من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: لماذا يجب علينا الاعتراف بأن مصر في خطر؟ما لن تُفصح عنه الحكومة
قرأت ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى في الاحتفال بالعيد الأول لقناة السويس، بطريقة مختلفة، تأملت ما بين السطور، ورغم أنه كان صريحا في الحديث عن الأزمات التي تحيط بنا، إلا أنه لم يقل كل شيء.
وبطبيعة عملى السياسي ألتقى كثيرا بمسئولين كبار في الدولة، يشيرون من بعيد إلى مفاصل الأزمات، لكنهم يحجمون دائما عن الخوض في التفاصيل، أجمع المعلومات كاملة من على أطراف ألسنتهم، أركن قليلا لأرسم صورة، بعد أن تنتهى أدرك أنها مؤلمة وتشكل خطرا محدقا من كل اتجاه.
مبكرا جدا أدركت أن للأنظمة والحكومات ضروراتها وللشعوب خياراتها، لا يفصح المسئولون عن كثير مما يعلمون، لأن لديهم مواءمات كثيرة تمنعهم من الاقتراب من شاطئ التفاصيل التي تسكنها الشياطين، وهو أمر لا يمكن أن نلومهم عليه، أو نهاجمهم بسببه.
لدينا هنا مهمة أخرى، أن نضع أمام الرأى العام ما لدينا من معلومات، تجعلنا نعترف بأن هناك خطرا، وهو الاعتراف الذي يشكل أول خطوة في التعامل معه على أرض الواقع، بدلا من التستر وراء مبررات واهية، لن تفيد بقدر ما تدمر، ولن تعالج بقدر ما تجعلنا ندور في دوائر مفرغة.
لقد حاول الخطاب السياسي ولشهور طويلة مضت الإشارة إلى أن مصر تتعرض لمؤامرة كبرى، يرغب من يقفون حولها إلى تركيع هذا الوطن الصامد وتجويع هذا الشعب العنيد الذي صنع قدره بيديه، ويرفض أي مساس بحريته واستقلاله.
لن أكرر لكم هنا كثيرا ما جاء في الخطاب السياسي للرئيس، ولن أطلب منكم أن تسمعوا مرة أخرى ما قيل ونشرناه في الصحف وناقشناه في البرامج التليفزيونية، سأضع أمامكم حقائق أثق في مصادرها، وأترك الأمر لضميركم.
■ محاولة إفلاس مصر… ابحث عن قطر
تورط نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعى في حديث فارغ مفرغ من أي مضمون أو حقيقة عما اسموه إفلاس مصر، وراحوا يتهمون وزيرة الاستثمار داليا خورشيد بأنها صرحت بذلك، لن أخوض هنا فيما قالته الوزيرة، التي لم تقصد شيئا من هذا على الإطلاق، لكن بينى وبينكم حديث عن محاولة تركيع مصر ماليا، وهنا لا بد أن نأتى على الدور القطرى.
في بيان البنك المركزى الذي صدر الأحد ٧ يوليو وردت إشارة واضحة إلى أن من أسباب تراجع الاحتياطي النقدى بقيمة مليارى دولار، سداد مبلع ١.٠٢ مليار دولار قيمة السندات الدولارية المستحقة لدولة قطر، وقبلها كنا قد سددنا ٢ مليار أخرى.
السداد هنا ليس أزمة على الإطلاق، فالإدارة المصرية قررت أن ترد لقطر كل ما دفعته، لأنها تدرك أن هذه الدويلة الصغيرة لا تكف عن العمل بشكل مباشر وغير مباشر للإضرار بالأمن القومى المصرى.
لكن قطر تظهر في الصورة لتحتل الجانب القبيح منها، فمن بين أسباب أزمة الدولار أن القطريين يقومون بشراء الدولار من المصريين العاملين في الخارج بـ ١٦ جنيها، وذلك لمنعهم من تحويل العملة الصعبة إلى داخل مصر، وكان طبيعيا أن تنخفض تحويلات المصريين من ١٩ مليارا إلى ١١ مليار دولار، أي أننا فقدنا ٨ مليارات دولار مرة واحدة.
الإخوان لعبوا دورا كبيرا في هذه المرحلة من المؤامرة، ويمكن أن نرصد تحركاتهم في الآتى:
أولا: طلبت الجماعة من أعضاء التنظيم سحب إيداعاتهم بالجنيه، وشراء الدولار، فتم تهريب ٥٠٪ منه إلى الخارج في نهاية ٢٠١٣، وحتى منتصف ٢٠١٤، واستغلت الـ٥٠ ٪ الأخرى في المتاجرة بين البيع والشراء عبر تعطيش السوق.
ثانيا: في مقابل ذلك قامت الحكومة بضخ دولارات في البنوك، تم سحب ٣٠٪ منها تحت مسمى الاستيراد لبعض الشركات الإخوانية، والموالين لهم، وتم استغلال أزمة الدولار عبر شراء الأسهم المدرجة ببورصة لندن من خلال شهادات الإيداع الدولية بالجنيه المصرى داخل مصر، وتوريد قسمتها في لندن بالدولار بأقل من ٣٠٪ من سعرها في مصر.
ثالثا: كلف التنظيم مجموعة من أعضاء في الخليج بفتح مكاتب في الكويت، لشراء الدولار، بأعلى ٤٠٪ من سعره في مصر، عبر مكاتب استيراد وتصدير إلى قطر لوقف تحويلات المصريين، وهو ما أشرت إليه.
رابعا: تم اختراق شبكة البورصة الإلكترونية بالتلاعب في زيادة العرض (البيع) أوقات الإعلان عن أي نجاح، وبعدها بأيام يتم شراء نفس الأسهم بعد أن يكون سعرها انخفض، ثم إعادة بيعها مرة أخرى في حالة النجاح.
هذا إضافة إلى اجتماعات مستمرة في قطر ولندن وتركيا والإسكندرية كنا قد تناولنا تفاصيلها في أعداد سابقة.
■ السياحة والإرهاب… إغلاق كل الأبواب مرة واحدة
لن نحمل قطر كل أسباب أزمة الدولار بالطبع، هي فقط جزء من السبب، فلا يخفى على أحد أن السياحة معدومة تماما، بما يعنى أن مصر محرومة بالفعل من ٢٢ مليار دولار سنويا.
وقبل أن نتجادل حول أسباب تدهور السياحة، لأن البعض يحلو له أن يحمل الإدارة المصرية المسئولية كلها، دون أن يدركوا أن الإرهاب الذي فرض علينا هو الذي أدى إلى توقف السياحة تماما، علينا فقط أن نتذكر الأحداث الكبرى، سقوط الطائرة الروسية في سيناء، وتفجير الطائرة المصرية القادمة من فرنسا.
الإرهاب بالفعل هو المعركة الكبرى التي تستنزف الجيش والشرطة، وتستهلك موارد كثيرة، ولك أن تتخيل أن كل صاروخ يطلق في اتجاه الإرهابيين وتكتلاتهم وتجمعاتهم، يكلف الدولة ما يقرب من ٧٠ مليون دولار.
يتخيل البعض أن المعركة ضد الإرهاب مجرد نزهة، يخوضها الجيش والشرطة دون أعباء، دون أن ينتبه من يقولون ذلك إلى أن هذه المعركة الشريفة التي يخوضها أشرف أبنائنا كان لها دور في أزمتنا الاقتصادية، فنحن دولة في حرب حتى لو أنكر الكثيرون، ذلك لمرض في أنفسهم أو لهدف يسعون إلى تحقيقه.
وحتى لو قال البعض إن الأجهزة الأمنية لا تقوم بدورها كاملا، وإن الإرهاب تقف وراءه ثغرات أمنية واضحة، سأقول لهؤلاء، ماذا تقولون إذن عما حدث في فرنسا وألمانيا وبلجيكا؟ هؤلاء الذين يصورون للعالم أن إجراءاتهم الأمنية غاية في الدقة، لقد دفعت هذه الدول ثمنا غاليا في مواجهة الإرهاب، ولم يتحدث أحد عن ثغرات أمنية، لسبب بسيط أن الإرهاب يستطيع أن يضرب في كل وقت وفى كل مكان، دون أن يرده أحد، فقد تغيرت أدواته، وبشهادة خبراء استراتيجيين وأمنيين، فإن مواجهة الأمن المصرى للإرهاب هي الأفضل في العالم.
وعليه فيجب أن نتوقف عن تصدير الإحباط واليأس والهجوم على من يخوضون هذه المعركة، التي يبدو أنها ستطول، لأن هناك من يقف وراءها، ويريد لها أن تستمر.
( ٣ ) غول الفساد الذي لا يقدر عليه أحد
الفساد وفى جملة واحدة هو أحد أوجه المؤامرة الكبيرة على مصر، إنه اللعنة التي تقضى على أي أمل في التنمية، وإذا قلتم إن الإدارة المصرية ليست جادة في محاربة الفساد، سأقول لكم الواقع يقول عكس ذلك تمامًا.
راجعوا فقط ما حدث في قضية فساد القمح وصوامعه، لقد كشفت هذه القضية عن حجم الفساد الهائل، أحد أصحاب الصوامع اعترف بنفسه أن هناك ٥٦ مليون جنيه خطأ حسابى، وفى إحدى الصوامع التابعة للتموين تم اكتشاف فساد بـ١٧٣ مليون جنيه، وما خفى كان أعظم بالطبع.
لقد ورط وزير التموين الحكومة والرئاسة، عندما قال إنه لا يوجد فساد في موضوع القمح، لكن فعليًا ملفات هذه القضية الآن على مكتب الرئيس، وأعرف أنه سيتدخل فيها بنفسه، وأعتقد أن لجنة تقصى الحقائق التي شكلها البرلمان لإجلاء ما جرى في هذه القضية كان لها دور كبير في كشف الفساد.
وعندما طالبت بتشكيل لجنة محايدة لتقصى حقائق القمح، لم أكن أطعن في اللجنة التي شكلها البرلمان، فعلى العكس تمامًا، فأنا أعرف المجهود الخرافى الذي بذلوه، وكان هدفى هو سد الثغرات على من يريدون إفساد عملها أو اتهامها بما ليس فيها، ولذلك فمن الأولى تشكيل اللجنة من الجهات الرقابية فقط «المخابرات العامة، الرقابة الإدارية، الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أساتذة الجامعة المتخصصين وشركة عالمية متخصصة في هذا المجال».
الواقع يقول إن بيزنس القمح يصل إلى ١٦ مليار جنيه، تدفعها الدولة، يذهب منها ما يقرب من خمسة مليارات إلى جيوب الفاسدين، وهو ما يستوجب أن نبحث عن هؤلاء، أن نواجههم بما فعلوه في حق هذا الوطن.
هل أطالبكم مثلًا بمراجعة تقارير رقابية عن رجال أعمال استولوا على أراضى الدولة، ولا يريدون إعادتها مرة أخرى أو دفع ثمنها، لو أحصينا مليارات هذه الأراضى، سنجد أن هذا البلد تعرض لأكبر عملية نهب في التاريخ، وأعتقد أنه آن الأوان لينتهى هذا النهب تماما.
وفى ظل هذا الاستنزاف لموارد الدولة فلكم أن تتخيلوا أن ميزانية إصلاح شبكات الصرف الصحى والمياه في محافظة واحدة تحتاج إلى ميزانيات دول كاملة، وهو الملف الذي يعمل عليه الآن المهندس إبراهيم محلب مستشار الرئيس للمشروعات القومية الكبرى.
■ الأذرع الخبيثة التي تعبث بالأمن القومى المصرى
الحرب على الإرهاب في الداخل ليست الحرب الوحيدة، فالأطراف الدولية التي تلعب في المنطقة لا تريد لمصر استقرارًا، ويمكن أن نقدم شواهد عديدة على ذلك.
في إثيوبيا سد النهضة على وشك التشغيل، ويتوقع الخبراء أن بحيرة ناصر وخلال عامين فقط يمكن أن تجف تمامًا في حالة تشغيله ولن أخوض في حديث طويل عما جرى في السد منذ سنوات طويلة، لأننا أمام واقع الآن، ولابد أن نعترف به ونواجهه، فالبكاء على ما مضى ليس من العقل على الإطلاق.
بالقرب من إثيوبيا تلعب تركيا وبمنهجية واضحة في دول العمق المصرى بأفريقيا، ولا تفعل ذلك في الخفاء، ولا تتحدث عن مصالحها الخاصة، بل تشير التحركات إلى أن ما يفعله أرودغان في أفريقيا لا هدف له إلا الإضرار بالمصالح المصرية، وعلينا فقط أن نحصى كم الشركات التركية المنشأة مؤخرًا في دول أفريقيا.
في ليبيا الوضع مرتبك وملتبس، وحتى لو قلت إن أمريكا بدأت بالفعل ضرب داعش، سأوضح لك ما جرى، فقد ضربت أمريكا داعش بالفعل، لكن في سرت، وتركت الإخوان في بنى غازى، فالإستراتيجية الأمريكية التي تلعب على كل الحبال، قادت الضربات بعيدًا عن الإخوان، لأنهم يتصورون أو يعملون بالفعل على مساعدة الإخوان، ولا يريدون أن يخسروا حليفًا قويًا.
■ أين ذهبت مساعدات الخليج؟
– هناك من يعزف كثيرًا على هذه النغمة، يعددون المليارات التي وردت إلى مصر من دول الخليج، ويقولون أين ذهبت وماذا فعلنا بها؟
وهنا أجد لدى ما أقوله، فقد توقفت مساعدات الخليج نتيجة أزمات داخلية في بعض بلدانه، مثلت هذه الأزمات تحديات ضخمة، ولا يمكن أن ننسى التأثير الهائل الذي خلفه تراجع سعر البترول، ولحسابات خاصة ببعض تلك الدول، كانت هناك وعود بمائة مليار، لكنها وصلت إلى ١٨ مليارًا فقط.
كانت مصر في أشد الحاجة إلى هذه المساعدات، لكنها لم تبع نفسها لأحد، كان هناك من يريد أن يركب القرار المصرى، وقضية اليمن شاهدة على ذلك تمامًا، ولا نريد أن نفصلها، لأن مصر خرجت منها دون أن تتراجع عن ثوابتها.
( ٦ ) الاعتراف بالخطر أولى خطوات العلاج
نحن في خطر كامل، ولابد أن نعترف بذلك، يشير الرئيس أحيانا، تلمح الحكومة أحيانا، لكننا نضع أمامكم ما لدينا، والسؤال هو: وما هو الحل؟ وهل هناك بديل؟
لستم في حاجة لأن أقول لكم إننا جميعا في أمس الحاجة لأن نتكاتف، ونتحمل الصعوبات التي تواجهنا، لأننا إن لم نفعل ذلك فالمصير موحش، ولن يتحمله أحد.
هناك من بين بقايا ٢٥ يناير من يعملون بدأب على إفساد كل شىء، وهناك أيضًا من بين أبناء ٣٠ يونيو الذين يعتقدون أنه تم إبعادهم من يتعاملون بقسوة مع هذا الوطن، ولا يشغلهم كثيرًا أو قليلًا، وهؤلاء مخطئون، فلا أحد يريد أن يدمر ٢٥ يناير، ولا أحد تم إبعاده عن معسكر ٣٠ يونيو، فنحن جميعا أبناء وطن واحد، وهذا الوطن الواحد في أزمة، من مصلحتنا ألا تستمر.
المؤامرة الكبيرة تستهدف وحدة المصريين، وتأخذ الطريق إلى ذلك من التشكيك في وطنية الرئيس وإنجازاته، وهو ما لا يجب أن نقبل به، لأنه ليس حقيقيًا على الإطلاق.
إننا أمام رئيس بالفعل يعمل منفردًا في مواجهة الفساد والإرهاب، ومن المصلحة لنا جميعا ألا نتركه وحده.
وهنا أطرح أفكارًا أكثر من تقديم حلول، لأن الأمر يحتاج إلى مناقشة متعمقة، فالرئيس فعليًا بلا ظهير سياسي، فهل أصبح الوضع ملحًا الآن لمناقشة هذا الأمر، هل يوجد من يصلح لهذه المهمة، وإذا كان موجودًا، فلما الذي يجب أن يفعله، وإذا لم يكن موجودًا، فلماذا لا نبحث عنه؟
إننى لا أكتب مقالا بقدر ما أوجه صرخة للجميع، هذا الوطن في خطر، لن ينقذه إلا نحن، بشرط أن نقف في صف واحد، ويدا واحدة خلف قيادة سياسية نعى وندرك كم وحجم وطنيتها وصدقها تجاه هذا البلد، واعتبروا هذه دعوة منى لنفكر معا، لأن الوطن يحتاج أن تجتمع القلوب على محبته، والعقول على التفكير من أجله، والسواعد لمساندته، فاعملوا من الآن، وإلا فلن نعمل أبدا.
الأيام المقبلة.. «البوابة» تفتح صفحاتها للنقاش والتحاور حول هذه القضية