الأحد 08 سبتمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: في الذكري العاشرة لصفقة وقف العنف.. أين حق المجتمع ؟!

نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 18 يوليو 2007

نشر
عبد الرحيم علي

أعرف أنني أسبح ضد التيار عندما أعود للكتابة في موضوع كنت قد آليت علي نفسي ـ بعد أكثر من عشرين عاما قضيتها في المتابعة والجدل حوله ـ ألا أقاربه مرة أخري، خاصة وقد اتهمني طرفا الموضوع ـ الجماعة الإسلامية وأجهزة الأمن ـ بأنني أعوق عملا كبيرا سوف يحقق الاستقرار الدائم لمصر، ويبعد عنها شبح الإرهاب الي الأبد. فعبر أكثر من عشر سنوات كتبت فيها عشرات الدراسات والمقالات والكتب في موضوع الجماعة الإسلامية ومراجعاتها، كان لابد من التوقف والتأمل والتقاط الأنفاس حتي أتيح للافتراضات أن تأخذ حقها من الوقت، قبل أن يثبت الزمن صحتها من خطئها، ولكنني فجأة لم أستطع الالتزام بما عاهدت نفسي عليه أمام ما قرأته مؤخرا علي لسان الدكتور ناجح إبراهيم، حول أهم نتائج المبادرة. كان الرجل يتحدث لموقع الجماعة علي شبكة الإنترنت بمناسبة مرور عشر سنوات علي المبادرة، وبعد أن ذكر أن السجون تم تفريغها من المعتقلين، وهو أمر حسن طالما نادينا به، وأثني علي تغيير المعاملة داخل السجون بعد تفعيل المبادرة ، أعلن بالحرف الواحد أنه: «لو لم تكن للمبادرة من ثمرة سوي الحفاظ علي حياة ١٢ أخاً محكوما عليهم بالإعدام.. وإنقاذهم من الكرب الشديد الذي كانوا يتعرضون له، وحقن دمائهم، وحفظ أرواحهم ـ باعتبارهم مسلمين أولا ً، ومن دعاة الإسلام والعاملين له ثانيا ـ لكفي بذلك ثمرة». 

ولا أعرف لماذا اقشعر بدني وأنا أسمع هذا الكلام، إذ هل يعقل أن تصل الصفقة بين الحكومة والجماعة الإسلامية إلي هذا الحد من الاستهانة بدماء وأرواح أكثر من ستين ضابطاً وجندياً بسيطاً، خرجوا في وقت تخاذل فيه الجميع ليحملوا وحدهم شرف الدفاع عن أمن مصر، سقط منهم من سقط وقتل من قتل، لن أتحدث عن فرج فودة، أو مئات المواطنين من الأقباط والمسلمين الذين سقطوا برصاص هؤلاء المحكوم عليهم بالإعدام، لن أتحدث حتي عن الرئيس مبارك والمحاولة الفاشلة لاغتياله في أديس أبابا والتي خطط لها وأشرف علي تنفيذها أحد هؤلاء المحكوم عليهم بالإعدام،

ولكني سأذكّر فقط بأسماء طاهرة قتلت في سبيل تأدية واجبها المقدس حفاظا علي أمن مصر، يأتي في مقدمتها اللواءات: رءوف خيرت، ورفعت أنور، ومحمد الشيمي وعبدالحميد غبارة وجمال فائق، والعمداء: شيرين فهمي، وممدوح عثمان، وعصام الزمزمي، والعقداء: مجدي فائق، وأحمد شعلان، إضافة إلي عشرات الضباط من الرتب الصغيرة والجنود البسطاء، والمواطنين العزل من الأقباط والمسلمين .

ماذا سنقول لأطفالهم الذين كبروا الآن، وربما بينهم من يحمل الآن السلاح دفاعا عن أرض مصر وترابها من الغادرين وهم كثر؟!

لقد تذكرت في تلك اللحظة ما دار بيني وبين الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد قبل أكثر من أربعة أعوام، قبيل تسجيل حلقة من حلقات برنامج «الحقيقة»، وبحضور الزميل الأستاذ وائل الإبراشي، سألني الأستاذ مكرم: 

ماذا يريد رجال يلبسون الرداء الأحمر «في إشارة للمحكوم عليهم بالإعدام من كوادر الجماعة الإسلامية» من إعلانهم الموافقة علي مبادرة وقف العنف؟! ووجدت نفسي أجيبه ببساطة وتلقائية شديدة: يريدون خلع الرداء الأحمر، فاستنكر الرجل جوابي وقال: هل تعتقد أن رجلا حكم عليه حكم نهائي بالإعدام في قضايا كهذه، يستطيع أيا من كان في مصر أن يجنبه إياه، 

قلت له: نعم ، وستضيع ساعتها العدالة من مصر، وستكون الدماء التي سفكت من ضباط وجنود بسطاء فهموا معني الوطن «خطأ»، أن يضحي الإنسان بحياته دفاعا عنه هباء. وتحداني الرجل أن يحدث هذا في يوم من الأيام، واحتد بنا النقاش، فترك الأستاذ مكرم الاستديو قبل بداية التسجيل، وفشلت كل محاولات الزميل وائل الإبراشي إقناعه بالعودة إليه. 

وأصارحكم القول إنني لم أكن وقتها متأكدا مما أقول بنسبة مائة بالمائة، ولكنه إحساس منحتني إياه خبرة سنين طويلة في التعامل مع الطرفين، خبرة امتدت لربع قرن في التعامل مع هذا الملف، والآن قد حانت ساعة الحقيقة وأعلنت الجماعة الإسلامية عما تم الاتفاق بشأنه بصدق تحسد عليه..

ماذا علينا أن نقول وماذا علي الذين روجوا للمبادرة أن يقولوا لكل ضحايا الإرهاب وأسرهم؟ خاصة بعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للشك، أن صفقة تسليم الهاربين تتم وفق ذات المنهج، ففي الحوار نفسه الذي أشرنا إليه يقول الأخ ناجح بالحرف الواحد: «لو تأملنا مثلاً موضوع الأخ عبد الحميد أبو عقرب، وتصورنا أن المبادرة لم تكن موجودة، لكان لهذا الأخ شأن آخر».

إننا أمام كارثة حقيقية، فقد واصلت الحكومة عبر أكثر من ثماني سنوات، نفيها وجود صفقة بينها وبين الجماعة الإسلامية، والآن وبعد أن ظهر جليا مفهوم الصفقة، هل يخبرنا أحد إلي أين تمضي قبل فوات الأوان، أم أننا خارج معادلة الطرفين؟!