من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: برنامج «الإخوان المسلمون».. قراءة في السياق العام
نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 29 أغسطس 2007
في تطور ملحوظ، قررت «جماعة الإخوان» جس نبض الشارع المصري عبر تسريب برنامجهم السياسي الجديد، دون إقرار رسمي له، اللهم إلا ما تناثر من تصريحات صحفية تؤكد أو تشير إلي أن ما طرح هو الرؤية العامة للبرنامج المزمع طرحه علي الرأي العام. وبغض النظر عن الدخول في تفاصيل تتعلق بنية الإخوان، أو هدفهم من هذا الأسلوب في الطرح لبرنامجهم السياسي العام، فما يهمنا هنا هو التعرض لما تسرب بشيء من التدقيق، تعميقاً لروح الحوار البناء، وإعمالاً لمبدأ حق القارئ في المعرفة .
وسوف يقتصر تناولنا البرنامج علي قسمين أساسيين، الأول: يتعلق بالمنهج العام الحاكم للبرنامج عبر مفهومي، مبادئ الشريعة والشوري، لدي الإخوان. والثاني: حول مفهوم الإخوان للدولة المدنية، والأمن القومي، والرؤية العامة للاقتصاد والمرأة، والقضايا الثقافية.
أولا ـ في المبادئ العامة:
بينما راح الإخوان يؤكدون في مفتتح برنامجهم الجديد، احترام الدستور، مطالبين بإعمال كل مواده، إلا أنهم سرعان ما وقعوا في تناقض واضح كعادتهم، عندما أهانوا الدستور إهانة صريحة، متجاهلين ما نصت عليه المادة الخامسة،من رفض شامل لقيام أي نشاط سياسي، ناهيك عن إقامة حزب، علي أساس ديني، حيث يؤكد الإخوان في البند الخامس المتعلق بالأسس والمنطلقات أن برنامجهم يحمل رؤية لتحقيق النهضة الشاملة، طبقا لمقاصد الشريعة الإسلامية، مشددين علي ضرورة إصلاح تلك الدولة القومية التي نشأت علي النسق الغربي، لتصير دولة إسلامية.
بوضوح ومنذ الوهلة الأولي لا يخفي الإخوان الهدف الرئيسي لبرنامجهم، وهو تأسيس دولة إسلامية وفق مفهومهم، إذ إن تلك الدولة القومية الموجودة في مصر، وفق تصورهم، لم تصل إلي مرحلة الاستقرار والنضج، نتيجة خضوعها للتغريب.
والتبعية والتجزئة والفساد والاستبداد والتخلف. ولا يكتفي الإخوان بذلك إنما يحاولون ربط كل من الحرية التي هي حق أصيل للإنسان، وكذا جميع بنود البرنامج، بشرط «الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية»، دون تحديد، بالطبع، لماهية تلك المبادئ.
ولأن خبرتنا مع الإخوان تؤكد إطلاقهم للعام وقصد الخاص، كما فعلوا في برنامجهم الجديد مع مقولة «احترام الدستور»، حيث تمحورت لديهم حول احترام المادة الثانية فقط، كما يفهمونها .
ولأن الشريعة غير الفقه، كما أن الدين غير التدين.. فالشريعة هي مجموع أحكام الله تعالي الثابتة عنه وعن نبيه، صلي الله عليه وسلم، التي تنظم أفعال الناس.. ومصدرها كتاب الله وسنة نبيه، صلي الله عليه وسلم.
أما الفقه فهو عمل الرجال في الشريعة، استخلاصاً لأحكامها وتفسيراً لنصوصها وقياساً علي تلك النصوص فيما لم يرد فيه نص، وطلباً للمصلحة فيما يعرض من أمور السياسة، فلا يجب الخلط كما يفعل الإخوان دائما بين الشريعة والفقه، وتلبيس كل منهما للآخر لخدمة أغراض الجماعة.
إذ إن مجال الاجتهاد في التشريع مجال واسع وكبير، فما لم تتناوله النصوص كثير بالقياس إلي ما تناولته،لذا فإننا ووفق هذا المفهوم، المقر من قبل مجمل علمائنا الأفاضل، لا محالة سنخضع لتفسير وآراء فقهاء الإخوان للشريعة، وهو ما أكدوه مرارا في برنامجهم عبر لغة شرطية واضحة تربط كل سلوك الحياة بالشريعة كما يفهمونها.
لذا فالإخوان مطالبون ودون الدخول في مناطق غائمة، بتوضيح مفاهيمهم لمقاصد الشريعة فيما يتعلق بقضايا الساعة، خاصة الشائكة منها، كالأقباط، والغرب، والمرأة، والفن، والموسيقي، وطبيعة السياسة الخارجية، في ظل مقاصد الشريعة كما يفهمها الإخوان.
وتأتي الكارثة الكبري عندما يخلط الإخوان في برنامجهم السياسي بين الشوري والديمقراطية، ويقررون، دون أدني معرفة بالتاريخ، أن نموذجهم المنشود هو نموذج الدولة في العصور الإسلامية، ودون الخوض في تفاصيل يعرفها دارسو التاريخ حول الدولة الإسلامية وممارساتها الداخلية، المحكومة بعصرها، وكيفية إدارة شؤون الحكم فيها إبان الدولة الأموية، أو العباسية، أو العثمانية، فإن الخلط الإخواني المتعمد بين مفهوم الشوري، بوصفه مفهوماً عاماً وفضفاضاً يحض علي فضيلة إعمال مبدأ الشوري في كل مناحي الحياة، فإن التفصيل في الدولة الحديثة يجب أن يتجنب هذا النوع من الخلط بين المفهومين، مراعاة للفارق الزمني والمكاني، من حيث نشأة وتطور المفهومين، وظروف البيئة الفارزة.
فالمشرع سبحانه عندما تعمد عدم النص صراحة علي نظام محدد المعالم والتفاصيل، ملزم، للحياة السياسية في الدولة الإسلامية كان إيذاناً منه سبحانه، بأن الاجتهاد المشروع في الإسلام، يشمل هذا الجزء من تنظيم الحياة الإسلامية، لذا ترك الأبواب مشرعة للمسلمين يختارون ما يصلح لهم بحسب أحوال كل عصر وظروف كل مكان. لذا فالأصل في السياسة الشرعية أننا ملزمون بأن نقيم نظام الحكم في كل عصر بما يحقق إرادة الأمة عن طريق الشوري.
وترجمتها إلي لغة العصر السياسية، تعني الديمقراطية الحديثة المأخوذ بها في جميع النظم الغربية، والتي يتحدث عنها الإخوان باعتبارها مشوهة ومنقوصة ولا تلائمنا. في الوقت الذي يؤكد فيه علماء أجلاء كالدكتور سليم العوا: «أن البشرية لم تعرف حتي اليوم نظاماً أفضل من النظام الديمقراطي».
وبالتالي فإن أي نظام تفصيلي لا يبقي ملزماً إلا بقدر اختيار الناس له، واقتناعهم بفائدته وشعورهم بجدواه. فإن هو عجز عن ذلك، كان للناس الحق في استبدال غيره به دون أن يكون هذا خروجاً علي الشريعة، أو مفهوم الإخوان عنها من قريب أو بعيد.. وإلي لقاء.