من أرشيف عبد الرحيم علي
الإخوان المسلمون.. حقائق قديمة ما زالت صالحة لإثارة الدهشة
الشرق الأوسط 7-3-2006
طوال أكثر من ربع قرن، هي عمر البعث الثاني لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، عقب الإفراج عن معظم قادتهم وكوادرهم في منتصف السبعينات من القرن الماضي. حرص خصوم الجماعة على توجيه عدد من الانتقادات الحادة للجماعة، جلها يتعلق بموقف الجماعة التاريخي من قضية العنف. وظلت الجماعة تصدر دفاعاتها حول هذه القضية منطلقة من اتهام مناوئيها بالعداء التاريخي لها من جهة، وعدم جدية معلوماتهم من الجهة الأخرى. وأصرت الجماعة على موقفها الواضح الرافض لقضية العنف كوسيلة للتغيير. ولكن الحقائق القديمة التي تمت إثارتها أخيرا من بعض من تعاطوا مع تلك الجماعة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي كشفت لنا عن وجه آخر مختلف عما رددته الجماعة وقادتها طوال تلك السنوات.
أولى هذه الحقائق ما كشف عنه طلال الأنصاري المتهم الثاني في قضية «الفنية العسكرية»، وهي محاولة الانقلاب الفاشل الذي قام به صالح سرية ومجموعة من الشباب أطلق عليهم تنظيم الفنية العسكرية لأن معظمهم كانوا طلابا في تلك الكلية.
الأنصاري أكد أنه بايع المرشد العام الثاني، حسن الهضيبي، بمنزله في منيل الروضة عام 1973 بحضور الشيخ علي اسماعيل، شقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل ـ الذي تم إعدامه بصحبة سيد قطب في قضية تنظيم 1965 الشهير ـ
يقول الأنصاري: «إنه فوجئ بالمرشد العام يأمره أن يمد يده ـ في نهاية اللقاء، فتصور أنه سيصافحه منهيا اللقاء، ولكنه فوجئ به ـ المرشد – يأمره أن يتلو هذه الكلمات وراءه : أبايعك على السمع والطاعة في اليسر والعسر، وفي المنشط والمكره والله على ما أقول شهيد.
كانت دموع المرشد ـ كما يروي الأنصاري ـ تنهمر في صمت نبيل وقد احتضنه بقوة.. في حين كان الشيخ «علي» يقف متأثرا ودموعه ما تزال تسيل.
ولم تقف مفاجآت الأنصاري عند هذا الحد ولكنه راح يؤكد علم المرشد الثاني، المستشار حسن الهضيبي، بخطة صالح سرية المتضمنة إحداث انقلاب عسكري للوصول الى السلطة، ولكن الأنصاري أوضح أن شروط المرشد والسيدة زينب الغزالي، كانت واضحة، إبعاد الإخوان نهائيا عن الموضوع برمته في حال فشل الانقلاب.
يقول الأنصاري في مذكراته إن صالح سرية قام : «بعرض أفكاره بكل صدق ووضوح على قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد». وإنه أخبرهم بأنه كتب مذكرة من خمسين صفحة للمرشد عرض فيها خطته لإدخال تجديد على فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خيارا أساسيا، وأن المرشد وافق علي مضمون المذكرة».
المضي في مذكرات الأنصاري ـ أحد شهود تلك الفترة المهمة من تاريخ مصرـ يكشف العديد من المفاجآت الأخرى، فالأنصاري يوضح أدوار وجهود الحاجة زينب الغزالي. يقول الأنصاري: «كانت زينب الغزالي حريصة كل الحرص على إخفاء هويتي أمام ضيوفها الكثيرين ـ عند زياراتي المتتالية لها ـ لذا اختارت لي اسما كوديا وهو (عصام)، ولكن عند دخولي هذه المرة الى بيتها، فاجأتني بكشف هويتي لأول مرة أمام ضيف كنت أراه للمرة الأولى أيضا، ولم يقف الأمر عند مجرد التعريف وإنما تعداه الى طلب الإفصاح عن أسرار التنظيم الجديد لهذا الشخص، الذي قدمته لي باسم الدكتور: صالح سرية».
لكن الحاجة زينب الغزالي أنكرت (في شهادتها أمام المحكمة) أي علاقة لها بالأنصاري، وأكدت أنها تعرفت عليه عن طريق الشيخ علي عبده إسماعيل وعندما علمت ميله للعنف نصحته بالتعمق في دراسته، والابتعاد عن السياسة.
وكانت شهادة زينب الغزالي تلك هي ما اعتمد عليها القضاة في نهاية الجلسات لاستبعاد جماعة الإخوان المسلمين آنذاك من قرار الاتهام.
ويمضي الأنصاري في مذكراته ليكشف حقائق مذهلة تتعلق بكيفية إدارة الإخوان لمعاركهم القضائية مؤكدا أن الجماعة كلفت إبانها الدكتور عبد الله رشوان ـ من أشهر محامي الإخوان ـ بوضع خطة الدفاع التي اعتمدت على محورين، الأول: في الوقائع والموضوع، والثاني: سياسي..
ويضيف: في ما يتعلق بالشق الأول كانت الخطة تعتمد على إنكار التهمة ونفي محاولات الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة في مصر. ويعلق الأنصاري قائلا: «لكن وبعد كل هذه السنوات واشتغالي بالمحاماة، فإنني أرى أن خطة الدفاع هذه لم «تكن موفقة وأنها حملت استخفافا بالمحكمة لأن أي متابع للأحداث أو مطلع على أوراق القضية واعترافات المتهمين، كان لا بد له أن يخرج بتأكيد واضح علي وجود تنظيم، وأنه تحرك بالفعل للقيام بانقلاب.
ونترك مفاجآت طلال الأنصاري جانبا، لندخل الي عالم آخر من المفاجآت، يأتي هذه المرة على لسان اثنين من أبرز رموز التيارات الاسلامية العسكرية في العالم (عبد الله عزام، وأبو مصعب السوري أحد أهم قادة ومنظري الارهاب).
ففي مذكراته التي نشرها تحت عنوان «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية «قال مصطفي الست مريم، الشهير بأبي مصعب السوري: إنه «قبيل مقتل الرئيس السادات بشهرين تقريبا كان الإخوان المسلمون السوريون يتدربون في العراق على أيدي الجيش العراقي، وكانت الحرب التي نمارسها في سورية حرب عصابات لذا ذهبنا إلى مصر للتدريب على حرب العصابات وكانت دورة قصيرة ساعدنا فيها الأخوة هناك كثيرا، بعدها رجعنا إلى عمان وحملنا أنا والفريق الذي معي مسؤولية تطوير الجهاد بالنسبة للجماعة في سوريا».
انتهى كلام أبو مصعب السوري الذي كان يروي تجربته في الجهاد، وهو جالس في كابل، قبل أن تذكر بعض الاخبار أنه تم القبض عليه في منتصف العام الماضي ـ في باكستان ـ من قبل الأميركان.
لم يكن يعلم السوري أن أستاذه عبد الله عزام، الأب الروحي لشباب «الجهاد» او الأصولية العسكرية، سيروي نفس الأقوال تقريبا في مذكراته التي بثها أخيرا موقعه علي شبكة الإنترنت، حيث أكد الشيخ أنه بعد أن غادر المملكة الهاشمية متوجها إلى السعودية، حيث عمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1981. التقاه كمال السنانيري، أحد أهم رجال النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين، ومسؤول ملف التنظيم الدولي آنذاك، في الحرم المكي، حيث كلفه بالذهاب إلى أفغانستان لتمثيل الإخوان هناك، وتنفيذ أجندتهم الرامية إلى استقبال الشباب الوافد من فلسطين ومصر والسعودية والأردن وباقي البلدان العربية والإسلامية، ممن يرغبون في الجهاد، وإعدادهم وشحنهم معنويا وتشجيعهم علي المضي في التجربة. ويضيف عزام أنه وافق على الفور طالبا تطوير دوره ليشمل تشكيل «وحدة انتشار سريعة ومدربة» من هؤلاء الشباب لتصبح اليد الضاربة للجماعة دوليا.
وعندما بدأ عزام تنفيذ خطته في أبريل من عام 1984 لم يكن يعلم أن التنظيم الذي سيضع لبنته الأولي بتكليف من جماعة الإخوان المسلمين، سيتحول الي التنظيم الإرهابي رقم واحد في العالم، وأنه سيقوم طوال نيف وثلاثين عاما بشق صفوف المسلمين وعرقلة نمو بلدانهم نحو الديمقراطية، وسيستعدي عليهم في النهاية العالم أجمع. تلك حقائق قديمة لا تزال صالحة لإثارة دهشتنا جميعا، ولكن قبل تلك الدهشة تحتاج الى ردود واضحة ومقنعة من قادة الجماعة الذين ما زالوا يصرون على أنهم ضد العنف وأن ما يثار حولهم متعلق بتلك القضية ما هي إلا مكائد يقوم بها مناوئوهم بقصد الإضرار بهم، ردود تحترم العقل قبل أن تبرر الفعل أو الفكرة.
وإنا لمنتظرون!
* كاتب وباحث مصري