من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: حزب الله وإسرائيل... الحرب بالوكالة
نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ الثلاثاء 18 يوليو 2006
دخلت الحرب المفتوحة التي أعلن عنها السيد حسن نصر الله بين حزب الله وإسرائيل يومها السابع وسط توقعات بازدياد حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في لبنان, الي حد غير مسبوق في تاريخ البلاد, منذ الحرب الأهلية حتي الآن.
حزب الله كان يعلم منذ البداية, عندما استجاب للتوجهات الإيرانية والإغراءات الاقليمية الأخري, بخطف الجنديين الإسرائيليين, أنه يخوض حربا لا متكافئة, سوف يدفع الشعب اللبناني وحده ثمنها بالكامل, وسط مواقف دولية وإقليمية لن تتعدي حدود الإستنكار, ولكن غير المعلوم وغير المتوقع هو ماجاء علي لسان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عندما أكد أن أي استهداف لسورية يعتبر استهدافا لإيران. أليس الأولي الحديث عما يحدث علي الأراضي اللبنانية واعتباره اعتداء علي ايران خاصة أنها الدولة الداعمة والمحركة لحزب الله, أم أن نجاد حالة تجسد مقولة الشاعر العربي الكبير محمود درويش: في كل مئذنة حاو ومغتصب يدعو لأندلس إن حوصرت حلب.
لقد ظل حسن نصر الله وفيا لاتفاق مايو2000 ست سنوات, لم يتحرك فيها خطوة واحدة تستفز العدو الإسرائيلي. في الوقت الذي كان يتعرض فيه الفلسطينيون لمذابح بشعة ومريعة علي أيدي شارون. كان البعض ينادي أين حزب الله وحسن نصرالله, وكان الرجل يرد بكل بساطة, ان الحزب هو الذي يختار معركته وتوقيتاتها ومكانها, وأن العدو لن يجره الي معركة وفق حساباته هو. لماذا تغيرت إذن توجهات حزب الله وحسن نصرالله بعد يومين فقط من إعلان خافير سولانا عن فشل مباحثاته مع لاريجاني( مسئول ملف إيران النووي),ولماذا لم يتحرك طوال السنوات الماضية التي تعرضت فيها الأمة لنكسات مريعة في فلسطين والعراق, ان حسن نصر الله القابع الآن تحت الأرض وسط المئات من حراسه, يعلم كما يعلم القادة في ايران وسورية الشقيقة أن النظرية القديمة للمجابهة مع إسرائيل والتي كانت تتحدث عن حرب الخيار الإسرائيلية مع دول الطوق وبينها لبنان, وحرب اللاخيار مع الفلسطينيين, والتي ساهمت بشكل كبير في اتخاذ إسرائيل قرارها بالخروج من لبنان عام2000 علي الرغم من خسارتها المتواضعة مقارنة بخسائرها من جراء الانتفاضة الفلسطينية الباسلة, كان نصر الله يعلم أن هذه النظرية قد تم استبدالها تماما عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن في سبتمبر2001, حيث تم ضم القوي الإسلامية المسلحة وفي المقدمة منها حزب الله الي قائمة حرب اللاخيار بجانب الفلسطينيين, كان نصرالله يعلم أن إسرائيل وفق عقيدتها العسكرية الجديدة, لن تسمح لقوة الردع الخاصة بها بالتآكل أمام حزب الله, وهي وفق هذه النظرية الجديدة سترد بكل قوة علي أي استفزاز عسكري يضعها أمام نقطة اختبار قوة بينها وبين الحزب مهما كلفها الأمر.
كل هذا ـ للأسف ـ كان يعلمه حسن نصر الله عندما قرر خوض المغامرة.
ولكن هل كان نصر الله يخطط ومعه إيران للزج بالمنطقة الي حافة حرب كبري, أزعم أن إيران ستسحب كل أوراقها وستتواري في حال لاح هذا الشبح, ولكنها تعرف كما يعرف جميع الخبراء أن هذا الشبح بعيد جدا. لهذا فقد اتخذت قرارها باستخدام الساحة اللبنانية بجانب الساحة العراقية كورقة لمزيد من الضغط علي الأمريكان. بعد أن لاح قرار تحويل ملفها الي مجلس الأمن في الأفق, والسؤال هل يجب علي اللبنانيين أن يتحملوا كل هذا الخراب من أجل معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فلو أن خطف الجنديين جاء في سياق اعتداء اسرائيلي علي جنوب لبنان أو حرب بينهم وبين حزب الله لأمكن تبرير هذه المغامرة. لكن العملية جاءت في توقيت غريب يشير بوضوح الي ضلوع ايران في الأزمة.
خسائر لبنانية:
أربعة مليارات دولار, ومئات القتلي والجرحي اللبنانيين وسنوات قادمة من الخراب للبنية التحتية اللبنانية, وسنوات أخري من التمزق بعد ان كادت غيوم الفرقة تنجلي عن اللبنانيين عبر حوار وطني ـ كان الأول من نوعه ـ ولم يتم الاكتفاء بهذا القدر, فحماس تطالب بربط المسارين الفلسطيني واللبناني فيما يتعلق بالأسري, ونصر الله يعلن استعداد حزب الله لخوض حرب مفتوحة مع إسرائيل, ويحاول إطلاق صواريخه علي حيفا, ما المقصود من وراء كل هذا؟!. الفوضي, نعم فما تريده إيران وحليفتها سورية وحزب الله( ذراعهم في المعركة) ليس سوي اشاعة اجواء الفوضي في المنطقة, آملين بأن ذلك سوف يجبر أمريكا علي الجلوس مع ايران أولا وسورية بالتبعية للتفاوض علي لملمة تلك الفوضي قبل انتشار غبارها علي سماء المنطقة, ولكن ايران وحزب الله والسوريين وهم يقومون برسم تلك الاستراتيجية لم يقدروا حجم الموقف الإسرائيلي, فهناك اعتقاد خاطئ لدي عدد كبير من الساسة والمحللين العرب ان اسرائيل تابعة بشكل مباشر للولايات المتحدة الأمريكية وأن بوش إذا أراد ان يخمد تلك النيران عقب صفقة مبرمة مع ايران, لاستطاع فعل ذلك بجرة قلم, وهذا وهم عربي يجب التخلص منه سريعا قبل أن يدمر الأخضر واليابس.
فإسرائيل لديها ـ كما لعدد كبير من الدول العربية ـ علاقة تبعية خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية, ولكن هناك أيضا هامش لديها ـ كما لدي غيرها ـ يتعلق بأمنها القومي لن تساوم عليه, حتي لو تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها, وهذا ما ليس يفهمه البعض.