من أرشيف عبد الرحيم علي
تفجيرات شرم الشيخ: مرحلة جديدة تبدأ في مصر
الشرق الأوسط الثلاثـاء 19 جمـادى الثانى 1426 هـ 26 يوليو 2005 العدد 9737
تساءل عدد من المتابعين للشأن المصرى عقب التفجيرات المأساوية الأخيرة التي شهدها منتجع شرم الشيخ السياحي، وراح ضحيتها ما يقرب من ثمانين قتيلا بينهم خمسون على الأقل من المصريين. هل يمكن أن يكون تنظيم القاعدة هو الذي يقف خلف تلك التفجيرات، وما الذي يعنيه ذلك، ولماذا اختارت المجموعة المنفذة منطقة شرم الشيخ بالذات لتكون مسرحا لعملياتها الدموية، وما الذي يمكن أن تحدثه هذه التفجيرات من تغييرات على السياسة المصرية في مواجهة هذه العمليات من جهة، وفي مواجهة تيار الإسلام السياسي بشكل عام من جهة أخرى.
وبداية نود أن نقرر أن أصابع تنظيم القاعدة تظهر بوضوح خلف تلك التفجيرات، بل نزيد ونعلن أن هذه التفجيرات لم تكن أولى عمليات تنظيم القاعدة على الأراضي المصرية، فقد بدأ التنظيم عملياته في أكتوبر من العام الماضي عندما استهدفت واحدة من خلاياه منتجع طابا السياحي وقتل آنذاك أربعة وثلاثون سائحا معظمهم من الإسرائيليين.
في ذلك الوقت كان جميع المراقبين يدركون أن تنظيم القاعدة نجح في اختراق الساحة المصرية، واستطاع تجنيد وتشكيل عدد من خلاياه فوق هذه البقعة من أرض مصر. كان التنظيم قد أستغل عددا من المزايا الخاصة التي جعلت منطقة سيناء بشقيها الجنوبي والشمالي تربة نموذجية لاختراق مصر. فالمنطقة تتمتع بوجود هذا الكم الهائل من السياح الأجانب الذي يفرض ضرورة توفير أكبر قدر من حرية الحركة بعيدا عن الترتيبات الأمنية الخانقة التي تستفز السياح في الأغلب الأعم من الحالات، إذا أضفنا الى هذا العامل أن المنطقة تعج بعصابات الجريمة المنظمة، من تجار السلاح إلى تجار المخدرات، عرفنا لماذا اختارت القاعدة أن تكون سيناء هي المنطقة التي يتم من خلالها اختراق الساحة المصرية.
فهنا قد تسهل عمليات شراء المتفجرات وضمان تقديم الدعم اللوجستي المدفوع الأجر، وهو ما حدث بالفعل في حادث طابا، حيث تم الكشف عن عدد من الأفراد قدموا تسهيلات لوجستية مدفوعة الأجر للمجموعة التي قامت بتنفيذ العملية.
لم تكن تلك الأسباب ـ بالطبع ـ فقط هي الدافع وراء اختيار منطقة سيناء كنقطة اختراق من قبل تنظيم القاعدة للساحة المصرية، وإنما برز عامل سهولة الاتصال بالعناصر المجندة، ونقل التكليفات والأموال إليها كعامل حاسم ضمن عوامل اختيار التنظيم لسيناء.
فالمنطقة تعج بالسياح من كل الجنسيات والدخول وسط هؤلاء، خاصة السائحين الروس والبريطانيين والهولنديين والإسبان ـ حيث تجند القاعدة عددا غير قليل من أهل هذه البلدان الأصليين من المسلمين لعضوية التنظيم ـ ليس صعبا، الأمر الذي يسهل من عمليات الاتصال وتبليغ التكليفات.
ولكن لماذا مصر، السؤال مشروع ولكننا لن نتحدث هنا عما أعلنه قادة التنظيم وفي مقدمتهم المصري أيمن الظواهري من اتهامات للنظام المصري بالعمالة للأميركان، والعمل معهم كرأس حربة في المنطقة لمطاردة ما أطلق عليهم «المجاهدين»، ولكننا سنعود قليلا إلى الوراء عندما حدد أيمن الظواهرى أعداء القاعدة وحصرهم في حلف كبير ضم بجانب الأميركان والأوروبيين، عددا من الأنظمة العربية والإسلامية كان في مقدمتهم النظامان المصري والسعودي.
لقد قرر الظواهرى آنذاك مواجهة هذا الحلف «غير الموجود سوى في مخيلته»، بالتضأمن بين كافة التنظيمات الإسلامية الجهادية المنتشرة في أنحاء العالم. وعندما بدأ في فبراير عام 1998بتشكيل الجبهة العالمية لقتال اليهود والأميركان، كان واضحا إصرار الظواهري على جر الجماعة الإسلامية المصرية معه في هذا الحلف عن طريق أميرها العام آنذاك «رفاعي طه». ولكن الجماعة الإسلامية وقادتها التاريخيين كانوا قد قرروا منذ يوليو 1997أن يندرجوا في إطار مبادرة لوقف العنف، الأمر الذي أجبر «طه» على الإعلان عن خروج الجماعة من الجبهة.
مما أفشل مخططات بن لادن والظواهري في إيجاد موطئ قدم لهم في مصر، الأمر الذي دفع الظواهري إلى التخطيط لاختراق الساحة المصرية على النحو الذي أشرنا إليه. وهو ما يفسر عدم وجود القاعدة في وادي النيل أو الدلتا.
ولكن إلى أي حد توجد القاعدة في منطقة سيناء، المتمعن في التفجيرات الأخيرة والمسافة الزمنية بين التفجيرين يدرك أن الحد الذي توجد به القاعدة في مصر كالحد الذي توجد به في أوروبا، نظرا لما بين حادثي تفجير مدريد ولندن من مسافة زمنية.
ولكن الفرق في الحالتين هو الحضّانة التي تعيش فيها أفكار القاعدة، فهي في أوروبا تعيش بعيدا عن أرضها الطبيعية بينما في مصر تعيش في تربتها ووسط أجواء ربما تساعدها على النمو والتكاثر، وهو ما يلقي على الحكومة المصرية وبخاصة اجهزة الأمن عبئا كبيرا في المرحلة المقبلة. هذا الأمر يجعلنا نقرر ـ دون أدنى مجافاة للطابع العلمي في التحليل ـ أننا سوف نشهد تغييرات هامة على صعيد الإستراتيجيات الأمنية المتبعة في مصر في مجال مكافحة الإرهاب، تلغي ما شمله قاموس التجارب السابقة في مواجهة الجماعات المحلية المسلحة كالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد. بل لا نذهب بعيدا إذا قررنا اننا ربما نشهد انقلابا في السياسة الأمنية قد يطيح بمرحلة كاملة، بكل ما تحمله من وجوه وخطط لصالح مرحلة جديدة تماما، يرسم ملامحها طبيعة التعامل مع تنظيم مختلف لا يمت بصلة إلى كافة التجارب السابقة لجهاز الأمن المصري في هذا المجال.
* كاتب مصري