من أرشيف عبد الرحيم علي
الإخوان المسلمون في مصر .. من هنا نبدأ
الشرق الأوسط 28-11-2005
كشف فوز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، بهذا الكم من مقاعد البرلمان في الجولتين الأولى والثانية، عن دور كبير للتصويت الغاضب للمواطن المصري، احتجاجا على سياسات وإجراءات، سياسية واقتصادية واجتماعية، اتبعها ـ وما زال ـ الحزب الوطني الحاكم، طوال السنوات الثلاثين الماضية، دفعت ـ ولا تزل ـ بالبلاد، الى مزيد من الاختناق والتأزم على كافة المستويات، حتى بات التغيير أمرا لا بد منه، وإن كان البديل «الإخوان المسلمون».
وقد ساعد على اكتمال المفاجأة ـ مفاجأة فوز الإخوان ـ ما قام به رجال الحرس القديم في الحزب الوطني الحاكم من معركة شرسة، ضد مجموعة لجنة السياسات للاستئثار بوضع قوائم مرشحي الحزب، والتي جاءت في مجملها باهتة وقديمة، وغير مقنعة للناخب المصري، الذي يصوت في أغلب الأحيان الى الشخص الذي يحسن تقديم الخدمة له، والذي يتصف بالنزاهة وحسن الخلق، وهو ما أدى الى هزيمة مريرة للحزب الحاكم، امتدت لتطال أحد أكبر معاقله في محافظة المنوفية، حيث مسقط رأس الرئيس، ومعقل أحد أهم قادة الحرس القديم «السيد كمال الشاذلي» أمين تنظيم الحزب.
وإذا أضفنا الى العاملين السابقين، عاملا ثالثا يتعلق بمدى ضعف وترهل أحزاب المعارضة، التي لا تختلف قياداتها الحالية عن قيادات الحرس القديم للحزب الحاكم من حيث حجم التكلس والبهتان السياسي، وضحت الإجابة عن السؤال الكبير، الذي أثير عقب الإعلان عن نتائج الجولتين الأولى والثانية، لماذا حقق الإخوان هذه المفاجأة؟
وعلى الجهة الأخرى، فإن السؤال عن ماذا سيفعل الإخوان، وما هو المطلوب منهم؟ ـ في اعتقادي ـ لا يقل أهمية عن سابقه. السؤال مزدوج ـ نعم ـ لأن الإخوان يملكون خطابا مزدوجا أحدهما سياسي في مواجهة القوى السياسية، والجمهور وأجهزة الإعلام، والآخر دعوي عقائدي لا يتم تداوله سوى في أروقة الجماعة الداخلية، وهو ما يطلقون عليه خطاب التربية.
الأول ـ السياسي ـ يتعهدون فيه للأقباط بحقوق المواطنة الكاملة، ويعلنون تمسكهم بالتعددية وحرية الفكر والرأي والتعبير، ويؤكدون إيمانهم بحقوق المرأة ومكاسبها، ويبشرون بتقبلهم للفن الجيد الجاد، ويتركون فيه الحديث لرجال ذوي قبول شعبي وإعلامي كبير أمثال الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، عضو مكتب إرشاد الجماعة، والدكتور عصام العريان، عضو مجلس الشورى العام بها.
وبرأيي ـ فإن مثل هذه الوعود «السياسية» البراقة لا تحمل ترجمة أمينة لأفكار الإخوان.
فخطابهم الثاني ـ الدعوي ـ يؤكد على المرجعية الدينية
الإسلامية ـ كما يفهمونها هم ـ للدولة المصرية في كل شيء، كما أن الدولة المدنية من وجهة نظرهم تنحصر وظيفتها في إقامة الشريعة وتنفيذ الحدود، والأمة ـ التي هي مصدر السلطات كما يقولون، في برنامجهم الأخير ـ ليس لها وظيفة سوى القيام بهاتين المهمتين. ولا تقتصر الرؤية الإخوانية على تقديم مفاهيم عامة، كتلك المتعلقة بمفهومهم للدولة المدنية، وإنما يمتد الأمر لتفصيلات أكثر عمقا تخص الأقباط والمرأة والفن.
ففي العدد رقم 56 من مجلة «الدعوة» ـ لسان حال الجماعة ـ يصدر الإخوان فتوى خاصة ببناء الكنائس في ديار الإسلام، يؤكد فيها مفتيهم الشيخ محمد عبد الله الخطيب ـ عضو مكتب الإرشاد الحالي للجماعة ـ على أن حكم بناء تلك الأشياء ـ واللفظ من عنده ـ يأتي على ثلاثة أقسام:
«الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها، كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان، وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة، والثاني ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر، والقسطنطينية بتركيا فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها، وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والقسم الثالث ما فتح صلحا بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع على ما هو عليه وقت الفتح، ومنع بناء أو إعادة ما هدم منها.. وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في الإسلام».
ولا تتوقف قنابل الجماعة عند هذا الحد، ففي نفس المجلة ـ لسان حالهم ـ يعتبر البيت مكانا طبيعيا للمرأة، حيث لا يجوز لها ـ في ديار الإسلام ـ تولي أية مناصب رئيسية، رئاسة كانت أو وزارة أو إدارة لمختلف المصالح الحكومية.
وختان الإناث ضرورة لتقليل شهوتهن، ووقاية لشرف المؤمنة، وحفظا لعرضها وعفافها، أما تحديد النسل فمثله مثل حركة تحرير المرأة، بدع مستحدثة وبواعثها صليبية، يحمل لواءها عبيد الاستعمار، والترزي الذي يشتغل في عمل الملابس القصيرة، ويعرف أن المرأة سوف ترتديها خارج بيتها، شريك في الإثم.
ولا يخلص الفن من رؤية الجماعة، فسماع الموسيقي يقوي نوازع الهوى، وصوت المرأة عورة، خاصة إذا جاء مغنيا. إلى آخر تلك الفتاوى الموقعة باسم الجماعة ومفتيها.
وبعد.. ما هو المطلوب من الجماعة إن أرادت طمأنة المواطنين البسطاء من أمثالي قبل القوى السياسية الحاكمة والمعارضة. وبرأيي فإن البداية الحقيقة تتمثل في صياغة خطاب جديد، يعبر عن عقد اجتماعي جديد بين الجماعة والمجتمع بكل فئاته، تنفي فيه ـ ليس على لسان عبد المنعم أبوالفتوح أو عصام العريان (مع تقديري الشخصي والأخوي لهما)، ولكن على لسان كل من: السيد مهدي عاكف، والشيخ عبد الله الخطيب، والدكتور محمد حبيب، والدكتور محمود عزت، والمهندس خيرت الشاطر، باعتبارهم القادة المسؤولين عن القرار الفعلي والتوجيهي داخل الجماعة ـ أنها ستتخذ من وجودها في المجلس القادم، وسيلة تسعى بها لوضع هذه الأفكار موضع التنفيذ.
وبرأيي أيضا، فإن أي حديث في غير هذه القضايا، أو منسوب لغير هؤلاء الذين ذكرناهم آنفا، هو ضرب من ضروب المراوغة غير المقبولة من جماعة بحجم جماعة الإخوان المسلمين، في بلد بحجم مصر، في مرحلة خطيرة كالتي تعيشها البلاد والمنطقة العربية بشكل عام الآن، وإنا لمنتظرون!
* صحافي مصري
مهتم بالجماعات الإسلامية