الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

كيف ولدت ظاهرة الزرقاوى؟!

جريدة الأهالى الأربعاء 14 يونيو 2006 العدد 1282

نشر
عبد الرحيم علي

 
• عمل لصالح الحرس الثورى وخدع السنّة ودمر العراق لثلاث سنوات
• اختلف مع بن لادن فى أفغانستان وعاد وبايعه فى 2004

لعل المرة الأولى التى سمع فيها العالم باسم أبو مصعب الزرقاوى عندما نطق به"كولن باول"وزير خارجية أمريكا السابق وهو يدلى بخطابه الشهير أمام مجلس الأمن الدولى فى الخامس من فبراير عام 2003، فى محاولة لإقناع العالم بضرورة الانضمام للتحالف الأمريكى الذى سيخوض الحرب ضد العراق. 
وأحمد فضيل نزال الخلايلة، الشهير"بأبو مصعب الزرقاوي"من مواليد"حى معصوم"بمركز الزرقاء الأردنى فى 20 أكتوبر من عام 1966. نشأ الزرقاوى فى ظروف معيشية صعبة، حيث يعمل الأب مختاراً لبلدية المدينة، ويعجز عن تلبية متطلبات الحياة لأسرة مكونة من أحد عشر فرداً"ثلاثة منهم من الذكور وسبع من الإناث". 
فى المرحلة الثانوية وبسبب تدنى مستوى الزرقاوى التعليمى، تم توجيهه من قبل إدارة المدرسة للالتحاق بمدرسة مهنية. عمل بعدها فى بلدية المدينة لمدة ستة أشهر ثم ترك العمل بسبب مشاكله الدائمة مع زملائه. 
الفتوة
خرج الزرقاوى الشاب ليرتمى فى أحضان العالم السفلى للمدينة، حيث اشتهر كواحد من زعرات (فتوات) الحى الذين يتخذون من مقبرة الزرقاء وعالمها الخفى مرتعاً لهم ومنطلقاً لنشاطاتهم الإجرامية. 
وفى أواسط الثمانينيات، ظهرت علامات تدين مفاجئ على الفتى احمد، كانت تلك العلامات متزامنة مع ظهور تيار جديد من الجماعات الإسلامية السلفية المتطرفة. 
وفى عام 1989 اختير الزرقاوى ليلتحق بالجهاد الأفغانى، عن طريق فرع مكتب خدمات المجاهدين فى الأردن - الذى كان يديره آنذاك الشيخ"عبد المجيد المجالي".. 
على الرغم من وصول الزرقاوى متأخرا إلى أفغانستان، وعدم مشاركته فعلياً فى المعارك الطاحنة التى دارت هناك.. إلا أن مرحلة الجهاد الأفغانى أضافت الكثير إلى تجاربه. 
فقد اكتسب هناك مبادئ وأصول الفكر السلفى على أيدى أشخاص متمرسين، ساهموا بشكل مباشر فى تعميق التزامه بما سمى بالتيار الجهادى، وتأهيله لما تتطلبه مهام الجهاد لدى تلك الجماعات.
الأردن مرة أخرى
عاد الزرقاوى الى الأردن مرة أخرى فى منتصف عام 1993 ليبدأ مرحلة جديدة من مسيرته بدأت بنشر أفكار الجهاديين فى أرجاء البلاد، بالتعاون مع شيخه"أبو محمد المقدسي". حيث كونا معاً التنظيم الذى عرف فيما بعد باسم"بيعة الإمام".
وبعد عام واحد من نشاط التنظيم، وفى 29 مارس 1994 اعتقلت السلطات الأردنية الزرقاوى والمقدسى ضمن آخرين.. وحكم عليهما بالسجن خمسة عشر عاماً. إلا أنه أفرج عنه عام 1999 بموجب عفو ملكى عام أصدره الملك عبد الله الثانى بمناسبة توليه العرش، على الرغم من اعتراض أجهزة الأمن آنذاك، باعتبار أن هذا القرار يمكن أن يشكل خطراً على أمن المملكة. 
قاعدة بن لادن
غادر الزرقاوى المملكة بعد ستة أشهر من قرار العفو الملكى متوجها الى أفغانستان. وحل ضيفا على أحد بيوت الضيافة التابعة لتنظيم القاعدة، ثم التحق ب"معسكر الفاروق" التابع لها أيضا. ولكن السؤال ظل يتردد: هل كان ينوى الزرقاوى الانضمام إلى بن لادن وتنظيمه فى أفغانستان؟ إن كل المؤشرات التى جاءت بعد ذلك تفيد بعكس ذلك.
التقى الزرقاوى فى المعسكر بعدد من رفاقه من الأردنيين والفلسطينيين والسوريين الذين كانوا أعضاء فى تنظيم "جند الشام"، الذى يعتبر الزرقاوى أحد زعمائه، وكانوا قد أتوا من بلدانهم للعمل مع بن لادن. لم تكن للزرقاوى -حتى ذلك التاريخ - أى أهمية خاصة فى أوساط المقاتلين العرب فى أفغانستان حتى إنه لم يلتق ب بن لادن فى تلك الفترة. والاتصال الوحيد الذى جرى بينه وبين القاعدة كان عن طريق كل من"أبو زبيدة"، أحد مساعدى بن لادن والقائد العسكرى للقاعدة فى كابول، و"سيف العدل"المسئول الأول عن الجهاز العسكرى والأمنى للقاعدة.
خلافات
سرعان ما دبت الخلافات بين الزرقاوى وعدد من رفاقه وبين بعض المسئولين عن المعسكر، والتى أدت فيما بعد إلى مغادرة الزرقاوى ورفاقه"معسكر الفاروق"وإنشاء معسكر آخر بمنطقة"هيرات"الشيعية غربى أفغانستان بدعم من حركة طالبان.
كان الخلاف يدور - وفق ما أعلن فيما بعد - حول التنافس التقليدى الذى شهدته ساحات الجهاد الأفغانى بين المقاتلين من ذوى الأصول الشامية وبين المصريين والسعوديين والخليجيين الملتفين حول أسامة بن لادن، إلا أنه -وكالعادة- تم إلباسه ثوب الشرع. كالخلاف حول أولويات الجهاد والعدو القريب والعدو البعيد. 
لم تفلح لقاءات أجراها كل من أبو زبيدة ومن بعده سيف العدل مع الزرقاوى فى إقناع الأخير بإعلان البيعة ل بن لادن ولا فى حل الخلافات الأساسية سواء ما كان منها متعلقا بقضايا عقدية أو ما تعلق منها بمواقف عملية، تعلقت بكيفية إدارة الجهاد بالنسبة ل بن لادن ومساعده الأول أيمن الظواهرى. وهو ما وضح من بيان إعلان الزرقاوى مبايعته ل بن لادن -فيما بعد - فى أكتوبر من عام 2004، عندما أكد أن مباحثات جرت بينه وبين بن لادن استغرقت ثمانية أشهر حتى وصلوا الى هذا الالتفاق. 
البحث عن الاستقلال
بدأ الزرقاوى العمل سريعا فى بناء معسكره الجديد الذى وافقت عليه حركة طالبان، وذلك بمساعدة المجموعة التى رافقته وتلك التى التحقت به فيما بعد، وأبرزهم السورى سليمان خالد درويش المعروف باسم (أبو الغادية). حيث أقاموا المعسكر فى قاعدة عسكرية قديمة للجيش الأفغانى على مشارف هيرات وأعدوا برامج التدريب العسكرى وأقاموا شبكة الاتصالات اللازمة للعمل، والتى تتيح لهم طلب العون بكل أشكاله وبخاصة التمويل، الذى بدأ يتدفق عليهم من جهات عديدة أهمها السوريون المتواجدون فى أوربا.
لم يمض وقت طويل حتى تمكن الزرقاوى من خلال قتاله لشيعة"هيرات"من إقناع طالبان بأهميته، وهو الأمر الذى مكنه من توسيع معسكره وترسيخ مشروعه الخاص فى أفغانستان. 
إلا أن الظروف لم تساعده على إكمال مشروعه الاستقلالى، فقد باغتت أمريكا أفغانستان بهجوم فى الثانى عشر من أكتوبر عام 2001، على أثر ضربة سبتمبر الشهيرة. وكان من نتيجة هذا الهجوم هروب العديد من المجموعات من أفغانستان، ومنها مجموعة الزرقاوى.
جذور علاقة
استخدم الزرقاوى فى الوصول إلى العراق الأراضى الإيرانية، التى وصلها بصحبة أكثر من خمسمائة مقاتل عربى، حيث مكثوا ما يقرب من شهرين فى منازل مؤمنة تابعة للحرس الثورى الإيرانى على الحدود مع العراق، انتقلوا بعدها -فى فبراير 2002 - إلى الأراضى التى تسيطر عليها جماعة"أنصار الإسلام"الأصولية الكردية، وبدأ المقاتلون العرب ومعهم قادة الجماعة فى التسلل إلى بغداد والمدن السنية العراقية، كان فى مقدمة هؤلاء جماعة"جند الشام"التى كان يقودها آنذاك أبومصعب الزرقاوى. ولكن بعد انضمام عدد من قادة تنظيم الجهاد المصرى إلى الزرقاوى أطلق على جماعته الجديدة مسمي"التوحيد والجهاد". وقد انتشر هؤلاء المقاتلون فى البداية فى المدن التى كانت تخضع لنفوذ عدد من قادة وأنصار نظام صدام حسين، خاصة ضباط الحرس الجمهورى، والمخابرات العامة. وبعد سقوط بغداد فى مارس من عام 2003 بدأ الزرقاوى فى العمل مع عدد من قادة النظام السابق فى تخطيط عمليات المقاومة ضد الأمريكان. لكنه فى أكتوبر من عام 2004 بايع بن لادن بشكل علنى منضويا تحت لواء تنظيم القاعدة، وأطلق عليه بن لادن مسمى أمير التنظيم فى بلاد الرافدين