الأحد 08 سبتمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

رؤية مصرية لما جاء في كتاب المحلل العسكري الأمريكي "أوين سرس" حول المخابرات العامة المصرية

نشر
عبد الرحيم علي


لا أحد كان يتوقع ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر
وبعض أجهزة الأمن في العالم لا تصدق الرواية الأمريكية حتى الآن
من غير المعقول أن يتواجد الظواهري في اليمن قبل تفجيرات أمريكا بشهرين
وحكاية إنقاذ قادة دول الثمانية في جنوة محض خيال
الرئيس مبارك أيقظ نظيره الأمريكي فجراً ليخبره رفض مصر القاطع دخول أي جندي أمريكي الأراضي العراقي عقب تحرير الكويت
فكيف يمكن تصديق حكاية الحرب النفسية التي شنتها مصر ضد الضباط العراقيين؟


طلب منى الصديق العزيز الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ / عادل حمودة أن أكتب عن كيفية إدارة مصر للقضية الفلسطينية فى عهد الرئيس مبارك خاصة الفترة التى كلف فيها الرئيس السيد الوزير عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة بإدارة الملف بدءاً من عام 1999، وكانت جريدة الفجر قد أعلنت عن الموضوع الأسبوع الماضى فى ذيل موضوع شيق كتبته الأستاذة يسرا زهران نقلاً عن كتاب للمحلل العسكري الأمريكى" أوين سرس" . 
ونظراً لأن الموضوع الذى عرضته –بأمانة- جريدة الفجر جاء مليئاً بالأخطاء المعلوماتية من قبل المؤلف، وإنطلاقاً من الاحترام الذي نكنه جميعا لهذا الجهاز الوطنى العريق رأيت أن أبدأ بتصحيح هذه المعلومات أولاً، محاولا تقديم رؤية مصرية تستقى المعلومات من مصادرها الأصلية بعيداً عن انطباعات وتهويل وتأويل الرؤية الأمريكية .

وبداية لن أخوض فى هذه العجالة في كل التفاصيل الواردة في الموضوع السابق الإشارة إليه، ولكننى سأكتفى بخمس قضايا رئيسية داعياً زملائى الذين يعملون على عرض وترجمة الكتب الغربية عامة والأمريكية بشكل خاص أن يدققوا وأن يقرأوا ما فيها بحذر، فبعض هذه الكتب تحمل رسائل مقصودة وغير مباشرة لتوصيل رؤية بعينها إلى قارئ بعينه ولهدف خاص بهؤلاء الكتاب، ومن يقف خلفهم.

أولاً: فيما يتعلق بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، نصت المعلومات المنقولة عن كتاب المحلل العسكرى الأمريكى، أن المخابرات العامة المصرية حذرت الولايات المتحدة الأمريكية من حدوث مثل هذه التفجيرات قبل حدوثها بثلاث سنوات، وعلى الرغم من اعترافنا بقدرات أجهزة الأمن المصرية كافة، على التعامل المعلوماتي مع ظاهرة تنظيم القاعدة وتفريعاته وتنوعاته، ليس في المنطقة العربية وحدها، وإنما على أوسع رقعة فاعلة من العالم، باعتبار جل أعضاء التنظيم من العرب عامة والمصريين بشكل خاص، فلم يخطر على بال أحد في مصر أو خارج مصر، أن يقدم مجموعة من الشباب (الخاطفون التسعة عشر) بعمل دقيق ومبهر -بالحسابات الأمنية - بهذا الشكل، والبعض أكد لى شخصياً، وفى مناسبات عديدة، أنه، حتى الآن، غير مقتنع بأن الذين نفذوا تلك الأحداث هم هؤلاء الشباب، بالرغم من اعتراف أسامة بن لادن ووصايا الخاطفين التسعة عشر .

وبغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع وجهات النظر تلك، فمن المؤكد وفق وثائق تنظيم القاعدة نفسه أن التنظيم لم يفكر حتى نهاية عام 1998 فى مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها، ويذكر أبو الفضل القمرى قائد خلايا شرق أفريقيا والمخطط الرئيسى لتفجيرات نيروبى ودار السلام فى كتابه الشهير "جيل القاعدة" ، أن الإعداد لعملية الحادي عشر من سبتمبر بدأ فى أوائل عام 1999 وأن الشباب الذين قاموا بالعملية قد قدموا إلى أفغانستان فى منتصف نفس العام وأن العملية ظلت تدور فى أدمغة ثلاثة من قادة تنظيم القاعدة "لا تتعداهم " وهم أسامة بن لادن وأبو حفص المصرى وخالد شيخ محمد، حتى نهاية عام  2000، الأمر الذى يستحيل معه على أى جهة كانت أن تعلم بالتفجيرات لا قبلها بثلاث سنوات ولا حتى بعام واحد. 

المؤكد أيضاً أن هناك عدد من الدلائل وقعت فى يد العديد من الأجهزة الأمنية الأمريكية منذ نهاية عام 2000 وبدايات عام 2001، تؤكد أن هناك شئ ما يدبر ضد الولايات المتحدة الأمريكية من قبل تنظيم القاعدة، ولكن أحداً من هذه الأجهزة الأمنية وفق تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادى عشر من سبتمبر لم يطلع الآخر على المعلومات التى لديه مما أدى إلى الوقوع فى الفخ، وهو ما كشفه الكاتب الأمريكى الكبير لورانس رايت، الذى قدم تحليلاً دقيقاً لوثيقة تحقيقات لجنة الكونجرس في أحداث 11 سبتمبر، عبر صفحات كتابه "البروج المشيدة .. الطريق إلى 11 سبتمبر" والذى أدان فيه أجهزة الاستخبارات الأمريكية على تقاعسها الواضح تجاه اكتشاف تلك المؤامرة الكبيرة التى أدت إلى أكبر حادث إرهابى فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. 
 

وخلاصة القول أنه لا يوجد جهاز أمني في العالم، لا في مصر ولا في غيرها من دول العالم ، كان يعلم بخطة القاعدة للهجوم على أمريكا في سبتمبر من عام 2001 .
 
ثانياً: ما نقل عن الكتاب من أن المخابرات العامة المصرية قد أبلغت نظيرتها الأمريكية بمكان وجود أيمن الظواهري بإحدى مستشفيات عدن فى صيف عام 2001، ولدينا على هذه النقطة ملاحظتان، الأولى متعلقة بعلافقة الظواهري  بعملية الحادي عشر من سبتمر في هذا التوقيت، فقد كان الرجل قد أنضم قبل في هذه المرحلة الزمنية للفريق المشرف على أكبر خطة عسكرية يقوم بها تنظيم إرهابي ضد أكبر دولة في العالم، فبعد أن كان الفريق الأساسي مكون من ثلاثة أعضاء هم : أسامة بن لادن وأبو حفص المصري وخالد شيخ محمد، أصبح يضم بالإضافة إليهم أيمن الظواهري وسيف العدل ورمزي بن شيبة .  
ولا يعقل والحال كذلك أن يتم المقامرة، ولا أقول المخاطرة، بوجود واحد من هذا الفريق المهم خارج أفغانستان قبل تنفيذ العملية بشهرين.

الملاحظة الثانية تتعلق بنظام علاج قادة التنظيم، حيث دأب قادة القاعدة على العلاج إما في باكستان أو عن طريق جلب أطباء من خارج أفغانستان إلى الإمارة الطلبانية لعلاجهم، وهو ما حدث مع بن لادن نفسه عندما هاجمته عدة أمراض بينها هشاشة العظام، والفشل الكلوي، حيث تم جلب عدد من الأطباء إلى أفغانستان لعلاجه في مستشفى خاص أقيم في قاعدة عسكرية تدعى "زهوار كيلي " أو "حفرة الضبع" وهي القاعدة التي بنيت في منتصف الثمانينيات في نهاية ممر جبلي متعرج داخل جبال "سودياك غار" على بعد أربعة آلاف متر من الحدود الباكستانية، كما تم إرسال أبو حفص المصري الرجل الثانى في التنظيم (عكس ما روج البعض فى تلك الفترة من أن الرجل الثانى هو أيمن الظواهرى ) عام 2000، إلى باكستان لإجراء عملية "بواسير" ولكنه عاد بعد خمسة عشر يوماً دون إجراء الجراحة  (بحجة عدم جواز اللعب فى هذه المنطقة شرعاً)، وبالتالى فإن كل المعلومات التى وردت منقولة عن كتاب المحلل العسكري الأمريكي، والتي تحدثت عن وجود أيمن الظواهرى في اليمن فى تلك الفترة غير صحيحة وغير معقولة، ولا  يمكن أن تصدر عن جهاز مخابرات له وزنه كالمخابرات العامة المصرية. 

ثالثاً: القصة الخيالية التى أوردها المؤلف حول اكتشاف المخابرات المصرية لخطة تقضى بإخفاء أسامة بن لادن فى صعيد مصر في صيف عام 1998، ووقوف أيمن الظواهرى فى وجه هذه الخطة، وبداية فكل المتابعين لتاريخ الحركات الإسلامية المتشددة يعلمون جيداً أن أفغانستان فى تلك الفترة تحولت إلى أكبر ملاذ آمن لكل العناصر الإسلامية المتشددة في العالم، وأن الجزء الأكبر من أراضيها تحول إلى معسكرات تدريب كبرى يقيم فيها مئات من المقاتلين العرب من جميع الجنسيات، ووصل الأمر بطالبان (حكام أفغانستان فى ذلك الوقت) أن منحوا أسامة بن لادن ما يشبه الحكم الذاتى على مساحات كبيرة من أرض وجبال أفغانستان، وقاموا بتأميره على كافة المقاتلين العرب، الأمر الذي دفع الرجل وفق عادات عربية مشهورة للدخول في مصاهرة مع أمير المؤمنين آنذاك الملا محمد عمر ( حاكم البلاد ) حيث قام بن لادن بتزويجه لابنته، والسؤال إذن: كيف يعقل -والحال كذلك- أن تطرح فكرة كتلك، وكيف يفكر الرجل فيها من الأساس؟ .


رابعاً: ما ردده المؤلف ونقلته عنه الزميلة يسرا زهران فى ضوء عرضها للكتاب من أن المخابرات المصرية أدارت حربا نفسية ضد الجنود والضباط العراقيين فى حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية)، الأمر الذى يتنافى تماماً مع تعليمات الرئيس محمد حسنى مبارك الواضحة بمنع أى محاولة لكسر الإرادة العراقية ودخول قوات التحالف التى كانت تستهدف تحرير الكويت إلى أي شبر من الأراضي العراقية، وهناك معلومة قد لا يعرفها كثيرون، وقد يعرفها البعض ولا يريدون ذكرها لخلافات سياسية مع هذا النظام الذى يقف على قمته الرئيس محمد حسنى مبارك، فقد حاول الأمريكان دخول العراق فى عام 1991 بعد تحرير الكويت من منطقة البصرة فى محاولة لإسقاط نظام صدام حسين وقام الرئيس محمد حسنى مبارك بإيقاظ الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب فى الخامسة صباحاً، وهو وقت يمنع فيه إيقاظ الرئيس الأمريكى إلا فى حالة وقوع هجوم نووى على الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استجاب معاونى الرئيس الأمريكى لرغبة الرئيس مبارك، الذى أصر على إبلاغ نظيره الأمريكى رفض مصر القاطع دخول قوات التحالف شبراً واحداً داخل الأراضى العراقية، وهو ما استجاب له الرئيس الأمريكى على الفور، وأمر بمنع تقدم القوات الأمريكية نحو أية أراضي عراقية والاكتفاء بما تم تحقيقه من تحرير للأراضي الكويتية، وطرد جنود صدام حسين منها. 

خامساً: ما نقل عن الكتاب الأمريكى من معلومات حول إحباط محاولة اغتيال 8 رؤساء خلال قمة الثمانى الكبرى فى جنوه عام 2001 (المدينة التى تحولت إلى ثكنة عسكرية كبرى، ذكرت التقارير الصحفية وقتها أن عدد القوات التى كانت تؤمن القمة بلغت عشرين ألف عنصر من الجيش والشرطة بالإضافة إلى مخابرات الاتحاد الأوروبى)،  وهنا لا مكان للقول بأن أى جهاز فى العالم قد تدخل لحماية القمة والتحذير من عمل إرهابي قد يقدم عليه تنظيم القاعدة، ناهيك عن أن التنظيم  كان منشغلاً -فى ذلك الوقت – بالتحضي والإعداد لهجمته الكبرى على نيويورك وواشنطن التى كان مقررا لها النصف الثانى من نفس العام، وأى عملية كانت ستقع قبلها كانت ستلفت الأنظار مما يستحيل معها تنفيذ العملية الكبرى (الصعيد الثمين كما كانوا يطلقوا عليه داخل تنظيم القاعدة) . 
سادساً : أترك باقى الموضوعات لفطنة وذكاء القارئ واستنتاجاته المبنية على ما أوردته من معلومات فى الخمس قضايا السابقة مع تأكيدى الشخصى، وفق معلومات وليس تحليلات، من أن 90 % من المعلومات الواردة فى باقى التقرير -المنقول بأمانة عن الكتاب الأمريكى- غير صحيحة بالمرة.