من أرشيف عبد الرحيم علي
إلى دعاة السلاح.. هل من جواب !
الشرق الأوسط 28-7-2006
فيما تقوم آلة الحرب النازية الإسرائيلية بتوجيه أبشع تدمير على الشعبين اللبناني والفلسطيني، راحت آلة الدعاية الإيرانية تشيع التحريض فى مشارق الأرض ومغاربها لاستهداف كافة الضمائر الحية التى أشارت منذ اللحظة الأولى للدور الإيرانى فى توريط الأمة العربية ممثلة في الشعبين اللبناني والفلسطيني في معركة أقل ما يقال عنها أنها جاءت في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ.
سؤال:
لم يقف أحد من هؤلاء الذين انغمسوا في تلك الحملة الايرانية، ليسألوا أنفسهم: أين النظام في إيران وسوريا الآن من تلك المذابح التي تجري على الأرض هناك في فلسطين ولبنان؟ ولماذا لم يتقدم أحد النظامين بمساعدات (لن أقول قوات أو أسلحة) بشكل علني الى الشعبين اللبناني والفلسطيني في مواجهة عدوان النازيين الجدد في إسرائيل؟ ولماذا اكتفى قادة البلدين بشجب تلك المذابح مثلهم مثل الذين يهاجمونهم من قادة البلدان العربية الأخرى؟ لماذا لم يسع النظام في سورية حتى الآن الى إشعال الجولان تحت أقدام الإسرائيليين (وهي أرض عربية محتلة) في محاولة لتخفيف العبء عن الفلسطينيين واللبنانيين ؟ لماذا لم تطلق إيران صاروخا واحدا (بعيد المدى) من أراضيها على إسرائيل، أو تبعث بسرب من طائراتها يحمي سماء بيروت من نيران النازية الإسرائيلية؟ لماذا وقف الرئيس الإيراني أمام الصحفيين ليعلن أن إيران لن تتدخل في الصراع الدائر على الأرض اللبنانية، ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تم استهداف سورية ؟ ثم ألا ينطبق على كلام نجاد السابق مقولة الشاعر العربي الكبير محمود درويش: «في كل مأذنة حاو ومغتصب .. يدعو لأندلس إن حوصرت حلب».
ثم ماذا تريد هذه الأبواق الإيرانية من الدول العربية، أن تقوم مثلا بشن حرب مباغتة على إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والعالم ؟ وماذا بعد شن تلك الحرب ؟ هل ينزل هؤلاء عن عروشهم الإعلامية ليمسكوا بالبندقية فى مواجهة العدوان ؟ وإن كان الأمر كذلك فلماذا لم يرسلوا أبناءهم وأخواتهم الى لبنان وفلسطين، ولماذا لم نسمع عن شهيد واحد قدمته إحدى عائلات هؤلاء المغاوير ؟ لماذا لم نشاهدهم مرة متلبسين بحمل السلاح ضد العدو ؟ وماذا لو أبرمت سوريا أو إيران إتفاقا يحل مشكلاتهم العالقة مع أمريكا ؟ هل يمكن ساعتها أن نسمع لهؤلاء صوتا يندد بتلك الاتفاقات ( وهى قريبة الحدوث ) .
أسئلة عديدة ليس آخرها ما يتعلق برغبتنا في سماع تعليقا منهم عما تقوم به الآن كل من مصر والعربية السعودية من مجهودات في محاولة لوقف العدوان الغاشم على الشعبين اللبناني والفلسطينى؟ وكيف يقيمون تصرف العاهل السعودي الملك عبد الله الذي رصد مليار دولار وديعة تحول دون انهيار اللبناني، ونصف مليار دولار أخرى كنواة لصندوق عربي من أجل إعادة إعمار لبنان. ثم أين هي تلك الأموال الطيبة «النقية» التي أعلن عنها السيد حسن نصرالله ولماذا لا يتم وضعها الآن في صندوق خاص بالشعب والدولة اللبنانية، أم أن الأمر كله متوقف على ما ستسفر عنه تلك الحرب.
وماذا سيحدث لحزب الله ، حتى يمكن رسم إستراتيجية تلك الأموال بدقة في مرحلة الإعمار، وهل الأمر بهذه الصورة فيه أي ترجيح للمصلحة الوطنية؟ ثم لماذا لم نسمع أن هؤلاء المغاوير وجهوا سؤالا لإيران حول موقفها الغامض من الاعتداء على لبنان؟ ولماذا لا يطالبونها وفورا بوضع ضعف ما وضعته العربية السعودية من أموال (على الأقل) في صندوق دولي يهدف الى إعادة إعمار لبنان بغض النظر عن نتائج الحرب ، سواء جاءت مع أو ضد مصالح حزب الله ضمن المعادلة اللبنانية .
فاتورة الحرب من يدفعها؟ لقد زجت إيران بحزب الله ولبنان في أتون تلك المعركة ، وسوف تدفع الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ومصر فاتورة تلك الحرب وستقوم مجتمعة بإعادة إعمار لبنان، نعم فلن تكرر الدول العربية أخطاءها في العراق، عندما تركتها ساحة سهلة للتوغل الإيراني البغيض، تحت ضغط وإتهامات المغاوير اياهم لكل من يمد يد العون للعراقيين بالعمالة لأمريكا. والغريب أن يقوم هؤلاء المغاوير بشتم مصر والسعودية وإدانة موقفهما، ويصمتون تجاه الموقفين السوري والإيراني، والأغرب سكوتهم المطلق على الموقف القطري. فأمامهم دولة تعي لإحداث «فوضى خلاقة» من خلال قناة ، في الوقت الذي تستضيف على أراضيها أكبر قواعد العدو الأمريكي. التي منها ترسل أسلحة الدمار الشامل الى العراق وإسرائيل ليقتل بها أبناؤنا هناك. ولكن هل سمعنا نقدا واحدا موجها الى تلك الدولة أو عبر قناتها الرسمية ، هل سمعنا سوى مديح دائما يثير الريبة والإستهجان .
لم يدهشني أكثر من موقف هؤلاء المغاوير سوى موقف السيد حسن نصرالله ، ففي الوقت الذي صعدت فيه إسرائيل من عملياتها البربرية ضد الشعب اللبناني وحصدت المئات من أرواح الأبرياء ورفعت سقف أهدافها المعلنة من وراء الحرب الى استهداف، ليس حزب الله وسلاحه فقط وإنما لبنان بأكمله، ونصبت نفسها بديلا عن الأمم المتحدة لتطبيق القرار الدولي 1559. الحقيقة كنت أنتظر ومعي ملايين المشاهدين في الوطن العربي بماذا سيرد زعيم حزب الله على هذا التصعيد في العمليات والأهداف الإسرائيلية، ولكنني أعترف أن المفاجأة عقدت لساني حينما سمعت القائد والزعيم والسيد يحصر أهداف الحزب والمقاومة في الإفراج عن الأسير اللبناني المناضل سمير قنطار! ما هذا السخف، كل ما حل بلبنان وشعبه وكل هذا الخراب وتلك الأرواح المزهوقة من أجل رجل واحد ، أيا كان تقديرنا لهذا الرجل وتاريخه ، أليس هذا إحباطا يضاف الى إحباطنا من قرار السيد بالمغامرة بأسر الجنديين في هذا التوقيت.
وأتساءل: لماذا لم يرفع حسن نصرالله سقف أهدافه بعد بدايات الحرب، الى تغريم إسرائيل ـ على الأقل ـ ما خسره لبنان من جراء هذا العدوان السافر ، بل وإجبارها على القبول بمبدأ التغريم، وكذا تعويض أسر الضحايا، بدلا من الحديث عن الأموال الطيبة . لماذا لم يتحدث نصرالله عن مزارع شبعا، وترك العدو الأمريكي والغربي يتحدث عن حل شامل للأزمة يشمل عودة مزارع شبعا وتحرير الأسرى ، وتسليم الجنوب الى الجيش اللبناني. هل لأن حزب الله يعلم أن حديثه عن تحرير مزارع شبعا بالمفاوضات وتسليم الأسرى ، ووجود الجيش اللبناني على الحدود سينهي عمليا من دوره كوكيل إيراني في المنطقة، وسيحصر هذا الدور في إطار «حزب سياسي فاعل على الساحة اللبنانية» شأنه شأن تيار المستقبل أو تحالف الرابع عشر من آذار. أم أن السيد بالفعل اختلطت عليه استراتيجيات الحرب وهو في مخبئه السري لدرجة أعتقد معها أن دمار بلد مقابل عودة أسير هو عين النصر. سؤال ينتظر إجابة من مغاوير السيد وأعوانه.
.
!