من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: جيش الاخوان المسلمين.. ضد من ؟
نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ الإثنين 7 أغسطس 2006
أعلن السيد محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصريين يوم الجمعة الماضي، عن استعداده إرسال عشرة آلاف مقاتل من شباب الجماعة للقتال إلى جانب حزب الله في لبنان.
وقال زعيم الجماعة ومرشدها في حوار لوكاله الأنباء الفرنسية، أن هذه النية قد لا تترجم أبدا على أرض الواقع بسبب معارضة الأنظمة العربية، مشددا على أن المقاومة في الماضي كانت أسهل وإعدادها كان سهلا, وأسبوع كان كافيا لإعداد وتسليح الفدائيين لكن الآن الوضع مختلف.
هذه التصريحات الخطيرة التي خرجت بشكل عفوي كالعادة من فم الرجل في لحظة تاريخية فارقة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام.
لقد كشفت تلك التصريحات عن دلالات مهمة، أولاها أن الرجل وجماعته كانوا يعدون شبابا للقتال منذ فترة بعيدة، وإلا فما معنى جاهزية هذا العدد للذهاب إلى لبنان للقتال ضد العدو الصهيوني دون أن يكون مدربا.
والخطورة هنا أن المعنى ينصرف إلى ماضوية تلك الجاهزية، بما يعني أن هولاء الشباب كانوا يعدون في إطار صراع محتمل مع الداخل أكثر منه مع الخارج,، إذ أن الحرب على لبنان لم يتجاوز عمرها أسابيع، بينما يحتاج تجهيز هولاء الشباب للقتال كما اعترف المرشد نفسه إلى سنوات.
إن ما صرح به المرشد العام للجماعة، فضلا عن أنه يطرح أسئلة مهمة ومعقدة حول إمكانات الإخوان العسكرية، وخططهم للمرحلة القادمة، واستعدادهم لقلب الأوضاع على حين غرة في مصر، ومدي جاهزيتهم لمثل هذا الاحتمال ورغبتهم في تحقيقه. فإنه يعيدنا إلى تذكر واستذكار ثلاثة مواقف، مرت بنا مرور الكرام في خضم ما مر بنا من أحداث، بات على الأخوان بعد التصريح الأخير لمرشدهم، أن يقدموا توضيحا عاجلا حولها,، وبات علينا حكومة وشعبا أن نحصل على هذا التوضيح الآن وليس غدا.
أول هذه المواقف ما سبق أن أكده مصطفي الست مريم (أبو مصعب السوري، أحد قادة تنظيم القاعدة) في مذكراته التي نشرها علي شبكة الإنترنت، واعترافاته التي أدلى بها للمحققين الأمريكيين، من أنه قدم إلى مصر في يوليو عام 1981، بصحبة مجموعه من إخوان سوريا, حيث قام أخوان مصر بتدريبهم على حرب العصابات,، تمهيدا لخوض الصراع مع النظام السوري الذي تم تفجيره فيما بعد في حماه عام 1982.
ثاني هذه المواقف ما كشف عنه الشيخ عبد الله عزام موسس تنظيم القاعدة وأحد قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في مذكرات، التي نشرها موقعه علي شبكه الانترنت من أن الأخ كمال السنانيري أحد قادة الجهاز الخاص للجماعة حضر إليه، حيث كان يعمل في إحدى جامعات الخليج وأخبره بأن الجماعه تريد منه الذهاب إلى أفغانستان للمساعدة في تشكيل وحدة انتقال سريعة ومدربة من الشباب المسلم، الذين قدموا للجهاد في أفغانستان,، وأن هذه النواة كانت البؤرة الإساسيه التي تشكل منها تنظيم القاعدة فيما بعد.
ثالث هذه المواقف وأحدثها ما جاء في مذكرات طلال الأنصاري (المتهم الثاني في حادث الفنية العسكرية) التي كشف فيها أنه بايع المرشد العام الثاني, المستشار حسن الهضيبي,، بمنزله في منيل الروضه عام 1973 وأن الهضيبي كان على علم بخطة صالح سرية، المتضمنة أحداث إنقلاب عسكري للوصول إلى السلطة، ووافق عليها بشرط إبعاد الأخوان نهائيا عن الموضوع في حال فشل الإنقلاب.
إعداد الأخ الأخواني:
نعلم أن الاستعداد للجهاد وتعلم الرمي والتهيؤ للغزو، وكافة الأعمال الهادية، مما يقوم الاخوان بتلقينها للاخ المسلم عند دخوله صفوف الجماعة، ولكن الم يحن الوقت لمراجعة كاملة لهذا الملف؟ باعتبار أن كل هذه الأعمال الجهادية ليست مسئولية جماعة أو تنظيم أو حزب، وإنما هي مسئولية حكومة شرعية منتخبة تعي مسئولية اتخاذ قرار الحرب وإعلانه، وتتجنب المغامرات غير المحسوبة لصالح هذه الدولة أو تلك.
إن تصريح المرشد العام للإخوان وجملة المقولات التي تقوم الجماعة بترويجها وتلقينها لأعضائها وكوادرها، إنما تمنح الجماعة شئنا أو تنشئ وضعية دولة داخل الدولة,، فهل هذا ما يسعى إلى تثبيته الإخوان؟! وما هي الخطورة الكامنة وراء مثل هذا الوضع القائم، في غيبة تامة من المحاسبة السياسية قبل القانونية والجماهيرية قبل الحكومية.
إن وقفة حاسمة وحازمة، ترسخ مفهوم الدولة وسيادتها باتت ضرورية، حتي لا يتكرر في مصر وهو بعيد بالطبع ما حدث في لبنان، وحتي لا نفاجأ بقيام جيش الإخوان الذي تحدث عنه المرشد العام بما أقدم عليه حزب الله، في غيبة كاملة من الحكومة وكافة القوى السياسية في لبنان.
المصريون والجماعة:
إن ما قاله المرشد العام من قبل حول مصر ليس ببعيد، فمصر وحكومتها في نظر الجماعة ومرشدها ليسوا مسلمين، إذ أن أهم عناصر إسلامية الحكومة، كما يقررها الإخوان هي: أن تجعل مهمتها الأولى تحرير وتطهير جميع اجزاء الوطن الإسلامي من كل دخيل مستعمر، وأن تقوم على حماية الأقليات الإسلامية في جميع أنحاء المعمورهة.، وهو ما لا ترى الجماعة أن الحكومة المصرية تقوم به,، فقامت بتشكيل مثل هذا الجيش الصغير لا لتقوم هي به ولكن لتزايد علي الحكومة به، ثم تستخدمه بعد ذلك في صراعها الداخلي، فالأخوان لم يقدموا حتى الآن رؤية واضحة حول تحرير البلدان المغتصبة أو الخلاص من الكيان الصهيوني، اللهم سوى الشعارات للمزايدة وللمزايدة فقط، في محاولة لكسب ود الرأي العام وتجييش الشباب الغاضب ضمن صفوفهم، هذا هو الهدف وتلك هي الوسيلة.
والآن يكشفون عن آخر ما لديهم (عشرة آلاف مقاتل)، لقد حاولوا في الماضي علي أيدي عزام وخطف ثمار محاولتهم، بن لادن والظواهري وها هم الآن يحاولون، فهل من موقف سياسي واضح نسعى فيه لفهم ما تريد الجماعة ومرشدها، أم ننتظر حتى فوات الأوان؟.