من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: وبالناس المسرة
نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز، السبت 30/يونيو/2018
المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. نعم، بالناس، كل الناس، الأهل والأصدقاء والجيران، الإنسان في كل مكان، وفي كل زمان.
بالناس المسرة، كان الشطر الثالث من مفتتح نشيد تم تأليفه باللغة اليونانية ليُرنم في صلاة الصباح في الكنيسة الأرثوذكسية في روما القديمة.
ولكنه اشتهر وذاع صيته، بعد ذلك، عندما ترجم إلى العربية، وبات أيقونة من أيقونات الكنيسة الأرثوذكسية.
ولأننا هنا، في البوابة، نؤمن بالإله الواحد، والوطن الواحد، والإنسان المسكون بالإله الواحد، الساكن في الوطن الواحد، فقد كانت مبادرتنا التي نحتفل بمرور عام عليها، اليوم، بإنشاء صفحة تحت عنوان: "بالناس المسرة"، تعنى بالشأن القبطي لتكون ترنيمتنا الخاصة كل يوم أحد، مشاركة منا في الصلاة الكبرى، التي تقام في الوطن الواحد، للإله الواحد.
فطوال عمر المحروسة، ظل المصريون مهووسين، ومسكونين بسؤال الوحدة، وحدة الأرض والشعب، فالبحث عن إله واحد بدأ على هذه الأرض وأولى دعواته جاءت على يد إخناتون.
والبحث عن أمة واحدة وبلد موحد بدأ هنا أيضا، على هذه الأرض وفعلها مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى، الملك مينا موحد القطرين، عندما استطاع أن يوحد المملكتين، الشمال والجنوب، عام 3200 ق.م وفاز بلقب، ملك الأرضين، وصاحب التاجين، عن جدارة.
منذ ذلك الحين حاول أعداء مصر تفتيت تلك الوحدة، ولكنهم باءوا جميعهم بالفشل، فقد دافعت مصر عن وحدتها ضد كل الغزاة، ولم يقف الامر عند وحدة اراضيها، ولكنه امتد لصد جحافل الهكسوس والتتار والصليبيين، في معارك مشهودة، هزم فيها الجميع على هذه الأرض إنجليز، وفرنسيين، وعثمانيين، جميعهم اصابتهم تلك اللعنة، لعنة الطمع في مصر أرضها ونيلها وزرعها وشعبها، وجميعهم نالوا من غضبته، فلم يتمكنوا مما أرادوا ، وتاريخنا شاهد على مر الأزمان.
وفي هذا اليوم الذي يصادف احتفالنا بالذكرى الخامسة لثورة ٣٠ يونيو المجيدة، نتذكر قيامة مصر من قبور المؤامرت، التى حاول أن ينسجها لها طيور الظلام وأهل الشر طالبين موتها، ودفن ريادتها، وزرع الفتن بين أبنائها، فإذا هي قائمة ضد كل السهام، متحدة في قوة وبلا تهاون، تنظر وتنتظر غدًا أفضل، تفرح بوحدة أبنائها المسلمين والأقباط، الذين يهنئون بعضهم البعض بأعياد الثورة المجيدة، رغم الألم الذي نشعر به من جراء المخاض الذي يولد منه الأمل، رغم أنف الكارهين، والحاقدين والمتشددين.
سنفرح ببلادنا بدفء الأحضان وصدقها متكاتفين فى التصدي للإرهاب وأذياله وجنوده والذين يقفون من خلفه ممولين وداعمين له ، في الداخل والخارج، لتحقيق انتصار لا يقل عن انتصار قيامة السيد المسيح، انتصار يغلب الظلمة بنور التعاليم والقيم الطيبة التي طالبت بنشر الحب والخير والحق والجمال والسلام.
ما أجمل أن نتذكر في هذا اليوم، كلمات السيد المسيح الخالدة:
"طوبى للمساكين بالروح.. لأن لهم ملكوت السماوات، طوبى للحزانى؛ لأنهم يتعزون، طوبى للودعاء؛ لأنهم يرثون الأرض، طوبى للجياع والعطاش إلى البر؛ لأنهم يشبعون، طوبى للرحماء؛ لأنهم يرحمون، طوبى لأنقياء القلب؛ لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعى السلام، طوبى للمطرودين من أجل البِر؛ لأن لهم ملكوت السماوات، طوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة، افرحوا وتهللوا، أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم".
إن قيامة مصر بكم وبوحدتكم وتماسككم، تكمن في حب الوطن الذى عبر عنه المتنيح العظيم قداسة البابا شنودة الثالث في جملته الخالدة:
"إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا»، هذا الوطن الذي ينتفض ضد أعداء الخارج والداخل، أنارت كنائسه بشموع الحب وصلوات القيامة، رغم الألم على فقد الابناء، هذه الكنائس التي أراد أبناء الظلام من الإرهابيين هدمها وحرقها، واعتبرها قداسة البابا تواضروس الثاني فداءً للوطن، وقربان محبة من أجله، وقال قولته المشهورة: " وطن بلا كنائس أفضل لنا من كنائس بلا وطن".
ما أعظمها كلمات وما أعظمها روح تتزين بحب مصر والمصريين، وتهزم الكراهية.
إن قيامة مصر من عثراتها التي تعيشها، تتطلب الوحدة والاصطفاف والعمل الدائم ليل نهار، تتطلب هزيمة الإرهاب، ونشر روح الرجاء والأمل، فقيامة السيد المسيح كانت تعني في درسها الأكبر هزيمة اليأس؛ ذلك اليأس الذي يبثه الكارهون لمصر وقيامتها، وسوف يهزم المصريون -كل المصريين، المحتفلين بالأمل دائمًا، تظللهم روح المحبة والتسامح والعيش المشترك، والثقة فى الغد الأفضل- سوف يهزمون دعاوى اليأس والكراهية، وقنابل الشر وأحزمة الإرهابيين، ومخططات الفرقة.
فتحية واجبة لكل الزملاء المشرفين على الصفحة، ابنائي وزملائي، ووعد لهم ولكم، أن تظل "البوابة" نبراسا يضيء الطريق لكل المحبين على هذه الأرض.