الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الإخوان وأمريكا مؤسسة أمريكية تدعو للحوار مع الإخوان وتطلب تقديم كل المساعدات للجماعة

الأهالى 31/5/2006

نشر
عبد الرحيم علي


 خلص عدد من الباحثين بمؤسستي كارنيجي اندومينت للسلام الدولي وهيربرت كواندت شتفوتونج ، في دراسة مشتركة حملت عنوان المناطق الرمادية : الحركات الإسلامية والعملية الديمقراطية في العالم العربي ، الي أن سياسة المشاركة مع المنظمات الإسلامية، وبخاصة مع الأجنحة الإصلاحية، هي الخيار البناء الوحيد المتاح أمام المنظمات والحكومات التي تعتقد أن تنمية الديمقراطية في الشرق الأوسط هي في صالح الجميع . وبني الباحثون استنتاجهم الأخير والمهم - في آن - علي فرضيتين أساسيتين ، الأولي : تمثلت في عدم وجود إمكانية لتشجيع أي عملية للتحول الديمقراطي أو علي الأقل التحول الليبرالي، دون أن يحدث في نفس الوقت نفوذ متزايد للحركات الإسلامية ، وذلك في معظم الدول العربية . والثانية : أن المساعدات الديمقراطية سواء في شكلها المحايد فيما يتعلق بتدريب جميع الأحزاب السياسية، أو حتي في شكل التمويل المباشر للأحزاب العلمانية ومنظمات المجتمع المدني، لن تؤدي إلي تغيير هذه الحقيقة ، نظرا للضعف الشديد الذي تعاني منه تلك الأحزاب من جهة ، وانعدام شعبيتها في الشارع العربي من جهة أخري.
علي الرغم من إقرارهم بوجود عدد من المناطق الرمادية في فكر وإيديولوجية ومواقف الحركات الإسلامية لا يمكن إحداث تغيير جذري عليها في المدي المنظور ، وجزمهم بأن حسم هذه المسألة هو المحدد الأساسي الذي سيقرر ما إذا كان صعود تلك الحركات سيقود بلدان العالم العربي، في نهاية المطاف، إلي الديمقراطية أم إلي شكل جديد من النظم السلطوية ذات الطبيعة الإسلامية . وحدد الباحثون المناطق الرمادية بست مناطق أساسية هي : الموقف من الشريعة الإسلامية، والعنف، والتعددية ، والحقوق المدنية والسياسية، وحقوق المرأة، والأقليات الدينية .
وبغض النظر عن تحديد الباحثين للأسباب التي أدت إلي صعود تيار الإسلام السياسي في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، وهل هذه الأسباب ما زالت مستمرة من عدمه ، وهل يمكن اعتماد آلية التصويت في الأنتخابات البرلمانية عاملا وحيدا لحسم وقياس شعبية التنظيمات السياسية في ظل ضعف نسب التصويت في مجمل المنطقة العربية . 
نقول بغض النظر عن كل هذه العوامل التي سنتحدث عنها تفصيلا فيما بعد . فإننا نود أن نطرح عددا من الأسئلة نراها أكثر ارتباطا بالاستنتاجات التي توصل إليها الباحثون في نهاية دراستهم . وهي تلك المتعلقة بإمكان وجود صراع حقيقي بين جناحين في الحركات والأحزاب الإسلامية الكبري ؟ وما شكل ومدي هذا الصراع ؟ ومن الذي يمسك بكل خيوطه الفاعلة - إن وجد - ؟ وهل بالفعل مجرد حدوث انفراج ديمقراطي حقيقي في المجتمع يعزز من دور ذاك الجناح المسمي بالإصلاحي داخل تلك الحركات . هذه الأسئلة المهمة هي التي دعت معدي الدراسة - عبر الإجابة عنها بالإيجاب - الي التوصل الي استنتاجهم الذي أشرنا إليه آنفا .
ولنبدأ بالسؤال الأول : هل هناك صراع حقيقي بين جناحين في الحركات والأحزاب الإسلامية الكبري؟ وما شكل ومدي هذا الصراع ؟ ومن الذي يمسك بكل خيوطه الفاعلة - إن وجد - ؟
وسنأخذ هنا من جماعة الإخوان المسلمين - كبري الحركات الإسلامية في العالم العربي - نموذجا ، للتدليل علي وجهة نظرنا التي تختلف أو بالأحري تتناقض مع رؤية معدي الدراسة بشكل شامل . 
نعم هناك اختلاف ولكن نتيجته الفصل : 
كيف تتعامل الاتجاهات المختلفة داخل حركة الإخوان مع التاريخ السياسي والفكري للجماعة؟ وكيف يحللون ويقيمون ما تعرضوا له من اضطهاد ومحن وما وجه إليهم من انتقادات؟! المسألة ليست اجتهادا شخصيا بطبيعة الحال، لكنها تعبير عن موقف سياسي وفكري شامل.
الحرس القديم ممثلا في رؤية مصطفي مشهور و مأمون الهضيبي و مهدي عاكف يري الأمر في إطار الابتلاء القدري، ولا مفر من الرضا به والتسليم بتبعاته، ولا يفكرون في مراجعة مسبباته ولا يبدون أي استعداد لممارسة النقد الذاتي وتصحيح المسار.
الحملات الأمنية العنيفة عندهم: ابتلاء لم يتوقف منذ الأربعينيات.
والسبيل الوحيد للمواجهة بعيد تماما عن المنهج العلمي القائم علي دراسة الفعل والفعل المضاد ونتائجهما نحن نحاول زرع الصبر علي الابتلاء في قلوب الإخوة، مؤمنين بأن النصر قادم لا محالة لأننا علي الحق.
ولأنهما ينطلقان من إيمان يقيني لا تعرفه الممارسة السياسية، فإن المشاكل التي تعرض لها الإخوان ليست إلا مقدمة للنصر الحتمي الذي لا يتكئ علي معطي مادي: طريقنا صحيح مائة في المائة؛ لأننا اقتبسناه من سيرة الرسول (صلي الله عليه وسلم)، ونحن أهل للقيادة؛ لأننا تعرضنا لمحن عديدة وصمدنا وحافظنا علي الجماعة فلم تنهر؛ بل اتسعت دائرتها في جميع أنحاء العالم، ونحن الآن نعد القاعدة المؤمنة الصلبة القائمة علي الجلد والصمود استعدادًا لوقت تتحسن فيه الظروف .
الخلط قائم بين المعاناة الذاتية التي تتطلب الصبر والجلد والصمود، وبين الموقف السياسي الذي يتجاوز الأفراد وقدراتهم علي التضحية والتحمل.
تاريخ له قداسة !!
وفي هذا السياق، يبدو منطقيا أن يكون تاريخ الإخوان نقيا صافيا بلا أخطاء أو شوائب، وأن تختفي فكرة المراجعة وإعادة النظر في الثوابت والمرتكزات القديمة. عندما يتطرق الحديث إلي أعمال العنف التاريخية التي قام بها الإخوان، وبخاصة عمليتَا الاغتيال اللتان استهدفتا - في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين - كلا من محمود فهمي النقراشي والخازندار، تأتي الإجابة دفاعية تبريرية: هذه الحوادث حدثت والجماعة غير موجودة تنظيمياً، فقد تم حلها واعتقال قيادييها وأغلب كوادرها قبل تنفيذ هذه العمليات، وجاءت هذه الأحداث تعبيرا عن غضب يموج داخل أوساط الجماعة، ولكن عبر اجتهاد فردي، وقد أعلن الأستاذ البنا وقتها أنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين .
بمثل هذا المنطق يمكن الدفاع عن كل الأخطاء المنسوبة إلي الإخوان، ويكتسب التاريخ الإخواني قداسة لا تعرفها السياسة، والجمود الفكري والتنظيمي هو المحصلة الحتمية للتفكير الدفاعي المحافظ، فلا مبرر لإعادة النظر أو التغيير أو التطوير.
مراجعة شاملة
فهل قدم أحد من الرموز المحسوبة علي تيار الإصلاحيين رؤية بديلة عن رؤية الحرس القديم، نعم قدمها المهندس أبوالعلا ماضي، فهو يري أن الأمر يحتاج إلي مراجعة شاملة تتضمن التاريخ والحركة والفكر.
1- المراجعة التاريخية: تتضمن دراسة الأخطاء الكبري وأهمها إنشاء النظام الخاص والأعمال الإرهابية التي قام بها، وكذا الصدام مع عبد الناصر ومسئولية الجماعة عنه، ومشروعية عودة الجماعة في السبعينيات وطريقة اختيار المرشد وقتها، كذا الطريقة التي اتبعها رجال النظام الخاص في الاستحواذ علي القرار داخل الجماعة؛ مما دفع إلي إبعاد عدد كبير من قادة الجماعة التاريخيين، وأخيرا إهدار الفرصة التاريخية التي عرضها عليهم الرئيس السادات حينما طلب منهم إنشاء حزب ورفضوا. 
2- المراجعة الحركية: تتضمن تحديدا دقيقا وحاسما للشكل التنظيمي الذي يجب أن تعمل الجماعة من خلاله، وهل هو شكل الجماعة الدعوية أم الحزب السياسي؛ فالشكل الأول ملك للأمة، وناصح أمين لها، ومعين علي اختياراتها، أما الثاني فمنافس للقوي الموجودة يجب عليه تبني برامج محددة حتي يتاح للأمة حسن تقييمه، ولا يجوز بالطبع الجمع بين الشكلين؛ حيث لا يمكن أن تكون داعياً ناصحاً وفي ذات الوقت منافساً سياسيا شريفا، هذا بالإضافة إلي إعادة النظر فيما يطلق عليه التنظيم الدولي، وحجم الضرر العائد من ورائه، والذي يفوق حجم النفع بكثير.  3- المراجعة الفكرية: تشمل مراجعة أفكار قادة الجماعة - بمن فيهم مؤسسها - حول قضايا المرأة والعمل الحزبي والمجتمع الجاهلي واستخدام القوة في التغيير، كذا مراجعة أفكار الجماعة حول المواطنة والتعددية والنظرة إلي السلطة الحاكمة، وقضايا قبول الآخر والديمقراطية والمرجعية الإسلامية، وهل ستكون دينية أم حضارية؟. 
مراجعة بلا ضفاف، ومطالبة بإعادة النظر في كثير من الثوابت الراسخة، وطموح إلي تنظيم جديد يواكب روح العصر، ويقتحم المناطق الحرجة المسكوت عنها ، فماذا قدم الحرس القديم ردا علي هذه الرؤية، قاموا بفصل المهندس أبوالعلا ماضي من جميع الأطر التنظيمية للجماعة ، ثم قاموا بتوجيه عدة إتهامات له طالت سمعته السياسية والمالية ، ثم صدر في النهاية تحذير عام بمنع التعامل معه واصفين إياه بنعوت أقل ما توصف به أنها خارجة عن لياقة الخلاف بين أي أجنحة داخل أي تنظيم سياسي يحترم نفسه أو تاريخه . الغريب أن لم يحظ بتعاطف أي قيادة ممن كانت توصف حتي وقت قريب من الإطاحة به بالإصلاحية .
لقد ضربت تجربة أبو العلا ماضي بقوة أي محاولة كان من الممكن أن يفكر فيها أي جناح إصلاحي أو غير إصلاحي للتحرك خارج سياق التفكير السائد داخل الأطر التنظيمية للجماعة . لقد سيطر جناح وفلسفة الحرس القديم علي كل مقاليد السلطة داخل الجماعة وكان نتيجة الخلاف مع هذا المنهج - سواء تم في العلن أو السر - هو الفصل من الجماعة ، وليست تجارب مختار نوح ، وثروت الخرباوي، وعصام سلطان ..وآخرين كثيرين ببعيدة عن مسمع ومرأي الرأي العام المصري بجميع تبايناته الفكرية والسياسية.
السمع والطاعة
لقد لخص أبوالعلا ماضي - أحد أهم قادة جماعة الإخوان السابقين - أزمة الجماعة بالقول : كنا نجمع الناس من كل مكان، وهم يوظفونهم في عمليات تجنيد، تبدو في الظاهر لصالح التنظيم، ولكنها في واقع الأمر كانت تصب في خانة الانتماء لهم كأشخاص علي خلفية مبدأ السمع والطاعة .
لقد أثبتت أزمة حزب الوسط وفصل أبوالعلا ماضي من الجماعة ومن بعده مختار نوح أن كل أوراق اللعبة داخل الإخوان - كبري الحركات الإسلامية في المنطقة - في أيدي مجموعة صغيرة يشكلون الجناح المسيطر والأقوي بلا منازع داخل الجماعة ، وهم من قال عنهم ماضي بأنهم كانوا يوظفون جميع الشباب الذين يقوم بتجنيدهم جيل السبعينيات من خلال الجامعة أو من خلال العمل في النقابات في مشروعهم الداخلي، حتي نجحوا في تكوين وبناء تنظيم أشبه بالتنظيمات العسكرية ، يقوم علي مبدأ واحد لا ثاني له وهو مبدأ السمع والطاعة.
ونأتي إلي فرضية أخري بني عليها معدو الدراسة استنتاجهم الأخير وهي أن حدوث انفراج ديمقراطي حقيقي في المجتمع دائما ما يعزز من دور ذاك الجناح المسمي بالإصلاحي داخل تلك الحركات. 
المتابع للتفاعلات الجارية داخل حركة الإخوان المسلمين في كل من مصر والأردن - علي سبيل المثال - لا بد أن يرصد مدي تنامي نفوذ ودور الجناح التقليدي المحافظ علي حساب - ما يمكن تسميته تجاوزا - بالجناح الإصلاحي كلما حدث تطور نحو مزيد من المشاركة والديمقراطية في المجتمع. فمن منا لا يرصد تنامي دور كل من محمد حبيب نائب مرشد الجماعة في مصر ، وخيرت الشاطر، ومحمود عزت، في الفترة الأخيرة.
توزيع أدوار
وسواء سلمنا جدلا بمفهوم التناقض أو قل الخلاف بين الجناحين أو لم نسلم.. فالشواهد تؤكد تنامي دور الجناح التقليدي كلما تمت مكتسبات علي الأرض بإتجاه الإصلاح والديمقراطية . فإذا أضفنا الي ما قلناه أن ما يحدث علي الأرض - بعيدا عن تشنج المصطلحات والإصطلاحات المتشحة بمسوح المنهج العلمي - ومن خلال اعترافات قادة خرجوا حديثا ، لا يخرج عن كونه لعبة لتوزيع الأدوار بين رجال يواجهون أجهزة الإعلام والرأي العام بمصطلحات ورؤي تبدو ملائمة لهما مثل عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان في مصر ، ورجال توكل لهم عمليات التربية الداخلية القائمة علي الصرامة تجاه الآخر والرفض لكل ما يخالف رؤي وإتجاهات الجماعة بوصفها المعبر الوحيد عن الإسلام ، كالشيخ محمد عبد الله الخطيب والدكتور محمد حبيب والدكتور محمود عزت . 
رجال يملكون كل خيوط اللعبة من طاعة عمياء من قبل جميع أعضاء الجماعة باختلاف إنتماءاتهم العمرية والجغرافية والثقافية .بالإضافة الي جميع الخيوط الخاصة بالتنظيم ، والتمويل والعلاقات الخارجية ، ورجال لا يملكون شيئا سوي ما يرسم لهم من أدوار يؤدونها طوعا أو كرها في الإعلام لصالح تحسين صورة الجماعة أمام الرأي العام . إن هذا السياق لا يمكن أن يؤدي بنا الي مفهوم تياري الإصلاح والتقليد الذي تقول به الدراسة والذي بنيت علي أساسه جميع إستنتاجاتها .
أسباب الصعود
ونعود الي الأسئلة التي طرحناها في بداية حديثنا والتي دارت حول الأسباب التي تقف وراء صعود تيار التطرف الديني في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، وهل ما زالت مستمرة من عدمه ؟ . خاصة أن الدراسة لم توضح تلك الأسباب مكتفية بتقرير واقع حال أن الأحزاب والحركات الإسلامية حلت محل الحركات والأحزاب العلمانية والقومية والإشتراكية بداية من سبعينيات القرن الماضي . ونعتقد بأن الوقوف علي تلك الأسباب كفيل بالإجابة عن إستمرارية ذاك الصعود من عدمه. فقد مثل الصراع -بين النظامين المصري والسعودي علي قيادة المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي -واحدا- من أهم تلك الأسباب . فعندما تم حسم هذا الصراع لصالح النظام السعودي بعد حرب أكتوبر وبداية حقبة النفط الأولي ، بدأت تلك الحركات المنتمية للفكر الوهابي في الإنتشار كالنار في الهشيم في ربوع المنطقة ككل . وقد تزامن مع هذا المد للفكر الوهابي والهيمنة السعودية .. رغبة من الرئيس السادات في الإحتماء بهذه الجماعات في مواجهة خصومه من اليساريين ، وعندما التقت الإرادتان كان هذا عاملا قويا ساهم في انتشار هذه الجماعات ودعم قوتها في مجمل بلدان الوطن العربي .
والسؤال هل هذا الوضع ما زال موجودا ، أزعم أن العكس تماما هو المسيطر الآن فقد أصبحت جميع الأنظمة وفي مقدمتها النظامان المصري والسعودي ينظران بعين الريبة والرفض - في آن - الي تلك الحركات ، ويسعيان بكل ما أوتيا من جهد للقضاء عليها . وهو ما ساهم - علي الرغم مما ترصده الدراسة - في تقليص نفوذ تلك الحركات الي حد كبير ، فلولا سحب تلك الأنظمة - وبخاصة النظام السعودي - للدعم المقدم منها لتلك الحركات لكانت قاب قوسين أو أدني من السلطة إن لم يكن قد وصلت إلي الحكم في تلك البلدان أصلا .
وبالتالي فإن استمرار عدم الدعم من قبل تلك الأنظمة لهذه الحركات كفيل بإضعافها علي المستوي المنظور . فإذا أثير هنا ما اعتمدت عليه الدراسة من أرقام خاصة بصناديق الإنتخاب ، فإن معدي الدراسة لم يذكروا أن 23% من الذين لهم حق التصويت في مصر هم الذين خرجوا للإدلاء باصواتهم في الإنتخابات البرلمانية الماضية ، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء صوتوا بشكل احتجاجي علي فساد وعدم طهارة عدد من رموز الحكم . وإذا أعتمدنا هذه الأرقام فنحن بإزاء أغلبية صامتة قوامها 77% من إجمالي الناخبين لا يوجد من بينهم من ينتسب الي جماعة الإخوان المسلمين - لأنهم جميع ا خرجوا للتصويت يوم الإنتخاب - وهذه النسبة كفيلة بقلب كل الموازين في أية إنتخابات قادمة إذا أحسن التعامل معها من قبل قوي سياسية وليدة وشابة ، كحركة كفاية ، والتجمع الوطني من أجل التغيير ، وحزب الكرامة ، والإشتراكيين الثوريين ، وعدد من الرموز الليبرالية المختلفة . وهو ما لم يحسب حسابه أحد حتي الآن .
ومن هنا فإن التسرع بالقول أن المساعدات الديمقراطية سواء في شكلها المحايد فيما يتعلق بتدريب جميع الأحزاب السياسية، أو حتي في شكل التمويل المباشر للأحزاب العلمانية ومنظمات المجتمع المدني، لن تؤد إلي تغيير حقيقة صعود الحركات الإسلامية وتمددها ، قول يجافي الحقيقة في أبسط صورها ، ويقضي علي أي أمل في انتصار ممكن لقوي المجتمع الحية المؤمنة حقا بالديمقراطية والحقوق المدنية والتعددية السياسية وحقوق المرأة والأقليات ، دون الوقوع في شرك المناطق الرمادية أو القاتمة . 
ملاحظات ثانوية :
أولا : العنف بين القيم والإجراءات : لقد جزم الباحثون بإبتعاد جميع الحركات التي شملتها الدراسة عن العنف ، ولكنهم لم يقولوا لنا ، هل يدخل تأييد تلك الحركات للعنف عبر نشر وتأييد الأفكار التي تحض علي كراهية الآخر ، واعتباره غير مستحق لحياة كريمة ، وعدم التفرقة بين مقاومة العسكريين المغتصبين للأرض والمعتدين علي العرض ، وضرب المدنيين خارج نطاق الصراع ضمن أطر العنف أم لا؟. وإذا لم يكن ما يفعله هؤلاء هو العنف في جانبه القيمي علي الأقل فبما يمكن أن نسميه.
ثانيا: لم أفهم ما المقصود بانقسام تلك الحركات - في وقت من الأوقات - بين قلة تمارس العنف وكثرة تسعي لتكوين شبكات لحشد الدعم الشعبي ، وهل يخلط الباحثون - وهم خبراء في مجالهم - بين تنظيمات كالإخوان مثلا وجماعة الجهاد أو الجماعة الإسلامية المصرية . أم يخلطون بين جبهة الإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر !!. 
ثالثا: المؤسسة الدينية في مصر : لقد خلط الباحثون بشكل واضح بين المؤسسة الدينية في مصر ممثلة في الأزهر الشريف وبين هيئة العلماء المخترقة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وعدد من التنظيمات الإسلامية المتشددة ، كما خلطوا بين تأثير وجود تيار الإسلام السياسي في مجلس الشعب وفي الحياة العامة للمصريين ودور المؤسسة الدينية التي يستدعيها هذا التيار في محاولة لإحراجها ، وخلص من هذا الخلط بالتأكيد علي تنامي دور المؤسسة الدينية الرسمية في الحياة السياسية المصرية بشكل عام ، وهو ما تنفيه وقائع الحياة في مصر .
رابعا : في خلط واضح بين الأهداف الإستراتيجية والأهداف المرحلية ، حاولت الدراسة إيهامنا بوجود تجاذب ما بين ما أسمته بالأهداف القديمة الخاصة بتلك الحركات وفي مقدمتها (الدولة الإسلامية) والأهداف الجديدة المعنية بالتواجد كطرف نافذ في نظام سياسي تعددي ، ونسيت أو تناست أن الهدف الأخير هو هدف مرحلي يخدم الهدف الأول (الأساسي ضمن منظومة أهداف تلك الحركات) .
خامسا: نفس طريقة المعالجة السابقة دعت الدراسة الي افتراض وجود تناقض بين الخطابين الدعوي والسياسي لتلك الحركات ، مطالبة بحل هذا التناقض عبر إزالة العقبات أمام أحدهما (السياسي) في مواجهة الآخر (الدعوي أو التبشيري بلغة الدراسة) . ولم يدرك الباحثون أن هذه الحركات تنظر إلي هذا التناقض علي أنه تكامل من خلال رؤيتها وفهمها للإسلام التي تنطلق من كونه (دين ودولة) . الأمر الذي يعني أنهما هنا يمثلان وجهان لعملة واحدة ، لا يمكن الفصل بينهما عبر تذليل العقبات أمام أحدهما لصالح الآخر ، كما تقترح الدراسة .
أخيرا: أن المناطق الضبابية الست التي أشارت إليها الدراسة وهي : الموقف من الشريعة الإسلامية، والعنف، والتعددية ، والحقوق المدنية والسياسية، وحقوق المرأة، والأقليات الدينية . لا يمكن حسمها لا بشكل كلي ولا بشكل جزئي ، لصالح تقدم تلك المجتمعات سواء علي المدي المنظور أو علي المدي الطويل ، لأن حسما علي هذا المستوي الذي أشارت إليه الدراسة يعني أننا سنكون أمام حركات أخري قد يطلق عليها أية تسميات غير مسمي الحركات الإسلامية . إن تغيير أو تبديل جذري يطرأ علي موقف الحركات الإسلامية من تلك القضايا سيقلبها الي حركات ليبرالية عادية كتلك التي أشارت إليها الدراسة ، فهو تفريغ لهذه الحركات من محتواها وتوجهها الحقيقي لن يحدث إلا باختفاء تلك الحركات نفسها . وبالتالي فنحن بحاجة الي دعم جاد وقوي وفعال ليس للأجنحة الإصلاحية (غير الموجودة ) داخل تلك الحركات ، وإنما لمؤسسات المجتمع المدني بجميع أشكالها وصورها ( أحزاب وجمعيات ، ومنظمات ) في مواجهة ذلك الغول المتغول المسمي بالحركات الإسلامية ، هذا إذا أردنا خيرا لهذه المجتمعات ولمجمل المجتمع الإنساني . فمن جهة نحن ندفع تلك الحركات الي إحداث أكبر عملية تغيير في بناها الفكرية والحركية ، ومن جهة أخري نحن نشد عضد القوي الحية في المجتمع حتي تنهض تلك المجتمعات بسواعد مجمل أبنائها وليس بسواعد البعض دون الآخرين