من أرشيف عبد الرحيم علي
بعد تصريحات عاكف وإعلان الظواهري .. أين تذهب الأمور داخل مصر؟
الشرق الأوسط 10-8-2007
حدثان مهمان مرشحان للمساهمة في قلب الأوضاع داخل مصر، لصالح صحوة سياسية تبحث في مستقبل التيارات الإسلامية ودورها على الساحة المصرية على ضوء هذين الحدثين.
الحدث الأبرز كان إعلان أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عن انضمام عدد من قيادات الجماعة الإسلامية في مصر الى تنظيمه، وهو ما أثار هلعا شديدا في أوساط كل من الحكومة المصرية، وما سمي القادة التاريخيين للجماعة. فقد سارع الجميع وفي نفس واحد وعبر حملة إعلامية مكثفة إلى نفي إعلان الظواهري السابق الإشارة إليه واتهامه علانية بالكذب. وفي رأيي فإن الإسراع الى النفي ليس هو الوسيلة المثلى للتعامل مع ما قاله الظواهري، لأن ما حدث يعتبر تحولا جديدا ومهما وجديرا بالدراسة لا النفي. لماذا؟ لأن معظم من ذكرهم الظواهري في إعلانه قادة تاريخيون لهم ثقلهم داخل الجماعة، وهم منذ اللحظة الأولى أعلنوا خلافهم لما يطرحه القادة التاريخيون. ووصل البعض منهم الى اتهام القادة التاريخيين بالخيانة. ففي رسالته الشهيرة التي نشرها موقع المحروسة الذي يشرف عليه المسؤول الإعلامي السابق للجماعة «أسامة رشدي»، قال محمد شوقي الإسلامبولي، شقيق قاتل الرئيس السادات وأحد أهم قادة الجماعة على الإطلاق:
«لا يحق لاخوة السجن ـ مع تقديري لمكانتهم ـ أن يتخذوا مثل تلك القرارات المهمة في تاريخ الجماعة الإسلامية ـ التراجعات الفكرية، وما ينشر من تصريحات تخالف أفكار الجماعة المتفق عليها ـ من دون مشورة من إخوانهم بالخارج ومن دون موافقة من الدكتور عمر عبد الرحمن أمير الجماعة الإسلامية».
وأضاف «بناءً عليه، أقول وأنا مطمئن ان التصريحات التي أدلت بها قيادة السجن، تعبر عن أصحابها، ولا تعبر عن الجماعة الإسلامية، ولا عن كامل قيادتها لأنهم يمثلون جزءًا من القيادة. ثم أردف الرجل «إنه لم يجر الاتفاق على اختيار بديل للشيخ عمر عبد الرحمن، وما نشر في هذا الصدد، لا يعكس رأيا رسميا للجماعة»، بما يعني عدم شرعية قيادة كرم زهدي الحالية للتنظيم.
واختتم الإسلامبولي رسالته بالقول «إنني أتشرف أن أكون أحد أبناء الجماعة الإسلامية، التي قدمت الشهداء تلو الشهداء في مصر وأفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك.. فداء لدين الله ودفاعا عن الحرمات والأعراض وجهادا لطواغيت العصر، ويشرفني أن يكون أخي هو خالد الإسلامبولي قاتل طاغية مصر. وأن القول بأن قتل السادات كان خطأ، هو خيانة لله وللرسول وللأمة.
ولم يكن للأمانة محمد الإسلامبولي وحده الذي انفرد بهذا الرأي، فقد سبقه إليه عبد الآخر حماد مفتي الجماعة ومفكرها، وواضع أهم واكثر وثائقها شهرة على الإطلاق في مقالين الأول بعنوان «مراجعات حول المراجعات» حاول فيه إثبات أن القضية الأساسية التي بنت عليها القيادة التاريخية للجماعة مراجعاتهم، والمتعلقة بعدم كفر الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، إلا أن يرد حكم الله بأن يقول إن حكم الله لا يصلح. وشدد حماد على أن هذا القول باطل لا سند له من كتاب أو سنة أو إجماع، وفيه تلبيس وخلط كبير. فالتشريع من دون الله كفر أكبر مخرج من الملة
ثم ختم بالقول «ومن يرجع إلى كتب الجماعة وأبحاثها القديمة، فإنه سيجد عشرات الأدلة والنصوص الشرعية على بطلان هذا القول (الجديد) ورد الشبهات المتعلقة به».
وكان قد سبق حماد مفتي الجماعة الآخر «محمد مختار مصطفى المقرئ»، ففي كتابه «حكم قتل المدنيين» أدان الرجل الصلح مع الحكام المرتدين، بعد أن أثبت ردة الحكم في مصر، وعدد كبير من الدول العربية من وجهة نظره».
وجاء بعدهم طارق العطيفي شقيق ماجد العطيفي، أحد أبرز قادة الجماعة الإسلامية، الذي قتل في عام 1995، وهو يسير في أحد أهم شوارع القاهرة، والذي بسببه اندلعت المواجهة بين الجماعة والدولة، قال العطيفي: «لقد كانت المبادرة كالفخ الذي بدأ بعده مسلسل التنازلات، التي بدأت بوقف الأعمال العسكرية من جانب واحد، إلى أن وصلت إلى دمغ كل الأعمال بالخطأ والاعتذار عنها أمام الشعب المصري وأمام أفراد الجماعة».
ورفض العطيفي المبادرة وندد بالقائمين عليها. ذلك كان هو الحال إبان إصدار المبادرة، وما بعدها بسنوات، فقد اعترض عليها من مجلس الشورى رئيس المجلس آنذاك «رفاعي طه»، وأمين الإعلام «أسامة رشدي»، وأيضا كل من مصطفى حمزة، وعبد الآخر حماد، والمقرئ.
باختصار كافة أعضاء مجلس شورى الجماعة بالخارج. حتى عمر عبد الرحمن نفسه، عارض سلسلة تصحيح المفاهيم ورفض التوقيع عليها فتمت تنحيته، في خطوة غير مسبوقة من التنظيم، وتم تولية كرم زهدي مكانه. كل هذا تم التعتيم عليه إعلاميا، في محاولة لإنجاح مبادرة القادة التاريخيين، التي نعترف وبرغم ما لنا من ملاحظات حول سلسلة «تصحيح المفاهيم»، أنها كانت ولم تزل الحدث الأبرز في تاريخ العنف في مصر. ولكن بعد أن أعلن الظواهري ومعه محمد خليل الحكايمة أحد قادة الجماعة (رغم نفي زهدي المفتعل) انضمام محمد شوقي الإسلامبولي للقاعدة، علينا أن نأخذ الأمور بجدية أكثر، ولا نقلل من شأن الحدث. لماذا؟ لأن الخطورة تكمن في التفاعلات الممكن حدوثها من قبل كوادر وأعضاء الجماعة البالغ عددهم خمسة وثلاثين ألف شاب، سبق لهم حمل السلاح والخروج على الدولة ومنحوا وعودا كثيرة لم يتحقق شيئا منها حتى الآن. أضف الى هذا الوضع الإقليمي المشتعل واحتمال تبني عدد ليس بالقليل من كوادر وأعضاء الجماعة الإسلامية، الذين خرجوا لتوهم من السجون والمعترضين على هذا الواقع، في فلسطين ولبنان والعراق، للعنف مرة أخرى.
المسألة الثانية تتعلق باندفاع الحكومة المصرية نحو قرار السماح لرئيس الجماعة بالظهور العلني، والتحدث باسمها وكأنها كيان شرعي موجود، وليس تنظيما حل نفسه كما أوهمونا من قبل، عن هذا السلوك، سيكون له تبعاته في المستقبل، خاصة ونفس الحكومة تنكر على طول الخط شرعية جماعة أخرى كالإخوان وتصفها بـ«المحظورة». إن التعامل بالقطعة مع هذا الملف، يكلفنا الكثير بل والكثير جدا في المستقبل المنظور. وما حدث في شبه جزيرة سيناء ليس ببعيد!
الإخوان وجيشهم الجرار:
ونأتي الى القضية الأخرى، التي لا تقل خطورة عن سابقتها. فقد صرح المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أنه على استعداد لإرسال عشرة آلاف متطوع للبنان، وعندما سئل الرجل عن جاهزيتهم قال بالحرف الواحد «إنهم لا يقلون مهارة وتدريبا واستعدادا عن مقاتلي حزب الله». والسؤال: فيما كانت الجماعة تعد كل هؤلاء المقاتلين، وضد من كانت تجهزهم، وفي أي أرض تم تدريبهم، وعلى أي أنواع من الأسلحة، وأين كانت الدولة المصرية إبان راح مرشد الجماعة يدرب هؤلاء المقاتلين، ويعدهم ليصلوا الى كفاءة مقاتلي حزب الله؟!
كل هذه الأسئلة وغيرها كثيرة، قد تقلب ـ الإجابة عنها ـ الأوضاع داخل مصر، لصالح مرحلة مهمة من الانتباه والحذر لمستقبل دولة هي رمانة الميزان في الشرق الأوسط.
إن الخطورة في كلام وتصريحات المرشد، تنبع من الإشارة الى ماضوية تلك الجاهزية لمقاتليه ـ إذ أن أحداث لبنان لم يمض عليها سوى أسابيع، بينما يحتاج تدريب هؤلاء الى سنوات ـ بما يعني ان هؤلاء الشباب كانوا يعدون في إطار صراع محتمل مع الداخل أكثر منه مع الخارج، وهنا تكمن الخطورة.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد