من أرشيف عبد الرحيم علي
الإخواني "مختار نوح" فى حواره مع عبد الرحيم..يكشف مبادرة الخيار الرابع بين الحكومة المصرية والإخوان
نُشر هذا المقال بموقع "اسلام أون لاين نت" بتاريخ 13 أكتوبر 2002
مختار نوح: مبادرة الخيار الرابع بين الحكومة والإخوان
أرسل "مختار نوح" القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب الأسبق، تعليقًا حول ما نشرناه في صفحة الأخبار الأربعاء 10-10-2002 تحت عنوان: "نوح: مبادرة إخوانية لمصالحة النظام المصري" جاء فيه:
السيد الأستاذ رئيس تحرير "إسلام أون لاين نت"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقًا على الحوار الذي أجراه معي الأستاذ: عبد الرحيم علي ونشر بموقعكم الرائد في 10-10-2002 تحت باب "نوح: مبادرة إخوانية لمصالحة النظام المصري"، فإنه يطيب لي أن أصحح بعض العبارات التي لم ترد على لساني، إلا أنه تم نشرها على غير صحيح من الواقع، ومفادها أنني أطرح مبادرة "ترسم معالم لعلاقة مصالحة مع النظام المصري"، وأن هذه المبادرة تشبه مبادرة الجماعة الإسلامية التي أعلنت فيها وقف العنف، ثم أضاف المحرر على لساني: أنه في حالة عدم تفهم القيادة لهذه المبادرة سأقوم بطرحها بنفسي.
حيث جاءت العبارات السابقة في مجملها بعيدة تمامًا عما قلت؛ إذ إنني لم أعقد مقارنة على الإطلاق بين المبادرة التي أطرحها ومبادرة الجماعة الإسلامية الخاصة بوقف العنف؛ فلا وجه للشبه على الإطلاق بين هذه وتلك حتى يتم عقد المقارنة، كما أن عدم معقولية عبارة "في حالة عدم تفهم القيادة لهذه المبادرة سأقوم بطرحها بنفسي" تنبئ عن عدم صحتها؛ إذ لا يعقل أبدًا - والمصالحة هي عقد تواصل بين طرفين - أن أصمم على عقد هذا التواصل رغمًا عن أحد طرفيه.
والذي قلته تحديدًا: إنني واثق تمام الثقة من تفهم القيادة لهذه المبادرة؛ إذ إن ضرورة المصالحة مع النظام المصري الحاكم هي من ضروريات الدعوة التي لا غنى عنها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هناك عبارات اجتزئت من سياقها، فأخلت بمفهومها، ومثال ذلك: عبارة "الوضوح والشفافية واحترام المعلومات هو ما يجب أن يسود حركتنا في الوقت الراهن". كما أنه ذكر عبارة "الحرس الحديدي"، بما يوحي للقارئ أنها من إطلاقاتي، بينما أكدت لسيادته في حديثي أنه لا يوجد في الإخوان ما يسمى بـ"الحرس الحديدي".
أمانة
وإيمانًا منا بأمانة الكلمة والحرص على أدائها - كما قال السيد نوح في رده - فنحن ننشر نص الحوار كاملاً حتى يتحقق الغرض الذي يسعى إليه السيد نوح، ونحن معه، وهو الإفادة الكاملة من اللقاء الذي أجريناه معه خدمة للحقيقة، وكشفًا لكل ما يعتمل في ساحة العمل السياسي، خاصة حينما يتعلق الأمر بواحدة من كبرى الحركات السياسية الإسلامية في العالم.
في هذا الحوار تحدث "نوح" عن رؤيته الجديدة لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الحكومة المصرية والإخوان، ولكنه أكد أن لديه مشروعًا سياسيًا سيسعى لعرضه على قادة الجماعة مؤمنًا بأنهم سيقبلونه كما قبلوا من قبل كافة أفكاره في هذا الإطار.
وفي حالة عدم تفهمهم له ولمبادرات قال إن الدولة طرحتها في هذا الشأن؛ فلن يمانع قادة الإخوان في أن يقوم هو بنفسه بالدفاع عنها وطرحها حيث لا يوجد "حجر داخل الإخوان، وإنما توجد حرية كاملة"، وأن الجيل الذي يطلق عليه البعض لفظ "الحرس الحديدي" دائمًا ما يسعدون بمبادرات ورؤى الجيل الجديد.
تحدث "نوح" أيضًا حول ما يراه تغييرًا في التوجه العام لجهاز الأمن المصري، ولكنه أشار أيضًا إلى صعوبات تواجه أصحاب المبادرات الشجاعة في هذا الجهاز، وأوضح أنه "مصرّ" -الآن وقبل أي وقت مضى- على المضي في مبادرته لحل الأزمة المحتدمة بين الحكومة والجماعة، انطلاقًا من تأكده من سعي عدد من الجهات والأفراد لتصعيد الأزمة من جهة، والإبقاء على هذا الملف مفتوحًا من جهة أخرى، نظرًا لاستفادتهم من ذلك… بالإضافة إلى عدد كبير من القضايا تحدث عنها نوح صنعت هذا الحوار.
الرسائل الزائفة.. سر الأزمة بين الحكومة والإخوان
ملامح مبادرة مختار نوح
التراضي صيغة ملائمة في العالم الثالث
* بداية.. لعلك تتفق معي في وجود أزمة حادة بين الحكومة وجماعة الإخوان. هل سمحت لكم فترة السجن بتأمل هذه الأزمة واكتشاف أسبابها؟
بالطبع أتفق معك في وجود أزمة مظاهرها واضحة تمامًا في كمّ المقبوض عليهم من أعضاء الجماعة، وعدد القضايا التي قدمت للمحاكم، وشيوع ظاهرة التعذيب لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عامًا مضت. هذا فيما يخص الأزمة، أما الأسباب فأنا أرى أن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة يتمثل في وجود "رسائل زائفة" بين الطرفين الحكومة والجماعة.
* عفوًا: ما معنى "رسائل زائفة" وما المقصود بها؟
كأن يصل إلى الحكومة رسالة مفادها أن الجماعة "طلاب سلطة" ويريدون الحصول على الحكم بأي طريقة، وأنهم يعدون أنفسهم كبديل للنظام. ويصل إلى الجماعة رسالة مفادها أن النظام يسعى لاستئصالهم تمامًا. وكلتا الرسالتين من وجهة نظري غير صحيحتين؛ فلا الحكومة تريد استئصال الجماعة ولا الجماعة تريد الوصول للسلطة أو تعد نفسها بديلاً عن النظام.
* ومن الذي يقوم بإرسال تلك الرسائل الزائفة من وجهة نظرك؟
الرسائل تصل من عدة طرق، طرق حسنة النية، ولكنها مليئة بالأخطاء وسأعطي لك مثالاً: أحد الضباط الصغار الذين يتابعون ملف الإخوان يقوم بالاتصال بشخص ما داخل الجماعة، ويتحدث معه حديثًا عابرًا، وهذا الشخص لا يعلم أن كلامه يؤخذ باعتباره رسالة، كما أنه غير مخول بإرسال رسائل من هذا النوع تحمل وجهة نظر الجماعة، ثم يقوم الضابط بكتابة تقرير إلى قيادته الأمنية التي ترفعه إلى الجهات السياسية ليتحدث عن رؤية للإخوان في كذا وكذا… هذا في إطار حسن النية.
أما في إطار سوء النية فهناك الكثير داخل أجهزة الأمن لا يريدون لهذه الأزمة أن تحل، ولا لهذا الملف أن يغلق، وبالتالي فهم يقومون بدورهم في إذكاء روح الفتنة بين الطرفين.
* إذا كانت الأزمة فقط في تبادل الرسائل الزائفة فلماذا لا تحددون أطرافا بعينها ترسل وتتلقى الرسائل وينتهي الأمر عند ذلك؟
سؤالك مهم ولكن الطريق بين الطرفين مفروش بسوء الظن وانعدام الثقة وكافة التجارب في هذا الشأن فاشلة جدًا.
* التجارب التي تتحدث عنها كانت بين مسئولين سياسيين في الحكومة وأعضاء في مكتب الإرشاد، ثم إنكم لا تستطيعون أن ترسلوا برسالة موحدة "كمكتب إرشاد" وقيادة للجماعة في موضوعات عادية "يوسف ندا على سبيل المثال" فكيف برسائل موحدة في مجالات حساسة كالاتصال بالنظام؟
هذا أول خطأ وقع.. مكتب الإرشاد عليه حظر واقعي ودولي؛ لأن الدولة في ظل هذا المناخ العالمي الموجود لديها حساباتها، ولذلك فهي تكون شديدة الحساسية في الاتصال بأعضاء مكتب الإرشاد، وهذه الحساسية هي التي تلجئها إلى الاتصال بغيرهم وتقع المشاكل، ولكن لو أن الأمر اقتصر على "شخص واحد" لما حدثت الرسائل الزائفة.
ملامح المبادرة
* دعنا نكن أكثر وضوحًا.. ما هي الطرق البديلة التي تقترحها؟
هناك مبادرة سأقوم بطرحها على قادة الجماعة تتضمن عناصر أربعة أولية، فإذا وافقوا عليها سأقوم بطرح كافة تفاصيلها
* وما هي هذه العناصر الأربعة الأولية؟
أولاً: إتاحة فترة من الهدوء تسمح باستيعاب المعطيات والمتغيرات الدولية الجديدة؛ فالإخوان طوال السنوات الماضية لم تتح لهم الفرصة لفترة هدوء يلتقطون فيها الأنفاس، ويفكرون بهدوء، فكافة الإجراءات التي تتخذ من قبل الدولة ضد الإخوان تدعوهم إلى الإحباط وإلى التفكير في أن الدولة تسعى لاستئصالهم، وهو ما يؤكد الرسائل الزائفة التي تصلهم.
ثانيًا: إزالة عناصر الالتهاب وتمهيد الطريق لميثاق جديد في التعامل بين الدولة والجماعة.
ثالثًا: حسن اختيار الرسول وحسن انتقاء الرسالة.
رابعًا: الانطلاق بقناعة من كلا الطرفين بأن ثمة أخطاء إجرائية وحركية تم ارتكابها، فلا يعقل أن يوجد عمل حركي أو آخر سياسي لا توجد به أخطاء والاعتراف بها أول الطريق لمعالجتها.
إذا تحقق هذا فسنصل لنتيجة. وهذا في رأيي يمثل بدايات الحل لهذه الأزمة المحتدمة، خاصة أن هناك مبادرات من الحكومة في هذا الإطار.
* أنا لم أسمع بمبادرات صدرت من الحكومة موجهة إليكم، فهل لك أن تلقي لنا نظرة على هذه المبادرات؟
أنا أعتقد أن حديث صفوت الشريف الأمين العام للحزب الحاكم، وكذلك السيد جمال مبارك أمين لجنة السياسات، وكذا الدكتور علي الدين هلال عضو الأمانة العامة للحزب الوطني، كلها تؤكد على مفهوم واحد ثابت وهو: "فتح الأبواب أمام كل التيارات والأفكار"، وحينما يتبلور هذا الشعار على أرض الواقع فهذا معناه وجود رسالة واضحة بأن المناخ يتغير للأفضل، وأن هناك إمكانية للتفاهم مع كل الأطراف.
* ولكن السادة الذين ذكرتهم أعتقد أن كل كلامهم منصب على التيارات الشرعية أو القانونية إذا أردنا الدقة؟
التيارات الشرعية أو القانونية اسمها الأحزاب، وهذا الخطاب نفسه قيل منذ سبع سنوات وقرنت كلمة التيارات بلفظة "القانونية"، ولكن هذه المرة كان يعني قائلوه كافة التيارات وليست القانونية فحسب، فهم لم يقرنوها بذلك.
* فلماذا إذن لم تبادر جماعة الإخوان بالرد على هذه المبادرة بمبادرة مماثلة بدلاً من "الرسائل الزائفة" التي تحدثت عنها؟
أنا الآن خارج لتوي من السجن، وسأتحدث مع الإخوان، ولو رأيت أنهم لم يفعلوا شيئًا تجاه هذه المبادرات الحكومية سأطرح عليهم القيام بعمل شيء، وإذا لم يقتنعوا فسأعمل أنا، فنحن كجيل تمتع بهذه الصفات داخل الجماعة ولا يوجد حجر على حريتنا، وهم كجيل قائد سعيد بهذه الصفات - أي القوة في إبداء الرأي والاستعداد لذلك.
* لكن أعتقد أن البعض يضيق صدره بهذه الممارسات، وتجربة "يوسف ندا" مؤخرًا وما قاله الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، واعتراضات البعض عليه دليل على ذلك.
أعتقد أنني خضت تجربة شخصية للتنسيق بين الجماعة والحكومة في انتخابات نقابة المحامين، وكانت تجربة ناضجة جدًا خضناها بالاتفاق مع الدكتور سليم العوا، وعندما عرضتها على "أعلى هيئة في الإخوان" وكان عدد الحاضرين ستة من القيادات استمعوا لها وحدثت مناقشات ساخنة واعتراضات كثيرة منها اعتراضات على شخصي ومدى مغالاتي في مثل هذه المبادرات.. ثم انتهى الاجتماع بتفويضي تمامًا في إدارة هذا الملف.
ثم وجدت نفسي مبعوثا من الجماعة للتحدث باسمها وكان الفرق بيني وبين أكبر قيادي كان موجودا (40 سنة)، وجلست وبمنتهى القوة واتفقت مع الأستاذ رجائي عطية باسم الإخوان، واتفقنا في هذه الجلسة على إزالة حاجز الغربة بين الجماعة والدولة، وعلى مدى ثلاث سنوات قمنا بعمل أكبر مشروع لإنهاء عملية الاستحواذ الذي كانت تقوم به الجماعة، والذي أصاب القوى السياسية الأخرى بالاستفزاز، وانتهى المشروع بقرار ينص على عدم خوض الإخوان للانتخابات النقابية بأكثر من 50% في بعض النقابات و30% في البعض الآخر وفي نقابة المحامين بأربعة أعضاء من أصل 24، واتهمني البعض وقتها بالسعي للارتماء في حضن الحكومة ولكن ثقة الإخوان لم تهتز فيّ وقد ساندني من تصفهم "بالجيل القديم" ولم يساندوني فقط، ولكنهم أمسكوا بكتفي في مواجهة عواصف كافة التيارات التي حاولت النيل مني.
* إذن بماذا تفسر القبض عليك بعد كل هذا المجهود الذي قمت به للتوفيق بين الإخوان والدولة؟
هذا ما جعلني أتأكد من أن هناك جهات ورجالا داخل أجهزة الدولة ووسط الصحفيين والتيارات السياسية لا تريد لهذه الأزمة أن تنتهي، وهذا ما جعلني مصرًا هذه المرة على إنجاح هذه المبادرة والمساهمة في إنهاء هذه الأزمة وغلق الملف نهائيًا. فهذه التجربة أثبتت لي أن لدى الإخوان قابلية لأي مشروع يساهم في حل هذه المشكلة.
* قيل إنك تقدمت بورقة وأنت في السجن حددت فيها مقومات الإصلاح داخل الإخوان، ما هي ملامح هذه الورقة؟
جزء منها هو النتيجة التي حدثتك عنها الآن من أن هناك من يريد لهذه الأزمة أن تستمر وحددت أسماء بعينها، ولكن كان ينقصني كثير من المعلومات فيما يخص الجهات والقوى السياسية وبعض أصحاب المصالح المشتركين مع هذه الأسماء ولكن كان لدي معلومات كاملة وجيدة عمن يرغبون في حل هذه المشكلة وخاصة في وزارة الداخلية، فهناك عشرات من الضباط الكبار أصحاب مبادرات شجاعة سوف أحتفظ بأسمائهم وبعد فترة تجربة سأطرق أبوابهم.
* ماذا لدى هؤلاء الضباط ليقدموه لك أو للجماعة؟
لا تنقصني الشجاعة للقول بأني لمست تغييرًا كبيرًا في أسلوب عمل وزارة الداخلية. ستقول لي: وما بال التعذيب والسجن؟ سأقول لك: لا يوجد شيء اسمه أسود وأبيض، لكن هناك ما هو مائل للسواد وهناك ما هو مائل للبياض، وهكذا فالسجون تحسنت والمعاملة أيضًا.
* دعنا أستاذ نوح في الأفكار والمبادرات الساعية للحل؟
الأفكار أيضًا تحسنت.
*يعني هل هناك لدى وزارة الداخلية خطة لحل المشكلة؟
الداخلية ليست على هذا التعميم، يعني لا يوجد شيء اسمه "جهاز الداخلية" وأظن أن أصحاب المبادرة الرائعة التي حدثت مع الجماعة الإسلامية قابلوا صعوبات شديدة وما زالوا يقابلون حتى هذه اللحظة مما يجعلني أنفي التعميم بأن هناك جهازا اسمه الداخلية.
* دعنا في النقطة الأساسية.. ماذا في ذهن مختار نوح.. هل لديك مشروع محدد؟
تلافي سلبيات الماضي أولى المهمات، فقد أصبحت مقتنعًا بأهمية جمع المعلومات قبل أن أبدأ في الحركة، بمعنى أن لدي استعدادا للصبر مائة عام قبل أن أتحرك بجهل على الصعيد المعلوماتي، وهذه من وجهة نظري نظرية جديدة: "جمع المعلومات مقدم على بداية الحركة".
*لنكن أكثر دقة.. هل لديك مشروع لحزب سياسي على سبيل المثال؟
ليس بهذا المستوى، ولكن لدى كما قلت لك مشروع لتحرك سياسي جيد.
*التحرك في أي إطار وعلى أي مستوى؟
إن لي نظرية تقول: إن الواقع السياسي في مصر يسمح بتحرك سياسي جيد، سواء للأفراد أو الجماعات، وأن كل ممنوع في الواقع السياسي يقابله مباح في جانب آخر.
* لماذا يقول الآخرون بعكس كلامك هذا؟
أنا أقول بأن مصر بلد متأخرة في مجالات العمل السياسي والديمقراطي، لكن مع ذلك فيها قدر كبير جدًا من الساحات الخالية التي يمكن العمل فيها.
*مثل ماذا؟
هذه تفاصيل لم أعرضها بعد على الجماعة، ولكن ليس لها علاقة بما قلته سواء جمعية أو حزب.
* هل يمكن القول بأن "مختار نوح" سيكون الوسيط القادم بين الجماعة والحكومة؟
هذا شرف أتمناه وأتطلع إليه.
* وهل يسمح قادة الإخوان بذلك؟
في ظل المعطيات التي كانت عندي قبل دخول السجن هم سمحوا بذلك، ليس فقط بأن أكون وسيطا، ولكن سمحوا أيضًا بأن أطبق نظريتي كاملة وكانوا متفهمين، وبالذات كبار السن الذين يطلق عليهم البعض "الحرس الحديدي"، كانوا هم الأكثر تفهمًا لكل ما ناديت وطالبت به.
التراضي صيغة ملائمة
* ماذا عن الإطار الذي ستتحرك من خلاله، سواء كوسيط أو كممثل للجماعة خاصة، والهيكل التنظيمي للجماعة غير قانوني وغير معترف به، وأنت رجل قانوني وأدرى مني بهذا؟
بداية.. واقع الإخوان المسلمين قانوني أما وضعهم فهو غير قانوني، بمعنى أن هذا التجمع لا يناهض المبادئ الأساسية في الدستور، كما يزعم البعض، ووضع يعني أن هذا التجمع وجد في شكل غير مرخص له والفرق واضح.
* كما تقول وضع الإخوان غير قانوني، فما هي الكيفية التي ستعمل من خلالها وفي أي إطار، فهل لي أن أسألك كيف عملت الجماعة طوال حقبة السبعينيات؟
هذا موضوع آخر، كان هناك ضوء أخضر وإدارة أخرى، يعني يوجد إطار هنا اسمه "ضوء أخضر" وهذا قانون رابع.
* لكن هذا القانون يضر بأناس بسطاء كثيرين يتم القبض عليهم طبقا لهذا القانون وصل عددهم كما قلت أنت إلى 1800 شخص.
والله أنا لست من أنصار وضع الدولة أمام ثلاث خيارات أساسية: (حزب - جمعية - شركة) طبقا للقانون وإنما يجب السماح لها باستخدام الخيار الرابع "الضوء الأخضر" أو ما أسميه أنا بالتراضي والوفاق بين الدولة والجماعة.
*ولكنها تستطيع استخدام القانون الرابع ضدك في أي وقت؟
ونفس القوانين الثلاثة الأخرى ينطبق عليها نفس المنطق.
* ولكنها تعطي القوى السياسية والأفراد قدرا من الحرية في الحركة والأمان - أيضا احترام الدستور - وهذا مهم.
ولماذا لم تفلح هذه الشرعية في إنقاذ سعد الدين إبراهيم أو الأحزاب التي جمدت؟
*هل يعني هذا أنكم تصرون على علاقة بهذا الشكل؟
لم أقصد هذا، ولكن قصدت أنه لا يجوز أن يحصر طرف الطرف الآخر في شكل محدد للعلاقة.
* ولكنك بهذا تعطي الدولة المبادرة الكاملة في التعامل مع القوى السياسية، وهذا خطر، حيث يلغي هذا وجود أية إستراتيجية في التعامل بين القوى السياسية والدولة.
يا سيدي الحبيب في ظل مناخ العالم الثالث هذه التصرفات يمكن أن توجه للجمعيات وللأحزاب وللنقابات.
* إذن ما الحل؟
الحل في خلق واقع من التراضي، وليس شكلا قانونيا، فالواقع لدينا أهم من الشكل، فيحدث أحيانا أن يكون هناك شكل حزبي قانوني، ولكن على الجانب الآخر هناك واقع تصادمي مع هذا الحزب "الشكل القانوني"، وفي دول العالم الثالث ينتصر الواقع ويغلق الحزب. ولذا ينبغي التركيز على الأساس الذي يتيح الحركة وليس الشكل.
أنا لا أريد أن تكون العلاقة بين الإخوان والدولة مركزة على قضية الترخيص أو التصريح بالعمل في إطار قانوني للجماعة، ولكن أريد التركيز على أن يكون هناك واقع تراضٍ ومناخ صحي بين الطرفين، فمع وجود التراضي دون وجود الشكل القانوني سأضمن البقاء، ولكن في ظل وجود شكل قانوني دون تراض، فأنت لا تضمن أي شيء.
* ما رأيك في مطالبة البعض من داخل الجماعة بأن ينحصر عمل الإخوان في الدعوة وتترك العمل السياسي؟
أنا دائما أرفض هذا الكلام شكلا وموضوعا؛ لأني أرى أن طبيعة العمل الدعوي لا بد أن تحتك بالعمل السياسي؛ لأنك تدعو في النهاية إلى فكرة، وهذه الفكرة قد تشكل تعارضا مع طموحات الآخرين، بمعنى أن كل من يحمل فكرة ويدعو إليها فهو يقوم بعمل سياسي أراد أو لم يرد، ولكن المسألة تطرح بهذا الشكل: "ألا يطغى العمل السياسي على العمل الدعوى بحيث يصل إلى حد إخافة الآخرين".
* وفي أي إطار يمارس مثل هذا العمل السياسي؟
في إطار واقعي يتغير بتغير الزمان والمكان، فالعمل السياسي يختلف على سبيل المثال نتيجة حادث مثل تفجيرات 11 سبتمبر ضيقا واتساعا وجمودا وحركة، وهذا هو المقصود بالإطار الواقعي القائم على التراضي.
* وهل هذا يمكن أن ينطبق على كل الحركات أو القوى السياسية في مصر بما فيها القانونية؟
طبعا.
* في ظل الفكرة التي تقول بها.. كيف يمكن أن يتم تبادل السلطة، وهو الأصل في وجود الأحزاب والجماعات؟
ومن قال لك إنه يجب على الأحزاب والقوى السياسية في بلدان العالم الثالث أن تطالب بتبادل السلطة أو تطرح نفسها كبديل؟ لا بد أولا أن نخرج عن هذا النطاق في الفهم؛ بمعني أنه يجب ألا نعيش داخل مقولات "جان جاك روسو"، وواقعنا يقول عكس ذلك.
يجب الوصول أولا بالواقع إلى مرحلة "جان جاك روسو" ثم نطرح بعد ذلك قضية تبادل السلطة، فالذين يطرحون مقولة إمكانية تبادل السلطة يضعون للأسف العربة أمام الحصان.
* هذه رؤيتك التصحيحية الجديدة للإخوان والشكل الذي يجب أن تكون عليه علاقتهم بالدولة، فماذا عن التيارات السياسية الأخرى خاصة المخالفين لكم في الفكر؟
لقد قرأت في السجن حديث القيادي الناصري "حمدين صباحي"، وأعتبره ميثاق عمل جديد بين القوى السياسية.
* أنا أتحدث عن رؤيتك أنت وليس حمدين صباحي.
أقول لك ما قال حمدين صباحي، وما أوافق عليه، فقد قال إنه مدين باعتذار للشعب المصري عن بعض ما حدث في الفترة الناصرية، وقال: إن الحديث عن التاريخ بينما العدو على الأبواب نوع من أنواع الهزل. وقال: إننا لا نعبد أشخاصا ولكن نعبد أفكارا، وإننا يجب أن نلتحق كقوى وطنية بمبادئ محددة وآليات محددة. مضيفا أن الخروج على الدولة الآن معناه أن تأكل القوى السياسية الواحدة تلو الأخرى. كل هذه المقولات أعتبرها أنا ميثاق عمل جديد يجمع القوى الوطنية في مصر بما فيها الدولة، وأنا مؤمن بهذا وأعتبرها على لساني.
* يعني كلامك أنه يمكن تدشين عقد اجتماعي جديد بين كافة القوى السياسية؟
هذا واجب أساسي في هذه المرحلة لأن الأخطار تخص الكل، والذين يلعبون على المصالح الوقتية مصابون بقصر النظر، وهناك أشياء خطيرة من الممكن أن أقولها لك خارج التسجيل.
* أخيرا.. ألم تفرض أحداث الحادي عشر من سبتمبر على الإخوان وجوب مراجعة أفكارهم وطريقة عملهم وفقا للنتائج التي ترتبت على هذا الحدث الضخم؟
الأمر غير مرتبط عندي بأحداث 11 سبتمبر، إنما ارتبط الأمر بالكشف عن وجه أمريكا نفسه قبل 11 سبتمبر بمدة كبيرة، هذا الكشف أدى فعلا إلى إعادة الحسابات داخل الجماعة، ولكن لم يسعفني الوقت لكي أعيش تلك الفترة، فقد تم القبض علي وسجنت، ولكنني اعتقدت أن الأمر كان محل بحث، ولكن للأسف كما قلت لك من قبل فكل خطوة للأمام تقابلها أحيانا ألف خطوة للخلف.
* ماذا يعني كلامك هذا؟
يعني أن الدولة على سبيل المثال في دول العالم الثالث لها متطلباتها، والإخوان مثل أي حركة فكرية لها متطلباتها، ولا بد من عملية توفيق بين هذه المتطلبات، فالميزان لا بد أن يكون بهذا الشكل، ولا يكون الميزان هو رغبة حركة فكرية في أن تقوم بتحركاتها وفق معطيات الديمقراطية الغربية، إنما حركة فكرية تفكر وتعيش في ظل معطيات العالم الثالث، إذ يجب على الفكر السائد أن يعلم ويتعلم أن حركة العالم تتطور، وأن حركة الإخوان يجب ألا تكف عن التفكير والتطوير. هذا هو الفكر الذي يجب أن يسود على الأقل في هذه الفترة التي تتطلب نوعا من الاستقرار.