحزانى، هل نظرتم فى عيون أبنائهم اليتامى؟ لولا ما قدمه الشهداء من أجلنا لما تخلف فى العيون كل هذا الألم. 

إننى أرقب بوجع مواكب الشهداء التى تخرج كل يوم، حاملة معها فلذة من فلذات أكباد هذ الوطن، لا أخلد إلى نومى إلا بعد أن أدعو الله أن يحمى هؤلاء الأبطال الذين جعلوا من حمايتنا رسالتهم السامية، أن يعيدهم إلى بيوتهم سالمين، فكما لدينا أبناء فلديهم أيضًا أبناء، وكما لدينا أحلام نسعى إلى تحقيقها، لديهم أيضًا أحلام يسعون إلى تحقيقها، وكما نخطط لمستقبلنا ومستقبل أولادنا يخططون لذلك أيضًا، الفارق الوحيد أنهم معرّضون فى كل لحظة للموت، من أجل أن نستكمل نحن حياتنا. 

لقد عرفت بعضهم، عشت أيامًا طويلة معهم، رأيت آيات حبهم لهذا الوطن، ولا تزال وجوههم تطاردنى فى أحلامى، أراهم يبتسمون، فقد أدوا ما عليهم لوجه وطنهم وابتغاءً لرضا ربهم، لم يهربوا من المعركة، فضلوا المواجهة، وهم يعرفون أنهم يدفعون حياتهم لما يعتقدون أنه خير وحق وجمال، ولأنهم يعرفون أيضًا أنهم يدفعون حياتهم ثمنًا لأجيال قادمة، من حقها أن تحيا فى وطن آمن مستقر. 

لو كان الأمر بيدى لطلبت من وزير التعليم أن يعد كتابًا فيه قصص شهداء الوطن من الجيش والشرطة، هؤلاء الذين يقفون على ثغورنا الداخلية والخارجية، ويجعل منها كتابًا أساسيًا مقررًا على كل مراحل التعليم، فلا بد أن يعرف كل أطفالنا وشبابنا قصص هؤلاء الأبطال. إنهم نماذج مشرفة، فلا شىء يزن سيرة الشهداء، وأنا لا أقول اقتراحًا فى الفراغ، أجعله من بين سطور مقالى وينتهى الأمر، ولكنى مستعد أن أشارك بالبحث والدراسة لنخرج هذا الكتاب فى صورة تليق بمن قدموا أعظم ما يملكونه وهو أرواحهم. 

المناهج الدراسية ليست كافية، بل أدعو كتاب الدراما، ومنتجى الأعمال الفنية السينمائية والدرامية أن ينتجوا أعمالًا عن حياة هؤلاء الشهداء، وقصص استشهادهم، فلا يوجد لدينا أعز ولا أصدق منهم، اجعلوا من أولادنا يعرفون القدوة الحقيقية، اجعلوا بناتنا يعلقن صور شهدائنا على صدورهن، فهم فخر لنا جميعًا. 

أعرف أن الدولة لن تترك ثأر هؤلاء، هو ليس ثأر من ماتوا شهداء فقط، ولكنه ثأر الأحياء منا أيضًا، وأعرف أن قواتنا المسلحة وشرطتنا لن يتهاونا فى اجتثاث جذور الإرهاب، فلن ننسى أبدًا أنهم من خططوا لإطفاء فرحة هذا الوطن ونوره، ولن ننسى لهم أبدًا أنهم من خطفوا أرواح أولادنا، لا لشىء إلا لأنهم لا يريدون التفريط فى أرض هذا الوطن، لكن هذا كله لا يكفى، فالشهداء الذين وضعهم الله فى مرتبة الأنبياء والصديقين من حقهم علينا أن نخلدهم فى قلوبنا، ونقدمهم للأجيال القادمة كنماذج من نور، اختارت أن يخبو نورها من أجل أن تستمر الحياة بينا جميعًا.

لا تجعلوا يومًا واحدًا نحتفل فيه بالشهداء، مهما كان اسمه، اجعلوا كل أيامنا أعيادًا للشهداء. إننا فى حاجة لأن نتذكرهم كل يوم وكل لحظة، لأنهم السند الحقيقى الذى يمكن أن تقوم عليه وتستمر حيوية هذا الوطن من الذين يريدون به شرًا، والله يريد له وبه الخير، لا تلتفتوا إلى من يشكك فيما يفعلون، ولا تسمعوا لمن يريد أن يشوه صورة شهدائنا، فهم عندنا أعز وأكرم من أن يقترب لهم أو منهم أحد بسوء. 

لهؤلاء جميعًا حق علينا، نحن الذين ننعم بما قدموه لنا، دون أن يمنوا علينا بشىء، ودون أن ينتظروا منا جزاءً ولا شكورًا، حقهم أن نحفظ لهذا الوطن تماسكه، أن يعمل كل منا من مكانه، على أن يظل هذا الوطن شامخًا راسخًا، فلو فرطنا فيه، فإننا بذلك نقول للشهداء إن دماءكم راحت هدرًا، ما فعلتموه لم ينفع، وساعتها سيحزن الشهداء فى جنات ربهم العليا.