من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: هذا المشروع.. لماذا؟
نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز، السبت 23/يونيو/2018
يواجه العالمُ الآن جُملة من التحديات، لعلَّ أهمَّها ما يتعلقُ بمدى القدرةِ على التصدى للإرهاب، وزحف أفكار التَّطرُّف والتَّعصب الأعمى، الذى تنشره جماعات الإسلام الحركى فى العالم بشكلٍ مُنَظَّم ومُمَوَّل ومخطَّط ودقيق.
ولعلَّ انكسار شوكة تلك الحركات فى دول عدة بالعالم العربى فى السنوات الأخيرة - كمصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين وغيرها من البلدان- جعلها تتطلَّع لغزو أوروبا؛ أملًا فى إيجاد أرضيَّة سانحة للانتشار والتَّمَدُّد ونشر أفكارها بشكل واسع، عبر تكثيف عمليات التجنيد للجيل الثانى من المهاجرين، يساعدها فى ذلك تمويلٌ سخيٌّ تتلقاه من دول عدَّة لها مصلحة فى انتشار وقوة هذه التنظيمات فى أوروبا كقطر وتركيا وإيران.
ولعلَّ انتشار أفكار مغلوطة حول تلك الجماعات فى الغرب باعتبارها مؤسسات ديمقراطية تم اضطهادها فى بلادها بواسطة حكومات ديكتاتورية قد سَاعَدَ كثيرًا فى تغلغل تلك الحركات المتطرِّفة فى أوروبا، الأمر الذى آن له أن يتوقف أو على الأقلِّ يجد مَن يُفسِّر ويحلل من وجهة نظرٍ أخرى عايشت تلك التنظيمات، وعاينت أفكارها بدقةٍ، واشتبكت معها ومع قادتها وكوادرها ومناصريها فى سجالات عدة لم يستطيعوا خلالها الثَّبات دقيقة واحدة، وقد تأكد لنا خلال ثُلث قرن من المتابعة الدقيقة لتلك الجماعات أن امتلاك ناصية المعرفة هو الجسر القادر على الوصول بنا نحو فَهْمٍ صحيح لأفكار ومخططات تلك الجماعات، سواء فى بلادنا العربية والإسلامية أو فى أوروبا وأمريكا، ذلك أن نُدْرَة البيانات لم تعد مشكلتنا مثلما كان الحال فى عصور سابقة، بل على العكس، فقد أصبحت الإشكالية المطروحة الآن هى فيض البيانات، وهو ما يجعل الباحث عن الحقيقة، أو الراغب فى بناء رؤية، يغرق فى كَمٍّ هائلٍ من البيانات، بعضها يناقض البعض الآخر؛ ما يجعله فريسةً سهلة للتشوش؛ ما لم يمتلك القدرة المعرفية التى تؤهله لفرز الغثِّ مِنَ السمين.
لذا فقد باتت أساليب وطرائق معالجة البيانات تحتل أهمية كبيرة فى عالمنا المعاصر، نظرًا لوجود فروق جوهرية كبيرة بين البيانات (Data) والمعلومات (Information)، فبينما يشير مصطلح البيانات (Data) إلى ما يمكننا وصفه بالمعلومات فى صورتها الخام؛ فإن مصطلح المعلومات (Information) يشير إلى «البيانات» بعد إجراء عمليات معالجة متنوعة عليها، مستخدمين فى ذلك سلاح الخبرة المتنوعة بقضايا الفرز، والتصنيف، والفهرسة، بحيث نقدِّم المعلومات فى النهاية بصورة مفيدة ومباشرة، وفى حدودِ ما هو مطلوب.
وفيما يتعلق بقضايا تيار الإسلام الحركى وقضايا الإرهاب، تبرز الحاجة المُلِحَّة -أكثر من أى قضية أخرى- لجهد ملموس وحقيقى فى مجال المعلومات، يحرص على استكمال ما هو غير متاح، ويُعالج ما هو متوفر، خاصة بعد أن أصبحت تلك القضايا تَقُضُّ مضاجع الجميع فى الشرق والغرب ليس فقط عبر عمليات إرهابية تحصد أرواح الأبرياء بلا تمييز، ولكن عبر نشر أفكار تحاول تغيير العالم نحو الأسوأ، خاصة فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير، وحرية العقيدة، والموقف من المرأة، والفنِّ، وقضايا الديمقراطية، والتداول السلمى للسُلْطَة، والنظرة إلى الآخر المختلف فى العقيدة أو المذهب.
لقد دفع المجتمع الدولى كُلفة كبيرة؛ نتيجة اعتماد معالجات تستند إلى انطباعات سطحية، تتناول -أو بالأحرى تنتهك- هذه القضايا بخِفَّة، وتصل إلى نتائج لا تستند إلى معلومات أو أُسُس معرفية.
لهذا كان هذا المشروع، مركز «دراسات الشرق الأوسط» بباريس، مركزًا متخصصًا فى دراسات الإسلام الحركى وقضايا الإرهاب، أنشأ موقعًا على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) متخصصًا بأربع لغات: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، وكذلك يَنْشُر كراسة شهرية بذات اللغات الأربع، كما يقوم بنشر هذه المجلة «المرجع» باللغات الأربع العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
مشروع نأمل أن يكون إضافة حقيقيَّة لهذا الحقل من الدراسات، يُقَدِّمُ شيئًا يساعد العالم على الفهم والتدبر، بعيدًا عن الرؤى المتخبِّطة والعشوائية والبعيدة عن الدِّقَة.