من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: حول «أكاذيب» المرشد العام للإخوان
نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 1 أغسطس 2007
لا شيء يضاهي متعة الاستماع الي مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين وهو يكذب، وأعترف أن جرعة المتعة هذه المرة كانت زائدة، فالرجل كان في أوج تألقه لدرجة جعلتني أتسمر لأكثر من ساعتين يوم السبت الماضي، أمام شاشة “الأوربت”، اتصلت بعدها بالإعلامي اللامع الصديق عمرو أديب لأهنئه بهذا السبق، وأشكر له صبره، وتحمله كل هذه الأكاذيب.
فالرجل وجماعته لا يطلبون الحكم، إنما المشاركة الرمزية، وهو ما أرادوه عندما قرروا الترشح للانتخابات النيابية، وهم ليس لديهم تمويل خاص، ولا شركات ولا متفرغون، وقد أسرف الرجل في وصف الحالة المالية للجماعة، وحالة التقشف التي يعيشها هو شخصياً، حتى كاد يقنعني بضرورة التبرع له وللجماعة، ونسي الشيخ أو تناسي أنه يتلقي بمفرده راتبا شهريا قدره (٢٥ ألف جنيه) كبدل تفرغ، وأن ميزانية التفرغ بلغت في العام ٢٠٠٦ (ستة ملايين جنيه) الغريب أن الرجل، وبالرغم من وجود مستشارين عن يمينه وعن شماله يلقنانه ماذا يقول (فالحديث مسجل) وقع في المحظور كعادته لأكثر من مرة.
الأولي: عندما تحدث عن علاقة الجماعة بأمريكا، فقد أنكر الرجل في البداية وجود أدنى علاقة بين جماعته والإدارة الأمريكية، ولكنه عاد ليؤكد أن علاقتهم تنحصر فقط بمراكز البحوث، والجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني، وبغض النظر عن علاقة تلك المؤسسات، وخاصة مراكز البحوث بصناع القرار في الإدارة الأمريكية، فقد نسي الرجل أن يحدثنا عن العراق، الذي يشارك فيه الإخوان أصدقاءهم الأمريكان الحكم منذ مجلس بريمر وحتي هذه اللحظة، إذ إن نائب الرئيس العراقي السيد طارق الهاشمي هو رئيس المكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي ـ إخوان العراق ـ والرجل لا يخفي علاقته الجيدة بالأمريكان وهو صاحب أطول اتصال مع الرئيس الأمريكي بوش (ثلاث ساعات كما جاء علي لسانه لمحطة العربية الفضائية)، لم يوضح لنا المرشد أيضا كيف وأين ومتي ولماذا تمت اللقاءات بين قادة الجماعة وعدد من سفراء الاتحاد الأوروبي بالقاهرة؟! في وقت كانت فيه التظاهرات الإخوانية تطالب بطرد سفراء أمريكا وإنجلترا من مصر، وقطع العلاقات مع الذين يطلقون الصواريخ من طائراتهم الشبح علي منازل العراقيين، لم تطاوع الرجل نفسه لكي يتحدث عن الوفود الإخوانية لدول الشر (أمريكا وانجلترا) وماهية الرسائل التي يرسلها إخوانه لقادة تلك الدول بوساطة صحفيين ومراسلين وباحثين أجانب معروفين بالاسم، الغريب أن مرشد الجماعة يعترف بأن أمريكا تستخدم الإخوان كفزاعة للنظام لكي يستجيب لمطالبها، دون أن يدرك أنه وجماعته بذلك يشاركون في تحميل الشعب المصري فاتورة باهظة، في لعبة القط والفأر بينهم وبين الحكومة، عندما يلعب الاثنان علي الحصان الأمريكي، الأغرب أن المرشد يؤكد وبسذاجته المعهودة، أن الإخوان ليسوا طلاب سلطة، وأنهم مستعدون للحوار وللوصول إلي تفاهمات، والأنكي أنهم لم يشاركوا في الانتخابات البرلمانية الماضية للفوز،
فإذا كان الأمر كذلك، وكانت كلفة تلك المشاركة يدفعها الشعب عندما يستخدم الأمريكيون الإخوان كفزاعة للنظام، لماذا لا يكف الإخوان عن هذه الألاعيب الصبيانية، إذا كانوا لا يريدون السلطة، ويتركون رجال السياسة ينافسون الحزب الوطني، ويدعمون هم المناسب منهم مجنبين مصر والمصريين ضغوطاً تفقدهم الاستقلالية في نهاية المطاف.
الثانية: عندما تحدث الرجل عن قضايا السياحة والأقباط وجاءت الإجابات صادمة، فكم من مرة حاول رجاله تحسين صورة الجماعة بحديث معسول عن القضيتين، إلا أن الرجل ومن حيث أراد «تكحيلها أعماها»، تساءل الرجل بسذاجة لافتة: لماذا لا نقيم أماكن خاصة للسياح يمارسون فيها أنشطتهم السياحية، دون أن يعتدوا علي تقاليد ديننا؟!
لا يعلم الرجل وهو يقول هذا الكلام أنه يضرب صناعة السياحة في مقتل، وأنه يؤكد أن دولة الإخوان لا تعرف السياحة ولا السياح، ويزيد الطين بلة عندما يتحدث عن الأقباط، وبوضوح يلغي الرجل كل ما حاول الإخوان تثبيته من مقولات خلال الشهور الماضية، فالشرع عند المرشد العام يمنع تولي القبطي منصب الرئاسة، أما الوزارة فيمكن دراسة الأمر، ربما يكون جائزا، إذ الرجل ليس بعالم شرعي ولا مفتي (كما قال).
الثالثة: وتأتي الطامة الكبري عندما يأتي الحديث عن إسرائيل ورؤية الإخوان للصراع العربي الإسرائيلي، وفجأة يتلبس الرجل روح «هتيفة التظاهرات»، ويقول بالحرف الواحد، إن إسرائيل ليس لها منا إلا خياران، الأول: أن يعيشوا بيننا كأفراد لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات (ربما كتلك التي سيتمتع بها الأقباط في ظل حكم الإخوان)، والثاني الحرب، ولكن عندما يسأل الرجل عن ميقات الحرب وكيفيتها، يقول: ليس أوان الحديث عن التفصيلات، ولكنها بالتأكيد لن تكون غداة وصولنا للسلطة! وفي هذه المرة نحن نصدقه، لأننا نعرف أن هذا الكلام للاستهلاك المحلي، وعندما تحين الساعة سيكون للإخوان تخريجات أخري.
وللحديث بقية.