من أرشيف عبد الرحيم علي
محمد حبيب.. المغامر الرجل الحديدي داخل الإخوان المسلمين في مصر
الشرق الأوسط 10-6-2005
القاهرة: عبد الرحيم علي
ملأت مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر الاسماع والابصار خلال الايام القليلة الماضية، وكان لافتا الحضور الإعلامي المكثف للدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للجماعة والمحرك الرئيسي للأحداث داخلها. فحبيب ـ الذي يوصف بالرجل الحديدي داخل الجماعة ـ يتمتع بروح المغامرة ويميل إلى فرض الأمر الواقع، فهو أول من اعترف في محضر تحقيق رسمي 2002 بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، مشددا على وجود مقر للجماعة ومرشد عام ومكتب إرشاد يدير العمل اليومي بها، في مغامرة قال عنها فيما بعد أنها كانت محسوبة، لفرض وجود الجماعة عبر أوراق الدولة الرسمية التي لا تعترف بوجود الجماعة. يقول المقربون من حبيب أنه «واجهة تحكم» لصالح الحرس القديم الذي فشل في الوصول إلى مقعد المرشد العام بعد وفاة مأمون الهضيبى. (لا يعتبر المرشد الحالي مهدي عاكف من الحرس القديم من الناحية الفكرية فهو صاحب فكرة انشاء حزب الوسط الاسلامي المعتدل، الذي يدعو الى انخراط الاخوان المسلمين في العمل السياسي الشرعي، والقبول بالدولة المدنية، والقبول بولاية الاقباط، والانتخابات والتعددية السياسية). فيما يقول حبيب انه ينفذ قرارات مكتب الإرشاد ـ أغلبه من الحرس القديم ـ باعتباره الهيئة العليا صاحبة القرار داخل الجماعة.
ولد الدكتور محمد السيد أحمد حبيب، النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر في التاسع من مارس (آذار) 1943 بمدينة دمياط شمال الدلتا بمصر، وتخرج في كلية العلوم جامعة أسيوط 1965، ثم عمل معيدا بها ثم مدرسا فأستاذا مساعدا فأستاذا متفرغا بقسم الجيولوجيا بالكلية 1988. ولاحقا سافر حبيب إلى الولايات المتحدة 1978، حيث درس علم (الاستشعار عن بُعد) وتطبيقاته، خاصة في مجال الثروة المعدنية، ثم حصل على درجة أستاذ مساعد 1979، ثم درجة أستاذ 1988. انخرط حبيب في بداية السبعينات في جماعة «أنصار السنة» احدى الجماعات الإسلامية ذات الأفكار السلفية المتشددة، وكان ضمن مجموعة الـ1536 شخصا الذين اعتقلهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات في 2 سبتمبر (ايلول) 1981، وأُفرج عنهم في 27 يناير (كانون الثانى) 1982. وكان قد فُصل من الجامعة بقرار من السادات في 5 سبتمبر (ايلول) 1981، ولكنه عاد إليها مرة أخرى بحكم قضائي في أكتوبر (تشرين الاول) سنة 1982.
وفي نهاية السبعينات انضم حبيب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وربما لهذا ظل يعيش ما يمكن تسميته «عقدة حداثة العهد بالجماعة»، وذلك رغم كبر سنه الذي يوازي أعمار «مجموعة 65» النافذة داخل الجماعة، وربما لهذا ايضا سعى منذ اللحظة الأولى لكسب ود هذا الفريق ليعوض حداثة انتمائه للجماعة. و«مجموعة 65» عبارة عن مجموعة من الناشطين الاسلاميين الذين اعتقلوا مع سيد قطب بسبب افكارهم المتطرفة، اضافة الى ناشطين آخرين لم يسجنوا خلال هذه الفترة غير ان افكارهم تأثرت بمجمل افكار قطب المتشددة. في 1983 اختار عمر التلمسانى، المرشد الثالث للاخوان (1976 ـ 1986) حبيب ممثلا عن الوجه القبلي في مكتب إرشاد مصر (الذي قام باختيار التلمساني ردا على تشكيل مصطفى مشهور قبلها بشهور لمكتب الإرشاد الدولي للجماعة) فقد كان التلمساني لا يؤمن كثيرا بقضية التنظيم الدولي. وقد انتُخِب حبيب لأول مرة رئيسا لمجلس إدارة نادي أعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط عام 1985، وكان أول نادي هيئة تدريس يفوز به الإخوان، واستمر حبيب رئيسا لهذا المجلس لثلاث دورات في الفترة من 1985 إلى 1997، كما انتُخب عضوا بمجلس الشعب المصري لدورة واحدة من عام 1987 إلى 1990، وانتُخب عضوًا بمجلس نقابة العلميين كذلك سنة 1994 . في 1987 تحالف الإخوان مع حزب العمل للدخول بقوائم مشتركة إلى الانتخابات البرلمانية، كانت المفاجأة رفض حبيب أن يأتي تاليا في القائمة لمواطن مسيحي (كان حزب العمل قد أصر على وضع جمال أسعد على رأس القائمة في الدائرة الأولى بأسيوط). يقول جمال أسعد «ان حبيب لم يكتف برفض وجودي على رأس القائمة على الرغم من شعبيتي وإنما سحب كل الكوادر الإخوانية من القائمة لتقتصر في النهاية على كوادر حزب العمل فقط». ويضيف أسعد: «كانت حجة حبيب أنه لا يجوز أن يأتي مسلم تاليا لمسيحي في قائمة لاختيار منصب من مناصب الولاية العامة». في أول ديسمبر (كانون الاول) 1989 جرت أول انتخابات عامة داخل الجماعة، وانتخب حبيب على اثرها ممثلا في مكتب الإرشاد عن وجه قبلي (وهو ذات المنصب الذي كان قد أختاره له التلمساني 1983). ظل حبيب في هذا الموقع حتى أنتخب فيه مرة أخرى 1995 في ثاني وآخر انتخابات تجرى داخل الإخوان منذ خروجهم من السجون عام 1971. غير ان دور حبيب ظل هامشيا، على الرغم من انضمامه لمكتب إرشاد مصر، حتى دخل السجن 1995 متهما في القضية العسكرية التي عرفت بقضية مجلس شورى الإخوان. وفي 1995 عقد الإخوان لأول مرة اجتماع مجلس الشورى الخاص بهم ـ وسط تحذيرات شديدة بأن الاجتماع لن يمر بخير ـ وبالفعل تم القبض على 85 عضوا بمجلس الشورى وقدموا إلى القضاء العسكري وحكم على عدد منهم بأحكام تتراوح بين خمس إلى ثلاث سنوات، وكان حبيب من بين الذين حكم عليهم بخمس سنوات.
وفي السجن توطدت علاقته بـ«مجموعة 65» وتم «استقطابه إنسانيا» عن طريق اتخاذ قرار بسفر ابنته (التي كانت تعاني من مشكلة كبرى في عينيها) للعلاج في ألمانيا على نفقة التنظيم، الأمر الذي أثار جدلا وقتها في صفوف الجماعة حول ماهية الأشخاص الذين يعالجون في الخارج على نفقة الجماعة. وقد خرج حبيب من السجن وهو من المقربين للحرس القديم، وانضم بعدها مباشرة لمجموعة الهضيبى ـ مشهور التى كانت تقود الجماعة آنذاك، فتمت مكافأته بإسناد مسؤولية اللجنة السياسية له.
في 2002 تم القبض على حبيب مرة أخرى بتهمة إعادة إحياء تنظيم الجماعة في أسيوط، وفي التحقيقات فجر حبيب مفاجأة أربكت الحكومة آنذاك لمدة أربعة عشر شهرا، فقد اعترف حبيب لأول مرة في تاريخ الجماعة بانضمامه لجماعة الإخوان، مقرا أن الجماعة موجودة ولها مكتب إرشاد مكون من عدد من الأشخاص ذكر أسماءهم جميعا ولها مرشد عام هو مصطفى مشهور ونائب للمرشد هو مأمون الهضيبي ومقرها في منطقة منيل الروضة.
أربكت اعترافات حبيب المحققين، الذين كانوا قد اعتادوا على انكار أعضاء الجماعة المستمر انضمامهم إلى جماعة محظورة تدعى (الإخوان المسلمون). يقول عبد المنعم عبد المقصود محامي الجماعة ان الدكتور حبيب أوقع المحققين في مأزق فإن هم أرادوا حبسه وجب عليهم استدعاء كل من ذكرهم بالاسم، الأمر الذي لم يكن مسموحا به، فلم تكن الدولة ـ حتى ذلك الحين ـ تريد فتح مواجهة واسعة مع الجماعة تصل إلى حد القبض على مرشدها العام، وتقديمه إلى المحاكمة. وأعرب عبد المقصود عن اعتقاده بأن حبيب أقدم على هذا التصرف في محاولة منه لكسر حاجز السرية حول الجماعة لأول مرة منذ تم حظرها 1954. كان هذا التصرف بالطبع مغامرة كبرى من حبيب، لكنها انتهت بأن أفرجت السلطات عنه دون أن تحوله إلى محاكمة. اما وصول حبيب لمنصب نائب المرشد العام فكان غريبا حتى على أوساط الجماعة نفسها فلم يكن حبيب أو مهدي عاكف (مرشد الاخوان حاليا) ضمن المرشحين أصلا. ويقول أحد المقربين من مكتب إرشاد الجماعة ان المعركة كانت قد احتدمت عقب وفاة المرشد العام السادس مأمون الهضيبي بين فريقي الحرس القديم بقيادة الدكتور محمود عزت وخيرت الشاطر ومؤيديهما، وتيار التجديد بقيادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يسانده الدكتور محمد علي بشر وآخرون. وكان عدد أعضاء مكتب الإرشاد في ذلك الوقت ثلاثة عشر عضوا، وعندما رفض الحرس القديم كل محاولات إجراء انتخابات يختار من خلالها المرشد العام، سواء عن طريق جمع مجلس الشورى دفعة واحدة، أو عقده على ثلاث مرات أو استخدام أسلوب الانتخاب الفردي بالتمرير عن طريق لجنة تشكل لهذا الغرض، اقترح عدد من الأعضاء بينهم عبد المنعم أبو الفتوح أن يصوت كل عضو من الثلاثة عشر لثلاثة أشخاص وليس لشخص واحد ثم يتم اختيار الحاصل على نسبة النصف زائد واحد أو الإعادة بين أكثر اثنين في عدد الأصوات، كانت حجة هذا الفريق رفع عدد الأصوات إلى تسعة وثلاثين عضوا إذا تم التصويت من قبل الثلاثة عشر عضوا لثلاثة اشخاص.
يضيف المصدر ـ الذي طلب عدم ذكر اسمه ـ أن ممثلي الحرس القديم صوتوا جميعا لواحد منهم ورموا بقية الصوتين على أكثر الاشخاص بعدا عن النجاح ـ وهما عاكف وحبيب ـ وهو الأمر الذي فعله بالضبط دون تنسيق أو تفكير سابق أنصار تيار التجديد، الأمر الذي أطاح بممثلي التيارين ومنح عاكف وحبيب أعلى الأصوات. الجمت المفاجأة الجميع، وكان لا بد من مخرج، فصوت أنصار تيار التجديد فى الإعادة لمهدي عاكف باعتباره أقل الضررين، بينما صوت انصار الحرس القديم لحبيب حليفهم القديم، الأمر الذي جعل عاكف يفوز بسبعة أصوات مقابل ستة لحبيب. المفاجأة كانت فى محاولة عاكف عقد مصالحة مع الحرس القديم حتى يتسنى له إدارة دفة الجماعة في سلاسة فاختار حبيب نائبا أول له، واختار أحد صقور الحرس القديم (خيرت الشاطر) نائبا ثانيا. ويظل حبيب في النهاية معبرا عن حالة الارتباك التي تسود الجماعة من جهة، وكافة القوى السياسية المصرية ـ بما فيها النظام ـ من جهة أخرى، الأمر الذي يجعله بحكم عوامل عديدة ليس سوى محطة انتقالية في عمر الجماعة، تنتظر الفصل بين التيارين الرئيسين، الحرس القديم، وتيار التجديد، فهل ينجح حبيب في العبور بالجماعة تلك المرحلة، أم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن