الجمعة 18 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الإرهـاب‏..‏ وتحديـات اللحظـة الراهنـة

نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ السبت 13 مايو 2006، العدد 43622

نشر
عبد الرحيم علي

تحتم علينا ضرورات الأحداث الأخيرة التي طالت شبه جزيرة سيناء بشطريها الشمالي والجنوبي‏,‏ والتحديات التي خلفتها‏,‏ أن نفتح عقولنا وقلوبنا‏,‏ حكومة ومعارضة‏,‏ لمناقشة جادة وموضوعية‏,‏ لكل الاجتهادات التي تحاول البحث في الأسباب الكامنة وراء تلك الأحداث وإيجاد حزمة من الحلول العملية لسد كل الثغرات التي كشفت عنها أمنية كانت أم سياسية أم اجتماعية‏.‏

بالطبع توافر حسن النية وحده لا يجوز اعتماده كعامل أساسي للسماح لكل من يرغب في الإدلاء بدلوه في هذا الموضوع الشائك‏,‏ وإنما يجب أن يصاحب حسن النية تجرد سياسي ووطني يحصنه نوع من التخصص والعلم الذي يتيح لصاحبه تغليب المصلحة العامة‏,‏ وعدم السقوط في شرك الانتقام السياسي أو الدعاية الأيديولوجية الفجة‏,‏ وهو يقوم بطرح وجهة نظره‏.‏

كما يجب على الحكومة أن تفتح صدرها لكل ما يطرحه منتقدوها من انتقادات جادة وموضوعية حتي لو طالت تلك الانتقادات أداء وزارة هنا أو وزير هناك‏.‏ فمعالجة تداعيات تلك الأزمة لا يمكن أن تقوم بها جهة واحدة بشكل منفرد‏,‏ وإنما الأمر بات مسئولية الجميع‏,‏ المعارضة ـ ربما ـ قبل الحكومة‏.‏

أقول هذا بمناسبة الاحتراب الذي بدت بوادره في الأونة الأخيرة‏,‏ بين عدد من الكتاب والسياسيين المحسوبين علي الحكومة وآخرين من المحسوبين علي المعارضة‏,‏ حيث راح الأولون يتهمون كلا من يحاول التعاطي بالنقد مع تلك الأحداث‏,‏ بالخيانة تارة أو الوقوف في صف الإرهابيين تارة أخري‏,‏ وفي أهون الحالات فإن الانتقادات الموجهة للحكومة تأتي من قبيل استغلال الحدث لتصفية حسابات سياسية مع النظام وأجهزته الأمنية‏.‏

وقابلهم الآخرون المعارضة بسيل من الاتهامات تراوحت ما بين استغلال التفجيرات كمادة دعائية في معركة تمديد العمل بقانون الطوارئ‏,‏ وانتهت في بعض الأحيان إلى توجيه اتهامات للحكومة غير معقولة وغير مقبولة في آن‏.‏ كالسعي إلى إيجاد وتبني الإرهاب لاستخدامه في ترويع المجتمع وتركيع قيادته السياسية والفكرية‏.‏

وبدأ الأمر وكأنه لا يوجد تقدير دقيق لحجم الخطر المحدق بالجميع‏,‏ فالإرهاب لا يميز بين حكومة أو معارضة‏,‏ وهو يسعي إلى تدمير المجتمع بكل طاقاته وإبداعاته لصالح مشروع التدمير ذاته‏,‏ دون امتلاك لأي مشروع مقابل يمكن إنشاؤه علي أنقاض هذا التدمير‏.‏ الخاسر الوحيد في تلك المعادلة هو الوطن‏.‏ الذي يعنينا جميعا حكومة كنا أم معارضة‏.‏

من هنا وجب الحديث عن الحاجة الماسة إلى جبهة وطنية موحدة ضد الإرهاب‏,‏ جبهة تشارك فيها جميع القوى السياسية والتيارات الفكرية التي ترفض العنف والإرهاب وتدين منطلقاته‏,‏ أيا كانت المقاصد والأهداف‏.‏

جبهة تضع أسسا عملية لعقد اجتماعي جديد‏,‏ يضمن سلامة المجتمع من خطر الإرهاب الأعمى‏,‏ عبر حزمة من المبادئ الأساسية المتفق عليها وأهمها من وجهة نظري‏:‏

‏1‏ ـ الرفض التام لأي ساع لإحداث تغييرات سياسية أو اجتماعية أو الضغط على أحد عناصره حكومة أو معارضة عبر استخدام القوة‏.‏

‏2‏ ـ محاصرة كل الأنشطة الفكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية التي تؤسس للإرهاب بكل أشكاله الفكرية والحركية‏,‏ مقاطعة كل القائمين عليها وفضحهم‏.‏

‏3‏ ـ إعلان موقف واحد وموحد ضد ظاهرة الإرهاب والقائمين بها والمتعاطفين معهم‏,‏ دون تقديم أي تبريرات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو التعلل بأوضاع دولية أو إقليمية مساعدة‏.‏

‏4‏ ـ مطالبة كل الجماعات والحركات السياسية التي سبق لها تبني الإرهاب فكريا أو حركيا بتقديم مراجعة شاملة لهذه المرحلة من مراحل تطورها السياسي‏,‏ لتكون مرجعا لكل فئة أو جماعة سياسية تحاول الإقدام على خوض تلك التجربة من جديد‏.‏

‏5‏ ـ الإقرار بحق كل مواطن أو جماعة سياسية في التعبير عن ارائها السياسية والأيديولوجية في حرية تامة ووفق الأطر القانونية المتعارف عليها مادامت لا تبرر الإرهاب‏,‏ ولا تدعو لممارسة العنف‏.‏

‏6‏ ـ وضع خطوط حمراء للتناحر السياسي بين كل القوي السياسية‏,‏ يلتزم بها الجميع‏,‏ تحرم التخوين والاتهامات التي لا تبني على حد أدنى من الدلائل حتي نحرم الإرهاب من أحد مبررات وجوده‏,‏ وهي الفوضي ـ غير الخلاقة ـ التي دائما ما تحدثها تلك الممارسات غير المسئولة‏.‏

سيناء وتحديات اللحظة‏:‏

بالطبع لا يكفي العمل علي توحيد الجهود خلف أفكار كتلك التي طرحتها للتو‏,‏ دون وضع حلول جلة لعدد من المشكلات المزمنة التي تساعد في توفير بيئة خصبة للإرهاب خاصة في منطقة كشمال سيناء‏.‏

ولأعطي مثالا واضحا لما أقول‏..‏ فقد أثيرت علامات استفهام عديدة بشأن الدعم اللوجستي الذي يتلقاه عدد من قادة التنظيم الذي نفذ تفجيرات سيناء‏..‏ والمحاصرين بأحد المغارات الواقعة في عمق جبل الحلال بسيناء الشمالية‏,‏ حيث يمدهم البعض بمعلومات دقيقة‏,‏ حول خطط تقدم قوات الأمن وأماكن تمركزها‏,‏ كذلك يسهلون لهم عمليات الهروب والتنقل عبر تلك المدقات الجبلية الوعرة وغير المعروفة إلا لأهالي تلك المنطقة‏.‏

حدث هذا في الحملة الأمنية الأولى‏,‏ عقب تفجيرات شرم الشيخ وهو ما دعا القوات الأمنية إلى وقف تقدمها بعد ما خسرت ضابطين أحدهما برتبة لواء‏,‏ وأصيب أكثر من أحد عشر ضابطا وجنديا‏,‏ وحدث هذا الآن عقب تفجيرات دهب‏,‏ وهو ما نتج عنه مقتل واحد من امهر ضباط مكافحة الارهاب في جهاز مباحث امن الدولة ‏(‏الرائد عبدالخالق أبوزيد‏).‏

ولهذه المشكلة ـ في ظني ـ جذور تعود لعقود طويلة من الزمن‏,‏ وقد بات من الضروري الآن مواجهتها والتعامل معها مما ينبغي من الجدية والنزاهة‏,‏ فقبائل تلك المنطقة ‏(وسط وشمال سيناء‏)‏ تعاني مشكلات عديدة‏,‏ أكثرها وضوحا التهميش الحكومي الذي تسبب في فقر مدقع يعانيه أهالي تلك المنطقة‏,‏ علىعكس ما تتمتع به سيناء الجنوبية من رفاهية واضحة نتيجة لضخ مليارات الجنيهات في استثمارات سياحية ناجعة علي أراضيها‏.‏

لقد تقاعست الدولة لسنوات طويلة عن فحص معاناة بدو شمال سيناء‏,‏ وايجاد حلول علمية لها‏,‏ فالمستوي التعليمي في تلك المناطق لا يتجاوز في معظمه المرحلة الإبتدائية‏,‏ الأمر الذي ساعد ـ في ظل سوق بطالة رائجة ـ علي انخراط قطاع من شباب تلك المنطقة في مجال الجريمة المنظمة‏,‏ التي شملت تجارة المخدرات والسلاح‏,‏ والتهريب بكل أشكاله‏,‏ هذه البيئة هي التي سهلت من مهمة التنظيمات الإرهابية في تجنيد عناصرها والدفع بهم في أتون المواجهة مع المجتمع‏.‏ لقد أوجدت تلك البيئة علاقات غير مستقرة‏,‏ وعدائية في معظم الأحوال بين رجال الشرطة وساكني تلك المناطق‏,‏ الأمر الذي كان ينتهي عادة بلجوء الشباب إلى الجبال هربا من أحكام كبيرة بالسجن فلا يجدوا سوى هذه العصابات الإجرامية وفي مقدمتها تنظيمات الإرهاب لكي يلتحقوا بها‏.‏

إن مصالحة حقيقية بين الدولة ومواطنيها من اهالي تلك المنطقة‏,‏ ووضع تصورات عاجلة لتنمية سريعة ومكثفة‏,‏ توجد فرص عمل واسعة للشباب‏,‏ ووجود أمني مكثف‏,‏ يبني علي تجسير هوة الثقة بين المواطنين وجهاز الشرطة‏,‏ بات من ضرورات اللحظة الراهنة من اجل محاصرة خلايا الإرهاب وتجفيف منابعه‏.‏