الخميس 13 مارس 2025

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبد الرحيم علي يكتب:" الإخوان يستعدون لحملة علاقات عامة لكسب ود الأقباط" !!

نشر
عبد الرحيم علي

 

عبد الرحيم علي يكتب:" الإخوان يستعدون لحملة علاقات عامة لكسب ود الأقباط" !!

* الأولى بهم تغيير فتواهم  حول بناء الكنائس وحرية الأعتقاد والسخرية من غير المسلمين

* كيف يضمن المسيحيون حرية العبادة في ظل حكم الإخوان ؟

* مطلوب "وثيقة موقف" شامل معتمد رسميا من الجماعة وموقعه من مفتيها 

"محمد عبد الله الخطيب ومرشدها العام تنتقد الفتاوى القديمة وتعتذر للأقباط عنها

 

أربعة أشهر مرت على إنتخاب جماعة الإخوان المسلمين لمكتب إرشاد جديد في يناير 2010 ، ومنذ إنتهاء الإنتخابات ، وما صحبها من أزمة، لا زالت توابعها مستمرة حتى الآن ، لم يخلو إجتماع لهم من تأكيد على ضرورة إستغلال حالة الحراك السياسي الذي تمر به البلاد للوصول الى السلطة ، أو عقد صفقة مع النظام يتواجدون من خلالها كوصيف شرعي للنظام . وإنطلاقا من تلك الاستراتيجية راح الإخوان يجهزون أنفسهم عبر ثلاثة توجهات رئيسية : الأول، شمل جولات من الحوار مع الأحزاب الرئيسية تارة، ومغازلة لجبهة التغيير التي يقودها الدكتور محمد البرادعي تارة أخرى ، في محاولة للفت أنظار صناع القرار داخل النظام، للسعي لفتح جبهة حوار سري مع الجماعة ينتهي بصفقة بين الطرفين، على غرار ما حدث في إنتخابات 2005.

*.*.*.*.*

والثاني ، تمثل في سعي محموم من قبل الجماعة للتواجد المكثف على الساحة الإعلامية من أجل تحقيق هدف رئيسي يتمثل في ، رد الإعتبار لسيد قطب بإعتباره المفكر الذي يدين له بالولاء قادة الجماعة الآن ، مع ما يرتبط به من غسل أيدي الجماعة (وسمعتها) من حوادث العنف التي قامت بها في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي ، والتي ما زالت تدرس كمنهج تربوي داخل صفوفهم ، حتى الآن . 

الأمر الذي بدا واضحا في أكثر من حوار للمرشد العام الجديد الدكتور محمد بديع ونوابه. أما التوجه الثالث فيخص الإخوة الأقباط ، فقد تقدم الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد ، بتكليف من قيادة الجماعة، يوم 27 يناير الماضي ، بخطة عمل، تهدف الخطة الى ما يمكن أن نطلق عليه "حملة علاقات عامة" وسط أقباط مصر ، تهدف الحملة الى تغيير صورة الجماعة في أذهان أكبر عدد من المسيحيين المصريين وفق خطة تضمنت ، تكليف كوادر الجماعة القيام بزيارات للتعرف على جيرانهم من الأقباط وزملائهم في العمل ، والتخطيط لزيارتهم في الأعياد ومواساتهم في المصائب والأمراض. تتضمن الخطة أيضا تكليف الدكتور عبد الرحمن البر ، الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مكتب إرشاد الجماعة ، بإعداد بحث فقهي ودعوي يتضمن إختيارات فقهية تناسب وضع الإخوان في المرحلة الحالية ( مرحلة عدم التمكين- أو الإستضعاف ) ، تهدف الدراسة الى إزالة الحرج عن كوادر الجماعة، وبث روح الطمأنينة في نفوس الأقباط ، كجزء من إطار الحركة السياسية للجماعة في مرحلة ( عدم التمكين ) ،وهي المرحلة التي يجوز فيها - لدى الإخوان المسلمون- وفق فقه الإستضعاف، تبني رؤى تحول دون الصدام مع أي فريق في المجتمع، على أن يتم تركيز المعركة مع فريق السلطة . لكن هذه الرؤى سرعان ما تتغير تلقائيا بعد الوصول لمرحلة التمكين ، أي أن الأمر لا يعدو أن يكون هدنة تقوم بها الجماعة، لكسب مزيداً من الأرض، ومزيداً من الوقت ، وسد عدد من الذرائع التي ينفد منها منتقدوها . 

لذا رأينا من الواجب علينا أن نعرض لتصورات الإخوان ( الشرعية ) الحقيقية ، حتى يتعرف عليها القاصي والداني ، فيكون تصحيحها عبر وضع وثيقة جديدة تحمل إعتذارا فقهيا ، بتوقيع الجماعة ومفتيها الشيخ محمد عبد الله الخطيب ، هو المطلب الذي لا جدال فيه عوضا عن حملة العلاقات العامة ، التي لن تسمن ولن تغني من جوع . 

 

الإخوان وحرية الإعتقاد :

لعل أهم قضيتين تشغلان كل دعاة الدولة المدنية في مصر، بما في ذلك الأقباط ، تتعلق أولاهما، بمفهوم الإخوان المسلمين لحرية الإعتقاد، وحق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية وبناء دور العبادة التي تستوعب انشطتهم التعبدية والإجتماعية ، وثانيهما، تتعلق بأوضاع غير المسلمين وفي مقدمتهم الأقباط بالطبع، في حال وصول الإخوان للسلطة في مصر، وهو طموح سياسي مشروع، يعمل الإخوان – كما غيرهم - على بلوغه. وقد نجد رؤية الإخوان لهاتين القضيتين- بالطبع - في كثير من تصريحات وبيانات زعماء وقادة الجماعة، وكثير من هذه الإجابات مراوغة مزدوجة لا تشفي غليلا؛ وذلك لأنها مزيج من السياسي والديني، وفيها قدر من التوازن المحسوب، لكن الفتاوى التي تقدمها مجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني، تبدو أكثر وضوحا وسفورا، وهى بمثابة الإعلان الأيدلوجي الصريح عن رؤية الجماعة من منظور فكري لا يراعي الحسابات السياسية، وأخطر ما في هذه الفتاوى أنها تقدم اجتهادات الإخوان كأنها الرأي الإسلامي الوحيد الصحيح. ما أكثر الذين يصدرون الفتاوى المتطرفة بشكل فردي يعبر عن قصورهم وتقصيرهم ومحدودية علمهم بالدين ووعيهم بمتغيرات الدنيا، لكن هؤلاء الأفراد لا ينتسبون إلى جماعة إسلامية سياسية تسعى إلى السلطة منذ تأسيسها قبل ثلاثة أرباع القرن، وتمثل أفكارها المعلنة نموذجا متكاملا قابلا للتطبيق العملي. ومن هنا خطورة وخصوصية جماعة الإخوان المسلمين، فليس من المنطقي أن تصنف مقولاتهم في دائرة "الاجتهاد" العابر؛ لأنها في الحقيقة تعبير عن برنامج سيتم تفعيلة عند الوصول إلى مدة الحكم. 

حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام

يتضمن العدد رقم "56" الصادر في شهر ديسمبر سنة 1980 ثلاثة أسئلة عن الرأي الإسلامي في مجموعة من القضايا التي تتعلق بغير المسلمين، وقد أجاب عليها جميعا الشيخ محمد عبد الله الخطيب مفتى الجماعة في القضايا الشرعية والسياسية وأول هذه الأسئلة كان من "أ.ح..م.. المنوفية" عن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام، ويجيب مفتي الإخوان إن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أقسام:

الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها... كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان.. وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعه، والثاني: ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا.. فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها. وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والقسم الثالث: ما فتح صلحا بين المسلمين وبين سكانها. والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هي عليه في وقت الفتح ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها وهو رأي الشافعي وأحمد إلا إذا اشترطوا في عقد الصلح مع الإمام إقامتها، فعهدهم إلى أن يكثر المسلمون على البلد. وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام. ويقول صلى الله عليه وسلم "لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها" المغني جـ8.

المفهوم من الفتوى، في غير لبس، أن البلاد التي أحدثها المسلمون وأقاموها لا تتسع لغير المسلمين. والمغالطة الأولى أن الأحياء المصرية المشار إليها قد بناها المصريون جميعا، مسلمون ومسيحيون، وأن حقوق المواطنة التي يقرها الدستور المصري لا تحول دون إقامة المواطن المصري في أي مكان يتناسب مع مكانته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية وطبيعة عمله.. وبالتبعية، فإن من الحقوق الراسخة للمصرين المسيحيين القاطنين في المعادي والعاشر من رمضان وحلوان أن يمارسوا شعائرهم الدينية في حرية تامة، لكن هذا الحق البدهي يبدو مستحيلا في ظل التحريم القاطع الصارم الذي يقدمه الشيخ، فكأنه يطالب – موضوعيا – بجيتو مسيحي مغلق، في مكان محدد محدود، لا يجوز الخروج منه أو التطلع إلى غيره.

كيف وأين يتعبد المسيحيون إذن؟! 

تزداد صعوبة الإجابة بالانتقال إلى القسم الثاني من الفتوى، حيث يجزم الشيخ بأنه لا تجوز إقامة دور العبادة غير الإسلامية في البلاد التي فتحها المسلمون، بل إنه لا يجوز الاحتفاظ بما كان قائما قبل الفتح!.

سؤال بسيط لابد من طرحه هنا، ونريد بالطبع إجابة مقنعة عنه من جماعة الإخوان: أين وكيف يتعبد المصري المسيحي المقيم في مدينة الإسكندرية مثلا؟!. وهي مدنية وفقا لفتوى الجماعة لا يحق للمسيحيين فيها بناء الكنائس، بل لابد من هدم القائم منها، فإلى أين يذهبون؟!. النتيجة المنطقية هي أن يغادروا الإسكندرية كلها، وأن يكون ملاذهم في الأماكن التي يسمح الإخوان ببناء الكنائس فيها.

هل نجد مثل هذه الكنائس في القسم الثالث من الفتوى، حيث الأماكن التي فتحت صلحا بين المسلمين وبين سكانها؟!. التنازل الوحيد الذي يقدمه الإخوان هو الإبقاء على ما كان موجودا من دور العبادة غير الإسلامية، لكنهم يجعلون من هذا التنازل سرابا يمنع بناء ما تهدم، ولابد أن الزمن كفيل بالقضاء على ما كان موجودا عند الفتح، فأي بناء يقاوم القرون الطوال ولا ينهار؟!.

المحصلة النهائية المستخلصة من الفتوى الإخوانية هي حتمية غياب الكنائس في ديار الإسلام، ويترتب على ذلك منطقيا ألا مكان لغير المسلمين في مصر!. وكأنما يخشى فضيلة الشيخ المفتي من أن تغيب رسالته، فهو ينهي فتواه، مؤكدا وضوح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام.

أليست الترجمة العملية لكلامه أنه لا معنى لوجود غير المسلمين في الديار الإسلامية؟!.

أهذا ما يهدف إليه الإخوان المسلمون أم أنه استنتاج جانبه الصواب؟ نترك الإجابة لضمير القارئ!

أهذا هو البرنامج الإسلامي الذي يزمعون تطبيقه عند وصولهم إلى السلطة عبر الأشكال الديمقراطية التي يظهرون الإيمان بها، وهم في حقيقتهم كارهون لها كافرون بها؟!.

إذا لم يكن الاستنتاج الذي وصلنا إليه صحيحا، فإن جماعة الإخوان مطالبة بأحد أمرين:

الأمر الأول:

 هو تكذيب وتسفيه وإنكار ما نشرته مجلتهم الرسمية، وأن يأتي التكذيب على لسان كبار قادتهم وفى مقدمتهم الشيخ محمد عبد الله الخطيب، أطال الله في عمره؛ لأنه صاحب الفتوى والمسئول عنها. ولابد أن يكون التكذيب مصحوبا باعتذار للمصرين جميعا، فلا شك أن مثل هذه الآراء الشاذة التي تهدد الوحدة الوطنية للمصريين وتثير قلق إخواننا في الوطن وشركائنا في المصير، قد تم استخدامها من قبل فتية صغار راحوا يهاجمون الكنائس ويقتحمون بيوت العبادة للمسيحيين في تسعينيات القرن الماضي مطلقين النار على المصلين من الخلف لأنهم مؤمنون – كما قال الشيخ – بعدم جواز وجود هذه الأشياء وفق تعبير الشيخ في ديار المسلمين.

الأمر الثاني: هو أن يؤكد الإخوان تمسكهم بما نشرته مجلة "الدعوة"، وأن تكون لديهم الشجاعة الكافية للإصرار على أن هذا هو رأيهم الحقيقي الذي لا يحيدون عنه. وهنا ينكشف خطابهم الحقيقي المتعصب المتعنت، المغاير للتعاليم الإسلامية وروح الدين الحنيف، والمخالف لاجتهادات أخرى مستنيرة يقدمها عدد كبير من العلماء المسلمين المعاصرين الواعين بطبيعة العصر ومتغيراته.

لا يوجد بديل ثالث: ولا مجال للمراوغة!.

* كيف يلتزم غير المسلمين بالنظام الإسلامي؟! 

قبل أن نفيق من آثار الفتوى الأولى عن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام، يعاجلنا الشيخ الخطيب برأي آخر أشد عنفا وحدة من السابق.

السؤال جاء من القارئ "م.ح.ط.. القاهرة" يقول فيه: 

قرأت فتوى تقول: إن من حق أهل الكتاب أن يجاهروا بشرب الخمر في الدولة الإسلامية.. والتشريع الإسلامي أعطاهم هذا الحق.. فما رأيكم في هذا الكلام؟ ويجيب الشيخ:

  • يجب على أهل الكتاب بمقتضى أنهم مواطنون يحملون جنسية الدولة المسلمة ويعيشون على أرضها وبين أهلها أن يلتزموا بالنظام الإسلامي. وجانب هذا الالتزام في المسائل التي لا تمس عقائدهم أو حريتهم الدينية. فمثلا لا يطلب منهم أداء الصلاة ولا دفع الزكاة ولا أداء الحج ولا الجهاد وكذا كل العبادات ذات الصبغة الدينية. أما غير هذه الأمور فلابد من النزول على حكم الشريعة الإسلامية. فمن سرق يقام عليه حد السرقة كما يقام على المسلم وكذلك من زنا أو قطع الطريق أو ارتكب جريمة من الجرائم وهذه غاية العدل والمساواة، وكان القضاة في مصر يقضون بين المسلمين في المسجد ثم يجلسون على باب المجلس بعد العصر للفصل في قضايا أهل الكتاب وأحيانا يخصص القاضي لهم يوما يحضرون فيه إلى منزله ليحكم بينهم...
  • هذا وللمجتمع الإسلامي عادات وتقاليد يجب على كل من يعايشه أن يحافظ عليها فلا يصح التبرج ولا يجوز الاختلاط، أما أحوالهم الشخصية التي أحلها لهم دينهم كالزواج والطلاق وأكل الخنزير وشرب الخمر. فالإسلام لا يتعرض لهم في هذا بمنع ولا إبطال. واستثنى هذه الأمور كثير من الفقهاء واشترط الجميع ألا يجاهروا بها، أما الربا فهو حرام عليهم في ديانتهم وفي كل الرسالات السماوية فلا يصح أن يتعاملوا به داخل الدولة الإسلامية، وعلى هذا فكل المنكرات التي حرمها الإسلام لا يجوز لأحد أن يجاهر بها؛ لأن في المجاهرة بها إهدارا لكرامة الأمة الإسلامية، التي تحرص على رعايتهم وتوفير الأمن والطمأنينة لهم، فكل الأمور التي ينهى الإسلام عنها ويحذرهم منها، وهى مباحة عند أهل الكتاب فعليهم إن أتوها وفعلوها ألا يعلنوها أو يظهروها بصورة المستهتر بمشاعر من حوله من جمهور المسلمين، ولعل الفتوى التي قرأتها من دعاة العصرية وضحايا الغزو الفكري ممن يحرصون على تمييع هذا الحق لكي يساير العصر والتقدم المزعوم كما يصور لهم الخيال المريض والفهم العليل، فالمجتمع الإسلامي مجتمع إنساني نظيف عفيف يتعامل مع الله ليس فيه ملاهٍ ليلية. وليس فيه سياحة ماجنة على حساب الأعراض والأخلاق، والمسلم فيه يخشى الله وحده قبل أن يشغل بالخوف من الناس ..

 

لابد من وقفة متأنية أمام المفردات اللغوية في الفتوى، فهي تلقي الضوء ساطعا على مضمونها الخطير: 

* مواطنون يحملون جنسية الدولة المسلمة *

* النزول على حكم الشريعة *

* لا يصح التبرج ولا يجوز الاختلاط *

* عدم المجاهرة في السلوك الشخصي*

* المجتمع السلم ليس فيه سياحة ماجنة*

لماذا ينكر الإخوان المسلمون إذن نيتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين؟!. الشيخ الخطيب صارم في تحديده أن غير المسلم يحمل جنسية الدولة المسلمة، ولابد من نزوله على حكم الشريعة، ولا يصح له أن يمارس سلوكا أي سلوك يتنافى مع مبادئ الشرعية الإسلامية كما يفهمها الشيخ، وفضلا عن ذلك كله تبقى حريته الشخصية مقيدة بشرط فضفاض غامض هو: عدم المجاهرة!

ويبدو الشيخ كأنة يقدم تنازلا ينم عن المرونة والتسامح عندما يقرر أن المسيحيين ليسوا مطالبين بالصلاة والزكاة والحج!، وسرعان ما يصل إلى الكارثة الحقيقية بإعفائهم أيضا- وكأنها مكرمة- من "الجهاد".

الكلمة الأخيرة بالغة الخطورة، فهي تعني- بلغة العصر ومفاهيم المواطنة - أن المسيحيين المصرين ليسوا مطالبين بأداء الخدمة العسكرية، فهي قاصرة على المسلمين وحدهم! المفهوم عند الجميع أن الخدمة العسكرية "الوطنية" حق لكل مصري وواجب عليه، ولا مجال للإعفاء منها إلا وفق شروط يحددها القانون لأسباب كثيرة لا علاقة لها بالدين. الإخوان المسلمون يحولون الخدمة العسكرية "الوطنية" إلى واجب "ديني" جهادي لا ينال المسيحيون شرف أدائه. وإذا لم يكن هذا الرأي الخطير هو اللعب بالنار، فأي شيء إذن يكون؟!

لقد حارب المصريون، المسلم والمسيحي، جنبا إلى جنب في 1948و1956و1973, وكان اللواء "المسيحي" فؤاد عزيز غالي من أبطال حرب أكتوبر المرموقين، وفى الحروب السابقة. جميعا اختلطت دماء المصرين في سبيل تحرير هذا الوطن، لكن الإخوان لا يعترفون بالوطن والوطنية، ولا يتعاملون مع الآخر الديني على أنه مواطن مصري، له حقوق المصريين وعليه واجباتهم. إنه مسلوب الحق في إقامة الكنائس، ومقيد فيما يلبسه ويأكله ويشربه، وممنوع من الدفاع عن وطنه!

ومن الغرائب التي تحفل بها الفتوى أن "المجاهرة" إهدار لكرامة الأمة الإسلامية، وكم من الجرائم ترتكب باسم الكلمات الكبيرة البعيدة عن التحديد والوضوح، وكم من الإساءات التي تلحق بالدين الإسلامي عندما يتم اختزاله وتقزيمه وارتهان مصيره بسلوك جزئي عابر لا يعني شيئا. هل هانت كرامة الإسلام حتى إنها تتأثر بسلوك فردي لا يسيء إلى أحد؟!

مصر دولة مدنية ينتمي إليها المصريون جميعا، لكن الشيخ الخطيب يفرض القيود بلا حساب، ويلجأ في نهاية فتواه إلى الإنشائية الزاعقة، ويبث من خلالها رأيا خطيرا، فهو يجرم السياحة ويحرمها، فالإسلام: ليس فيه سياحة ماجنة على حساب الأعراض والأخلاق.. يعتقد الشيخ أن السائحين جميعا من غير المسلمين، وأن انحرافهم هو الأصل، وتأديبهم هو القاعدة. هل يمكن تصديق الإخوان المسلمون إذن في إدانتهم للأعمال الإرهابية التي طالت الحركة السياحية والسياح في الأقصر وطابا وشرم الشيخ؟!. مرتكبو هذه الأعمال الإرهابية الدنيئة ينطلقون من مقولات الإخوان التي تجسدها الفتوى؟!. السياحة ماجنة محرمة، ولابد أن يترتب على هذه الإدانة "فعل" لإيقاف ما يحرمه الله.

الإخوان المسلمون مطالبون بالرد على شيخهم أو تأييد أفكاره، فهل يوافقون على أن أداء الخدمة العسكرية "الجهاد" واجب على المسلمين وحدهم؟، وهل يسايرونه في تحريم السياحة الماجنة؟!. لأنهم غير قادرين بالضرورة على إنكار ما يمثل جزءا أصيلا من نسيج أفكارهم، فلا أقل من أن يتسلحوا بالشجاعة ويعلنوا على الملأ أنهم ينظرون إلى المسيحي المصري على اعتبار أنه مواطن من الدرجة الثانية، لا حقوق له ولا واجبات عليه.

*  هل يدفن غير المسلمين في مقابر المسلمين؟

 في السياق نفسه تأتي الفتوى الثالثة في العدد نفسه، ويتعلق موضوعها بحكم دفن غير المسلم في مقابر المسلمين؟.

ويقدم الشيخ الخطيب فتواه:

"لا يجوز شرعا أن يدفن غير المسلم في مقابر المسلمين حتى لا يتأذوا بعذابه في القبر. ولقد نظر علماء السلف في المرأة الكتابية التي تموت وهي حامل من مسلم فقالوا تدفن وحدها لا في مقابر المسلمين ولا في مقابر غيرهم، روى البيهقي عن وائلة ابن الأسقع: أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها جنين مسلم في مقبرة ليست بمقبرة للنصارى ولا المسلمين. واختار هذا الإمام أحمد بن حنبل، وقال: لأنها كافرة لا تدفن في مقابر المسلمين فيتأذوا بعذابها. ولا في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم، وأجمع سلف هذه الأمة أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه لذلك لزم التفريق في الدفن بين مقابر ومثوى المسلمين وبين غيرهم.

السؤال مريب وغير منطقي، وكان واجبا استبعاده لغياب عنصر الجدية. يعلم الجميع أن للمسلمين مقابرهم وللمسيحيين مقابرهم ولليهود أيضا مقابرهم، والإجابة الموجزة تتمثل في الرد بأنه لا يجوز الدفن، لكن الشيخ الإخواني لا يريد أن يفلت فرصة تلوح وتتيح إهانة المسيحيين وتسفيه عقيدتهم إلا ويغتنمها. يجزم الشيخ في رده بحتمية عذاب غير المسلمين في قبورهم، ولغة التكفير والإهانة هي السائدة المهيمنة: المرأة النصرانية كافرة، والجنين المسلم في بطنها يتأذى بعذاب أمه ومن يشاركونها في الكفر!.

يجمع العلماء على أن الميت يتعرض للنعيم والعذاب في قبره، ولكنهم يتفقون أيضا على أن الأمر كله بيد الله وحده، فلا أحد غيره يملك ادعاء العلم بمن يعرف النعيم أو يطوله العذاب.

ألن يعذب أحد من موتى المسلمين؟ ألن يتأذى المسلمون المنعمون في قبورهم بعذاب المسلمين، أم أن الأذى لا يتحقق إلا إذا كان العذاب واقعا على غير المسلم؟!.

أهي قضية تستحق الاهتمام؟، فكيف يكون الأمر في الطائرة المحترقة والسفينة الغارقة والبناية المهدمة؟ ألا تجمع هذه الكوارث الإنسانية بين المسلم والمسيحي واليهودي؟!.

يتشبث الشيخ بالإجابة عن سؤال لا يستحق عناء الرد، ذلك أنه يتيح له فرصة تكفير المسيحيين وتسفيه عقيدتهم. هل ينكر الإخوان أنهم يكفرون المسيحيين؟ هل يؤمنون بالتعايش معهم في مجتمع واحد يسوده الاحترام وتظلله السماحة؟. إنهم لا يملكون التراجع بعد أن وثقوا أفكارهم ونشروها على الملأ، وهذه الأفكار تتأكد في فتوى أخرى تتجاوز أقوال السلف إلى محكم التنزيل.

*حكم المرتد :

في العدد رقم "23", الصادر في شهر "إبريل 1978" يسأل رياض عبد القادر من إقليم كشمير – بالهند": 

ما حكم المرتد في الإسلام؟ وهل يقتل ابنه كذلك؟

ويجيب الشيخ محمد عبد الله الخطيب:

"الردة هي الرجوع عن الإسلام بنية الكفر أو قول الكفر أو فعله، قال تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة. وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، والإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، ولكن من اعتنقه وآمن به فلا يحل له أن يتلاعب به. والردة خيانة عظمى لله واستهتار برسالته. والمرتد إما أن يتوب فيعود للإسلام أو يصر على ردته فيقتل.. أما محاولات تمييع هذا الحكم فهو درجة من العبث والإفساد في الأرض.

أما ابن المرتد فمما لاشك فيه أنه من ولد في الإسلام فهو مسلم؛ لأنه ولد بين مسلمين. فيحكم بإسلامه تبعا لأبويه، فإن ارتد الأبوان فإن الابن يبقى على إسلامه ولا يتبعهما في ردتهما. وهذا الحكم محل اتفاق بين الفقهاء.. والطفل الذي يكون في بطن أمه وقت الردة لكنه ولد بعد ردتهما يحكم أيضا بإسلامه، وإذا ارتد رجل مسلم دون امرأة مسلمة وولد له بعد ذلك ولد فإنه يكون مسلما تبعا لأمه "يتبع الابن خير الأبوين دينا"، وإذا كان الحمل في حال الردة من أبويه وولد فيها فهو كافر أيضا. 

وهنا ثمة ملاحظات عديدة لابد من طرحها حول الفتوى:

أولا: هل ضاقت الدنيا بالسائل"رياض عبد القادر" وهو كمشيري من الهند, فلم يجد إلا مجلة "الدعوة" في القاهرة لتجيب عن سؤاله؟!. ما أكثر علماء الإسلام في بلاده، وما أيسر أن يسألهم ويستفتيهم, فلماذا لم يلجأ إليهم؟. أم أنه فعل ولم يقدموا له الإجابة الشافية؟!.

ثانيا: التعريف الذي يقدمه الشيخ الخطيب للردة يتسع فيشمل "قول" الكفر أو "فعله"، ولا ينشغل الشيخ بتحديد الأفعال والأقوال المفضية إلى الكفر، وهل هي خاضعة لقانون صارم يحدده الإسلام، أم أنها مسألة اجتهادية تقع مسئوليتها على علماء الدين في كل عصر؟!. ولأن الإسلام- فيما نعلم- لا يقدم مثل هذا التحديد، فإن الأمر ينصرف بالضرورة إلى البشر غير المعصومين, وقد حكم بعضهم على نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم كثير، بالردة والكفر لما "اقترفوه" من أقوال يرى هؤلاء القضاة، غير المؤهلين وغير المعصومين، أنها ترادف الكفر وتعني الردة وتستوجب القتل، وسرعان ما تم تنفيذ الحكم انطلاقا من التوسع غير المحسوب في تكفير المخالفين في الرأي، فهل يدرك الشيخ الخطيب أي باب من أبواب الفتنة قد فتحة بمقولته هذه؟ وهل يتولى الإخوان المسلمون مسئولية السلطة فيسارعون إلى التكفير والقتل بلا حساب؟ وهل يمكن أن ينجو غير المسلمين من هذا المصير إذا كان المسلمون أنفسهم عرضة له؟.

ثالثا: قتل المرتد عند الشيخ الخطيب عقوبة إسلامية يقينية لا تقبل الجدل, ولا شك في معرفة فضيلته أن الآراء مختلفة في هذه المسألة, والدليل على ذلك ما يقوله الرجل: أما محاولات تمييع هذا الحكم فهو ضرب من العبث والإفساد في الأرض. كل من يختلفون معه في الرأي ينتسبون إلى طائفة المفسدين العابثين, ولا وقت عنده لمناقشة اجتهاداتهم أو تفنيدها. 

رابعا: الإسلام دين العقل والفطرة، والإنسان فيه مسئول عن أفعاله واختياراته، وفى هذا الإطار يبدو السؤال عن ابن المرتد غريبا، ولا يختلف المجيب عن السائل، فهو ينساق في طرح احتمالات كثيرة، ويستعرض معرفته بآراء الفقهاء الذين لا يسميهم، أما العقل وإعماله فلا شأن له ولا تقدير، ولا اهتمام به على الإطلاق.

هل يحتاج موقف الإخوان من الحرية الدينية أو حد الردة إلى مزيد من الشرح؟!. في العدد رقم "31" الصادر في ديسمبر 1978, يسأل "م.ع- المنيا" سؤالا مماثلا حول مفهوم حد الردة ونظرة الإسلام إلى المرتد. وتأتى إجابة الشيخ محمد عبد الله الخطيب على النحو التالي:

"لا يخفى على أحد اليوم أن هناك محاولات مستمرة هدفها النيل من الإسلام وبعض من يحاول الهدم اليوم ممن ينتسب إلى الإسلام والإسلام أمنع من أن تنال منه معاول الهدم على اختلاف أنواعها.. وحد الردة يثبت بالكتاب والسنة قال الله تعالي "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر" والحديث الصحيح "من بدل دينه فاقتلوه" فالمرتد من خرج من الإسلام بعد أن كان فيه، وسمي مرتدا لأنه رجع إلى الوراء حيث الضلال والهلاك. والإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه "لا إكراه في الدين"، ولكنه في نفس الوقت يرفض العبث والتلاعب به أو التمرد عليه. والردة تشبه في زماننا هذا – جريمة الخيانة العظمي – ومطلوب من حماة حرية الرأي والفكر أن يكونوا شجعانا فيعلنوا أن من حق الإنسان أن يخون وطنه أو يعرضه للخطر. فإذا كان الوطن هو قطعه من الأرض لا يباح لأي مخلوق أن يعبث به. فأولى أن يصان دين الله ورسالة الإسلام من ألاعيب المستهترين.. والإسلام العظيم أعطي المرتد حرية الرجوع وحق التوبة. ولابد من التأكد من موقفه بلا إرهاب ولا إكراه. فإن كانت لديه شبه يريد لها بيانا فالإسلام لا يعتبره مرتدا بل توضح له الأمور بلا عجلة أو تسرع.. وهذه حرية الرأي والفكر في حفظ هذا الدين من العبث وصيانة الإنسان من الهلاك والضياع والخسران المبين باتباع الهوى والشيطان.

وكما أعتدنا من مفتى الجماعة، الرد يحفل بالعديد من المغالطات, وهو ما يستدعي وقفه متأنية للكشف عن طبيعة وخطورة المنهج الانتقائي الذي يتبعه الإخوان:

أولا: يقول الشيخ وحد الردة يثبت بالكتاب والسنة. قال تعالى "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر" إلخ الآية. فهل في الآية الكريمة ما يضع حدا للردة؟ إنها تؤكد أن المرتد كافر، ولكن المشرع لا يشير إلى عقوبة دنيوية محددة على هذا الكفر. أما الحديث النبوي الذي يجزم الشيخ أنه صحيح، فإن شيخ الإسلام بن تيمية – نفسه – في تفسيره له يرجع عقوبة القتل إلى الشق الثاني من الحديث "المفارق للجماعة"، وليس الشق الأول "التارك لدينه" . ويفسر بن تيمية تعبير "المفارق للجماعة" بالمقاتل لها، المنضم لصفوف أعدائها. ويزيد الدكتور سليم العوا "الردة إذا بقيت في طي الاعتقاد الشخصي للمرتد، وظلت في مكنون سريرته، فإن أحدا لا يحق له البحث في السرائر أو التفتيش في الضمائر". 

ثانيا: لا يكره الإسلام أحدا على الدخول فيه، لكن غير المسلم يسأل: ماذا عن المسلم الذي اكتسب إيمانه الديني بالوراثة وحدها، ولم يستطع الاقتناع في مرحلة في عمره بما ورثه من عقيدة؟. إنه لم يدخل إلى الإسلام، لكنه وجد نفسه فيه، وعجز علماء الإسلام عن إقناعه بالدين الذي شب عليه. يسألون: لماذا يحق لغير المسلم أن يدخل في الإسلام، ولا يسمح للمسلم بأن يدخل في دين آخر؟! وهنا يقرر الدكتور العوا "أن إسلام المقلد لدينا لا يجوز، وأن على المسلم أن يحصل إيمانه وإسلامه بنفسه، فإن اجتهد ولم يصل إلى الإيمان فهو ليس بكافر". ويزيد الإمام الأكبر الشيخ شلتوت "وهناك فريق*، على رأسه الجاحظ والعنبري من أئمة المعتزلة يرى أنه لا إثم على المجتهد مطلقا، وإنما الإثم على المعاند فقط، وهو الذي يعرف الحق ولا يؤمن به عنادا واستكبارا، فالمجتهد المخطئ عند هذا الفريق غير آثم، ولو أداه اجتهاده إلى الكفر الصريح؛ لأن تكليفه عندهم بنقيض اجتهاده تكليف بما لا يطاق، والتكاليف بما لا يطاق ممتنع شرعا وعقلا".

ثالثا: مغالطة كبرى أن يعتمد الشيخ الخطيب مفهوم الردة مرادفا للخيانة العظمى, ففي المقارنة فساد واضح، وخلط بين العقيدة الدينية وفكرة المواطنة. الذي يتخلى عن دينه يخون نفسه ويدفع الثمن, أما خيانة الوطن فتتجاوز الذات الفردية إلى الجماعة، والضرر لا يلحق بالخائن وحده. وفى المقابل، هل يرضى الشيخ لمن يشهر إسلامه من الإنجليز أو الفرنسيين أو الأمريكيين أن يتهم بالخيانة العظمى؟!. وما رأي الإخوان الذين يمثلهم الشيخ الخطيب إذا حوكم أحد هؤلاء المسلمين في بلادة بتهمة الخيانة العظمى؟!.

رابعا: من حق المرتد أن يعرف إجابات مقنعة عن الأسئلة والشبهات التي تحيره كما يقول الشيخ الخطيب, لكنه لا يتطرق إلى فرضية واردة وهي فشل من يحاولون إقناعه وهدايته. يرى الشيخ أن محاولة الإقناع تعبر عن "حرية الرأي والفكر", وكأنما مباراة فكرية من طرف واحد!. 

 

*تسفيه عقائد الآخرين *

في العدد رقم "61" من مجلة" الدعوة" مايو 1981, يتصدى الشيخ الخطيب للإجابة عن أسئلة كثيرة تتعلق بالتبجح الصليبي والسرطان التبشيري. وقد أسهب الشيخ في التصدي للمؤامرات التي يراها عبر صفحتين كاملتين من صفحات المجلة, وما يعنينا هنا هو التوقف أمام الفترات التي تكشف عن حدة التعصب الديني والحرص على تسفيه عقائد المسيحيين والدخول معهم في معارك لا طائل من ورائها ولا هدف يرجى منها.

يقول الشيخ في جزء من مقاله:

جاء في كتاب – إغاثه اللهفان... ما يلقي الضوء على هذه العقيدة الغربية والعجيبة: يقول: "إن أصل معتقد النصارى: هو أن أرواح الأنبياء عليهم السلام كانت في الجحيم في سجن إبليس من عهد آدم إلى عهد المسيح. وكان سجنهم بسبب خطيئة آدم عليه السلام، وكان كلما مات واحد من بني آدم أخذه إبليس وسجنه في النار. فلما أراد الله خلاصهم من العذاب تحيل على إبليس فنزل من السماء والتحم ببطن مريم حتى ولد وكبر فمكن أعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه". ومعنى هذا التصور المضحك والمبكي في آن ما يلي: 

  1. نسبة أشياء إلى المولي جل وعلا يأنف أي عاقل أن ينسبه إلى بشر مثله
  2. نسبة الظلم إلى الله حيث زعموا أنه سجن الأنبياء في النار بسبب أمر لم يقع منهم ألا وهو خطيئة آدم.
  3. ثم نسبوا إليه سبحانه هذه الوسيلة العجيبة حين زعموا أنه لم يستطع تخليص أنبيائه بغير هذه الوسيلة وهي الصلب... حاشا لله..

لن نتوقف كثيرا أمام "خفة دم" الشيخ الوقور وهو يصف تصور الآخرين بأنه "المضحك المبكي", لكن المضحك المبكي بحق هو أن يستمد العالم الموضوعي معلوماته وما يترتب عليها من كتاب "إغاثة اللهفان" ثم ينبري للرد على المعتقدات المسيحية وإظهار ما فيها من وهن وضعف وخلل. هل يرضى فضيلته أن يؤلف كاتب من غير المسلمين كتابا يسيء إلى الإسلام، ثم يأتي كاتب آخر (غير مسلم أيضا) فينقل عنه ويعتمد عليه, ولا يكلف نفسه مشقة العودة إلى أي من الكتب الإسلامية المعتمدة, أو التوجه إلى أحد العلماء المسلمين الثقاة؟.

هل يستريح الضمير العلمي للمفكر الإخواني الإسلامي باعتماد اللامنهج، والسقوط في شرك السطحية والتبسيط؟!

القضية الأساسية لا تكمن في العقيدة الدينية، لكنها في أسلوب الحوار المليء بالتسفيه والتجريح والإهانة الفظة الغليظة. كم في المسيحيين من عقلاء كما هو الحال عند المسلمين، لكن عاطفة الإيمان الديني لا تقاس بمثل هذه الخفة وبمثل هذا النمط من الاستخفاف. عبر آلاف السنين تعايشت الأديان المختلفة، ونشبت المعارك الضارية بين أنصار كل دين، وزعم المؤمنون بكل دين من الأديان أنهم وحدهم على صواب والآخرين على خطأ، لكن مسيرة الزمن تبرهن على ندرة التحول، وتؤكد على استمرارية التجاور والتعايش.

تقضي الحكمة الإلهية بالتنوع "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" . سبحانه وتعالي – لو شاء - لانخرط الجميع تحت راية دين واحد، لكن المشيئة الإلهية العظيمة تغيب عن جماعة الإخوان، التي لا تتقبل فكرة وجود الآخر المختلف، دينيا كان أم سياسيا، ويصل الشيخ في نهاية مقاله إلى جوهر ما يريد التعبير عنه وترسيخه والتأثير من خلاله على القارئ الذي لا يملك إلا أن يستجيب لنبرة التعصب والكراهية، ما لم يكن مسلحا بالوعي الديني والإدراك العقلي، ففي العدد رقم 61 الصادر في مايو 1981، يقول الشيخ:

"لو ألقينا سؤالا على أي نصراني على وجه البسيطة وطلبنا منه أن يعبر لنا عن حقيقة دينه وعن طبيعة اعتقاده لما استطاع ذلك.. فهل يراد لأبنائنا أن يعتنقوا هذه الألغاز المعماة – ثلاثة في واحد. وواحد في ثلاثة. والواجب على هؤلاء الناس أن يراعوا شعور المسلمين. وأن يحترموا شعائر الذين يعيشون بين ظهرانيهم، وأن يقدروا الأمة التي تظلهم برعايتها وما أساءت إلى أحد قط، لا يجوز أبدا أن يعلنوا أي عقيدة أو فكر ينافي عقيدة الدولة ودينها، وليس من التسامح أبدا ولا من الوحدة الوطنية في شيء أن نتنازل عن ديننا إرضاء لأي مخلوق كائنا من كان. وليس من التسامح أن يطلب إلى المسلمين تجميد أحكام دينهم وشريعة ربهم. ثم تنطلق هذه الأفاعي تنفث سمومها بين الشباب، إن على الأساتذة والمربين والموجهين في المدارس وغيرها واجبات كثيرة نحو الشباب، عليهم أن يحصنوه من هذه الأفكار وأن يأخذوا بيده. وأن يبصروه بالطريق – والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

من أين تتأتي للشيخ كل هذه الثقة في حتمية عجز "النصارى" عن التعبير؟! وكيف يستمر ملايين المسيحيين في إيمانهم بعقيدتهم إذا ما كان الأمر على هذا النحو الذي يتصوره الخطيب؟!.

المشكلة كلها تنبع من اعتقاده الراسخ بأنه وجماعته السياسية يحتكرون اليقين المطلق، وإذا كان مثل هذا الاعتقاد شائعا عند كافة المتعصبين من أتباع كل الأديان، فإن الإخوان أكثر شراسة في تعصبهم وتعنتهم، ومن هنا خطورتهم السياسية. لن يقبلوا شريكا أو يستوعبوا مخالفا، ولن يتورعوا عن تكفير الجميع تمهيدا لقتلهم، فالآخرون كافرون مرتدون، بالقول أو بالفعل، وباعتناق ما يغاير مقولات الإخوان.

وليس أدل على تعمد خلط الأوراق من الحديث غير المبرر عما يتم "تدبيره" لأبنائنا، ويتناسى الخطيب أن هؤلاء الأبناء يملكون عقيدة قوية تحول دون سقوطهم في "الألغاز المعماة". أي سحر في هذا الألغاز البعيدة عن المنطق والعقل كما يقول، وكيف يسهل التأثر بها إلى الدرجة التي تثير الخوف والهلع؟!.

ومن الناحية الشكلية، هل يليق الحديث عن أصحاب الديانات الأخرى، وهم مواطنون مصريون يتمتعون بالأهلية ويدفعون الضرائب ويحاربون في سبيل الدفاع عن الوطن، بالاستهانة التي تتجلى في مقولة "وعلى هؤلاء الناس"؟. وهل يليق أن ينتقل الشيخ إلى التهديد الصريح والتحريم الصارم بألا يعلنوا عن عقيدتهم؟ وكيف يعتبر المفكر الإخواني أن الوحدة الوطنية هي التنازل عن الدين، وأن التسامح هو بتجميد أحكام الدين؟. سيبادر ملايين المسلمين إلى إدانة الوحدة الوطنية ونبذ التسامح إذا كان هذا هو المعنى المراد بهما. لماذا لا يعلنها الرجل في صراحة إذن: أنه ضد الوحدة الوطنية والتسامح؟!.

المقدمات تقود إلى النتائج، واشتعال الحرائق حتمي بعد هذا العبث والتلاعب وإطلاق صيحات الحرب. 

قبل ثلاثة أعداد، وفي عدد مجلة "الدعوة" رقم "58"، الصادر في شهر فبراير 1981، يعلنها مفتي الجماعة الشيخ محمد عبد الله الخطيب صريحة مدوية، ولا يتوارى خلف سائل مجهول أو رسالة من كشمير، فهو يضع عنوانا لا علاقة له بموضوع الصفحة التي تختص بالفتوى: "بين الأمس واليوم"، ويقول في كلمته القصيرة الخطيرة:

"إن قصة إنشاء مسجد ومركز إسلامي في قلب – لندن – عاصمة بريطانيا ذات دلالة ولها مغزى. ففي سنة 1936م أراد بعض المسيحيين في مصر أن يبنوا كاتدرائية لهم في القاهرة، وحين عرض الأمر على مشيحة الأزهر رفضت رفضا قاطعا، وأفتى علماء الأزهر بأن الأرض الإسلامية لا يجوز إحداث هذه الأشياء عليها. وهذا الحكم بإجماع فقهاء المسلمين، وبعد أخذ ورد استمر فترة طويلة، عرض حل للمشكلة: أن يبنى مسجد في قلب لندن مقابل الكنيسة التي تقام في القاهرة، وقامت الحكومة البريطانية بتقديم قطعة من الأرض مساحتها تزيد على الفدانين. وأقيم عليها المسجد والمدرسة الملحقة به، ثم تحول بعد ذلك إلى البناء الضخم الموجود الآن. هذا موقف لمشيحة الأزهر وعلمائها بالأمس، أما اليوم فالكنائس تزرع في كل مكان بلا أي سبب أو مبرر سوى التعصب الأعمى المذموم، وعلماء اليوم يفضلون السكوت لأنه من ذهب.. بل إن بعضهم يتطوع بوضوح حجر الأساس، وما أبعد الفرق بين الأمس واليوم. وأين الثرى من الثريا؟.

المسيحيون هم المتعصبون لأنهم يبنون الكنائس وفق اللوائح والقوانين المنظمة وفي إطار الشرعية، أما مئات المساجد والزوايا التي احتضنت الإرهاب وسيطر عليها المتطرفون فلا يلتفت إليها الإخوان، بل إنهم يباركون الشباب المسلم ويوافقون على الخطاب التحريضي المؤدي إلى العنف؛ لأنه يتوافق مع الأفكار الإخوانية. ثم يدعون أن كل هذه المواقف تنطلق من فهم صحيح للدين الإسلامي!

ما الذي يريده الإخوان المسلمون؟ وما الذي يراد بمصر وشعبها إذا حكموا وتحكموا؟!.

الفتوى التي بدأنا بها حديثنا عن "حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام" ليست بالفعل الاستثنائي، الأمر بمثابة العقيدة الراسخة في فكر الإخوان المسلمين، وهم يتكئون على التاريخ القريب ليبرهنوا على صحة موقفهم المتعنت، القائل بأن الأرض الإسلامية "لا يجوز إحداث هذه الأشياء عليها"!.

دور العبادة المسيحية تتحول إلى "هذه الأشياء"، فيا له من تسامح، ويا له من خير عميم ينتظر المسيحيين المصريين، وينتظر الوطن، عندما يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة، متسترين وراء شعارات التسامح الديني ونبذ العنف وإدانة الإرهاب ومنح الحرية الكاملة لغير المسلمين!.

شعارات انتهازية كاذبة، والتكذيب يقدمه الإخوان أنفسهم، في مجلة رسمية علنية تعبر عنهم، وفي باب "الفتاوى" الذي يحرره كبار شيوخهم، ويتضمن عبارات استفزازية مسيئة مثل: "أما اليوم فالكنائس تزرع في كل مكان بلا أي سبب أو مبرر سوى التعصب الأعمى المذموم"! عندما يحكم الإخوان، ويطبقون شريعتهم السياسية لا بد أن تعود الأمور إلى نصابها، وهذا النصاب هو مضمون الفتوى الأولى في هذا الفصل.

إن موقف الإخوان من المسيحيين سياسي لا علاقة له بالدين، وهم لا يحتكرون الإسلام ولا يتحدثون باسمه، فما أكثر وأعظم العلماء المسلمين الذين يقدمون خطابا مغايرا مضيئا، يجسد ما يدعو إليه الإسلام الصحيح من نسامح وإخاء.

لا يتسع المجال هنا لتقديم الآراء المستنيرة المضادة المعبرة عن جوهر الرؤية الإسلامية، لكن من الضروري أن نشير في إيجاز إلى بعض هذه الرؤى والاجتهادات العصرية.

يقول فضيلة الإمام الأكبر المرحوم الدكتور محمد محمد الفحام، في حوار مع الأستاذ حسنين كروم، نشرته مجلة "الهلال" في عدد سبتمبر سنة 1970: إن المسيحية واليهودية وغيرهما من الأديان السماوية دعت في أصولها إلى ما يدعو إليه الإسلام من توحيد الخالق عز وجل وإفراده بالإلوهية وأنه لا معبود – بحق – سواه.

ويضيف فضيلة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى المسلمين بالمسيحيين وغيرهم من أهل الذمة فقال "اتركوهم وما يدينون"، وتوعد عليه الصلاة والسلام "من آذى ذميا فقد آذاني" وقال صلى الله عليه وسلم "من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة".. ومن أجل ذلك فإن أصحاب الأديان الأخرى لم يشعروا بالأمن والطمأنينة إلا في أحضان الإسلام. فالمسلمون وغير المسلمين في البلاد العربية والإسلامية يعيشون في مساواة تامة دون تفرقة أو تحيز بين هذا وذاك، وأعتقد أن إثارة مثل هذا الموضوع لا يخدم الحق ولا الصالح العام.

هل يعتقد الشيخ محمد عبد الله الخطيب أنه لن يتعرض لأذى الرسول عليه السلام لإيذائه لمن نهى صلوات الله عليه عن إيذائهم؟!. أم أنه يعتقد بأن الأذى ينحصر في الاعتداء البدني، دون النفسي والمعنوي!

هل يتعظ فضيلته بمقولة الإمام الأكبر الدكتور محمد الفحام عن أن إثارة مثل هذا الموضوع لن تخدم الحق والصالح العام، أي إنها لا تخدم الوطن، لكنها تسيء إليه وتهدد وحدته؟!.

وهل يسمح لنا أن ندعوه إلى قراءة ما خطه الدكتور يوسف القرضاوي من "أن إحداث الكنائس، أي بناء الجديد منها، يجوز في الأمصار الإسلامية، بما في ذلك البلاد التي فتحها المسلمون عنوة"

وهل يسمح لنا أيضا أن نحيله إلى ما قرره الدكتور محمد سليم العوا، بعد رؤية فقهية عصرية واعية لأحوال غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، من مقولة حكيمة يحتاجها الشيخ الخطيب وأمثاله عندما أكد على أن: "الداعون إلى إصلاح أوضاعنا الاجتماعية والسياسية علي أساس الإسلام مدعوون إلى النظر في إجمال ذلك وتفصيله في ضوء ما ذكرناه ، وإلى الكف عن ترديد ما في الكتب الفقهية الموروثة من آراء على أنها دين دائم، وكثير منها في حقيقته اجتهاد متغير".

وبعد، فإن الناظر في أهداف الإخوان وأفكارهم، لا بد له أن يلحظ أنها ليست دينية ولا يمكن أن تكون، فهم سياسيون يراودون السلطة، ويتذرعون بكل الوسائل للوصول إليها، ولا يبالون في سبيل ذلك بالخسائر الفادحة التي تلحق بالأمة المصرية، الأمة التي يجتمع تحت لوائها المسلمون والمسيحيون دون تمييز.

 

** كلمة أخيرة : 

     عقب زيارة وفد جماعة الإخوان المسلمين لحزب التجمع، منذ ثلاثة أسابيع ماضية، التى تمت فى إطار سعى الجماعة لتحسين صورتها، وقف د. محمد على بشر عضو مجلس شورى الجماعة وعضو الوفد الزائر للتجمع، ليعلن بوضوح أمام جمهرة الصحفيين أن صوت المسلم للمسلم، وأن الإخوان لا يرشحون ولا يدعمون ولا ينتخبون فى أى انتخابات عامة، سوى المسلم .. وهو تأكيد لما سبق أن أعلنه د. محمد حبيب فى عام 1987 عندما رفض أن يأتى تاليا فى قائمة مرشحين لمجلس الشعب وقتها يتقدمها القبطى الأستاذ جمال أسعد قائلاً "لا ولاية لقبطى على مسلم" !!