من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: اعترافات مفجري سيناء.. والحاجة إلي تعاون أمني إقليمي
نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ الإثنين 29 مايو 2008، العدد 43638

كشفت اعترافات المتهمين بارتكاب تفجيرات سيناء الأخيرة, التي أذاعتها وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي, عن حقائق مذهلة تفرض علينا التوقف طويلا لتأمل ما تشكله تلك الاعترافات من مرحلة جديدة في الصراع ضد الإرهاب, ليس في مصر وحسب, إنما في المنطقة العربية ككل.
فقد جاءت اعترافات المتهمين لتؤكد أن عناصر فلسطينية أصولية قامت بتدريب عدد من أفراد التنظيم داخل قطاع غزة, علي عمليات صنع المتفجرات, واستخدام الأسلحة, كما قامت بتمويل تلك العمليات.
والسؤال المهم الآن: من الذي قام بعمليات التدريب تلك؟ وإلي أي منظمة ينتمي؟ إن الإجابة علي هذا السؤال تمثل أهمية قصوي في هذه المرحلة.
وإذا أخذنا في الاعتبار علاقات التنظيمات الفلسطينية الرئيسية الفاعلة بمصر, وفي مقدمتها فتح وحماس والجهاد, التي تسودها المودة والثقة المتبادلة, نكاد نخرج باستنتاج مؤكد بأن أحدا من هذه الجهات ـ علي الأقل بشكل رسمي ـ غير ضالع في مثل تلك الجرائم, الأمر الذي يصرف تفكيرنا تلقائيا نحو تنظيم القاعدة في فلسطين.
اعتراف فلسطيني ـ إسرائيلي
وعلي الرغم من محاولات البعض التقليل من إمكان وجود القاعدة في تلك المنطقة, فإن تصريحات الرئيس الفلسطيني نفسه قد أكدت قبل أكثر من شهرين وجود عناصر تنتمي للتنظيم داخل قطاع غزة.
ولم يقف الأمر عند تصريحات عباس, وإنما امتد إلي الواقع العملي علي الأرض في القطاع, فقد أعلن التنظيم عن تبنيه لمحاولة اغتيال رئيس المخابرات الفلسطينية الأحد الماضي, محذرا من أن عملياته المقبلة ستطال عددا من القادة الفلسطينيين, يأتي في مقدمتهم الرئيس عباس شخصيا, ولم يمض يوم علي محاولة اغتيال العميد طارق أبورجب إلا وأعلن مصدر أمني فلسطيني عن محاولة أخري لاغتيال العميد رشيد أبوشباك مدير جهاز الأمن الداخلي.
لم تكن تلك هي المرة الأولي التي يصدر فيها التنظيم بيانا من هذا النوع, فقد سبق أن أصدر بيانا أعلن فيه عن تشكيل جيش القدس بأرض الرباط فلسطين, سبق هذا الإعلان, في ديسمبر من عام2005 قيام أجهزة الأمن الإسرائيلية بالقبض علي عنصرين من عناصر القاعدة قالت أجهزة الأمن إنهما كانا يدبران لعملية داخل القدس الشرقية. كما رصدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أكتوبر من العام نفسه اتصالات تليفونية بين عناصر من الضفة الغربية وعناصر قريبة من تنظيم القاعدة بالمخيمات الأردنية, وكشفت التقارير وقتها عن أن عناصر قاعدية من الأردن استغلت الفوضي الأمنية التي حدثت في أثناء عملية التسليم والتسلم لمنفذ صلاح الدين الحدودي بين مصر وقطاع غزة, ودخلت إلي القطاع في الثاني عشر من سبتمبر2005.
البدايات
في مقال سابق لنا عقب تفجيرات طابا, في أكتوبر من عام2004, أكدنا ميلاد هذا التنظيم في غزة والقطاع, وحذرنا من مرحلة جديدة في الصراع مع الإرهاب, لم تشهدها المنطقة من قبل إبان تجربتها الأولي مع التنظيمات المحلية, واستغربنا في حينها تأخر ظهور هذا التيار في تلك الأرض التي جعلها شارون بجرائمه اليومية ضد المدنيين العزل تربة صالحة لهذا النبت.
كانت تفجيرات طابا شاخصة أمامنا ونحن نري هذا التطور الملحوظ فيما يتعلق بخطط الإرهاب, ولم يكن ما أكدناه وقتها بعيدا عن مجريات الأمور علي الأرض.
فمنذ ما يقرب من عامين, وبالتحديد منذ قبلت حركة المقاومة الإسلامية حماس أول هدنة لها في يونيو2003, بدأت خطة تنظيم القاعدة في زرع خلاياه في كل من عمان بالأردن, ومناطق عين الحلوة وصيدا وصور بلبنان, وعلي مشارف الحدود السورية ـ العراقية, في إطار استراتيجية تسعي إلي استهداف إسرائيل, لفك طوق العزلة عن التنظيم وكوادره, كل ما كان ينقص هذه الاستراتيجية هو وجود القاعدة في قلب فلسطين. وقد وجد التنظيم في سلوك حماس منذ قبولها بحوارات القاهرة وإعلانها هدنتها الأولي( من طرف واحد) في يونيو عام2003 ثم قبولها المشاركة في العملية السياسية وفوزها بأغلبية مقاعد البرلمان, الذي أطلق عليه أيمن الظواهري في شريطه المصور الأخير مجلس الشرك فرصته الذهبيةفقام قادة التنظيم بإصدار تعليماتهم إلي كوادرهم بالأردن بتنفيذ خطة اختراق غزة. الغريب أن أحدا لم يلفت نظره ما أكده الظواهري في نفس الشريط المصور من أن خيارات بديلة ستكون بمتناول الفلسطينيين, في حال عدم العودة إلي خط المقاومة, وترك العملية السياسية.
خلايا التجنيد
ومن الأردن راحت تتدفق خلايا التجنيد إلي غزة ورام الله وجبل الحلال, محملة برسائل من زعماء التنظيم تحث علي ضرورة النصرة في مواجهة ما أطلقوا عليه طاغوت العصر في إشارة إلي الولايات المتحدة الأمريكية. لم تكن خطة التنظيم بالطبع تستهدف خدمة القضية الفلسطينية, وإنما جاءت في إطار فك الحصار الذي بات يحكم قبضته يوما بعد يوم علي كوادر التنظيم في جميع أنحاء العالم, وقد وجد التنظيم ضالته في فلسطين, حيث تنفيذ عدد من العمليات النوعية هناك, ضد أهداف إسرائيلية كفيلة برفع شعبية التنظيم إلي الذروة, خاصة إذا أخذنا في الاعتبار غياب كل من حماس وفتح والجهاد عن ساحة الفعل العملياتي علي الأرض.
إن انتشار القاعدة في دول الطوق كان ملموسا, وهدفه الأساسي كان واضحا الدخول إلي فلسطين, وهو الأمر الذي حدا بالقيادتين الأمنية والعسكرية في إسرائيل إلي التحذير ـ في مارس الماضي ـ من أن القاعدة تخطط لتنفيذ أكبر عملية تفجير إرهابية داخل البلاد, مشددة علي أن التنظيم يسعي إلي إحداث نفس القدر من الزلزال الذي أحدثته تفجيرات11 سبتمبر2001 في الولايات المتحدة, ولكن هذه المرة في إسرائيل.
ونشرت يديعوت أحرونوت في حينها, علي لسان مسئول أمني إسرائيلي وصفته بأنه كبير قوله: إن هذه التقديرات لا تعتمد فحسب علي التصريحات التي أدلي بها أبو مصعب الزرقاوي قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين, عن ضرورة توجيه السهام ضد إسرائيل, وإنما تقوم علي أساس من معلومات جمعت من التحقيقات التي أجرتها أذرع المخابرات الغربية مع معتقلين من ناشطي القاعدة ومن معلومات استخباراتية أخري.
ورقة التوت الأخيرة
القاعدة بتوجها إلي فلسطين تعلم أن هذه الخطوة هي ورقة التوت الأخيرة التي تستر بها عورتها, بعدما عرتها تماما العمليات التي قامت بها في كل من السعودية والأردن والعراق, من ترويع للآمنين, وقتل للأطفال والنساء والعزل من المدنيين الأبرياء. لقد استفادت عناصر التنظيم بالطبع من حالة الفوضي الأمنية التي يعيشها القطاع, لكن آن الأوان بعد هذه الاعترافات الخطيرة لتدخل سريع وعاجل من الدول الفاعلة في المنطقة, لإنهاء هذه الأجواء, ومساعدة الفلسطينيين في التخلص من تلك العناصر التي تسيء إلي قضيتهم القومية.
إن الاعترافات الأخيرة للمسئولين عن تفجيرات سيناء تفرض علينا بالضرورة إيجاد سبل جديدة لتعاون أمني إقليمي جاد وفعال بين مثلث دول الطوق: الأردن وفلسطين ومصر, تحول دون قيام تلك المجموعات بعمليات قد تكون أخطر من تفجيرات سيناء في المستقبل القريب.