من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: تفجيرات سيناء.. ضرورة تغيير استراتيجيات المواجهة
نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ السبت 29 ابريل 2006، العدد 43608

ضرب الإرهاب الأسود للمرة الثالثة علي التوالي, وفي أقل من عامين, محافظة جنوب سيناء, وفي هذه المرة استهدف الارهابيون منتجع دهب أحد أهم منتجعات سيناء الجميلة, بعد أن سبق لهم استهداف منتجعي طابا وشرم الشيخ.
وقد طرحت تلك التفجيرات, وما قبلها أسئلة عديدة أهمها علي الاطلاق: لماذا مصر الآن؟, وهل نحن بصدد موجة جديدة من الإرهاب تختلف عما واجهته مصر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؟ وما الذي يجب ان نفعله حيالها؟
لقد شكلت مذبحة الأقصر التي جرت بمعبد الدير البحري في نوفمبر من عام1997 نهاية لحقبة طويلة من الإرهاب المحلي استمرت مايقرب من عقدين كانت المذبحة نقمة بكل المقاييس علي جماعات العنف الديني بشكل عام والجماعة الإسلامية المصرية علي وجه الخصوص, حيث أفقدتهم التعاطف الذي كانوا يحظون به في بعض الدول الأوروبية, التي تعاملت معهم بوصفهم لاجئين سياسيين هربوا من قمع أنظمة الحكم في بلادهم فإذا بالأمر يتحول عقب المذبحة الي قناعة تامة لدي الأوروبيين بأن هذه الجماعات ما هم إلا حفنة من الإرهابيين القتلة, وهو ما اعترف به رفاعي طه مسئول مجلس شوري الجماعة الإسلامية, عندما أقر في نوفمبر من عام1999, بأن عملية الأقصر ساعدت الحكومة المصرية علي كسب معركة الرأي العام عبر وصف الجماعة ـ بالإرهاب.
كانت تلك الجماعات تمارس سياسة عض الأصابع في معركتها مع الظام في محاولة للاعتراف بها كقوة سياسية علي الساحة, والحصول علي عدد من المكاسب أهمها السيطرة علي مساجد الدولة للترويج لأفكارهم الهدامة, وعندما بدأت تلك الجماعات في مهاجمة أهداف سياحية وقبطية كانت تستهدف من وراء تلك العمليات لي ذراع الحكومة للقبول بمطالبها.
صحيح أن تلك الجماعات كانت تكفر أنظمة الحكم, إلا انها لم تكن لديها ارتباطات عولمية تدور في فكلها وتحاول جاهدة تنفيذ أهدافها واستراتيجيتها, لذلك عندما لاح لها أن تلك الأعمال لن تؤدي الي تحقيق مطالبها, وأن المواجهة مع دولة قوية مثل مصر كلفتها مالا طاقة لها به, وتنبهت الي ان أفعالها تلك تضعف من قوة مصر أمام العدو التقليدي المرابض علي الحدود الشرقية, تراجعت عن هذه الأعمال وأعلنت مبادرتها لوقف العنف, وتبعها في ذلك عدد من قيادات وممثلي تنظيمات جهادية محلية أخري كتنظيم الجهاد المصري.
وبغض النظر عن رأينا الخاص في تلك المبادرة, إلا أنها مثلت منعطفا جديدا خلص مصر من مرحلة شديدة الحرج من مراحل مواجهة الإرهاب المنظم محليا.
وقد ظلت مصر وعلي مدي مايقرب من سبع سنوات بعيدة كل البعد عن مرمي نيران الإرهاب التي طالت بقعا عديدة في العالم, فقد شهدت بلدان عدة خلال تلك السنوات, موجات متتالية من الإرهاب العولمي الجديد, توجت بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر2001, التي دمرت عددا من أهم الرموز الاقتصادية والعسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وسرعان ما أعلنت أمريكا الحرب علي الإرهاب وتحالف معها عدد كبير من دول أوروبا.
في هذه الأثناء كانت مصر لم تزل بعيدة عن مرمي الإرهاب ومخططاته, الي ان انتقلت نيران المعركة الي أرض العراق, والعراق بالنسبة لمصر ليس بلدا عربيا شقيقا وحسب, وانما وفقا لرؤية مصر للأمن القومي, هو بلد استراتيجي, لذا كان التدخل المصري سريعا وحاسما, في محاولة لإنضاح العملية السياسية في العراق, والتوصل الي اتفاق يجمع جميع القوي العراقية حول أجندة توحد العراقيين وتمنع تقسيم البلاد وتسرع بإنهاء وجود الاحتلال.
لم تختلف الرؤية المصرية بالطبع فيما يتعلق بالأوضاع في كل من فلسطين والسودان, فقد سعت القاهرة منذ استضافتها لحوارات الفصائل الي اقناع حماس بضرورة التعاطي الإيجابي مع العملية السياسية في فلسطين, وأنضجت صلحا تاريخيا, كان متعثرا, بين الشمال والجنوب في السودان, ومازالت تبحث عن حل ومخرج سياسي وسلمي للأزمة في دارفور والمتتبع لخطابات قادة تنظيم القاعدة الأخيرة, بن لادن والظواهري والزرقاوي, لابد أن يلحظ مدي التصادم بين الرؤيتين المصرية والإرهابية ومدي النجاح الذي حققته مصر في تطويق حرائق سعي الإرهابيون حثيثا الي إضرامها, فقد أكد بن لادن في رسالته الأخيرة قبل أيام ضرورة فتح ساحة صراع جديدة مع الغرب في دارفور, واتهم الظواهري حماس بالدخول فيما أسماه مجلس الشرك مشددا علي ضرورة عودتها للمقاومة, ووعد الزرقاوي بإفشال كل الجهود الرامية الي تحقيق تقدم سياسي في العراق.
وقد تزامن صدام الرؤيتين المصرية والإرهابية مع دخول الإرهاب العولمي مرحلة جديدة من مراحل تطوره, وهو ما أطلقنا عليها مرحلة التنظيم الفضائي فقد تحول تنظيم القاعدة ولأول مرة في تاريخ التنظيمات العقائدية الي اطار فضائي عام ينتمي إليه عدد لا نهائي ربما من الخلايا والبؤر الإرهابية المنتشرة في جميع أنحاء العالم, والتي لايربط بينها سوي الإيمان بخطاب التنظيم السياسي ومنطلقاته الفكرية, هذه البؤر تستقي أهدافها من مجمل خطابات وتوجيهات قادة التنظيم المنتشرة علي شبكة المعلومات الدولية الإنترنت ولا يكتفون باستقاء الأهداف والتوجيهات فقط, وانما يتلقون التدريبات ويستلمون الدعم المالي وخطط التنفيذ أيضا, من هنا فليس من المستغرب التوصل الي نتيجة أننا بإزاء موجة جديدة من موجات الإرهاب العولمي لم تشهد مصر مثيلا لها في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, ففي حالتنا هذه نحن لسنا أمام تنظيم لديه رأس وجسم, يتحرك وفق خطط واضحة وعبر أطر تنظيمية محددة, فإذا تم كشف تلك الخطط وهذه الأطر عبر الإيقاع باحدي خلاياه استطعنا اختراق التنظيم والقضاء عليه, ونحن بصدد نمط آخر مختلف, مجموعات لايربط بينها سوي الإيمان بأفكار ومنهج التنظيم الأم, وتحركها توجيهاته التي غالبا ما تأتي من الخارج, وتتحرك ضمن أجندة واستراتيجية لاتنبع من مصالح داخلية, ولا تهتم بتحقيق شئ ما علي المستوي الداخلي سوي الإيلام, الأمر الذي يجعلنا ندور في دائرة مغلقة من العمليات المتتالية, والتجنيد المستمر, وهنا تكمن الصعوبة في التعامل مع تلك الموجة الإرهابية الجديدة وفق ذات الرؤية الأمنية والسياسية التي كانت سائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي, أن هذه الموجة الجديدة تتمتع بثقافة خاصة يمثل العمل الانتحاري أول روافدها, كما انها تتمتع بمعرفة واسعة بشبكة الانترنت, وقدرة علي استغلال الأجواء التي تخلفها الأحداث الدولية والإقليمية, من احتقان وغضب شعبي, في عمليات التجنيد وتجديد الخلايا العنقودية اننا بازاء حرب جديدة تعتمد المعلوماتية سلاحا وحيدا, الانتصار فيها لمن يملك أكبر قدر من المعلومات حول الآخر ولمن يستطيع استغلال كل الثغرات لديه لذا فنحن في أمس الحاجة الي استبدال كل الاستراتيجيات الأمنية القديمة, القائمة علي خبرة التعامل مع التنظيمات المحلية الطابع حتي نستطيع جسر الفجوة بين تحركات الإرهابيين وتحركات السلطات المعنية بمواجهتهم.