من أرشيف عبد الرحيم علي
إدارة «حماس» للأزمة: بين التماثل اللبناني.. والتداخل الإقليمي
الشرق الأوسط 13-7-2007
يدخل الاجتياح الإسرائيلى لقطاع غزة، الذي بدأ أولى عملياته فجر الثامن والعشرين من شهر يونيو الماضى، أسبوعه الثالث، وسط دعوات دولية وعربية بوقف الاجتياح وبدأ مفاوضات سياسية حول الجندى الإسرائيلى المأسور. وفي الوقت الذي يصر فيه قادة حماس وفي مقدمتهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة، على أن السبيل الوحيد لحل الأزمة، هو قبول إسرائيل بمبدأ مبادلة الجندي الإسرائيلي بأسرى فلسطينيين. أعلنت قيادة الجيش الاسرائيلي، الاثنين الماضي، عن الانتهاء من إعداد خطة لعدوان ثالث على قطاع غزة، قالت إنه سيكون أقسى بكثير من سابقيه وسيصيب الفلسطينيين بالذهول والصدمة.
وإزاء هذا الموقف المتدهور على الساحة الفلسطينية، يثار السؤال: من أي الزوايا تنطلق حماس في إدارتها للأزمة؟! وما الذي يمكن أن تحققه من وراء أسر الجندي الإسرائيلي؟
وبداية علينا الإعتراف بأن معظم طوائف وفئات الشعب الفلسطيني، تقف مع فكرة الاحتفاظ بالأسير الإسرائيلي، انطلاقا من أن هذا هو الباب الرئيسي للولوج لقضية تحرير الأسرى الفلسطينيين. ولكن هل تكمن القضية في قناعة الشعب الفلسطيني بهذه البدهية، أم فيمن خدعهم بها، لقد دللت حماس على فرضيتها السابقة، بما حدث مع حزب الله في الجنوب اللبناني في يناير من عام 2004، عندما نجح الحزب في إتمام أكبر عملية لتبادل الأسرى في تاريخه، بعد استدراج العقيد الإسرائيلي (إلحنان تننباوم) وأسره في لبنان.
ولكن هل أوضح هؤلاء الفروق الجلية بين الواقع اللبناني والواقع الفلسطيني أم سقطوا في شرك التماثل، لقد تميز الواقع اللبناني عن الواقع الفلسطيني بعدة عوامل أساسية سهلت من إتمام الصفقة:
1 ـ عامل الوقت: الذي لم يكن أبدا من عوامل الضغط على الشعب أو الحكومة اللبنانية، أو حتى مقاتلي وقادة حزب الله، على عكس ما يحدث في غزة الآن، إذ أن كل يوم يمر يفت في عضد الفلسطينيين ويساعد على إلحاق اليأس بهم.
2 ـ عامل الجغرافيا: الذي لم يكن ضاغطا أبدا على مسؤولي حزب الله بقدر ما يحدث مع الفلسطينيين، الذين يقومون بنقل الجندي الإسرائيلي المأسور، ربما عدة مرات في اليوم الواحد حتى يمكن حمايته، ليس فقط من الوقوع في أيدي من يريدون تحريره، ولكن من الوقوع في أيدي من يريدون قتله من الإسرائيليين لإنهاء تلك الأزمة.
3 ـ لم يكن بإمكان الجيش الإسرائيلي وفقا لاتفاق آيار 2000 الإقدام على اجتياح لبنان مرة أخرى، على عكس الوضع في غزة. ففي الحالة اللبنانية كان العدو الإسرائيلي قد وقع اتفاقا دوليا يقضي فيه بالفعل بإنهاء احتلاله للأراضي اللبنانية، ولم يبق سوى مزارع شبعا.
4 ـ العامل الأخير هو ما يتعلق بتآكل ما تطلق عليه إسرائيل «قوة الردع» بينها وبين الفلسطينيين، ففى الحالة اللبنانية قد تقبل إسرائيل مؤقتا بمفهوم تآكل قوة الردع، ولكنها وفقا لمفهوم الأمن القومي لديها، لن تتخلى عن هذه الفكرة بسهولة تجاه الفلسطينيين. كل هذه العوامل تدعو الى التشكيك ـ على الأقل ـ في رؤية القائمين على إدارة الأزمة، انطلاقا من انتفاء مبدأ المماثلة بين الوضعين اللبناني والفلسطيني، وبالتالي الحاجة الملحة إلى المغايرة في الوسائل والأهداف وطريقة إدارة الصراع على الأرض، فليس كل ما يقوم به حزب إسلامي في مكان يصلح لنظيره في مكان آخر.
«حماس» التفرد بإدارة الأزمة:
وإذا تركنا عوامل التماثل بين الوضعين اللبناني والفلسطيني جانبا، ودخلنا الى عمق إدارة الأزمة، نجد حماس تصر وبشدة على الإنفراد بإدارة الأزمة منذ اللحظة الأولى، اعتقادا منها بأن أي نجاح يمكن تحقيقه يجب ألا ينسب الى أي جهة سواها. فهو طوق النجاة الأخير بالنسبة لها بعدما حدث طوال الشهور الستة الأخيرة، التي تلت وصولها الى الحكم. فقد رفضت حماس وبشدة الدعوات التي أطلقتها عدد من الفصائل بشأن تشكيل «خلية أزمة»، كما رفضت قبول وعدا من الرئيس المصري بالإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل الإفراج أولا عن الجندي الإسرائيلي، وربطت عملية الإفراج بالتزامن مع إطلاق الجندي الأسير. مع أن إرساء وترسيخ مبدأ المبادلة هو الأساس وليس التزامن أو عدد الأسرى.
وهو ما دفع بالأزمة إلى ذروتها خلال الأسبوعين الأخيرين، في مشهد لا يخلو من تداخلات عديدة لعدد من القوى الإقليمية التي تعتمد حماس عليها بشكل أساسي في إدارة الأزمة.
أولويات غائبة:
ولكن هل كان تصرف حماس، الذي يلقي بالمناسبة استحسانا فلسطينيا وعربيا ـ حتى الآن ـ يمثل أولوية فلسطينية واضحة. لقد أعقب عملية أسر الجندي الإسرائيلي بثمان وأربعين ساعة، توصل الفلسطينيين لأول مرة منذ بدأ الحوار الفلسطيني في غزة عام 1997 الى اتفاق هو الأول من نوعه. يضمن وحدة القرار السياسي والعسكري الفلسطيني، بعد تجاذب دام ما يقرب من عشرين عاما (منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987) كما ضمن الاتفاق ـ الأول من نوعه ـ وحدة الهدف والأساليب النضالية المستخدمة في الوصول إليه. وكان لا بد لحماس ـ إذا كانت حريصة على الوحدة الفلسطينية ـ أن تنتبه، أن هذا الاتفاق هو الأسمى على الاطلاق منذ عهود، وأن نجاحه يكمن في وضع آليات تنفيذه العملية على أرض الواقع، وليس الانشغال بقضية، تعلم حماس ومن يشجعها أنها لن تحقق على الأقل ما تصبو إليه الحركة، أو ما يتطلع إليه الفلسطينيون. وأن الشيء الوحيد الذي يستحق العناء هو تفعيل ما تم التوصل إليه من اتفاق تاريخي بين الفصائل الفلسطينية المختلفة في السابع والعشرين من شهر يونيو الماضي.
لقد ارتعبت إسرائيل لوصول الفلسطينيون أخيرا الى هذا الاتفاق، ولكن حماس فتحت أمامهم أبواب النجاة مرة أخرى بطريقتها في إدارة أزمة الجندي المأسور.
وماذا بعد؟
صحيح أن الإسرائيليين سيخسرون في هذه الأزمة، كما سيخسر الفلسطينيون وبالأخص منهم حركة حماس. فإسرائيل لأول مرة تراهن على خطة من صنعها، بل الأكثر من هذا، أن هناك حزبا كاملا (كاديما صاحب الأغليبة في الكنيست)، قام بالأساس على هذا البرنامج
(فك الارتباط الأحادي الجانب). ولكن هل نجحت خطة كاديما، بعد عملية أسر الجندي، ان كل الأصوات الآن في إسرائيل تدين هذه الخطة، الأمر الذي يمكن أن يدفع في النهاية الى إمكانية الذهاب الى انتخابات مبكرة في إسرائيل وضرب خطة الانسحاب الإسرائيلي من غزة في مقتل. واستعادة الوجود الإسرائيلي في غزة من جديد. نعم هذه خسارة لإسرائيل ولكاديما، ولكنها خسارة أكبر للفلسطينيين. على الصعيد الآخر وبدلا من تفعيل الاتفاق التاريخي ـ كما أشرنا ـ بين الفلسطينيين نحن أمام فرقة جديدة، لا تشمل الفصائل الفلسطينية وحسب. ولكن قد تمتد أسهمها لتصيب حماس من الداخل.
إن الأزمة في أوج تطورها، وتحتاج الى وساطة عربية حقيقية تقودها مصر، ليس لأنها أكبر دولة عربية، ولكن بحكم الارتباط القائم بينها وبين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة، وبحكم تأثيرات ما يحدث في غزة على الأمن القومي المصري، وبحكم علاقات مصر القوية بكافة الفصائل لفلسطينية. ولكن لا بد للوساطة المصرية من دعم سوري، سعودي، قطري وإيراني. إذا أردنا لهذه الأزمة أن تنتهي. وإلا فعلى الواقع الفلسطيني الموحد.. السلام