السبت 23 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

نعم.. «الإخوان المسلمون» تنظيم سري

الشرق الأوسط الاثنين 5-6-2006 العدد 10051

نشر
عبد الرحيم علي


ثارت ثائرة جماعة «الإخوان المسلمون» «المحظورة»، عندما وصفهم الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء المصري في ذلك التوقيت، بالتنظيم السري. وطالب عدد من النواب المستقلين، المحسوبين على الجماعة والمتعاطفين معها، رئيس الوزراء وحكومته باعتذار رسمي.
والسؤال، هل كان الدكتور نظيف يجافي الحقيقة عندما وصف الجماعة بأنها تنظيم سري؟ وإذا كان البعض يعتبر الإخوان تنظيما علنيا، فلماذا ينكر قادتهم وكوادرهم ومحاموهم، في كافة التحقيقات التي أجريت معهم، انتماءهم للجماعة؟ ثم ما هي محددات التنظيم العلني وفقا للدستور والقوانين المعمول بها في البلاد؟ وماذا يحدث إذا ألقينا كل هذه الأطر القانونية الحاكمة جانبا، وقررنا علنية أو شرعية إحدى الجماعات لمجرد نجاح عدد من النواب «المستقلين» المحسوبين عليها في الفوز بنسبة قد تزيد أو تنقص من مقاعد البرلمان؟.
تلك أسئلة مهمة الإجابة عليها، تحسم كثيرا من الأمور، خاصة ما يتعلق منها باحترامنا، كنخبة ومثقفين وقوى سياسية، للدستور والقانون.
فمن المعروف أن الشرعية القانونية «سياسية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية»، تكتسب عبر ثلاث طرق أساسية، تمر جميعها من خلال القانون. الأولى إنشاء حزب سياسي طبقا لقانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977، والثانية إنشاء جمعية أهلية طبقا لقانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002، والثالثة إنشاء شركة تجارية طبقا لقانون الشركات رقم 159 لسنة 1981، والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 1998.
والإخوان، كما هو معروف، ليسوا حزبا ولا جمعية ولا شركة، وهم يصرون على التواجد كهيئة جامعة، ولا يريدون توفيق أوضاعهم وفق القانون، لاعتقادهم الراسخ أن الجماعة ينبغي أن تبقى كما أراد لها الإمام المؤسس «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية». ولذلك فقد أقاموا دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا منذ السبعينات يطالبون فيها بعودة الجماعة، على الرغم من علمهم بتغيير الدستور مرتين عامي 1956، 1971.
وهم ـ وهذا الكلام لا يخفى على أحد من أعضاء الجماعة ـ يفعلون ذلك عن عمد، فهم لا يريدون أن يكونوا مؤسسة علنية بأي حال من الأحوال، ويكادون أن يكونوا التنظيم الوحيد الذي استفاد من هذا الوضع طوال أكثر من ثلث قرن. فجميع الهيئات السياسية والاجتماعية المصرية تخضع لعدد من الموجبات الأساسية طبقا للدستور والقوانين المعمول بها في البلاد، أهمها:
1 ـ عدم التمييز بين أعضائها بسبب الجنس أو الدين.
والجماعة بنت فلسفتها الأساسية على عدم قبول عضوية غير المسلمين بين صفوفها، الأمر الذي سوف يمثل لها حرجا كبيرا إن هي خرجت للعلن، وتمت مطالبتها بالالتزام بالأطر القانونية المنظمة للحياة السياسية والحزبية في مصر.
2 ـ القانون يمنع أي حزب سياسي من أن تكون له امتدادات خارجية. والجماعة تعترف بأنها تنظيم دولي، رأسه في مصر وجسده منتشر في جميع أنحاء العالم، والأنكى أن النظام العام للجماعة لا يشترط «الجنسية المصرية» فيمن يتولى منصب المرشد العام، وهو المنصب الذي يتمتع بحقوق لا يتمتع بها إلا «خليفة المسلمين» في عصور قوة الدولة الإسلامية وهيمنتها. وهذا الأمر بالطبع لن تستطيع الجماعة التخلي عنه أو التفريط فيه، إذ أنه بمثابة روح الجماعة التي إن نزعت منها ماتت.
3 ـ يفرض القانون على كل هيئة، نوعا من الرقابة على التمويل ولا يسمح لها بتلقي أموال من الخارج إلا بعد موافقة من أجهزة الدولة المختصة.
وتمويل جماعة الإخوان بالكامل، قائم على التبرعات الخارجية من بعض الدول، ومليارديرات الجماعة في الخارج، وهو ما يسمح بتخطي الجماعة كل الحدود في عمليات الإنفاق على جيش من المتفرغين سياسيا، بالإضافة الى الحملات الانتخابية المتنوعة.
4 ـ يقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بمراجعة شاملة «سنويا» لكافة ميزانيات الأحزاب والجمعيات. والجماعة لا تخضع لأي إشراف من أي نوع من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات. الأمر الذي يجعلها تتمتع بمساحة كبيرة من الغموض فيما يتعلق بميزانيتها السنوية وطرق إنفاقها، هذا الملف الذي لا يعرفه سوى عدد قليل ممن يوصفون بأهل الثقة في الجماعة، وبعضهم ليسوا من المشاهير.
5 ـ يلزم القانون كافة الأحزاب والجمعيات والشركات بإعلان أسماء أعضائها ومؤسسيها، وتشكيلاتهم المختلفة فى كافة المناطق.
ولا أحد منا يستطيع الزعم بأن الجماعة أعلنت عن أسماء المنتسبين إليها فى يوم من الأيام، أو أنه هو شخصيا يعلم شيئا عن هذا الموضوع الذي تعتبره الجماعة قدس الأقداس. باختصار، فإن جماعة الإخوان، ووفقا لما هي عليه الآن، بإرادتها الحرة، ليست سوى طائرة شبح لا تظهر على أي رادار من رادارات القوانين المصرية، فكيف يمكن اعتبارها إذن قوة علنية؟ وبأي مقاييس؟ وهل يمكن إقرار مبدأ منح الشرعية القانونية لأي فئة أو جماعة، لمجرد نجاح عدد من منتسبيها في الحصول على عضوية البرلمان؟ وماذا يمكن أن نجني كمصريين في المستقبل إذا مررنا سابقة خطيرة بهذا المعنى؟
ولا يتوقف أحد هنا ليحتج بأن الدولة لن توافق لهم على إنشاء حزب سياسي، لأن العبرة هنا برغبة الجماعة، وليس بموافقة الدولة من عدمها، إذ أن الجماعة لا ترغب ولا تسعى للحصول على مثل هذا الحزب بالفعل، لأن رخصة حزبية قانونية، لا ـ فقط ـ تفرض على الجماعة عددا من التبعات القانونية التي تحدثنا عنها من قبل، إنما الأخطر أنها تفرض على قادتها، ما لا يمكن أن يرضوا به على الإطلاق، وهو حل الجماعة.
إذ لا موجب أن تعيش الجماعة برأسين: هيئة دينية مخالفة للقانون، وحزب سياسي.
الطريق إلى الشرعية :
أزعم أن ما أزعج قادة الجماعة في تصريحات الدكتور نظيف ليس وصفهم بالتنظيم السري، فهم يعلمون أنهم جماعة سرية، ولا حتى ما يتعلق بمقولة «مصر دولة علمانية»، فهم يعلمون قبل غيرهم أن ما قصده رئيس الوزراء هو أن مصر «دولة مدنية» تحترم الدستور والقانون وتقوم على مبدأ المواطنة، وتسعى الى إعمال مبادئ الديمقراطية فى الحكم.
كما أنهم يعلمون ـ ولديهم تجربة عميقة في هذا الموضوع ـ أن بعض التصريحات التى تكون على الهواء، غالبا ما تأتي مبتسرة وغير معبرة في أغلب الأحوال عما يريده المتحدث بدقة، وهي خلاف الكتابة تماما. وهو نفس ما أشار إليه مرشدهم العام عندما واجهه البعض بمقولته الشهيرة عن مصر، وأظن أن الكيل بمكيالين، إن صح مع الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى، لا يجوز مع جماعة تقول بأنها هيئة إسلامية معنية بنشر الأخلاق الحميدة.
وأعتقد أن ما أثار حفيظة الجماعة بالفعل، هو ما تعلق بإعلان الدكتور نظيف عن ضرورة تحديد «ماهية المرشح المستقل» قبيل الانتخابات القادمة، حتى لا ينخدع المجتمع مرة أخرى.
وقد نختلف أو نتفق مع الدكتور نظيف في بعض، أو كل ما قاله، ولكننا بالفعل أمام حالة من الغش الجماعي ـ إذا جاز التعبير ـ لا يمكن تمريرها مرة أخرى، فإذا أراد أحد أن يتقدم باسم جماعة ما، وهو يثق في شرعيتها وعلنيتها، عليه أن يتقدم باسمها وأن يوقع استمارة الترشيح بوصفه عضوا في هذه الجماعة أو تلك. لا أن يخدع المجتمع ويتحايل على القانون، ثم نفاجأ به ـ وفي أول يوم له داخل البرلمان ـ يقسم على احترام الدستور والقانون، الذي تحايل عليه منذ أيام معدودة.
إن هذا الأسلوب يجب أن يختفي والى الأبد من مصر، ولا طريق أمام الإخوان إذا أرادوا الشرعية والعلانية، إلا أن يقوموا بحل جماعتهم والتقدم لإنشاء حزب سياسي، ويجب على الحكومة أن توافق على منحهم تلك الرخصة القانونية لممارسة حقهم السياسي. وبرأيي، لا يوجد بديل ثالث، سوى ما تسعى إليه الجماعة من محاولات لزرع بذور الفوضى في المجتمع، ظنا منها أنها ستكون الرابح الوحيد من ورائها.
* باحث مصري في الجماعات الإسلامية