الخميس 13 مارس 2025

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان والبرادعى "الرقص مع الذئاب"

نُشر هذا المقال بجريدة الفجر بتاريخ 17 مايو 2010

نشر
عبد الرحيم علي

لم يطاوعنى قلمى طوال الشهور الماضية، أن أدخل فى الجدل الدائر حول ظاهرة الدكتور محمد البرادعى .. كان اعتقادي أن الذين ينفخون فى تلك الظاهرة ، بالسلب أو بالإيجاب ربما يرتكبون خطأ كبيرا، إذ أن تلك الظواهر-العابرة- سرعان ما ينطفئ بريقها مع الوقت. كنت أراقب عن كثب تصريحاته ولقاءاته مع جماعة الإخوان، ربما زاد من اهتمامى بهذه اللقاءات عندما علمت من مصدر داخل مكتب الإرشاد أن يوسف ندى (مسئول ملف العلاقات الخارجية بالجماعة) طلب من عاكف (الذى ما زال يشرف على التشكيلات غير المعلنة للتنظيم الدولى للإخوان فى الخارج) أن يقابل الدكتور محمد البرادعى، كان يوسف ندى قبلها قد حصل على بركة كبيرة من واشنطن عندما رفعت اسمه من قوائم الداعمين للإرهاب واسقطت كافة التهم التي سبق وأن وجهتها له عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فى واحدة من صفقات أمريكا الشهيرة مع الجماعة. 

كان ندى قد عقد عدة لقاءات في الآونة الأخيرة مع عدد من رجال الاستخبارات الأمريكية فى إحدى العواصم الأوربية، شمل جزء كبير من حديثهم ظاهرة البرادعى، ومدى إمكانية دعم الإخوان له وقبولهم ببرنامجه للتغيير فى الانتخابات الرئاسية القادمة .. حمل ندى كل ما تم التوصل إليه فى تلك اللقاءات إلى مهدى عاكف (نقطة الوصل الرئيسية بين المؤسسات غير العلنية في التنظيم الدولى وبين قادة الجماعة الجدد) .. أمر عاكف، يوسف ندى بالاستمرار فى الحوار وإيهام الأمريكان بأن الإخوان سيقفون مع البرادعى فى أى انتخابات قادمة شريطة أن تضغط أمريكا على مصر كى لا تضع العراقيل أمام حركة الجماعة فى الانتخابات التشريعية القادمة. 

لم تدخر الجماعة جهداً إذ أرسلت الدكتور سعد الكتاتنى رئيس اللجنة البرلمانية للجماعة فى مجلس الشعب للقاء الدكتور البرادعى وفتح حوار معه حول رؤيته للتغيير ومطالب الجماعة منه .. كان المطلب الأول الذى طلبه الكتاتنى من البرادعى هو تجميل صورة الجماعة فى دول أوروبا وأمريكا بما لديه من علاقات قوية فى تلك الدول، وهو ما وعد البرادعي بتنفيذه على الفور، بعدها أعلنت الجماعة ،مباشرة، مساندتها لخطة البرادعى فى التغيير .. لم تتجاوز جماعة الإخوان تلك الخطوة حتى لا تفقد بريق خطتها لمغازلة النظام، إذ أن إعلان الجماعة تأيدها للبرادعى فى انتخابات الرئاسة يحرق كافة مراكب الجماعة التي تمتلكها في بحر النظام، الأمر الذى يمكن أن يتسبب فى غرق كل شئ.

 

 

 

خطة الجماعة:

كانت خطة الجماعة معلنة وواضحة، السعى إلى صفقة كبرى مع النظام تتيح لها التوغل فى مؤسسات المجتمع المدنى تنفيذاً لأولى خطوات خطة التمكين التى تنتهى بالانقلاب على النظام (حتى لو كان البرادعى نفسه على رأسه) وإقامة ما يعتقدون أنه الدولة الإسلامية. هذه الفكرة التى طالما طاردت الجماعة منذ إنشائها عام 1928 على يدى مؤسسها حسن البنا حتى الآن، هي الحاكم والمحرك لكافة الخيوط الفكرية والتنظيمية والحركية للجماعة على مدار تاريخها كله .

ولنعد إلى السبب الرئيسى الذى دفعنى إلى الكتابة فى هذا الملف، الذى آليت على نفسى ألا أقترب منه ليس خشية من سهام طائشة لا تفرق بين محبى هذا الوطن وبين أعدائه الحقيقيين، ولكن حفاظاً على الجهد والوقت الذين يجب أن ينفقا فى شئ يفيد هذا البلد، حتى جاء حديث الدكتور محمد البرادعى لمجلة بارى ماتش الفرنسية والذى نشرت جزءا منه جريدة الدستور فى صفحتها الأولى يوم السبت قبل الماضى. ووفق الدستور فإن البرادعي قد قال أن " الإخوان هم القوة السياسية الأولي في مصر، وعلي الرغم من القيود المفروضة حولهم، فإنهم يمثلون 20% من البرلمان، كما أنهم يقومون بالكثير من الأشياء من أجل الفقراء، وفي المساجد يقومون بعلاجهم وتعليمهم، ويعتقد البرادعي أنه أقنعهم بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية ودولة علمانية، مضيفًا: قلت لهم يمكنكم ممارسة دينكم وليس ما تريدون وارتداء النقاب، ولكن يتعين عليكم احترام حق الآخرين في العيش بشكل مختلف".

صحيح أن البرادعى نفى ما نقلته جريدة الدستور من حواره مع بارى ماتش الفرنسية .

ووفق موقع الاخوان على شبكة الإنترنت فإن البرادعي نفى في اتصال هاتفي بالدكتور محمد سعد الكتاتني عضو مكتب الإرشاد ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، من فيينا- أن ثمةَ خطأً حدث في ترجمة ما نشرته المجلة فيما يتعلق بأنه أقنع الإخوان بالدولة العلمانية، مؤكدًا أنه أرسل تصويبًا للدستور يؤكد أن ما دار في لقائه مع الدكتور الكتاتني تناول العديد من القضايا الخاصة بالإصلاح والديمقراطية ورأي الإخوان فيها، وأن الإخوان أكدوا بالفعل دعوتهم لدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.

وتبع نفي البرادعي توضيح من الجماعة على لسان الدكتور سعد الكتاتنى فى نفس اليوم (نشر النفي والتوضيح فى موقع الجماعة على شبكة الانترنت يوم 9 مايو 2010 ) 

قال فيه "أن ما نشرته المجلة منسوبًا للبرادعي لم يحدث على الإطلاق، مشيرًا إلى أن الحوار الذي دار بينه وبين البرادعي تطرَّق للعديد من القضايا الخاصة بالإصلاح والديمقراطية ورأي الإخوان فيها، وأنه أكد للبرادعي أن الإخوان ينادون بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية باعتبار أن الدولة في الإسلام هي مدنية في الأساس وليست دينية كما يردد البعض".

وها نحن أخيراً أمام تطابق لا يحتمل الشك بين البرادعى والإخوان حول نقطة أراها مهمة لإدارة حوار موضوعي حولها، وأعني بها مفهوم الإخوان للدولة المدنية، والذي أقتنع به الدكتور البرادعي وراح يروج – على أساسه - للجماعة في أروقة الإتحاد الأوروبي وواشنطن .

والسؤال: هل شرح الإخوان للدكتور البرادعى مفهومهم للدولة المدنية، وإن كانوا قد شرحوه، وأنا أشك فى ذلك، فهل قبل البرادعى هذا المفهوم منهم، إنها مأساة كبيرة أن يؤمن عالم كبير بحجم الدكتور محمد البرادعى بالمبدأ الميكيافيلى الشهير (الغاية تبرر الوسيلة) إذ أن البرادعى وفى إطار سعيه للوصل لحلم، ربما داعب أجفانه طويلا، حلم الجلوس على كرسى حكم مصر يبرر لنفسه القبول بمفهوم الإخوان للدولة المدنية الذى سنعرض له فى إيجاز ربما نسمع ردا من الدكتور البرادعى حول قبوله لمثل تلك المفاهيم من عدمه، إذا أن الرجل - وفق ما يردده مؤيدوه - يؤمن بالحوار الموضوعى المبنى على أسس مستندة إلى معلومات حقيقية وليست زائفة . 

 

الإخوان ومفهوم الدولة المدنية : 

لا يمل الإخوان من تكرار مصطلح الدولة المدنية، في تعبيرهم عن شكل الدولة التي يريدونها، لكنهم لا يتحدثون مطلقا عن مفهومهم للدولة المدنية، تلك التفاصيل التي ربما تدخلهم، ليس فقط ، في صراع فكري داخلي قد يهدد تماسك الجماعة، إنما إلى كشف شامل لمفهوم مرتبك للدولة المدنية التي يقصدونها. 

ففي تلك الدولة، التي يجب أن يعكس دستورها، كما يوضح برنامجهم السياسي الذي سبق أن عرضوه على عدد من الكتاب والرموز السياسية في مصر، هويتها ذات الأبعاد الثلاثة (الإسلامية، الحضارية، العربية)، والتي ليس من بينها المصرية. والمرأة يجب أن تمكن من جميع حقوقها، شريطة ألا تتعارض ممارسة تلك الحقوق مع القيم الأساسية للمجتمع المنبثقة بطبيعة الحال من المبدأ السياسي الحاكم، وهو الشريعة الإسلامية، وحيث إن الإخوان لديهم وجهة نظر واضحة في قضية "المرأة"، تتمحور بالأساس حول أن المرأة أس الشرور والبلاء في المجتمع، وملازمتها بيتها ورعايتها أسرتها واجب مقدس، لا يضاهيه واجب، وأن المشاركة السياسية لا تكون إلا بالقدر الذي يخدم وجود الإسلاميين في المجالس التشريعية المنتخبة، كالخروج المحتشم والمحتشد لإنجاح مرشحي التيار الإسلامي. ففيما عدا ذلك ، فإن صوتها عورة وجسدها عورة وعملها يجب أن يقتصر علي الضرورات التي - وفق فقه الإخوان - تبيح المحظورات.

وبالطبع فإن الحديث حول التفاصيل في برنامج سياسي، وفق الرؤية الإخوانية، لا يجوز. فاللبيب بالإشارة يفهم. أما غير المسلمين فحّدث ولا حرج، فوفق مبادئ الشريعة، بالمفهوم الإخواني، الذي يجسده مولانا عبد الله الخطيب مفتي الإخوان وحاديهم فإن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، إلا ما ندر، فلا يجوز أن نرهقهم في الدولة المدنية الإخوانية بفريضة الجهاد، علي سبيل المثال، الذي هو في الدول الحديثة يسمي الدفاع عن الأوطان ضد أي اعتداء أجنبي، وهو شرف لا يضاهيه شرف، وهو فوق هذا وذاك محدد أساسي للمواطنة، دونه دفع الجزية صاغرين.

والتفصيل في هذا الموضع بالطبع غير مجد عند الإخوان، فهم يحاولون دغدغة المشاعر الوطنية دون الدخول في تفاصيل محرجة. الكارثة تتمثل عند الحديث حول الثقافة والفن، والإخوان هنا يفصحون بجلاء عن وجههم الحقيقي، "فالتزام الرقابة على الإبداع الأدبي، طبقا لقيم المجتمع وأخلاقياته وتقاليده، واجب لا مناص منه". وكلنا يحضرنا موقف نوابهم من رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري "حيدر حيدر"، ورائعة نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، وعدد لا بأس به من الأعمال الإبداعية المهمة، آخرها الموقف من إعادة نشر "ألف ليلة وليلة".

وحول الغناء حدث ولا حرج، فوفق برنامج الإخوان يجب "توجيه الأغنية المصرية الي أفق أكثر أخلاقية واتساقا مع قيم المجتمع وهويته، مهمة وطنية لا يضاهيها مهمة". والسياحة يجب أن تكون "في ثوب لا يخدش حياء المواطن المصري إذ لابد أن يلتزم السائح الغربي بالقيم الإسلامية، ويتقيد بها". أما الأمن القومي فيجب ربطه بدوائر الانتماء الحضاري الثلاث "الإسلامية والحضارية والعربية" دون المصرية بالطبع، فهي لا تلزم الأمن القومي في شيء.

 

مدنية الأحكام السلطانية:

لن نتحدث كثيرا عن الرؤية الاقتصادية للإخوان، فلسنا متخصصين في هذا المجال، لكننا فقط نشير إلى الكم الهائل من التداخل بين رؤي مدنية حديثة تحاول أن تلامس العصر، ورؤي فقهية قديمة مستمدة من الأحكام السلطانية للمواردي (توفي ٤٥٠ للهجرة)، حيث مصطلحات: كالحسبة، وأنظمة القطائع، والحمي، والتحجير، والإحياء، والوقف.

إن جوهر ما يسعى إليه الإخوان واضح في برنامجهم، تأسيس دولة دينية، وليس هذا عيبا، ولكن العيب يكمن في المداراة، والالتفاف علي الهدف، والتعمية عليه، بقصد إيهام الناس، بمقولات مثل الدولة المدنية، التي تعني في النهاية عند الإخوان الدولة الدينية.

لهذا فإن الدستور في برنامج الإخوان ينحصر في المادة الثانية، وفق تفسيرهم هم وليس غيرهم، والمواطنة تعني الالتزام بأحكام الشريعة، حتي فيما يتعلق بغير المسلمين، والأمن القومي يعني تدعيم الأمن القومي لدول إسلامية بعينها، وتنظيمات تسعى لإنشاء إمارات إسلامية لا تخدم، حتى الأمن القومي العربي، ناهيك عن الأمن القومي المصري، وفق مبدأ أولويات دوائر الانتماء الحضاري لمصر، بغض النظر عن المصالح العليا للوطن.

ووحدة الأمة تعني الابتعاد - في حرية كاملة - عن الفرقة في الشؤون الجوهرية، والسماح - في حرية تامة - بالخلاف في الفروع دون بغض أو خصومة.

وبالطبع فإن الإخوان وحدهم هم الذين سيحددون لنا تلك الأمور الجوهرية، التي لن تخرج عما أطلق عليه فقهاء العصور الوسطي مفهوم (المعلوم من الدين بالضرورة).

وهي أمور يكفر منكرها بإجماع الآراء، وقد وصل فقيههم "سيد سابق" في كتابه "فقه السنة" الي اعتبار "الجماعة المسلمة" ركنا أساسيا من المعلوم من الدين بالضرورة يكفر منكره بالإجماع. تلك رؤيتهم للدولة المدنية ومفهومها عنها يا دكتور محمد فهل نسمع منك بعضا من توضيح ، سوف نرى .

 

الإخوان والتغيير بالعنف : 

ونكمل، في هذه العجالة، ببعض الوثائق الضرورية التي نهديها للدكتور البرادعي ، كي يسأل حلفائه من الإخوان عنها، ربما يساعده ذلك على مراجعة واجبه لذلك المسلك المبني على العاطفة، إذا أفترضنا حسن النية ونبل المقصد .

ونبدأ بما قدمه الحاج مصطفى مشهور المرشد العام الخامس للجماعة لمكتب إرشاد التنظيم الدولي في الدورة 164 المنعقدة في العاصمة التركية أسطنبول في سبتمبر عام 1991 .

يقول مشهور في ورقته "يرى بعض الأخوة أنه وبعد مرور ما يزيد عن عشر سنوات من عمر التنظيم العالمي ومغالاة الأنظمة في حرب الجماعة والوقوف بشكل عام أمام أي توجه إسلامي صحيح فان هناك وجها آخر لوسائل التغيير لابد من إعادة النظر فيه وتجليته للوصول إلى رؤية شرعية محددة لوسيلة من أهم وسائل التغيير داخل مجتمعنا انطلاقا من ثوابت فكر الإمام الشهيد رحمه الله".

ويضيف "وقد بلور بعض الأخوة وجهة نظرهم بالصورة التالية:

إن الإمام البنا قد قام بما يلي:

  1. دراسة الواقع المحيط وتحديد المشكلة المطلوب علاجها.
  2. تحديد الأهداف الإستراتيجية للحركة.
  3. تحديد وسائل التغيير:

أ – المباشرة: النضال الدستوري – الإنقلاب العسكري – الثورة.

ب- غيرة المباشرة: العمل الجماهيري ونشر الفكرة.

4- بناء أجهزة الحركة المناسبة للتغيير: التنظيم الخاص، التنظيم العسكري، الشعب، الجهاز التربوي، الجهاز الإعلامي، المؤسسات الاقتصادية.

ويظهر هذا العرض أبرز ما يشغل تفكير بعض الإخوان الآن من حيث ضرورة بلورة وسيلة واضحة للتغيير داخل مجتمعاتنا تواجه تصعيد أعداء الإسلام لضغوطهم المسخرة على الدعوة واعتمادهم على الأنظمة الحاكمة الذي لم يعد خافياً ولم تعد تنقصه الصراحة.

والسؤال للدكتور البرادعي : ما رأيك جنابك يا دكتور في وسائل التغيير المباشرة التي أعتمدها التنظيم الدولي وما زالت سارية حتى الآن.

فتوى الردة : 

هل يؤمن الإخوان المسلمون بالحرية الدينية؟ الإجابة نقرأها في العدد رقم "23" من مجلة الدعوة – لسان حال الإخوان المسلمون - , الصادر في شهر "إبريل 1978" يسأل رياض عبد القادر من إقليم كشمير – بالهند": 

ما حكم المرتد في الإسلام؟ وهل يقتل ابنه كذلك؟

ويجيب مفتي الجماعة الشيخ محمد عبد الله الخطيب بالقول:

"الردة هي الرجوع عن الإسلام بنية الكفر أو قول الكفر أو فعله، قال تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة. وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، والإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، ولكن من اعتنقه وآمن به فلا يحل له أن يتلاعب به. والردة خيانة عظمى لله واستهتار برسالته. والمرتد إما أن يتوب فيعود للإسلام أو يصر على ردته فيقتل.. أما محاولات تمييع هذا الحكم فهو درجة من العبث والإفساد في الأرض.

أما ابن المرتد فمما لاشك فيه أنه من ولد في الإسلام فهو مسلم؛ لأنه ولد بين مسلمين. فيحكم بإسلامه تبعا لأبويه، فإن ارتد الأبوان فإن الابن يبقى على إسلامه ولا يتبعهما في ردتهما. وهذا الحكم محل اتفاق بين الفقهاء.. والطفل الذي يكون في بطن أمه وقت الردة لكنه ولد بعد ردتهما يحكم أيضا بإسلامه، وإذا ارتد رجل مسلم دون امرأة مسلمة وولد له بعد ذلك ولد فإنه يكون مسلما تبعا لأمه "يتبع الابن خير الأبوين دينا"، وإذا كان الحمل في حال الردة من أبويه وولد فيها فهو كافر أيضا.

وهنا ثمة ملاحظات نهديها للدكتور البرادعي – نصير حرية الرأي والإعتقاد - حول الفتوى:

أولا: هل ضاقت الدنيا بالسائل"رياض عبد القادر" وهو كشميري من الهند، فلم يجد إلا مجلة "الدعوة" في القاهرة لتجيب عن سؤاله؟!. ما أكثر علماء الإسلام في بلاده، وما أيسر أن يسألهم ويستفتيهم, فلماذا لم يلجأ إليهم؟. أم أنه فعل ولم يقدموا له الإجابة الشافية؟!.

ثانيا: التعريف الذي يقدمه الشيخ الخطيب للردة يتسع فيشمل "قول" الكفر أو "فعله"، ولا ينشغل الشيخ بتحديد الأفعال والأقوال المفضية إلى الكفر، وهل هي خاضعة لقانون صارم يحدده الإسلام، أم أنها مسألة اجتهادية تقع مسئوليتها على علماء الدين في كل عصر؟!. ولأن الإسلام- فيما نعلم- لا يقدم مثل هذا التحديد، فإن الأمر ينصرف بالضرورة إلى البشر غير المعصومين, وقد حكم بعضهم على نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم كثير، بالردة والكفر لما "اقترفوه" من أقوال يرى هؤلاء القضاة، غير المؤهلين وغير المعصومين، أنها ترادف الكفر وتعني الردة وتستوجب القتل، وسرعان ما تم تنفيذ الحكم انطلاقا من التوسع غير المحسوب في تكفير المخالفين في الرأي، فهل يدرك الدكتور البرادعى أي باب من أبواب الفتنة قد فتحوه الإخوان بمقولتهم تلك؟ وهل يتولى الإخوان المسلمون مسئولية السلطة فيسارعون إلى التكفير والقتل بلا حساب؟ وهل يمكن أن ينجو غير المسلمين من هذا المصير إذا كان المسلمون أنفسهم عرضة له؟.

ثالثا: قتل المرتد عند الشيخ الخطيب عقوبة إسلامية يقينية لا تقبل الجدل، ولا شك في معرفة فضيلته أن الآراء مختلفة في هذه المسألة، والدليل على ذلك ما كتبه كل من :الإمام محمد عبده ، عبد المتعال الصعيدي، الشيخ شلتوت ، جمال البنا ، محمد سليم العوا ، ولكن مفتي الإخوان يعتبرهم جميعا – وفق ما جاء في رده- منتسبون إلى طائفة المفسدين العابثين, ولا وقت عنده لمناقشة اجتهاداتهم أو تفنيدها. 

رابعا: الإسلام دين العقل والفطرة، والإنسان فيه مسئول عن أفعاله واختياراته، وفى هذا الإطار يبدو السؤال عن ابن المرتد غريبا، ولا يختلف المجيب عن السائل، فهو ينساق في طرح احتمالات كثيرة، ويستعرض معرفته بآراء الفقهاء الذين لا يسميهم، أما العقل وإعماله فلا شأن له ولا تقدير، ولا اهتمام به على الإطلاق.

فتوى بناء الكنائس : 

ونختم بفتوى بناء الكنائس في ديار الإسلام ففي العدد رقم "56" من مجلة الدعوة الصادر في شهر ديسمبر سنة 1980 ثلاثة أسئلة عن الرأي الإسلامي في مجموعة من القضايا التي تتعلق بغير المسلمين، وقد أجاب عليها جميعا الشيخ محمد عبد الله الخطيب مفتي الجماعة، أول هذه الأسئلة كان من "أ.ح.م.. المنوفية" عن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام، ويجيب مفتي الإخوان: إن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:

الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها... كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان.. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة.

والثاني: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها. وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين. 

والقسم الثالث: ما فتح صلحا بين المسلمين وبين سكانها. والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هي عليه في وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها وهو رأي الشافعي وأحمد إلا إذا اشترطوا في عقد الصلح مع الإمام إقامتها، فعهدهم إلى أن يكثر المسلمون على البلد. وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام. ويقول صلى الله عليه وسلم "لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها". 

المفهوم من الفتوى، في غير لبس، أن البلاد التي أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين. والمغالطة الأولى أن الأحياء المصرية المشار إليها قد بناها المصريون جميعا، مسلمون ومسيحيون، وأن حقوق المواطنة التي يقرها الدستور المصري لا تحول دون إقامة المواطن المصري في أي مكان يتناسب مع مكانته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية وطبيعة عمله.. وبالتبعية، فإن من الحقوق الراسخة للمصرين المسيحيين القاطنين في المعادي والعاشر من رمضان وحلوان أن يمارسوا شعائرهم الدينية في حرية تامة، لكن هذا الحق البدهي يبدو مستحيلا في ظل التحريم القاطع الصارم الذي يقدمه الشيخ، فكأنه يطالب – موضوعيا – بجيتو مسيحي مغلق، في مكان محدد محدود، لا يجوز الخروج منه أو التطلع إلى غيره.

 

كيف وأين يتعبد المسيحيون إذن يا دكتور البرادعى؟! 

تزداد صعوبة الإجابة بالانتقال إلى القسم الثاني من الفتوى، حيث يجزم الشيخ بأنه لا تجوز إقامة دور العبادة غير الإسلامية في البلاد التي فتحها المسلمون، بل إنه لا يجوز الاحتفاظ بما كان قائما قبل الفتح!.

سؤال بسيط لابد من طرحه هنا، ونريد بالطبع إجابة مقنعة عنه من جماعة الإخوان: أين وكيف يتعبد المصري المسيحي المقيم في مدينة الإسكندرية مثلا؟!. وهي مدينة وفقا لفتوى الجماعة لا يحق للمسيحيين فيها بناء الكنائس، بل لابد من هدم القائم منها، فإلى أين يذهبون؟!. النتيجة المنطقية هي أن يغادروا الإسكندرية كلها، وأن يكون ملاذهم في الأماكن التي يسمح الإخوان ببناء الكنائس فيها.

هل نجد مثل هذه الكنائس في القسم الثالث من الفتوى، حيث الأماكن التي فتحت صلحا بين المسلمين وبين سكانها؟!. التنازل الوحيد الذي يقدمه الإخوان – يا دكتور محمد- هو الإبقاء على ما كان موجودا من دور العبادة غير الإسلامية، لكنهم يجعلون من هذا التنازل سرابا يمنع بناء ما تهدم، ولابد أن الزمن كفيل بالقضاء على ما كان موجودا عند الفتح، فأي بناء يقاوم القرون الطوال ولا ينهار؟!.

المحصلة النهائية المستخلصة من الفتوى الإخوانية – يا دكتور محمد - هي حتمية غياب الكنائس في ديار الإسلام، ويترتب على ذلك منطقياأنه لا يوجد مكان لغير المسلمين في مصر!. وكأنما يخشى مفتى الإخوان من أن تغيب رسالته، فهو ينهي فتواه، مؤكدا وضوح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام.

أليست الترجمة العملية لكلامه أنه لا معنى لوجود غير المسلمين في الديار الإسلامية؟!.

أهذا ما يهدف إليه الإخوان المسلمون، وما يوافقه عليهم حليفهم الجديد الدكتور محمد البرادعي ، أم أنه استنتاج جانبه الصواب، سوف نرى !