الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

نبوءة الترابي الكاذبة في حواره مع عبد الرحيم على في 2003: أرى السودان مهيأ ليكون قطبا هاما في العالم

نشر هذا الحوار بتاريخ ٣/ ١١/ ٢٠٠٣ اسلام اون لاين -نت

نشر
عبد الرحيم علي

حسن الترابى : اعتمدنا الحرية أساسا لكل الناس كفروا أو آمنوا 

زعيم المؤتمر الشعبي بالسودان: لا يوجد استعجال في الحصول على السلطة 

الترابى : السودان يختلف عن مصر
كشف الدكتور "حسن الترابي" زعيم المؤتمر الشعبي بالسودان أحد أهم منظري التيار الإسلامي في المنطقة العربية عن رؤية جديدة استقاها من خلال تجربته السابقة في الحكم في السودان، أكد الترابي على عدم وجود طريق أمام الحركات الإسلامية للوصول إلى السلطة سوى طريق الثورة الشعبية، وأرجع الترابي السبب وراء تلك الرؤية إلى قناعته بأن الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 لن تسمح لأي حركة إسلامية بالوصول للسلطة عن الطريق الديمقراطي.

وشدد الترابي على أن أمريكا ستسعى بكل قوة لتهميش دور الإسلاميين بشكل عام، حتى لو جاء ذلك على حساب قيم ومبادئ الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن، وبرَّر الترابي اشتراكه في دعم انقلاب عسكري للوصول للسلطة بحالة الضرورة، ودافع عن إيواء السودان لعناصر تعتبرهم بلدان عديدة إسلامية وغير إسلامية إرهابيين، مشددا على أنهم لم يقوموا بأي أعمال طوال فترة إقامتهم بالسودان، وحذر الترابي من اللجوء مرة أخرى للاستعانة بالعسكريين في محاولة لوصول التيار الإسلامي للسلطة، واصفا تركيبتهم الذهنية بالبعد عن المنهج الديمقراطي في التفكير.

وكانت شبكة "إسلام أون لاين.نت" قد أجرت حوارا موسعا الأربعاء 29/9/2003 مع الدكتور الترابي عبر الهاتف، شارك فيه بجانب مراسل "إسلام أون لاين.نت" كل من المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري (ذو التوجه الإسلامي)، والدكتور أحمد عبد الله مستشار الشبكة، وفيما يلي نص الحوار:

* بداية.. دكتور حسن.. لديكم تجربة كبرى وهامة في السودان بدأت بالدعوة والانتشار ثم المشاركة في عهد نميري، ثم السيطرة الكاملة على الحكم في ظل حكومة الإنقاذ، وانتهت بالصدام والاستبعاد عن السلطة والسجن.. كيف تقيمون هذه التجربة الآن؟

- الدعوات الدينية والحضارية تبدأ في الغالب الأعم بشعارات عامة، ولغربتها عن المجتمعات التي تولد بها فهي دائما ما تحاط بالشبهات، ولكنها لصدقها دائما ما تجتاز العقبات، وتبلغ مرحلة الانتشار، وربما تبلغ السلطات؛ فتتمكن في الأرض. ولكن الابتلاءات تتواكب عليها وتتداعى حولها الضغوط. والذي حدث في السودان هو نفس السيرة؛ فقد قامت الحركة مستمدة وحيها من دعوة الإسلام الإحيائية في مصر آنذاك، والتي كانت أصداؤها تتردد في مناطق أخرى عديدة من العالم كباكستان والهند وبلدان شرق آسيا، بالإضافة إلى أفريقيا؛ ونظرا لأن السودان محط أنظار الاستعمار الغربي منذ زمن بعيد؛ فقد لفتت أنظاره تجربتنا عندما بلغت مرحلة المشاركة في الحكم.

وعلى الرغم من أن الغرب يؤمن بالديمقراطية فإنها عندما "تولد إسلاما" تصبح مكروهة ومنبوذة في نظره؛ فالغرب يخشى أن ينتشر الدين الإسلامي ويتميز في حياة الناس بالدعوات المتتالية وليس بالحرب، فعلوا ذلك من قبل في تركيا، وكانوا يأتون إلى السودان -كبراؤهم جميعا أتوا- ويقولون أوقفوا هؤلاء الناس (في إشارة إلى حركتنا)، وكانوا دائما ما يكررون: "إذا كانت الإرادة الشعبية ستأتي بالإسلاميين فأوقفوها"، ومن هنا ومن قراءتنا للتاريخ الذي أكد في جميع مراحله على أن الديمقراطية لا تُولد إلا عبر الثورات بدءًا من الثورة الفرنسية، ومرورا بما حدث في إنجلترا وأمريكا؛ فقد رأينا أننا لا نستطيع الوصول إلى السلطة إلا بمنهج الثورة الشعبية، إلا أننا قد أخذنا عهدا على أنفسنا ألا يكون حكما قبليا أو طائفيا أو عسكريا.

 

العسكريون ينقضون العهد

- ويمضي الترابي ليقول: وعندما صعدنا إلى السلطة في السودان، وبدأنا نحكم بالشورى وسلطة الشعب، واعتمدنا الحرية أساسا لكل الناس كفروا أو آمنوا ما اتخذوا اللسان سبيلا للتعبير لا السنان.. فإن نظام الحكم الذي تعاهدنا معه، وأقسمنا اليمين قبل الوصول للسلطة، عندما تمكن تفارق معنا فرقانا بينا؛ لأن بنيته العسكرية والذهنية لا تنتمي لهذه الأفكار، وإنما نيته قائمة على الغدر بالعهود ونبذ الشورى.

* ماذا كانت ملامح ديمقراطيتكم التي تفارقت مع رؤية العسكر آنذاك؟

- كما قلت لكم.. الناس أحرار، كفروا أو آمنوا، ما اعتمدوا اللسان وسيلة للتدافع، ونبذوا السنان، والأمر شورى بين الناس كافة، والإجماع إجماع الأمة كلها مسلمين وغير مسلمين، والصلة بين المسلمين وغيرهم نموذجنا فيها ما سنّه النبي صلى الله عليه وسلم في أول عهد له بالمدينة، والمواثيق السياسية والدستورية نلتزم بها ونطبقها حرفيًا، ولا نغدر ولا نعلو فوقها محكمين رؤيتنا الخاصة، وإذا امتلكنا القوة لا نحتكم إليها... تلك كانت الأصول التي تعاهدنا على صونها، وتلك كانت ديمقراطيتنا التي دافعنا عنها في وجه العسكريين.

 

* ولكن ما الذي دفع إلى هذا الصدام المروع على الرغم من العهود بينكم؟

- شح المال من ناحية، ومحاولتنا الدعوية إقامة علاقة "عزة" مع العالم لا "عزلة"؛ نأخذ منه ويأخذ منا، نجادله ونحاوره، ولكن على قدم المساواة، كل تلك العوامل حرّكتها عقلية العسكر من ناحية، والتحريضات الكثيرة على الإسلام وأهله من قبل تملك السلطة المال في العالم من ناحية أخرى، كل هذا أدى في النهاية إلى الفرقان المبين. ولكننا كنا نود أن نختلف ونتحاور، إلا أنهم أبوا إلا ما رأوا؛ ولذلك زجوا بنا في السجون، ولكن نحن لسنا مفاجئين؛ فالصحابة قتل بعضهم بعضًا عندما جاء الصراع على السلطة والخلافة الراشدة القائمة على الانتخاب الحر والعقد والمساءلة تحولت وانهارت انهيارًا كاملا، وهذه كانت تجربتنا الأولى في البلاد، ومن يدري؟ لعل القادم يكون أكثر خيرًا.

الانقلاب العسكري ضرورة

* ولكن ألا تتفق معنا يا دكتور في أن العامل الرئيسي لفشل هذه التجربة يكمن في خياراتها المبدئية.. فأنتم عندما قبلتم الوصول للسلطة عن طريق انقلاب عسكري كنتم ترسمون هذه النتائج بأيديكم قبل أن تحدث؟

-يا أخي هذه كانت ضرورة.. فالعهود القديمة رفضت أن تفسح مجالا لنا.. وحتى الديمقراطية في الغرب -كما قلت لكم- لم تنجح هكذا بدون ضغوط وثورات، ولكن الخطأ من وجهة نظري هو عدم اللجوء للناس والقيام بثورة شعبية؛ فالاعتماد على العسكر هو الذي أوقعنا في هذا الخطأ.. فحين قالوا لهم: "أخرجوا هؤلاء من الحكم أو نخرجكم" أسرعوا بإخراجنا والزج بنا في السجون.. ولكنني أؤكد مرة أخرى أنها كانت ضرورة؛ فلم نكن لنصل إلى السلطة بدونها.

* ولكن في تركيا لم يلجأ الإسلاميون إلى الانقلاب العسكري على الرغم مما حدث معهم إبان حكم أربكان.. وهاهم وصلوا بالديمقراطية مرة أخرى للحكم في عهد أردوغان؟

- ولكنهم اضطروا أن يقسموا للناس إنهم علمانيون، ولولا هذا ما وصلوا إلى السلطة.. فهل تريدون منا أن نعترف بأننا علمانيون؟! نحن وضعنا دستورًا ديمقراطيًّا، وقررنا حرية الأحزاب، والانتخابات جعلناها مستقلة، وعندما فعلنا كل ذلك أطاح بنا العسكريون بمعاونة من الغربيين الديمقراطيين. والنتيجة أنهم لا يريدون الديمقراطية عندما تأتي من قبل الإسلاميين. وإنما كل ما يريدونه استبعاد الإسلاميين فقط.

* ولكن ألا ترى يا دكتور أن هناك استعجالا حدث في قضية الوصول للسلطة في السودان من قبلكم، وكان الأولى صنع كوابح داخل المجتمع تحول دون الارتداد عن الديمقراطية أولاً؟!

-لا يوجد استعجال في الحصول على السلطة، ولكن كما قلت لكم السلطة التي تأتي عبر ثورة تكتنفها الكثير من المشكلات، وتأخذ بأطوار عديدة حتى تصل إلى الاستواء؛ فالثورات دائمًا يقوم بها مقاتلون ومجاهدون وإصلاحيون.. حدث هذا في أفغانستان وفي الجزائر، وكنا ننذرهم جميعًا ونتباحث معهم حول ما بعد الوصول للسلطة، وكانت لنا رؤية واضحة قبل الحكم عن شكل الحكم وجوهره، وطريقتنا في ذلك؛ فنحن كنا مستعدين، ونعرف ما نفعل، وعندما وصلنا بالفعل وضعنا الدستور وأطلقنا الحرية (حرية الصحافة وتكوين الأحزاب)، ونص الدستور في مواد عديدة على ذلك، ولكننا حوصرنا وبدأ العسكر في الضجر من رغبتنا في تحقيق الشورى بكل ما تحمل من معانٍ كبيرة..

ولكن العسكريين في النهاية كانوا هم الطرف الذي يمتلك القوة، وقد استخدمها في الإطاحة بنا. والعبرة هنا التي نستخلصها لكل الإسلاميين أن القَسَم وحده لا يصلح.. ضعوا ضوابطكم قبل الولوج إلى باب السلطة.. ولا تستعينوا بالعسكريين، استعينوا بالناس، وهبّوا معهم في ثورات شعبية تأتي بكم إلى السلطة؛ لأن الأمريكان لن يسمحوا لكم بالوصول عن طريق صناديق الاقتراع.

 

استعداء الغرب

* ولكن يا دكتور ألا ترى لكم دورا فيما حدث؟.. فقط الغرب والعسكريون هم السبب؟ إذن من الذي استعدى الغرب وجاء برجال مصنفين في بلادهم على أنهم "إرهابيون" يريدون تدمير الغرب، وحمّل نفسه وحركته عن طريق استضافتهم ما لا يحتمل.. من الذي استضاف مؤتمرًا عالميًّا إسلاميًّا جمع فيه كل من هو مصنف أنه عدو للغرب ومطارد في بلاده الإسلامية للبحث في قضية أكبر من هذه الحركات وأكبر من أن تحتملها حكومة واحدة أو دولة واحدة، خاصة عندما تكون دولة نامية كالسودان؟!

-أنت تقصد "أسامة بن لادن" ومن معه، وأنتم بذلك ترددون ما يقوله الغرب عنا، ولكن الأمر لم يكن كذلك؛ فأسامة بن لادن لم يقم بأي عمل عدواني داخل السودان، هو جاء لإقامة الطرق والمشاريع التعميرية، ولم يتجاوز عمله ذلك، ثم دعني أقُل لك: في أي عهد خرج بن لادن من السودان؟ ألم نكن نحن في السلطة آنذاك؟ وقد فعلنا ما أرادوا، ولكنهم كانوا يريدوننا نحن، ويريدون الإسلام، وليس أسامة بن لادن وأعوانه وهو ما حدث؛ فبعد خروج بن لادن وانتهاء المشكلة طلبوا عزلنا، وضغطوا على الحكومة حتى وضعتنا في السجن.

هذا ما حدث.. ثم أنت تقول: إننا جمعنا أناسا من كافة أنحاء العالم لنتحدث في قضية أكبر منا.. ماذا في هذا الفعل من استعداء؟ ماذا عندما نجمع مسلمين من جميع أنحاء العالم لنتحدث عن كل القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين ونحاول إصلاحا ذا شأن؟ وكيف يمكن أن يسمى هذا استعداء؟!!

* ولكنَّ عددا من الذين حضروا هذا المؤتمر كانوا ممن يُطلق عليهم في بلدانهم "إرهابيون"؟

- لم يشارك أسامة بن لادن ولا مَنْ معه في هذا المؤتمر، ولكن شارك فيه مسلمون ممثلون لحكومات إسلامية وعربية وجاليات متواجدة في الغرب، ولم يكن بينهم إرهابيون.. ثم دعني أكن واضحًا.. كل هذا لم يستفز الغرب ولا أمريكا، هم كان يستفزهم إمكانية وصول حركة إسلامية إلى السلطة تتمسك بالإسلام، وتحاول في نفس الوقت تحقيق تجربة ديمقراطية حقيقية، تصلح نموذجًا يُحتذى لباقي الحركات الإسلامية في الوطن العربي؛ وهو ما دفعهم إلى إجهاضها.

بقايا المشروع

* د. حسن.. بعد كل ما حدث ماذا تبقى من المشروع الإسلامي وفق وجهة نظرك؟

- أعتقد بداية أن كثيرًا قد بقي من المشروع الإسلامي الذي كان غائبًا بالأساس من السودان.. فالسودان يختلف عن مصر من حيث إن التدين لم يكن جزءًا من مكونات شعبه، ولكن الآن وبفضل سيرة طويلة من الدعوة ومجهودات دعاة ومصلحين كثيرين في السودان تأثروا بدعوة الإحياء الإسلامي في مصر انتشر التدين وسط المجتمع السوداني، وكثرت المساجد في كل حي وكل شارع وازدحمت بالمصلين، وتحررت المرأة من كل قيود القبلية والعادات والتقاليد، وخرجت للعمل، واختلطت بمشاكل بلادها، ولم يحدث -على عكس ما حدث في بعض البلدان- أي مشاكل أسرية تفسخ أو خلافه..

 

هذه أكبر ثورة حدثت في تاريخ الأمة العربية من وجهة نظري مقارنة بما كان عليه السودان، لقد كان الشعب السوداني يجاهد مع الإمام المهدي وهو مخمور، ولا يعرف كيف يصلي، ولا يقسم لك حين يقسم "بالله"، الآن كل شيء تغير.. يكفي أن يضع الجنوبيون ممثلين في الحركة الشعبية ثقتهم في الإسلاميين فقط، ومن هذا المنطلق طالبوا بخروجنا.

هناك أيضا قضية التعريب.. حيث انتشرت اللغة العربية في طول البلاد وعرضها دون ضغوط من أحد، والآن أنا أكتب كتابًا حول هذه التجربة بحلوها ومرها ما لها وما عليها حتى يعتبر الناس.

* أخيرًا.. كيف ترى المستقبل؟

- أنا متفائل جدًّا بخصوص المستقبل، خاصة بعد إقرار السلام الشامل، وإجراء المصالحة الكاملة بين جميع الأحزاب والقوى السياسية في الشمال والجنوب.. خاصة أن الأخيرين منفتحون على الحوار وعلى إخوانهم في الشمال.. وهناك الآن ثروة بترولية كبيرة أسأل الله ألا تدخل علينا الفساد أو تجعلنا نهمل الزراعة، وأنا أرى أن السودان مهيأ إذا ما هاجر إليه ملايين الناس من العرب والمسلمين ومن جميع أنحاء العالم؛ ليكون قطبا كبيرا من الأقطاب الهامة في العالم.