الخميس 13 مارس 2025

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: اعترافات مفجري سيناء‏..‏ والحاجة إلي تعاون أمني إقليمي

نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ الإثنين 29 مايو 2008، العدد 43638

نشر
عبد الرحيم علي

كشفت اعترافات المتهمين بارتكاب تفجيرات سيناء الأخيرة‏,‏ التي أذاعتها وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي‏,‏ عن حقائق مذهلة تفرض علينا التوقف طويلا لتأمل ما تشكله تلك الاعترافات من مرحلة جديدة في الصراع ضد الإرهاب‏,‏ ليس في مصر وحسب‏,‏ إنما في المنطقة العربية ككل‏.‏

فقد جاءت اعترافات المتهمين لتؤكد أن عناصر فلسطينية أصولية قامت بتدريب عدد من أفراد التنظيم داخل قطاع غزة‏,‏ علي عمليات صنع المتفجرات‏,‏ واستخدام الأسلحة‏,‏ كما قامت بتمويل تلك العمليات‏.‏

والسؤال المهم الآن‏:‏ من الذي قام بعمليات التدريب تلك؟ وإلي أي منظمة ينتمي؟ إن الإجابة علي هذا السؤال تمثل أهمية قصوي في هذه المرحلة‏.‏

وإذا أخذنا في الاعتبار علاقات التنظيمات الفلسطينية الرئيسية الفاعلة بمصر‏,‏ وفي مقدمتها فتح وحماس والجهاد‏,‏ التي تسودها المودة والثقة المتبادلة‏,‏ نكاد نخرج باستنتاج مؤكد بأن أحدا من هذه الجهات ـ علي الأقل بشكل رسمي ـ غير ضالع في مثل تلك الجرائم‏,‏ الأمر الذي يصرف تفكيرنا تلقائيا نحو تنظيم القاعدة في فلسطين‏.‏

اعتراف فلسطيني ـ إسرائيلي

وعلي الرغم من محاولات البعض التقليل من إمكان وجود القاعدة في تلك المنطقة‏,‏ فإن تصريحات الرئيس الفلسطيني نفسه قد أكدت قبل أكثر من شهرين وجود عناصر تنتمي للتنظيم داخل قطاع غزة‏.‏

ولم يقف الأمر عند تصريحات عباس‏,‏ وإنما امتد إلي الواقع العملي علي الأرض في القطاع‏,‏ فقد أعلن التنظيم عن تبنيه لمحاولة اغتيال رئيس المخابرات الفلسطينية الأحد الماضي‏,‏ محذرا من أن عملياته المقبلة ستطال عددا من القادة الفلسطينيين‏,‏ يأتي في مقدمتهم الرئيس عباس شخصيا‏,‏ ولم يمض يوم علي محاولة اغتيال العميد طارق أبورجب إلا وأعلن مصدر أمني فلسطيني عن محاولة أخري لاغتيال العميد رشيد أبوشباك مدير جهاز الأمن الداخلي‏.‏

لم تكن تلك هي المرة الأولي التي يصدر فيها التنظيم بيانا من هذا النوع‏,‏ فقد سبق أن أصدر بيانا أعلن فيه عن تشكيل جيش القدس بأرض الرباط فلسطين‏,‏ سبق هذا الإعلان‏,‏ في ديسمبر من عام‏2005‏ قيام أجهزة الأمن الإسرائيلية بالقبض علي عنصرين من عناصر القاعدة قالت أجهزة الأمن إنهما كانا يدبران لعملية داخل القدس الشرقية‏.‏ كما رصدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أكتوبر من العام نفسه اتصالات تليفونية بين عناصر من الضفة الغربية وعناصر قريبة من تنظيم القاعدة بالمخيمات الأردنية‏,‏ وكشفت التقارير وقتها عن أن عناصر قاعدية من الأردن استغلت الفوضي الأمنية التي حدثت في أثناء عملية التسليم والتسلم لمنفذ صلاح الدين الحدودي بين مصر وقطاع غزة‏,‏ ودخلت إلي القطاع في الثاني عشر من سبتمبر‏2005.‏

البدايات

في مقال سابق لنا عقب تفجيرات طابا‏,‏ في أكتوبر من عام‏2004,‏ أكدنا ميلاد هذا التنظيم في غزة والقطاع‏,‏ وحذرنا من مرحلة جديدة في الصراع مع الإرهاب‏,‏ لم تشهدها المنطقة من قبل إبان تجربتها الأولي مع التنظيمات المحلية‏,‏ واستغربنا في حينها تأخر ظهور هذا التيار في تلك الأرض التي جعلها شارون بجرائمه اليومية ضد المدنيين العزل تربة صالحة لهذا النبت‏.‏

كانت تفجيرات طابا شاخصة أمامنا ونحن نري هذا التطور الملحوظ فيما يتعلق بخطط الإرهاب‏,‏ ولم يكن ما أكدناه وقتها بعيدا عن مجريات الأمور علي الأرض‏.‏

فمنذ ما يقرب من عامين‏,‏ وبالتحديد منذ قبلت حركة المقاومة الإسلامية حماس أول هدنة لها في يونيو‏2003,‏ بدأت خطة تنظيم القاعدة في زرع خلاياه في كل من عمان بالأردن‏,‏ ومناطق عين الحلوة وصيدا وصور بلبنان‏,‏ وعلي مشارف الحدود السورية ـ العراقية‏,‏ في إطار استراتيجية تسعي إلي استهداف إسرائيل‏,‏ لفك طوق العزلة عن التنظيم وكوادره‏,‏ كل ما كان ينقص هذه الاستراتيجية هو وجود القاعدة في قلب فلسطين‏.‏ وقد وجد التنظيم في سلوك حماس منذ قبولها بحوارات القاهرة وإعلانها هدنتها الأولي‏(‏ من طرف واحد‏)‏ في يونيو عام‏2003‏ ثم قبولها المشاركة في العملية السياسية وفوزها بأغلبية مقاعد البرلمان‏,‏ الذي أطلق عليه أيمن الظواهري في شريطه المصور الأخير مجلس الشرك فرصته الذهبية‏فقام قادة التنظيم بإصدار تعليماتهم إلي كوادرهم بالأردن بتنفيذ خطة اختراق غزة‏.‏ الغريب أن أحدا لم يلفت نظره ما أكده الظواهري في نفس الشريط المصور من أن خيارات بديلة ستكون بمتناول الفلسطينيين‏,‏ في حال عدم العودة إلي خط المقاومة‏,‏ وترك العملية السياسية‏.‏

خلايا التجنيد

ومن الأردن راحت تتدفق خلايا التجنيد إلي غزة ورام الله وجبل الحلال‏,‏ محملة برسائل من زعماء التنظيم تحث علي ضرورة النصرة في مواجهة ما أطلقوا عليه طاغوت العصر في إشارة إلي الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ لم تكن خطة التنظيم بالطبع تستهدف خدمة القضية الفلسطينية‏,‏ وإنما جاءت في إطار فك الحصار الذي بات يحكم قبضته يوما بعد يوم علي كوادر التنظيم في جميع أنحاء العالم‏,‏ وقد وجد التنظيم ضالته في فلسطين‏,‏ حيث تنفيذ عدد من العمليات النوعية هناك‏,‏ ضد أهداف إسرائيلية كفيلة برفع شعبية التنظيم إلي الذروة‏,‏ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار غياب كل من حماس وفتح والجهاد عن ساحة الفعل العملياتي علي الأرض‏.‏

إن انتشار القاعدة في دول الطوق كان ملموسا‏,‏ وهدفه الأساسي كان واضحا الدخول إلي فلسطين‏,‏ وهو الأمر الذي حدا بالقيادتين الأمنية والعسكرية في إسرائيل إلي التحذير ـ في مارس الماضي ـ من أن القاعدة تخطط لتنفيذ أكبر عملية تفجير إرهابية داخل البلاد‏,‏ مشددة علي أن التنظيم يسعي إلي إحداث نفس القدر من الزلزال الذي أحدثته تفجيرات‏11‏ سبتمبر‏2001‏ في الولايات المتحدة‏,‏ ولكن هذه المرة في إسرائيل‏.‏

ونشرت يديعوت أحرونوت في حينها‏,‏ علي لسان مسئول أمني إسرائيلي وصفته بأنه كبير قوله‏:‏ إن هذه التقديرات لا تعتمد فحسب علي التصريحات التي أدلي بها أبو مصعب الزرقاوي قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين‏,‏ عن ضرورة توجيه السهام ضد إسرائيل‏,‏ وإنما تقوم علي أساس من معلومات جمعت من التحقيقات التي أجرتها أذرع المخابرات الغربية مع معتقلين من ناشطي القاعدة ومن معلومات استخباراتية أخري‏.‏

ورقة التوت الأخيرة

القاعدة بتوجها إلي فلسطين تعلم أن هذه الخطوة هي ورقة التوت الأخيرة التي تستر بها عورتها‏,‏ بعدما عرتها تماما العمليات التي قامت بها في كل من السعودية والأردن والعراق‏,‏ من ترويع للآمنين‏,‏ وقتل للأطفال والنساء والعزل من المدنيين الأبرياء‏.‏ لقد استفادت عناصر التنظيم بالطبع من حالة الفوضي الأمنية التي يعيشها القطاع‏,‏ لكن آن الأوان بعد هذه الاعترافات الخطيرة لتدخل سريع وعاجل من الدول الفاعلة في المنطقة‏,‏ لإنهاء هذه الأجواء‏,‏ ومساعدة الفلسطينيين في التخلص من تلك العناصر التي تسيء إلي قضيتهم القومية‏.‏

إن الاعترافات الأخيرة للمسئولين عن تفجيرات سيناء تفرض علينا بالضرورة إيجاد سبل جديدة لتعاون أمني إقليمي جاد وفعال بين مثلث دول الطوق‏:‏ الأردن وفلسطين ومصر‏,‏ تحول دون قيام تلك المجموعات بعمليات قد تكون أخطر من تفجيرات سيناء في المستقبل القريب‏.‏