الأربعاء 12 مارس 2025

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان المسلمون والإرهاب‏..‏ لماذا كل هذا الإنكار؟

نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ السبت 22 ابريل 2006، العدد 43601

نشر
عبد الرحيم علي

كيف يري الإخوان المسلمون تاريخهم؟ هل هم متطرفون ارهابيون أم أنهم معتدلون مسالمون؟ وكيف تنعكس هذه الرؤية علي موقفهم من شباب الجامعات الاسلامية الذين سبق اتهامهم بممارسة العنف؟ وبأي منطق يدافعون عنهم وعن سلوكهم؟‏!‏

في العدد رقم‏54‏ من مجلة الدعوة‏(‏ الناطق الرسمي باسم الجماعة‏)‏ يسأل أحد القراء حول رأي الجماعة فيما يتردد من أنها تنظيم إرهابي؟

وتأتي الإجابة حاملة كما كبيرا من الغرابة والاستغراب في أن يتساءل الشيخ محمد عبد الله الخطيب مفتي الجماعة في معرض رده علي السؤال‏:‏ أين الإرهاب في تاريخ الجماعة؟ أهو الجهاد في سبيل الله وتقديم أعز الأبناء وأغلي الشباب لانقاذ الوطن‏..‏ إن المسلم لامفر له من الاستعداد للجهاد‏,‏ وسلعة الله غالية‏,‏ ومن تعلم الرمي ثم تركه فليس منا‏,‏ ومن مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية‏!‏

وهنا يثار السؤال والاستغراب في آن واحد‏,‏ هل كان الشيخ الخطيب وهو يتساءل في براءة عجيبة‏:‏ أين الإرهاب في تاريخ الجماعة؟‏!‏ كان يعرف أن صفحات العنف والإرهاب في تاريخ الاخوان حافلة‏,‏ بدءا من حوادث الاعتداءات الفردية علي خصومهم السياسيين‏,‏ وصولا إلي قائمة من حوادث العنف والاغتيالات المسجلة والموثقة‏,‏ التي لايمكن انكارها أو التشكيك فيها أو الزعم بأنها مدسوسة عليهم‏.‏ وإذا كان كلام الشيخ صحيحا‏,‏ فمن الذي قتل إذن القاضي الخازندار؟

ومن قتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي؟ ومن هم أبطال واقعة السيارة الجيب الشهيرة؟ ومن الذي قتل المهندس سيد فايز‏(‏ أحد قادة النظام الخاص‏)‏ عندما أختلف مع قائده عبد الرحمن السندي‏.‏ من الذي حاول اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية؟

ونترك كل هذا التاريخ الحافل ونتساءل لماذا لم يرد قادة الجماعة علي مذكرات كارم الأناضولي‏(‏ المتهم الثاني في حادث الفنية العسكرية‏)‏ التي كشف فيها أنه بايع المرشد العام الثاني‏,‏ حسن الهضيبي‏,‏ بمنزله في منيل الروضة عام‏1973‏ وأن الهضيبي كان علي علم بخطة صالح سرية المتضمنة احداث انقلاب عسكري للوصول إلي السلطة ووافق عليها بشرط ابعاد الاخوان نهائيا عن الموضوع في حال فشل الانقلاب‏.‏

لماذا لم يردوا علي مذكرات مصطفي الست مريم‏(‏ أبو مصعب السوري‏)‏ التي أكد فيها انه قدم إلي مصر مع مجموعة من اخوان سوريا حيث قام اخوانهم في مصر بتدريبهم علي حرب العصابات‏,‏ وذلك قبل اغتيال السادات بثلاثة أشهر‏.‏

لماذا وقفوا صامتين عندما أعلن الشيخ عبد الله عزام في مذكراته التي نشرها موقعه علي شبكة الانترنت أن الأخ كمال السنانيري جاء إليه‏,‏ حيث كان يعمل في دولة خليجية وأخبره بأن الجماعة تريد منه الذهاب إلي أفغانستان للمساعدة في تشكيل وحدة انتقال سريعة ومدربة من الشباب المسلم الذين يأتون إلي أفغانستان من أجل الجهاد‏,‏ وأن هذه النواة كانت البؤرة الاساسية التي تشكل منها تنظيم القاعدة فيما بعد‏.‏ بعد هذا كله يتساءل الشيخ الخطيب في براءة‏:‏ أين الإرهاب في تاريخ الجماعة؟‏!‏ المفارقة اللافتة أن إنكار الإرهاب والتبرؤ من العنف‏,‏ يتلوه اعتراف يتكيء علي التعاليم الاسلامية كما يفهمها الشيخ الخطيب‏:‏ الاستعداد للجهاد وتعلم الرمي والتهيؤ للغزو‏,‏ وكأن هذه الاعمال الجهادية ليست مسئولية الحاكم في ظل السلطة الشرعية‏,‏ وكأن الاخوان يمنحون أنفسهم الحق في أن يكونوا دولة داخل الدولة‏!‏

الشباب معذورون

في العدد رقم‏62‏ ينبري الشيخ الخطيب للدفاع الحار عن الشباب المسلم المتهم بالتطرف والعنف‏,‏ وفي دفاعه تظهر مجموعة من المرتكزات الخطيرة التي تبرهن علي حقيقة الموقف الاخواني‏,‏ الذي لايرفض العنف‏,‏ بل يسعي لتبريره وتحويل مسار دوافعه بإلقاء المسئولية علي المنحرفين والمجاهرين بالسفور والاختلاط‏!‏

والسؤال حول ماكتبه أحد الكتاب المصريين حول قضية العنف‏,‏ الذي اعتبرته السائلة تحريضا سافرا علي الشباب المسلم وتكذيبا صريحا لحديث بعثت بالسيف بين يدي الساعة وحديث أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله ويعلق الشيخ محمد عبد الله الخطيب قائلا‏:‏ كان الواجب علي صاحب المقال أن يلقي بالمسئولية علي المنحرفين من أجهزة الاعلام وعلي الاختلاط والسفور‏,‏ والتهريج الرخيص والفساد الذي ملأ البر والبحر قبل أن يحرض علي الشباب المسلم الذي يتمزق أسي ويتفطر قلبه ألما مما يري حوله من أوضاع كلها لا تمت إلي الاسلام ولا إلي الانسانية بصلة‏,‏ أما الجرأة علي تكذيب الاحاديث فهي الأخري بلاء ومصيبة وزندقة وجرأة علي الله ورسوله وقول بغير علم‏,‏ إن صاحب المقال ـ هداه الله ـ يصور الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بانه عنف كفاكم تهريجا وفوضي وتطاولا علي الشباب المسلم‏,‏

إن الأمة الاسلامية يوم تركت الجهاد في سبيل الله‏,‏ تداعي عليها الأعداء فأحالوها إلي أمة مدمرة وإلي جسد ممزق‏,‏ وصدق الله العظيم ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض‏...‏ أيها الكاتب المخرف الجاهل أنت وأمثالك ضيعتم هذه الأمة بحربكم للاسلام وللعاملين له حتي تمكن من هذه الأمة أذل الناس وحثالات البشر‏,‏ إن فريضة الجهاد ماضية إلي يوم القيامة‏,‏ والله غالب علي أمره ولكن هذا المخرف وأمثاله لا يعلمون‏.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة‏,‏ ماذا يفعل الشيخ بعد أن قام هؤلاء الشباب الذين تحدث عنهم بمراجعة مواقفهم وقالوا بالفم المليان‏:‏ إن ماكنا نرتكبه ـ مما يثني عليه الشيخ ويعتبره من صحيح الدين ـ لايمت إلي الجهاد بصلة‏,‏ وإنها أخطاء نعلن أسفنا لها وندمنا عليها ألا يملك الشيخ شجاعة هؤلاء الشباب أم انه يعتبر هؤلاء الشباب الآن من أعداء الدين؟ ثم إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم نسمع منه تقريعا لهم كهذا الذي استخدمه مع كاتب المقال أم أن الأمر فيه لغز مالايفهمه أمثالنا من المواطنين البسطاء؟‏!‏

ثم عن أي شيء تسأل السائلة‏:‏ إنها تعلن إيمانها الكامل بأن ماكتبه الكاتب تحريض علي الشباب وتكذيب صريح للرسول وافتراء عليه‏,‏ فهل تنتظر رأيا مختلفا من الشيخ؟‏!‏ الرسالة مصنوعة بغير ذكاء‏,‏ والهدف منها إتاحة الفرصة لطرح الرؤية الإخوانية‏,‏ وأهم مافي هذه الرؤية هو التأكيد علي براءة الشباب المسلم‏,‏ وإلقاء مسئولية العنف علي كاهل أنصار السفور والاختلاط‏!.‏ الشباب المسلم الذي يعتدي علي الآخرين ليس مسئولا‏,‏ فمن حقه الشرعي المشروع أن يجاهد ويغير المنكر‏,‏ والخطير بحق أن هذا الجهاد الداخلي يخلو من الضوابط ولايحفل بالنظام القائم وقواعد الاستقرار الاجتماعي‏.‏ ثم نجد من يصرخ فينا كل يوم‏,‏ أين الإرهاب في تاريخ جماعة الاخوان المسلمين؟