من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: إلي أين يأخذنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين؟!
نُشر هذا المقال بجريدة الأهرام بتاريخ الاربعاء23 اغسطس2006
مرة اخرى يحاول المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر السيد مهدي عاكف، أن يزج بنا حكومة وشعبا في أتون مغامرات لن يستفيد منها سوي هو وجماعته، ففي أقل من أسبوعين وبعد تصريحاته الأخيرة، التي أثارت جدلا واسعا حول جاهزية الجماعة لإرسال عشرة آلاف مقاتل إلى لبنان، مما يعني وجود قوات مسلحة غير حكومية في مصر. طالب مرشد الاخوان في تصريحاته الجديده وامام اكثر من الفين من انصاره بنقابه المحامين المصريين يوم الجمعه الماضي باعتماد المقاومه المسلحه وسيله وحيده ليس لتحرير الاراضي المغتصبة من قبل العدو الاسرائيلي في يونيو1967، ولكن لمحو اسرائيل وطرد الاسرائيليين بالكامل من ارض فلسطين.
اعتمد الرجل في قراره السابق علي نتائج حرب لبنان الأخيرة مشيرا في سذاجة تدعو للرثاء إلى أنه إذا كانت المقاومة في لبنان قد استطاعت أن تقف في وجه العدوان الاسرائيلي وتلحق به هزيمه منكرة، فيجب اعتمادها وسيلة وحيدة لطردها تماما من تلك المنطقة.
لقد قال المرشد بالحرف الواحد: “سنجاهد من أجل طرد العصابات الصهيونية من ارض فلسطين ولذلك علينا وضع خطة عملية لطردهم من أرضنا".
وعرض المرشد رساله مصورة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل تعضد موقفه جاء فيها:" أن المقاومة الإسلامية اربكت كل الحسابات الدولية وانها لم تعد جهدا محدودا بل أصبحت خيارا استراتيجيا لملء الفراغ الذي تركته الجيوش وتعديل ميزان القوي في المنطقة"
واضاف مشعل أن الحديث عن زوال الكيان الصهيوني كان يعد خيالا ووهما في السابق، لكنه اليوم امام صمود المقاومة اصبح واقعا حتي لو امتلك العدو اسلحة الدمار الشامل.
والسوال الذي يطرح نفسه هنا هل يمكن لأي تنظيم مسئول يطرح نفسه بديلا للحكومات القائمة، ان يتصرف بهذه الطفولية المفرطة؟، وهل يجوز ان تقرر معركة ما هنا او هناك (في لبنان أو فلسطين أو العراق) مصير صراع تتداخل فيها عوامل دولية وإقليميه متعددة ومتشابكة بغض النظر عن تقييمنا الشخصي لما حدث في لبنان؟، وماذا لو هزمت إسرائيل حزب الله أو حماس في اي معركة قادمة (لاقدر الله) هل نعيد بناء استراتيجيات جديدة بناء على تلك الهزيمة؟.
وماذا لو استغل اليمين المتطرف في إسرائيل تلك الدعاوي (غير المسئولة) وطالب الحكومات العربية في فلسطين ومصر باجتثاث هولاء الذين يريدون محو دولة إسرائيل من الوجود أو السماح بالتدخل لمحوهم، ماذا سيكون عليه الأمر؟ وإلي أي شئ يهدف مرشد الاخوان من إطلاقه لمثل هذه التصريحات بالتزامن مع خالد مشعل في هذا التوقيت بالذات، وبعد ان هدأت الأوضاع علي الساحة اللبنانية، عقب إصدار مجلس الأمن قراره رقم1701.
وفي أي سياق يمكننا فهم تصريحات مرشد الاخوان؟.
إن خطوره تلك التصريحات لا تنبع فقط من كونها تعود بالصراع العربي الإسرائيلي إلى نقطة الصفر بتحويل الصراع من صراع حدود إلى صراع وجود، وإنما أيضا في اعتماد القوة وسيله وحيده لإنهاء الصراع وهو ما يصب في النهاية في صالح الدولة العبرية، وفقا لتعقد الظروف والعوامل الدولية والإقليمية والمحلية حاليا وفي المستقبل المنظور.
هذا ونحن نتكلم عن استرجاع الأرض وليس فناء دولة إسرائيل فكيف إذا تحدثنا عن فنائها؟.
بالطبع هذه الأحاديث والتصريحات تلقي ارتياحا في الشارع العربي ومن قبل بعض النخب الغاضبة من جراء تلك التصرفات الهمجية لدولة العدو، ولكن هل يجوز اعتماد المشاعر وسيلة وحيدة في تقييمنا لما يصدر من هنا وهناك دون اعتبار للمصالح القومية العليا للوطن الذي ننتمي إليه؟.
وساسوق هنا مثالا للتدليل على ما قلته ففي الموتمر الصحفي الذي عقده وزير الدفاع اللبناني السيد إلياس المر، يوم الأحد الماضي.
اعتبر الوزير اللبناني أن اي خرق للقرار 1701 بما يتضمنه من حيازة صاروخ او إطلاقه على دولة إسرائيل، سيعد بمثابه عمالة للدولة العبرية وسيقدم مرتكب تلك الجريمة إلى المحاكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى.
لقد اتخذت الحكومه اللبنانية هذا القرار ووافق عليه حزب الله، من أجل سد الطريق على إسرائيل للقيام بأي عمل هجومي مرة أخرى على بلادهم، مستغلين اي خرق لقرار وقف إطلاق النار.، فهل يكون المرشد العام للاخوان أكثر وطنيةمن المقاومة اللبنانية؟ هذه قضية.
القضية الأخرى هي ما يتعلق بما صرح به المرشد في ذات الخطاب عندما قال بالحرف الواحد: “لولا أن الحكام العرب نطقوا بالشهادتين لكنا قاتلناهم”، ونحن هنا لن نتوقف امام عودة الجماعة إلى المربع رقم واحد باعتبارها الشهادتين هي العاصم الوحيد للدماء، بما يعني إهدار دم غير المسلمين باعتبار هذا الموضوع من المسائل الفقهية والدينية التي لامجال هنا مناقشتها، ولكننا سنتوقف أمام شبه الجملة قاتلناهم، وسنناقش المسألة من زاويتين: الأولى إلام يعود الضمير( هم) في خطاب عاكف؟ لقد راح حواريو الرجل عقب تصريحه السابق (الخاص بالعشرة آلاف مقاتل) يروجون لفكرة عدم القصدية من المرشد، وخطأ الفهم فيمن تلقىالخطاب، والآن يعيد المرشد الكرة فإذا كان يقصد الضمير (هم) أعضاء وكوادر الجماعة بصفته المتحدث باسمها، فتلك مصيبة كبيرة، فهذا معناه ان الرجل على استعداد تام لمقاتلة الحكام العرب مجتمعين، فكيف بدولة وحكومه واحدة كمصر؟.
واذا كان يقصد الجماهير والمواطنين العرب والمسلمين، فمن الذي أعطاه الحق للحديث باسم تلك الجماهير التي ترفض أغلبيتها أسلوبه ورؤيته وبرنامج، حتى هولاء الذين يلتقون معه الآن في معاداة بعض الأنظمة الحاكمة، سوف يحاربونه في أول محطة صراع على الحكم، لأن الاستراتيجيات والرؤى والأهداف مختلفة بالتأكيد.
بالطبع نحن لا نسعي ولا نأمل في إجابة من مرشد الجماعة، ولن نقبل التبريرات أيضا بعد ذلك، ولكننا نطالب بوقفة مجتمعية مع الرجل وجماعته، بعد أن باتا يمثلان خطرا شديدا علي التطور السياسي والاجتماعي والديمقراطي لبلداننا عبر تلك المواقف التصريحات، التي لا تتصف المسئولية، والتي من الممكن أن تزج بنا حكومة وشعبا في مغامرات غير محسوبة، تأتي على الأخضر واليابس، خاصة ونحن ليس لنا وطنا آخر نحتمي به أو نلجا إليه، بينما للسيد المرشد وجماعته أوطان عديدة، يمكنها فتح أذرعتها له ولجماعته في أي وقت وفي أي زمان يريدان.
إن تدخلا سياسيا شعبيا وحزبيا ومؤسساتيا، بات لازما قبل أن يقع المحظور، ونفاجأ باننا امام دويلات عديدة داخل الدول العربية وبينها مصر، يتنازع فيها القرار حكومات ومنظمات مشتتة الرؤى والولاءات كما هو الحال في كل من فلسطين ولبنان.