الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان المسلمون بين الحرس القديم وتيار التجديد

نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 10 أكتوبر 2007

نشر
عبد الرحيم علي

خلص عدد من الباحثين المتعاطفين مع مشروع تيار الإسلام السياسي بشكل عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، وبعد قراءة دقيقة للنسخة الأولية من برنامج الجماعة، إلى نتيجة واحدة في أغلب ما كتبوا.. مفادها: «أن هناك أكثر من يد تدخلت لوضع البرنامج، وأن الغلبة كانت لأصحاب المشروع الدعوي، علي حساب أصحاب المشروع السياسي، ونصح الحاذقون منهم بوجوب التحاور بين أصحاب الرؤيتين، قبل الخروج علي الناس شاهرين نسخة أخرى من البرنامج، والحق أقول: «إن أي متابع محايد لأحوال جماعة الإخوان خلال العشرين عاماً الأخيرة لم يكن لينتظر حتي صدور النسخة الأولي (المعدلة) من برنامجهم السياسي حتي يتوصل إلى ما تم التوصل إليه من نتيجة.

فأزمة تيار التجديد داخل جماعة الإخوان المسلمين مستمرة منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وهي لا تتوقف - من وجهة نظري - عند مفهوم الدولة المدنية، أو الموقف من الأقباط، والمرأة، وإنما تمتد لتصل إلى قضايا جوهرية، كالتقييم التاريخي لمسيرة الجماعة، بوصفه محددًا رئيسياً لرسم مسيرة المستقبل، وكذا الموقف من السلطة، وطبيعة الإطار التنظيمي المناسب للجماعة، والموقف من الآخر، وأعني هنا مجمل القوي السياسية وليس الآخر المختلف دينيا فقط.

وفي هذا المقال سنتناول فقط ما يتعلق بموقف الطرفين (الرؤيتين) من تاريخ الجماعة والمحن العديدة التي تعرضت لها، علي وعد بالمواصلة في أعداد قادمة.. وفي هذا السياق، فإن الحرس القديم يرى الأمر في إطار الابتلاء القدري، الذي لا مفر من الرضا به والتسليم بتبعاته، ولأن هذه الرؤية تنطلق من إيمان يقيني لا تعرفه الممارسة السياسية، فإنها لا تعرف معني النقد الذاتي أو المراجعة التي تساعد علي تصحيح المسار. 

والحل الوحيد بنظرهم هو الصبر علي الابتلاء والمحن، أو بتعبير المرشد العام - أحد أقطاب تلك الرؤية - «نحن نحاول زرع الصبر على الابتلاء في قلوب الإخوة، مؤمنين بأن النصر قادم لا محالة لأننا علي الحق».

الخلط قائم بين المعاناة الذاتية التي تتطلب الصبر والجلد والصمود، وبين الموقف السياسي الذي يتجاوز الأفراد وقدراتهم علي التضحية والتحمل.

وفي هذا السياق، يبدو منطقياً أن يكون تاريخ الإخوان نقيا صافيا بلا أخطاء أو شوائب، وأن تختفي فكرة المراجعة وإعادة النظر في الثوابت والمرتكزات القديمة، عندما يتطرق الحديث إلي أعمال العنف التاريخية التي قام بها الإخوان، «فهذه الحوادث حدثت والجماعة غير موجودة تنظيمياً، إذ تم حلها واعتقال قيادييها وأغلب كوادرها قبل تنفيذ هذه العمليات، وجاءت هذه الأحداث تعبيراً عن غضب يموج داخل أوساط الجماعة، ولكن عبر اجتهاد فردي، وقد أعلن الأستاذ البنا وقتها «أنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين».

بمثل هذا المنطق يمكن الدفاع عن كل الأخطاء المنسوبة إلي الإخوان، وبهذا المنطق أيضا يكتسب التاريخ الإخواني قداسة لا تعرفها السياسة، الجمود الفكري والتنظيمي هو المحصلة الحتمية للتفكير الدفاعي المحافظ، فلا مبرر لإعادة النظر أو التغيير أو التطوير.

في المقابل، يري أقطاب تيار التجديد، أن العمل السياسي يعني وجود أخطاء مشتركة لا ينفرد بها طرف دون آخر: «فلا يعقل أن يوجد عمل حركي أو آخر سياسي لا توجد به أخطاء والاعتراف بها أول الطريق لمعالجتها». 

ويؤمن هذا التيار أيضا، بأن التغيير المنشود لن يتحقق بمعجزة تأتي من السماء، وهو بذلك يتجاوز المفهوم الاستسلامي القدري ذا النزعة الاستشهادية، وهو مفهوم تقليدي يخلط بين الذاتي والموضوعي، وبين الديني والسياسي.. ولا يجد أقطاب هذا التيار حرجاً في رفض قداسة أفكار ومواقف حسن البنا، فهي -عندهم - «رهينة بمرحلة تاريخية معينة»، 

ولا معني للالتزام الحرفي بها، ويري أقطاب هذه الرؤية، أن الأمر يحتاج إلي مراجعة شاملة تتضمن التاريخ والحركة والفكر.. في التاريخ، يجب أن تتضمن المراجعة إعادة النظر في الأخطاء الكبري التي أقدمت عليها الجماعة ومؤسسها، وأهمها إنشاء النظام الخاص والأعمال الإرهابية التي قام بها، 

وكذا الصدام مع عبد الناصر ومسؤولية الجماعة عنه، ومشروعية عودة الجماعة في السبعينيات وطريقة اختيار المرشد وقتها، كذا الطريقة التي اتبعها رجال النظام الخاص في الاستحواذ علي القرار داخل الجماعة؛ مما دفع إلى إبعاد عدد كبير من قادة الجماعة التاريخيين، وأخيراً إهدار الفرصة التاريخية التي عرضها عليهم الرئيس السادات حينما طلب منهم إنشاء حزب. 

وفي الحركة، يجب أن تتضمن المراجعة، تحديداً دقيقاً وحاسماً للشكل التنظيمي الذي يجب أن تعمل الجماعة من خلاله، وهل هو شكل الجماعة الدعوية أم الحزب السياسي؛ فالشكل الأول ملك للأمة، وناصح أمين لها، ومعين علي اختياراتها، أما الثاني فمنافس للقوي الموجودة يجب عليه تبني برامج محددة حتي يتاح للأمة حسن تقييمه، ولا يجوز بالطبع الجمع بين الشكلين؛ حيث لا يمكن أن تكون داعياً ناصحاً وفي ذات الوقت منافساً سياسياً شريفاً.

وتتضمن المراجعة الفكرية، أفكار قادة الجماعة - بمن فيهم مؤسسها - حول قضايا المرأة والعمل الحزبي والمجتمع الجاهلي واستخدام القوة في التغيير، كذا مراجعة أفكار الجماعة حول المواطنة والتعددية والنظرة إلي السلطة الحاكمة، وقضايا قبول الآخر والديمقراطية والمرجعية الإسلامية، وهل ستكون دينية أم حضارية؟. 

مراجعة بلا ضفاف، يطالب بها تيار التجديد، وسعي لإعادة النظر في كثير من الثوابت الراسخة، وطموح إلى تنظيم جديد يواكب روح العصر، ويقتحم المناطق الحرجة المسكوت عنها، ولكن هل ينجح هذا التيار، بعدما حدث من صدمة في أوساط المتعاطفين قبل المتربصين، في فرض تصوراته. حتي كتابة هذه السطور، الوضع ما زال في صالح الحرس القديم.